منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 03 - 2014, 12:14 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

مقدمة


يُعد القديس موسى الأسود من أشهر الأسماء بين صفوف التائبين، سيرته مُحببّة للجميع ومُحفِّزة للتوبة، وكما كان قويًا في شروره أصبح قويًّا في توبته كذلك. كيف تمّ ترويض إنسان أوغل في الشرور، فيتحول من قاطع طريق إلى واحد من رموز التوبة، وأب من مشاهير قادة الرهبنة في التاريخ، فلقد نال كل من القديسين موسى الأسود والأنبا أرسانيوس شهرة كبيرة بسبب التناقض الواضح ما بين حياة كل منهما في العالم مقارنة بحياتهما في الرهبنة، فتحول الأول من مجرم خطير ورئيس عصابة، إلى راهب وديع وأب رهبنة، بينما تخلّى الثاني عن مجد العالم وحياة الترف، راضيًا بقسوة الصحراء وشظف العيش.

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
والرهبنة حياة توبة، لم يحضر شخص ما إلى الدير لشعوره بالقداسة ويبحث عن مكان يحتفظ فيه بقداسته! بل جاء لكي يحبس ذاته ويبكى على خطاياه، ومن هنا فقد ارتبطت الرهبنة بالتوبة، وكان الآباء يقطعون عشرات الأميال سعيًا وراء كلمة منفعة لأجل خلاص نفوسهم، ومنهم من كان لا يكفّ عن الطلب بدموع إلى كل أحد ليصلى عنه علَّ الرب يتراءف عليه ويغفر له. وهكذا وصلت بهم التوبة الصادقة إلى درجات عالية من النقاوة والقداسة وأهّلتهم لأن يتكلموا مع الله فمًا لأذن بل ويرونه رؤى العين.
ماذا نقول عن الأنبا موسى.. هل نجرؤ ونقول ما قاله الطوباوي يوحنا الدرجي عند زيارته لدير التائبين في منطقة كانوبيس (أبوقير) بالإسكندرية، بعد أن أقام معهم يومين، لقد قال: "لقد طوبت الذين أخطأوا ثم تابوا أكثر من الذين لم يخطئوا ولم يتوبوا" أو ما قاله الشاب الذي يُدعى مقاره والذي كان قد َقتَلَ بطريق الخطأ ثم ترهب وعاش عيشة مقدسة، علق عليها بقوله: "حتى أنني شكرت القتل الذي فعلتُ بغير إرادتي" ويعلق أحد الآباء على قول مقاره هذا بقوله "وما قلتُ هذا ليطيب قلب أحد بالقتل، وإنما لأُشير فقط إلى أن أسبابًا متعددة دفعت الرهبان إلى الرهبنة".
إنما نقول هذا لنؤكد أنه لا توجد خطية تغلب محبة الله.. لقد امتلأ قلب موسى حنوًا بقدر ما امتلأ قديمًا من الغضب، وفاضت عيناه دموعًا مقابل آلاف المآقي التي فجر منها الدمع بسبب جرائمه، وبقدر ما كانت شهوة الانتقام تنهش صدره، الآن يمتلئ هذا الصدر رأفة وغفرانًا للخطاة، فهوذا قفة الرمال التي حملها على ظهره في مشهد لا يُنسى تؤكد حنوه على الخطاة، ومُلهِمة للكثيرين بالتغاضي عن هفوات الآخرين،وعوض البحث عن وسائل التشفّي والانتقام الآن يلتمس الأعذار للمخطئين، فقال قولته المشهورة: (لا تكن قاسي القلب على أخيك، فإننا كثيرا ما تغلبنا الأفكار). وبعد أن كان عدوًا لكل أحد، فقد صار نموذجًا فريدًا في الضيافة ومحبة الغرباء والمؤانسة.
مبارك ذلك اللص الذي انتقل من رتبة اللصوصية إلى رتبة القداسة، وسرق الملكوت ودخل إليه يتبعه مئات الآلاف ممن تأثروا بسيرته وانتهجوا منهجه على مر التاريخ.. وما يزال يشفع في كل خاطئ يطلب التوبة.
ونحن إذ أقدمنا على تدوين سيرته من جديد، فقد لا نضيف شيئًا إليها، فهي القصة الأشهر بين جميع المؤمنين بدءًا من أطفال مدارس الأحد إلى الإكليروس.. ولكننا سنحاول تقديمها بمعالجة جديدة. وستظل سيرته مشجعًا لكثيرين بصلوات قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث وشريكة في الخدمة الرسولية نيافة الأنبا ايسوذورس رئيس الدير ولربنا المجد دائمًا آمين.

مكاريوس
الأسقف العام
عيد استشهاد القديس موسى الأسود
1 يوليو 2006م.
رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:17 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

لقطات من حياته الأولى

سُمي موسى بالأسود لسواد بشرته، ولكنه ليس حبشيًا، وليس من البربر كذلك، إذ كان هؤلاء يهاجمون مصر من جهة ليبيا، ويبدو أن لفظة بربر قد أطلقت على مهاجمي البلاد بشكل عام..
ولكن المرجح أنه من بلاد النوبة في أقصى جنوب مصر، لاسيّما وأنه عبد الشمس والتي كانت عبادتها شائعة في مصر القديمة.
ونعرف أنه كان عبدًا لرئيس قبيلة تعبد النار، غير أنه بسبب كثرة شروره وقسوته طرده سيده خوفًا من أن تسري تلك الطباع بين بقية العبيد. وانتقل موسى للعمل لدى سيد آخر كان رئيسًا لقبيلة تعبد الشمس، والذي لمّا رأى أنه شرير وخطير عاقبه بقسوة فهرب وراح ينتقم من كل سيد وغنى، وتقسّى قلبه بالأكثر. لذلك يقول القديس بولس مخاطبًا العبيد: "أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح" (افسس 6: 5) كما يوصي السادة قائلًا: "أيها السادة قدّموا للعبيد العدل والمساواة عالمين أن لكم أنتم أيضًا سيدًا في السماوات" (كولوسي 4: 1) (1).
ويقول بلاديوس الذي كتب سيرته بين ما كتب من سير الآباء: "إن القليل المعروف عن شبابه ليس فيه ما يُعجب به"، وهو قول مهذب ينمّ عن أدب بلاديوس وشر موسى القديم غير الموصوف، غير أن بعض المصادر أمدتنا ببعض الصور عن حياته السابقة، فيُروى أنه أراد ذات يوم الاقتراب من قطيع أغنام ولكن الراعي أطلق كلابه علي ذلك اللص الذي كان يُسمى "وحش الجبل" أو "الشيطان الأسود" أو "رعب المنطقة" وذلك بسبب الرعب الذي كان ينشره في المناطق التي يحلّ فيها لفترات. ما أن رأى موسى الراعي والقطيع على الجانب الآخر من النهر حتى قفز في المياه وسيفه في فمه، وقيل أنه سبح لمسافة 1700 م.، وما أن لمحه الراعي حتى فرّ هاربًا، فتحول انتقام موسى من الراعي إلى الخراف حيث انتقى أفضل أربعة خراف ليذبحها ويحملها كلها معه عائدًا كما جاء، وعلى الجانب الآخر جلس يأكل أفضل لحمها، ثم قام فباع البقية والجلود ليحصل من ثمنها على الخمر ولم يفق من سكره إلاّ اليوم التالي حين عاد إلى رفقائه.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ولكن أين ومتى ولد؟:

لم يمدنا التاريخ بمعلومات كافية عن هذا الأمر، ولكن بلاديوس يشير إلى أنه عاش خمسة وسبعين عامًا، ونعرف أنه استشهد في الغارة الأولى للبربر على شيهيت والتي حدثت سنة 407 م. فيكون مولده بالتالي سنة 332م. تقريبًا.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
كيف عاد إلى الله:

عندما سأل تلاميذ القديس باخوميوس معلمهم عن السبيل إلى إجراء المعجزات، فأجابهم بأن: "صنع المعجزات موهبة قد تسبب الكبرياء لصاحبها ما لم يكن معها اتضاع يحفظها، ولكنى أريكم طريقًا أفضل لصنع المعجزات وهو الآتي: إن علّمت بخيلًا فضيلة العطاء فقد شفيت يدًا مشلولة، وإن حولت غضوبًا إلى الوداعة فقد أخرجت شيطانًا، وإن أرشدت إنسانًا إلى طريق الخلاص فقد فتحت عيني أعمى، وإن أرجعت خاطئًا عن طريق ضلالته فقد أقمت ميتًا"!!
وهكذا كانت توبة موسى الأسود هي عودة إلى الله.. فلا شك أنه كان فيه شيء صالح.. كان هاتف الخير يهتف في داخله بين آن وآخر.. فلم يكن شريرًا بطبعه، ومن المؤكد أنه لم يولد مجرمًا!! وهو يذكّرنا باللص اليمين والذي لم يكن شريرًا بجملته بدليل أنه عاد وتأثر بالرب المصلوب، في حين جدّف اللص الآخر ورفض الإيمان، ويمكننا بالتالي القول بأن البرّ الذي في موسى ظهر عندما أراد، مثل اللص اليمين: كلاهما كان فتيلة مدخنة فنفخ فيها الرب بروحه القدوس فاشتعلت وصار كل من موسى ومن شابهه في طريقة حياته الأولى مُلهمًا لكثيرين ممن استجابوا لصوت الله وأشرق في قلوبهم النور الإلهي.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
أما موسى فقد قال البعض أنه رأى رؤية جعلته يفكر في مشاركة النساك حياتهم، وبالتالي راح يسأل عن رهبان شهيت، إذ سمع الكثير عن حياتهم وتقواهم ومعجزاتهم، وفي ذات صباح تطلع إلى الشمس التي كان يعبدها وقال: "إن كنتِ أنتِ الإله فعرّفيني، وإن لم تكوني فيا أيها الإله الذي لا أعرفه عرفني ذاتك.." ويذكرنا ذلك بما فعله الملاحون في السفينة التي استقلها يونان إلى ترشيش حين صرخ كل منهم إلى إلهه... ويرد في المخطوطة التي روت سيرته (2). أن إخوة سألوا شيخًا قائلين: [قيل عن أنبا موسى الأسود أنه بينما كان متقلبًا مع أصحابه قطاع الطرق في أفعالهم القبيحة أدركته فكرة صالحة فذهب إلى البرية، فإذا كان هذا من عمل نعمة الله فلماذا لم يتم قبل ذلك الوقت؟] فقال الشيخ: [إن كل فضيلة هي نعمة من الله كما قال الرب "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 5:15) إلا أن نمو النعمة يكمل باختيار إرادة الإنسان، وهي لا توقظ الإنسان إلا عندما يعلم الله أن فكره قد مال إلى الخير، وذلك حفظًا لحرية إرادته، وحينئذ توقظه النعمة، فإذا اختار الخير يكمل فيه عمل النعمة كما حدث لإبراهيم..]
هنا ونقول أن الإنسان الذي انفصل عن الله بإرادته، مستفيدًا بذلك (أو مستغلًا) حريته التي منحه إياها، يلزمه أن تتحد إرادته بالله من جديد حتى يخلص، أما الله فهو يمد يده طوال النهار إلى الشعب المعاند والمقاوم ويتبقى أن يمد الخاطئ يده إلى الله.. "لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي" (أمثال 1: 24)،وفي سفر إشعياء يقول: "بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره" (اش 65: 2) في هذا قال القديس اغسطينوس: "إن الله الذي خلقك بدون إرادتك لا يريد أن يخلصك بدون إرادتك.."
من قبل حب الاستطلاع وكمن هو متعطش لمعرفة الحق والبحث عن الينبوع الحقيقي للراحة، مضى موسى إلى جماعة الرهبان التي سمع عنها في شيهيت متقلدًا سيفه (ومثل الصحافي الذي يحمل كاميرته والكاتب الذي يحمل قلمه والجندي الحامل سلاحه، مضى موسى كلص حاملًا سلاحه).. وتقابل أول ما تقابل مع القديس إيسيذورس قس الإسقيط، وهو تلميذ للقديس مكاريوس، ويبدو أنه كان مسئولًا عن الرهبان الجدد. على أن أكثر ما يميزه من الفضائل هو طول أناته على الخطاة.. فكان بمثابة الطبيب الروحاني للإسقيط.

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وتعجب القديس من منظر موسى المثير للقلق، بل قيل أن الرهبان أنفسهم كانوا يتعاملون مع موسى بحذر في بداية سكناه في الإسقيط، فقد كان -أي موسى- رعب المنطقة كما سبق. سأله القديس مستفسرًا عما يريده من أناس بسطاء يعيشون على الكفاف، ولا يطلبون سوى خلاص نفوسهم، أجاب موسى: "لقد سمعت أنك صالح فأتيت إليك لترشدني كيف أكون صالحًا مثلك"(3) وراح يطلب بإلحاح وخشوع "أريد أن أكون معك، ولو أنني صنعت شرورًا عظيمة".
ويتعجب القديس إيسيذورس كيف اهتدى موسى إلى ذلك المكان.
ولاشك أن شهرة موسى وسمعته كانت قد سبقته إلى البرية منذ زمان.. مما يثير الخوف والاشمئزاز. وعرف القديس إيسيذوروس منه أن أحد الرعاة -وحين سأله عن الحق- أشار عليه بالاتجاه إليه -أي الأنبا إيسيذوروس- ليعرف منه ما يريد، وجاء في سيرته أيضًا أنه سمع عن القديس من أحد المزارعين والذي كان يحصد إلى جواره في الحقل. ومن هنا فقد طلب إلى القديس بإلحاح وصدق أن يعرفه طريق الله، فلما سأله عن ماضيه ومعبوده، أخبره بأنه ماضٍ مفعم بالشرور والجرائم، وأنه إذ تأثر بما سمعه عنه وعن رهبانه تحرك الجنين الروحي في أحشائه، أما عن عبادته فلم يكن يعرف سوى الشمس إلهًا، فهي تنير المسكونة بنورها وبغيابها يحل الظلام، وكذلك القمر والنجوم المليئة بالأسرار!! [وقلت للشمس ذات يوم "أيها الإله الساكن في السماء مهدي الخليقة كلها اهدني إليك الآن وعرفني ما يرضيك". ولما سمعت عنكم جئت لتخبرني وتسأل الله عني لكي لا يغضب منى لأجل شروري وقبائحي ولا يهلكني] قال هذا وصار يبكى بكاءً شديدًا (4).
أما يوحنا كاسيان فقد ذكر في مناظراته أنه لما جدّ الناس في البحث عنه بسبب جرائمه، لجأ إلى أحد المناسك محاولًا الاختباء، ويقول "شينو" أنه تقابل دون شك مع بعض الرهبان الذين حدثوه عن التوبة والدينونة المعدة للخطاة، فابتدأ منذ ذلك الوقت يفكر في التوبة. وربما فكر في مصيره الأبدي، فالتجأ إلى بعض الأديرة ليبدأ رحلة توبة رائعة..
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
من يقبل إلي لا أخرجه خارجًا:

من المعايير التي نضعها للتأكد من مدى صدق التوبة، أن يسأل الشخص ذاته بصدق: هل إذا أُتيحت لي الفرصة من جديد لهذه الخطية فسوف أسقط؟ أم إنني لست متأكدًا؟ أم أنني لن أسقط بنعمة المسيح؟ فالإجابة الأولى تعني أنه لا توجد توبة أصلًا، أما الثانية فتعني أن التوبة ليست كاملة وأما الثالثة فتعني أن التوبة كاملة وصادقة. (حتى لو سقط الشخص بعد ساعات فالمهم مشاعره الآن وهو يقدم التوبة).
أحس القديس إيسيذورس بالصدق في أقوال موسى ونيته، فابتدأ في أن يعظه كثيرًا بما كان يُسلم لجماعة الموعوظين قديمًا قبل اقتبالهم المعمودية، وهم ينتظرونها بشوق كبير، كل ذلك قبله موسى في أسابيع قليلة، لقد كان مثل الأرض العطشى المتشوقة لهذا الزرع والنبع الإلهي، كانت دموعه تروي هذا الزرع المقدس وهكذا زرع الله من خلال فلاح النفوس الجائعة (إيسيذورس) هذه الشجرة المقدسة التي لموسى الأسود.
كانت توبته هي المحراث الذي قلب الأرض وطرد الأحجار والأجسام الصلبة الساكنة لسنين طوال في قلبه، حيث ذُعر من حجمها وشكلها وخطورتها، مثل الورم المستأصل والحصوات المستخرجة من جسم مريض، فاشمأز منها، وإن كان قد شعر بالراحة بالتخلص منها، هذا وقد كان كرهه لماضيه شديدًا، مما دفعه بقوة في توبته ومسيرته.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
عوامل الدفع وعوامل الجذب:

الإنسان العائد إلى الله تعوزه مجموعتان من العوامل، عوامل دفع وعوامل جذب، أما عوامل الدفع فقد تكون تبكيت من شخص ما، أو الخوف من الدينونة أو طاعة مرشد في العودة إلى الله، أو مرارة الخطية، هذه وأمثالها عوامل دفع تدفع الإنسان وتصل به إلى أول الطريق. ليبدأ عندئذ دور المرشدين الروحيين، فيحب الطريق وصاحب الطريق بسببهم، ومثلما حدث مع القديس بولا البسيط الذي دفعته خيانة زوجته إلى البرية الشرقية حيث التقطه القديس أنطونيوس ليجعل منه واحدًا من أشهر آباء الرهبنة الأقباط، هو ذاته الذي حدث مع القديس موسى الذي أمسكه القديس إيسيذورس من يده ليصل إلى الملكوت..
وفي مخطوط تفسير الباراديسوس (تعليق على ما ورد في بستان الرهبان) يرد ما يأتي: قال الإخوة: بكم سبب (الدوافع) تدعو النعمة الإنسان إلى تدبير الرهبنة؟ قال الشيخ: أسباب كثيرة ومختلفة، فمنهم من القراءة مثل الأنبا أنطونيوس وسمعان العمودي، ومنهم من إيقاظ السريرة مثل الأنبا موسى الأسود، ومنهم من سماع الوعظ مثل أنبا سرابيون وأنبا بيسيرين وأمثالهما الذين ردوا كثيرين من اللصوص والزواني بتعليمهم، ومنهم بالمخاوف والأمراض والشدائد مثل أنبا وغريس وفروفيمطس، ومنهم من يدعوه الله من السماء على يد الملائكة كما دعى أرسانيوس. هذا مع بقية الأسباب المختلفة.
بعد أن وعظه القديس أسكنه في قلاية ليصلي ويتأمل ويقرر ما يجب عليه عمله، ثم سلمه لمعلمه وهو القديس مكاريوس الكبير الذي تكلم معه قبل أن يعيده من جديد إلى الأنبا إيسيذورس لكي يعمده ويكمل معه ما قد بدأه.. هناك في ذلك المعمل الروحي (القلاية) قرر موسى باكيًا التخلص من حياة الشر والمجون والتخلي عن اللصوصية.
لم يكن موسى شريرًا بطبعه كما قلت سابقًا، ولكنه انحرف ولاشك أن معاناته الشديدة في بيت سيده، جعلته يصبح عبئًا على ذلك السيد والذي رأى في طرده مكسبًا كبيرًا!!
ولكن طرده من جهة أخرى كان بمثابة تكريس لحياة الجريمة والشر. ومثلما أعثره البعض ودفعه إلى حياة الخطية، اجتذبه البعض الآخر إلى طريق الملكوت، فإن مجرد سيرة رهبان أتقياء في شيهيت يمكن أن تحمل إنسانا على التوبة، إنها نوع من الكرازة بالسيرة.. ومثلها الكرازة بالأقوال، لقد قرر موسى أن يحيا كأولئك الرهبان الذين يحيون بلا همٍّ..
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
كيف يعترف؟

قرر موسى التحول عن حياة الشر ليصبح أشهر تائبي البرية فقدم توبة نقية واعترف أمام الله بخطاياه.. وتبقّى أن يعترف في الكنيسة قدام أبيه الروحي القس ايسيذورس (5).
وعندما ركع قدامه وراح يجاهر بخطاياه في انسحاق شديد، كانت له رغبة صادقة في التخلص مما يثقل كاهله ويعوق مسيرته نحو الله، (والخطية التي لا يُقدم عنها انسحاق بما يوازى قدرها، تعود بقوة أعظم)، هكذا اعترف موسى بخطاياه بطريقة تجمع ما بين الخجل وفضح ذاته، وكل ذلك بعهود داخل دموع غزيرة، ليس ذلك فحسب بل وفي الكنيسة وقدام جميع الحاضرين جاهر بكل جرائمه وخطاياه..
وبينما كان يركع أمام القديس إيسيذورس قس الإسقيط معترفًا، كان الأب الكبير مكاريوس يرى أن كل خطية يعترف بها موسى تمحو جزءًا من اللوح الأسود. الذي ظهر أمامه يمثل خطاياه، حتى إذا انتهى من الاعتراف، صار اللوح أبيضًا كله. وفيما بعد وعندما صار مرشدا موهوبًا لكثيرين، قال من جهة الاعتراف:
+ من يتذكر خطاياه ويقر بها لا يخطئ كثيرا أما الذي لا يتذكر خطاياه ولا يقر بها فإنه يهلك بها.
+ الذي يقر بضعفه موبخا ذاته أمام الله فقد اهتم بتنقية طريقه من الخطيئة.. أما الذي يؤجل ويقول: "دع ذلك لوقته، فإنه يصبح مأوى لكل خبث ومكر.
+ صيانة الإنسان أن يقر بأفكاره ومن يكتمها يثيرها عليه. أما الذي يقر بها فقد طرحها عنه.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
ألم يكن قاتلًا!، بل نعرف أن عدد الذين قتلهم قبل توبته يصل إلى مئة شخص، أليس هو مجرمًا وسارقًا، فكيف يمر الأمر بهدوء دون عقوبة؟ ولماذا لم ينصحه الآباء برد ما سلبه مثلما فعل زكا العشار وغيره، ولقد اشتهر عنه سلبه للقوافل المارة على الطريق وجبروته في الانتقام، لدرجة أن اللصوص انتخبوه بالإجماع رئيسًا عليهم. والإجابة أنه لم يكن هناك شخص بعينه أساء إليه موسى وظلمه أو سلبه، ولكن الإجرام كان منهجًا له في حياته السابقة، كما أن توبته بلا شك تعد مكسبًا كبيرًا في حد ذاتها، إذ توقفت بموجبها سلسلة الجرائم والأذى، كما كان له في نفسه حكم الموت إذ كان متأكدًا أنه سيُقتل إتمامًا للقول الكتابي "أن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يُؤخذون"، بل ويؤكد يوحنا كاسيان أنه كان دائمًا ينتظر الموت قتلًا بسبب ارتكابه هذه الجريمة سابقًا(6).
وبقدر ما شعر بطول أناة الله عليه ولطفه، بقدر ما صار هو ذاته طويل الأناة مترفقًا بالخطاة، كما يقول القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين "لأنه فيما هو تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين أيضًا" (18:2).
_____
الحواشي والمراجع:
(1) كانت عبادة الشمس أقدم وأكثر الديانات شيوعًا في العالم القديم، واعتبر الناس الشمس إلهًا لما رأوا من تأثيرها على المناخ والبيئة، بل ونسبوا لها أصل الوجود. واختلف اسم إله الشمس ما بين مكان وآخر، فعرف بـ(رع) عند الفراعنة، و(بعل) عند الفينيقيين، و(شمش) عند البابليين، وفي قرطاجنة ’سمى (بعل هامان) واتسمت عبادته بالوحشية حيث كانوا يقدمون له الأطفال كذبائح بشرية. وكان يحتفل بالشمس كل أحد (يوم الشمس Sunday) وأما الاحتفالات الكبرى فكانت تقام أثناء الظواهر الشمسية مثل الكسوف، والذي ُأعتبر علامة شؤم. (موسوعة قصة الحضارة. مجلد 5، كتاب 9، ص89).
(2) مخطوطة 496 بالمتحف القبطي، وهي من أهم المصادر لسيرته، اعتمد عليها أكثر الذين كتبوا عن الأنبا موسى، كما يعد تاريخ بلاديوس من أهم المصادر، وكذلك ما ورد عنه في مناظرات يوحنا كاسيان.
(3) وفي مصادر أخرى " لقد سمعت أنك عبد الله الصالح فأتيت إليك ليجعلني إلهك صالحًا ".
(4) قيل أنه كان يعبد النار فلما باعوه صار عبدًا لرئيس قبيلة يعبد الكواكب، وقد قال أنه الآن لا يعبد أحدًا.
(5) هناك ثلاثة مصطلحات في الكتابات النسكية، لفظة شيخ تعنى مدبر روحي، ولفظة قسيس تعنى أب اعتراف، ولفظة أخ تعنى راهب ضمن الشركة الرهبانية، وقد يكون القس مدبرًا والمدبر قسًا.
(6) كاسيان 1، 26، 711،
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:20 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

بداياته في الرهبنة

تخيلوا موسى الأسود -رعب المنطقة كما كان يُطلق عليه- ممسكًا الآن الصليب في يده عوض السيف كسلاح لا يفارقه.. وجالسًا في مسكنة في إحدى زوايا قلايته عوض وقفته فوق القمم شاهرًا سلاحه.. وبدلًا من الضرب بكفيه للانتقام، تمسك هاتان اليدان الدُف لتسبح لحنًا من ألحان الكنيسة.. كيف رآه رهبان الدير في أيامه الأولى؟.. وكيف نظر هو إلى الحياة الرهبانية؟.. وكيف أمكن ترويض هذه الكتلة من الشرور والجفاء إلى ذلك الإنسان الوديع المضياف؟!.
نال موسى الصبغة المقدسة وانتقل من مملكة الشيطان الذي كان يأسره لسنوات عديدة إلى مملكة المسيح الذي سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا.. ولم يكتفِ موسى بصيرورته مسيحيًا بل قرر أن يصير راهبًا أيضًا، وهكذا تحولت البقع التي كانت مأوى للصوص وقطاع الطرق والوحوش (بشرية أم حيوانية) إلى أقدس أماكن في العالم. وبسبب موسى ومن على طقسه من الآباء تحولت شيهيت إلى مزار عالمي يأتي في مرتبته بعد الأماكن المقدسة في أورشليم(1).
طلب موسى من القديس إيسيذورس في خشوع أن يجعله راهبًا، وأراد القديس أن يختبره فقال له: [إننا في ضيقات كثيرة من جهة محاربات الشياطين ولا تستطيع أن تكون معنا، لاسيما من جهة سد احتياجاتنا، إذ ليس لنا راحة على كافة المستويات، والأفضل لك يا ابني أن تذهب إلى مصر (ويقصد المدن والأرياف) لتحيا هناك](2). بل ويرد في سيرته أنه من شدة حرارة توبته وندمه جعل الشيطان الذي كان يرافقه منذ حداثته يعترف بالمسيح مقهورًا وعلنًا (كما قيل).
فإن القديس إيسيذورس عندما ألبسه إسكيم الرهبنة أوصاه قائلًا [أمكث يا ابني في هذه البرية ولا تغادرها لأنه يوم أن تخرج منها تعود إليك كل الشرور، لذلك أقم زمانك كله فيها وأنا أؤمن أن الله سيصنع معك رحمة ونعمة وسيسحق الشيطان تحت قدميك].
وقيل أن الرهبان كانوا يتعجبون من منظره في البداية، فقد كان خبر توبته في حد ذاته حدثًا يشبه الزلزال فكم بالأحرى رهبنته. في هذا يقول يوحنا الدرجي عن التوبة أنها تأتى بالإنسان من [الماخور إلى البرية!]. ولكنهم سريعًا ما وجدوه إنسانًا لطيفًا حلو العشرة مثالًا في الجهاد والالتزام.
وقد تساءل هو نفسه من قبل أن يصبح مثلًا في النسك -في السنوات التي تلت ذلك- كيف سيمكنهم في الدير توفير حاجته من الطعام؟ (فقد كان طعامه ما يعادل خروفًا في اليوم) غير أن الآباء الحاذقين في التدبير الروحي، اتفقوا معًا على اختيار فرع شجرة كبير يزنون له مقداره طعامًا كل يوم، وكان الفرع بالطبع يخف وزنه تدريجيًا وببطء بسبب تبخر الماء منه، حتى أصبح وزنه خلال عدة أشهر خفيفًا جدًا بما يتناسب مع وجبة طعام الراهب.
أمّا عن توفير حاجته من الماء، فإنه لمّا عزم على السكنى عند منطقة "بترا"(3) حسبما أشار عليه القديس مكاريوس - شعر بمشقة المسافة، وتساءل فيما بينه وبين نفسه كيف سيحصل على احتياجه من الماء في ذلك المكان الموحش، فسمع صوتًا يقول له:
"ادخل ولا تهتم بشيء" فتشجع وأقام هناك. وفي ذات مرة زاره بعض الآباء وأراد أن يطبخ لهم قليل من العدس ولكن الماء الذي كان لديه فرغ، ولاحظ الآباء أنه يخرج ويدخل قلقًا، وإذا بسحابة قد غطت المكان وما لبث المطر أن انهمر فملأ أوعيته، لقد كان يصلي قائلًا: "لقد أتيت بي يا الله إلى هذا الموضع، وهوذا ليس لدي الماء اللازم لعبيدك" وهكذا كان الله يهتم به.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ولاشك أنه واجه حروبًا عنيفة في بداية حياته، فكيف يمكنه أن يحبس ذاته في قلاية ضيقة رطبة وهو الذي تعود ألا يصطدم بصره في الصحراء بأي شيء قريب. وكيف كان يطيق الجلوس فيها لساعات هادئًا متأمّلًا صامتًا، مثلما عاش يوحنا المعمدان -وهو رجل الجبال- في زنزانة ضيقة أسفل الأرض في قلعة ماكيروس بالجليل..
مما يجدر ذكره هنا أن الراهب ما لم تكن له عملية بناء داخلية مستمرة، فإنه لا يستطيع الاستمرار في الحياة الرهبانية، وبينما يفنى الخارج فإن الداخل يتجدد يومًا فيومًا.
كما واجه القديس موسى حربًا شعواء في سنواته الرهبانية الأولى من جهة الأفكار والتي كانت تمر في مخيلته مثل شريط يعرض له جرائمه وقبائحه وهو واقف يصلي، فيصاب بالانزعاج وصغر النفس، وعند ذلك كان يطرح نفسه على الأرض ويبكي قدام الله قائلًا قولته الشهيرة:
"يا رب أنت تعرف أني أريد أن أخلص ولكن الأفكار لا تتركني". وقليلًا قليلًا هدأت عنه هذه الحروب. مثل القديس مرقس الترمقي (من جبل برقة في ليبيا) والذي عاش تسعون عامًا لم يرَ فيها وجه إنسان، قال أنه حُورب في الثلاثين الأولى منها بحروب الشهوة دون هوادة إلى أن تحنن عليه الرب.
وفيما بعد وعندما سأله أخ: "ما الذي يُعين الراهب في شدائده التي يقابلها في حياته"؟ فأجابه: ”مكتوبٌ: "إلهنا ملجأنا وقوتنا، وُجِد في الشدائد قويًا جدًا" (مز46: 1)

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
قيل أن أخ سأل أنبا موسى قائلًا: ”ماذا يفعل الإنسان في التجربة التي تأتي عليه والفكر الذي من العدو“؟ فأجابه الشيخ: ”عليه أن يبكي أمام نعمة الله لكي يُعينه، وبسرعة سيجد راحةً إذا قدّم توسلاته بمعرفةٍ، لأنه مكتوب: "الرب معينٌ لي فلا أخاف، ماذا يصنع بي الإنسان"؟! (مز118: 6؛ عب13: 6).
ولأنه اتصف بالعجرفة والكبرياء في حياته السابقة، كان لزامًا على الآباء أن يدربوه قليلًا قليلًا على الاحتمال وقبول الإهانة. لاسيما وأن الشياطين يمكن أن تتلاهى به متى كان مهزومًا من كبريائه. وقد اتبعوا معه بعض التداريب ليكتسب فضيلة الاحتمال، ففي البداية حدث أن انعقد مجمع للآباء في الإسقيط لمناقشة بعض الأمور (ربما المشكلة الأوريجانية) فلما دخل الأنبا موسى مع الداخلين وجلس بينهم حتى بادره أحدهم بالقول: [لماذا يأتي هذا النوبي هكذا ويجلس في وسطنا؟، ألعلّنا في احتياج إلى لصوص؟] فلما سمع ذلك الكلام سكت، وبعدما انتهى المجمع سأله بعضهم إن كان قد غضب أم لا! فقال "الحق أنني اضطربت ولكنى لم أتكلم شيئًا". ولمّا صار مرشدًا للرهبان كان يقول عن المديح والمذمة:
+ تمجيد الناس يولد للإنسان البذخ وتعظم الفكر.
+ حب الإطراء من شأنه أن يطرد المعرفة.
+ على مثال الصدأ الذي يأكل الحديد كذلك يكون مديح الناس الذي يفسد القلب إذا مال إليه. وكما يلتف اللبلوب (نبات اللبلاب) على الكرم فيفسد ثمره كذلك السبح الباطل يفسد نمو الراهب إذا كثر حوله.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
سأل أخوة شيخًا: ”عندما ازدرى بعض الإخوة بأنبا موسى الأسود سألوه قائلين: ’أَما تسجّس قلبك يا أبانا‘؟ فأجابهم: ’لقد تسجّس ولكنني لم أتكلم‘، فما معنى ذلك“؟ قال الشيخ: ”إنّ كمال الرهبان يتكون من جزءين: عدم التسجُّس بحواس الجسد، وعدم التسجُّس بحواس النفس. عدم التسجُّس بالجسد هو عندما يُشتَم الإنسان ويكبح جماح نفسه لأجل الله ولا يتكلم حتى ولو اضطرب، أما عدم التسجُّس بالنفس فيكون عندما تُساء معاملة الإنسان ويُشتَم ومع ذلك لا يغضب في قلبه. وذلك مثل القديس يوحنا القصير، لأنه حدث مرةً عندما كان الإخوة جالسين معه مرَّ عليه رجلٌ وعيَّره ولكنه لم يغضب ولا تغيَّر منظره، فسأله الإخوة: ’أَلم تضطرب في داخل قلبك يا أبانا عندما أُهِنتَ بهذه الطريقة‘؟ فأجابهم: ’لم أضطرب في داخلي، فأنا هادئ في داخلي كما ترونني من الخارج تمامًا‘. وهذا هو عدم التسجُّس الكامل“.
”وأنبا موسى لم يكن قد بلغ حتى هذا الوقت إلى هذه الدرجة من الكمال، وقد اعترف بأنه رغم عدم اضطرابه من الخارج إلاّ أنه كان هناك نزاعٌ في قلبه واحتفظ بصمته ولم يغضب من الخارج، وحتى هذه كانت فضيلة روحية، ولو كان لم يغضب داخليًا أو خارجيًا لكان ذلك أكثر كمالًا“.
”والقديس نيلوس السينائي عمل مقارنةً بين هذين المقدارين من الفضيلة في حالتي المباركين موسى النبي وأخيه هارون: حيث إنّ طقس تغطية الصدر والقلب بالصُدرة الكهنوتية الذي كان يُجريه هارون عند دخوله قدس الأقداس كان يمثل حالة الإنسان الذي رغم غضبه في قلبه فهو يُقمع هذا الغضب بالصراع والصلاة، أما حالة الإنسان الذي ليس في قلبه أي غضب إطلاقًا، لأنه بلغ إلى الكمال بنصرته على الأوجاع والشياطين، فيقارنها القديس نيلوس بما قيل عن موسى النبي، وذلك بقوله: ’قدّم موسى النبي الصدر كذبيحة لأن النفس تسكن في القلب والقلب في الصدر‘“.
”وسليمان الحكيم يقول: "الحكماء يصرفون الغضب" (أمثال 29: 8)، ويقول الكتاب بخصوص هارون: »اصنع ثيابًا مقدسة لهارون أخيك للمجد والبهاء، وتكلِّم جميع حكماء القلوب الذين ملأتُهم روح حكمةٍ أن يصنعوا ثياب هارون لتقديسه ليكهن لي .. صُدرة ورداء و.. إلخ،وتجعل في صُدرة القضاء الأوريم والتُميم (أي الأنوار والكمالات) لتكون على قلب هارون عند دخوله أمام الرب« (خروج 28: 2-4 و30). وهذا يعلِّمنا نحن الرهبان أنه من اللائق لنا أن نغطِّي على غضب القلب بأفكارٍ طيبةٍ متضعةٍ هادئةٍ، وأن لا نسمح للغضب أن يصعد إلى الحنجرة حيث يفضح اللسان نتانة هذا الغضب“.
”كما أن الراهب عليه أن يستأصل الغضب من قلبه، بل ويطلب المغفرة لمن يُغضبه كما فعل الطوباوي موسى النبي عندما احتقرته مريم أخته“(4).
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ولما التزم موسى بالإرشاد الروحي بدأ يرسخ في الحياة النسكية، وقد عاونه في ذلك كثيرًا، كل من القديسين مكاريوس الكبير وإيسيذورس القس، وجدير بالملاحظة هنا أنه على أي شاب يبحث عن حياة رهبانية حقيقية أن يعطي الأولوية في اختيار المكان للمرشد الروحي والهدوء (أي يطمئن إلى وجود هذين العاملين في الموضع الذي سيترهب فيه).
هذا ويرد في مخطوط تفسير الباراديسوس (أي بستان الرهبان) ما يأتي:
سأل أخوة شيخًا: لماذا ُيقاتل المتوحدون أولًا بالأفكار من الشياطين ثم بالتخويف والضرب كما جرى لذلك الرجل الذي حبس نفسه في القبر الذي أخبره عنه يوحنا النبي (الأسيوطى) أن الشياطين ضربوه ضربًا شديدًا.
قال الشيخ: هذا هو طقس تدبير المتوحدين أنهم يتعبون أولًا في الأعمال الجسمانية ثم بحرب الأفكار ثم بالنظر الحسي والخوف والضرب، وحينئذ يصلون إلى نقاوة القلب وقوم آخرون يقاتلونهم الشياطين في أول خروجهم من العالم بالخوف والضرب وهذا يكون للذين تقلبوا في العالم في شرور كثيرة إذ يأتون من الابتداء بحرارة ونشاط في أعمال التوبة، ليعدموهم قوتهم الأولى، كما جرى لأنبا موسى الأسود وكما جرى لهذا الرجل الذي كان في القبور، لأنه لم يكن عرف شيئًا من حرب الأفكار إذ لم يكن ساكن أخوة في مجمع ولا عند إنسان يهديه، فمن أجل ذلك تجاسرت عليه الشياطين وضربوه، وتركه الله في أيديهم لسببين أحدهما لينادى بقوة الله والآخر لتعرف قوة التوبة وندامة النفس كم هي كريمة عند الله، إذ بصبره على عقوبة ثلاثة أيام ’رفع إلى الكمال وهزم شياطين كثيرة.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
اتضاعه ومحبته للتعلم:

تنسكب النعمة والمواهب من أعلى إلى أسفل على المتضعين، وكل إنسان له اشتياق أن يخلص يكون بمثابة "نحلة" نشيطة تجوب الحدائق وتتنقل بين البساتين وتحط على مختلف أنواع الورود والزهور لتجمع من هنا ومن هناك ما تحتاجه، ومثلما يكون هناك شخص عبارة عن تجميع لأخطاء وضعفات الآخرين، فإنه هناك في المقابل من هو تجميع لفضائل الآخرين. لقد كان هذا هو منهج العديد من آباء البرية ومنهم القديس موسى الأسود.
ويرد في سيرة القديس زكريا بن قاريون، أن الأنبا موسى ذهب ليستقي ماءً من البئر فوجده هناك، فوجد زكريا يصليّ وروح الرب مستقرًا عليه مثل حمامة، فقال له يا أبتاه قل لي ماذا أصنع لأخلص؟ ولمّا سمع زكريا ذلك انطرح على وجهه إلى الأرض عند رجليه قائلًا: يا أبي لا تسألني أنا، فأجاب الأنبا موسى: صدقني يا ابني أني رأيت روح الله حالًا عليك ولذلك وجدت نفسي مسوقًا من نعمة الله لكي أسألك، فتناول زكريا قلنصوته ووضعها عند رجليه وداسها، ثم رفعها ووضعها على رأسه وقال: إن لم يصر الراهب هكذا منسحقًا فلن يخلص.
وعند نياحة زكريا قال له أنبا موسى أي الفضائل أعظم يا ابني؟ فأجاب: على ما أراه يا أبتاه ليس شيء أفضل من السكوت، فقال له حقًا يا ابني بالصواب حكمت.
_____
الحواشي والمراجع:
(1) التقليد الرهباني الحبشي يقضي بأن يزور الراهب في أخريات حياته برية شيهيت قبل أن ينطلق إلى القدس.
(2) مخطوطة المتحف القبطي لسيرة القديس موسى.
(3) بترا Petra اسم لموضعين، أولهما: صخرة شيهيت القديمة، وتبعد قليلًا عن دير البرموس الآن، وبالقرب منها كانت توجد بحيرات "البهلس" وهي المنطقة المسماة "كالاموس Kalamus" حيث ينمو نبات الغاب هناك بكثرة، والذي يستخدم كأقلام للكتابة. وثانيهما: صخرة مقاريوس وهي مكان دير أنبا مقار الحالي. وهكذا أطلقت لفظة بترا على منطقة صخرية بالقرب من مستنقع ماء يكثر فيه الغاب.
(4) عن مخطوط سيرة القديس.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:21 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

القديس وحروب الشياطين

شعر الشيطان بخيبة أمل كبيرة بتحول موسى من مملكته إلى حظيرة المسيح، أو بالأحرى أن يعود موسى إلى الله الذي خرج منه أولًا، وعندما يترهب شاب تكون رهبنته بالنسبة لإبليس وكأنها تجرّد لقتاله لاسيّما أمام التقليد الكتابي والآبائي بأن الشياطين تسكن في الأماكن المقفرة(1).
وبالتالي وكرد فعل مضاد يتجرّد الشيطان لقتاله، ولذلك فإن الشياطين تحارب في البراري بضراوة مقَارَنة بحربها في المدن.
فما أن بدأ موسى في جهاداته حتى صار الشيطان يظهر له بشكل مرعب وكأنه يطالب بصديقه ومعاونه القديم، واختار أن يحاربه في عفته مدركًا أنه إذا استماله عن طريق الطهارة فلسوف يستعيده بجملته إلى صفوفه، إذ كان موسى خير معين للشيطان فيما سلف!! ولما لجأ القديس إلى أبيه الروحي قال له:
"لا تحزن هكذا وأنت ما زلت في بداية الصعوبات، إن رياح التجارب ستقلق روحك لمدة طويلة فلا تجزع، وأنت إذا ثابرت على الصوم والصلاة والسهر واحتقار أباطيل هذا الدهر، فسوف تنتصر على شهوات الجسد".
هو نفسه ينصح تلاميذه -فيما بعد- قائلًا: "لا تأمن للجسد إذا رأيت نفسك مستريحا من المحاربات في أي وقت من الأوقات، لأنه من شأن الأوجاع أن تثور فجأة بخداع ومخاتلة عسى أن يتوانى الإنسان عن السهر والتحفظ، وحينئذ يهاجم الأعداء النفس الشقية ويختطفونها لذلك يحذرنا ربنا قائلا: "اسهروا".
وسأله أحد الأخوة قائلًا: ”ما فائدة الأصوام والصلوات التي يمارسها الإنسان“؟ فأجاب قائلًا: ”إنها تجعل النفس تتضع أمام الله، لأنه مكتوب: "اُنظر إلى ذلِّي وتعبي واغفر لي جميع خطاياي" (مز25: 18)، لأنه إذا تذلّلت النفس تجد رحمةً من الله“.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
التعقل في الجهاد:

وإذا بموسى يندفع بكل قوته مجاهدًا ضد الشر وحروب الفكر، إذ رجع إلى قلايته منفردًا وممارسًا أنواعًا كثيرة من إماتة الجسد، وقيل عنه أنه مارس النسك في البداية بغيرة شديدة، فكان لا يأكل سوى الخبز المبلول مرة واحدة عند الغروب، بالرغم الجهد الشاق الذي كان يبذله رغبة منه في إخماد ثورة جسده الذي كان يتمرد عليه كثيرًا، إذ كان يشعر باشتعال الشهوات داخله في يقظته أو الأحلام التي تقلقه، وكلما أراد محاربتها طاردته تلك الأشباح الدنسة.
ثم ذهب إلى أبيه الأنبا إيسيذورس يشكو من هذا الصراع العنيف قائلًا: ”ماذا أفعل يا أبي؟ إنّ الأحلام الشريرة تزعجني فُتيقظ فيَّ كل الميول النجسة، ولاسيما بالليل حيث تصوِّر أمامي ماضيي الرجسُ وكل ألوان الخطية“! فأجابه الأب: ”هذا يحدث لك لأنك لا تهرب من تصوراتك، فواظب على السهر مع الصلاة الكثيرة والصوم، وكن متيقِّظًا وتحكَّم في حواسك، وثق أنك ستنتصر على الشيطان وتتغلَّب على جسدك الثائر“. فقويت عزيمة القديس وعمل بهذه المشورة إذ ألزم نفسه ألاّ يرقد طوال الليل ولا حتى يثني ركبتيه.

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وكان قد مضى إلى البرية الداخلية واتخذ له مغارة حفرها في الصخر على عمق أربعين ذراعًا بالقرب من الماء، واستمر لست سنوات ُيتعب جسده، لا يتناول إلاّ القليل من الخبز عند الغروب، كما أتعب نفسه كثيرًا في عمل اليد فكان يضفر في اليوم الواحد ثلاثين باعًا، بينما لا يستطيع أحد أن يضفر أكثر من خمسة عشر باعًا في اليوم، هكذا أجهد ذاته حتى يبس جسده وضعف.
واستمر لست سنوات يتعب جسده، كما اتعب نفسه كثيرًا في عمل اليد فكان يضفر في اليوم الواحد ثلاثين باعًا، بينما لا يستطيع أحد أن يضفر أكثر من خمسة عشر باعًا في اليوم، هكذا أجهد ذاته حتى يبس جسده وضعف.
وهكذا مارَس الحياة النسكية بغيرة شديدة، إما لتعطشه الشديد لهذا النبع ولتعويض ما فاته، وإما رغبة منه في شغل وقته وإجهاد جسده حتى لا يتمرد عليه متى كان مستريحًا، وإذا بالحرب تشتد عليه جدًا إلى الحد الذي تصغر نفسه معه، وعندئذ مضى إلى أبيه الروحي يشكو له حاله، وكان القديس إيسيذورس يدرك ما يحدث فقال له: "ينبغي عليك الاعتدال في كل شيء حتى في أعمال الحياة النسكية" وأردف قائلًا:
’كُفّ عن الصراع مع الشياطين لأنه توجد حدود للشجاعة حتى في الجهاد النسكي‘. فقال موسى: ’لن أكفّ قبل أن يكفُّوا عن تخيلاتهم‘. فقال له الشيخ: ’باسم يسوع المسيح قد تلاشت أحلامك، والآن تقدّم إلى التناول بثقة‘. كما قال له: ’بدون قوة الروح القدس التي أعطانا الله إياها في المعمودية لتنفيذ وصاياه، والتي تتجدّد فينا دائمًا بالتناول من الجسد والدم الأقدسين لن نتخلّص من الخطايا ولن نستطيع أن نقهر الشياطين، وبالتالي لن نستطيع أن ننمو في الفضيلة‘. ثم قال له: ’لقد تثقّلتَ بهذه الحروب يا موسى حتى لا تتباهى بأنك غلبتَ أوجاع الشهوات‘“.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
”ثم عاد موسى إلى قلايته، وظلّ مواظبًا على التناول والعمل بنصائح أبيه الروحي، وبعد شهرين سأله أبوه عن حاله فعلم منه أنه لمدة شهرين لم يقاسِ من الحروب، وحُسِب أهلًا أن يأخذ سلطانًا على الشياطين حتى إنّ الذباب صار أكثر إزعاجًا له منهم“.
سأل إخوة شيخًا: ”لماذا رغم أنّ الآباء يحثوننا دائمًا على الجهاد لأجل الفضائل والصراع ضد الأوجاع والشياطين، فإنّ أنبا إيسيذورس نصح أنبا موسى الأسود قائلًا: ’كُفّ عن الصراع مع الشياطين لأنه توجد حدود للشجاعة حتى في الجهاد النسكي‘“؟ فأجاب الشيخ: ”لأن موسى كان في البداية يجهل أصول الحياة النسكية، ولأن صحته الجسدية كانت قوية فقد جاهد أكثر من اللازم وظنّ أنه كان يمكنه أن يسود ببطولته على الشياطين بأعماله الكثيرة وحدها وأنه يستطيع أن يبدِّدهم. لذلك لما رأى الشياطين فيه هذا الشعور ظلّت تهاجمه بقسوةٍ أكثر بحروبٍ متتاليةٍ في السرِّ والعلن“.
”ولكن أنبا إيسيذورس أراد أن يرشده إلى الصواب وأن يجعله يكتسب الاتضاع، فقال له: ’بدون قوة الروح القدس..‘ (القول المذكور أعلاه)، فتعلَّم موسى وصارت أفكاره متضعة، وتناول من الأسرار المقدسة، وهُزِمت الشياطين وقلّلت من حروبها ضده، ومنذ ذلك الوقت وجد راحةً وامتلأ معرفةً وسلامًا“.
”إنّ رهبانًا كثيرين قد تصوَّروا أن أوجاعهم تُشفى ونفوسهم تتعافى بواسطة أتعابهم وجهاداتهم وحدها، لذلك هجرتهم النعمة وسقطوا من الحق، لأنه كما أن المريض بالجسد لا يمكنه أن يُشفى بدون طبيب وعقاقير ويكون أكثر تحفُّظًا في أكله أو صومه أثناء فترة العلاج، هكذا أيضًا المريض بأوجاع الخطية فهو بدون المسيح طبيب النفوس وبدون المشاركة في جسده ودمه والقوة الكامنة في وصاياه والاتضاع مثله، لا يمكنه أن يُشفى من أوجاعه ولا ينال شفاءً كاملًا،وعلى ذلك فكل مَنْ يحارب الأوجاع والشياطين بوصايا الرب يُشفى من مرض الأوجاع ويكتسب صحةً لنفسه ويُنقَذ من خبث الشياطين“.
وفي حديث له فيما بعد يقول في رسالة أرسلها إلى أنبا "نومين":
أنى أفضل خلاصك بخوف الله قبل كل شيء طالبا أن يجعلك كاملا بمرضاته حتى لا يكون تعبك باطلا بل يكون مقبولا من الله فتفرح .. لأننا نجد أن إذا ربحت تجارته كثر سروره وكذلك الذي تعلم صناعته إذا ما أتقنها كما ينبغي ازداد فرحه متناسيا التعب الذي أصابه، وذلك لأنه قد أتقن الصنعة التي رغب فيها ومن تزوج امرأة وكانت عفيفة صائنة لنفسها فمن شأنه أن يفرح قلبه. ومن نال شرف الجندية فمن شأنه أن يستهين بالموت في حربه ضد أعداء ملكه وذلك في سبيل مرضاة سيده. وكل واحد من أولئك الناس يفرح إذ ما أدرك الهدف الذي تعب من أجله فإذا كان الأمر هكذا من شئون هذا العالم فكم وكم يكون فرح النفس التي قد بدت في خدمة الله عندما تم خدمتها حسب مرضاة الله؟.
الحق أقول لك إن سرورها يكون عظيم لأنه في ساعة خروجها من الدنيا تلقاها أعمالها وتفرح لها الملائكة إذا أبصروها وقد أقبلت سالمة من سلاطين الظلمة لأن النفس إذا خرجت من جسدها رافقتها الملائكة وحينئذ يلتقي بها أصحاب الظلمة كلهم ويمنعونها عن المسير ملتمسين شيئا لهم فيها. والملائكة وقتئذ ليس من شأنها أن يحاربوا عنها، لكن أعمالها التي عملتها هي التي تحفظها فتستر عنها منهم. فإذا تمت غلبتها بأعمالها تفرح الملائكة حينئذ ويسبحوا الله معها حتى تلاقى الرب بسرور، وفي تلك الساعة تنسى جميع ما انتابها من أتعاب. فسبيلنا أيها الحبيب أن نبذل قصارى جهدنا ونحرص بكل قوتنا في هذا الزمن القصير على أن نصلح أعمالنا وننقيها من كل الشرور عسانا نخلص بنعمة الله من أيدي الشياطين المتحفزين للقائنا إذ إنهم يترصدون لنا ويفتشون أعمالنا أن كان لهم فينا شيء من أعمالهم لأنهم أشرار وليس فيهم رحمة، فطوبى لكل نفس لا يكون لهم فيها مكان فإنها تفرح فرحًا عظيمًا.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
+ وقال أيضا: إن كانت الأتعاب لا تقود إلى الصلاة فعمل المصلى باطلًا.
+ وسأله أخ: ما هي المقارنة بين الجهاد والصلاة؟
قال له الشيخ: من يصلى طالبًا العتق من الخطية لا يجوز أن يكون مهملًا، لأن من أخضع مشيئته يقبله الرب.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
واحتاج موسى إلى تشجيع كثير وإلى إرشاد روحي مكثف لاسيما في البداية، وبهذا الخصوص فإن المرشد الروحي يكون مثل الطبيب الذي يعرف كيف يشخّص المرض ومن ثم كيف يصف الدواء، ولكن الأمر يحتاج إلى صدق وصراحة وطاعة من المريض ذاته، لذلك يشدد آباء الرهبنة على ضرورة التدقيق في اختيار المرشد الروحي لئلا يقع الشخص في يد مريض بدل طبيب. ويقولون أنه في الإرشاد ليس شرطًا أن يكون المرشد من طال عمره وشاب شعره، بل لمن وهبه الله نعمة مثل هذه التي تحلى بها القديس إيسيذورس..
والعجيب أن الأب إيسيذورس قس الإسقيط يأتي في الترتيب في ليتورجيات الكنيسة بعد القديس موسى، بل إننا نحتفل به في الدير وسط احتفالاتنا بتلميذه القديس موسى، إذ لا يُعرف حتى الآن تاريخ نياحته أو تكريس بيعة له، ولا شك أن ذلك مدعاة لفخر القديس أن يختفي لكي يُكرم ابنه وتلميذه، وأن يكون شاغله الأول هو خلاص نفسه، هكذا تبنّى الكثير من الآباء تلاميذهم وأيقظوا الروح القدس داخلهم واكتشفوا مواهبهم، وتبنوها حتى تفوقوا عليهم هم، مثل الأنبا بيجول وتلميذه القديس شنوده رئيس المتوحدين، والأنبا اسحق رئيس دير الأنبا صموئيل وتلاميذه (القديس ميصائيل السائح والأنبا غاليون السائح وغيرهم).
كما لجأ القديس موسى إلى طريقة يُعبّر بها عن محبته للآخرين وبذله لأجلهم ومن جهة أخرى إتعاب جسده، وعوض استخدامه في أذية الآخرين يستثمره في التخفيف عنهم، كان الحصول على الماء أمرًا شاقًا بالنسبة للآباء، إذ يتوجب عليهم السير لمسافات بعيدة تتراوح ما بين ثلاثة إلى ثمانية كيلومترات، وانتهز هو هذه الفرصة ليمر سرًا على قلالي الشيوخ يأخذ جرارهم ليملأها لهم متحملًا في ذلك جهدًا كبيرًا، آملًا أن ذلك أيضًا قد يجعل جسده يتضع فيكف عن التمرد عليه. ولكن الشيطان "عدو الخير" لم يطق هذا الفعل، ففي إحدى المرات ضرب موسى ضربًا موجعًا، ويقال أنه ضربه بعصا غليظة على ظهره، ولم يعرف ما حدث إذ سقط مغشيًا عليه وظل هكذا إلى اليوم التالي حين عثر عليه بعض الإخوة الذين جاءوا ليستقوا ماءً فوجدوه على تلك الحالة السيئة.. وعلم القديس إيسيذورس الذي أمر بحمله إلى الكنيسة حيث استمر يعالجه لمدة تقرب من العام -مما يشبه الانزلاق الغضروفي- قبل أن يستعيد عافيته. وربما اتخذ له منذ ذلك الحين القلاية القريبة من الكنيسة، بعد أن قضى في منطقة "بترا" ست سنوات.
وكما كان عمل المحبة هذا سرًا، فإنه أخفى فضائله، ولما شعر بالكرامة تسعى إليه هرب هو منها كما قال الطوباوي مار اسحق السرياني: [من يسعى إلى الكرامة تهرب منه، ومن هرب منها بمعرفة سعت إليه وأرشدت الناس عنه].
لقد سمع حاكم المنطقة بسيرة موسى الذي كان فيما قبل لصًا وعلم موسى أن الرجل قادم في حاشيته لزيارته، فاختبأ بين أعواد الغاب بعيدًا عن الدير فلما مرَّ الحاكم من قدامه سأله أين يجد موسى الأسود، فسأله وماذا يريد منه فهو رجل عجوز غير مستقيم!! وتحيّر الحاكم من هذا الكلام ولكنه واصل مسيره حتى وصل إلى الدير حيث كان الآباء في انتظاره، وروى لهم ما حدث فاستاءوا وتعجبوا كيف يجرؤ إنسان على وصف الأب العظيم بهذه المذمة، ولما راح يصفه لهم بأنه ضئيل الجسم يرتدي ملابس طويلة وبالية ووجهه أسمر ولحيته بيضاء ونصف رأسه خال من الشعر!! وعندئذ استوعب الآباء الأمر، فقد تقابل الحاكم مع القديس الذي لم يكتفِ بالهروب من المجد الباطل بل ووصف نفسه بهذه المذمة، وهكذا رجع الحاكم متأثرًا جدًا أكثر مما لو وعظه القديس(2).
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وكما أخفى فضائله أخفى بالتالي تدبيره الروحي، فعندما أُعلن في الإسقيط عن صوم لمدة أسبوع (بتدبير من شيوخ الإسقيط لأمر ما) زار القديس موسى رهبان من مصر، فصنع لهم طعامًا مطبوخًا، ولما لاحظ البعض ذلك تذمروا لدى كهنة الإسقيط بأن موسى يكسر تدبير الجبل، ولما كان يوم السبت هو اليوم الذي يجتمع فيه الرهبان لمناقشة قضاياهم وتبادل خبراتهم وتمجيد الله، فقد تناقشوا معه في ذلك، فلما تحققوا الأمر أدركوا أنه تمسك بوصية الله عن المحبة، متجاوزًا لبعض الوقت التدبير المؤقت، كما علموا منه أنه لم يأكل معهم، ولاشك أنه كان يعوض ذلك بصوم أشد في وقت لاحق ذلك في حالة اشتراكه هو في الطعام مع ضيوفه.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وقد سأل بعض الإخوة شيخًا بخصوص أنّ القديس صنع طبيخًا وأكرم زائريه مخالفًا للصوم، ثم قال له الكهنة: "حللتَ وصية الناس وثبّتَّ وصية الله". فقال الشيخ: "لعل إنسانًا كان محتاجًا إلى صلاة وصوم، فنادوا في الأسقيط من أجل صوم أسبوع (ورد في بعض المصادر أنه شخص من الإسكندرية). أما السبب في أنّ أنبا موسى حلَّ هذه الوصية فهو أنه لما كان لصًا كان قد عمل شرورًا كثيرة مع الناس، فصار بعد توبته يهتم بقبول الغرباء ويخدمهم، وكان مجتهدًا أكثر من جميع الآباء في هذه الفضيلة لكي يُرضي بها الله. ولما جاء هؤلاء الإخوة في ذلك الأسبوع زاروا آباء آخرين ولم يصنعوا لهم طبيخًا بسبب الصوم، ولما ذهبوا إلى أنبا موسى قبلهم بفرح ونيّحهم، فأكمل ناموسه في قبول الغرباء الذي به يُرضي الله، وفي نفس الوقت لم يأكل معهم ولم يحلّ قانون الصوم. ولما تذمّر بعض الإخوة وقالوا للكهنة وعدوهم أن يلوموا القديس، ولكنهم لما رأوا عظم تدبيره وتعبه وشقاء جسده، وربما أخبرهم الإخوة الغرباء أنه لم يأكل معهم طبيخًا، تعجّبوا من حُسن إفرازه ومجّدوه جدًا. وهؤلاء الكهنة هم رئيس الدير وقسوس الموضع الذين في أيامهم كان ينزل على القربان شبه نسر ولا يراه أحد غير الكهنة](3).
_____
الحواشي والمراجع:
(1) إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا يجد (متى 12: 43) وتقرأ في سيرة القديس أنطونيوس أنه حالما دخل إلى البرية الجوانية، ثارت الشياطين في وجهه قائلة: "اخرج من ههنا لأنه موضعنا" فأنكر عليهم ذلك بقوله: "أنتم لا موضع لكم".
(2) الأوصاف الواردة هنا للقديس هي التقليد المتوارث الذي ألهم الرسامين لتقديم شكل القديس في أيقوناتهم، مثله مثل بورتريهات العديد من الشهداء والقديسين.
(3) عن سيرته في مخطوط الدار البطريركية.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:23 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

تدبيره الروحي

دخل القديس موسى إلى الحياة الرهبانية بقلب خاشع تملأه الراحة ويشيع فيه الفرح، كمن عثر على بئر الحياة ووجد ضالته المنشودة، ومثل ربان تعب كثيرًا قبلما يصل إلى اليابسة.. جاهد موسى بحرارة تضمن له استمرار جذوتها طاعته لأبيه الروحي، وتمسكه بالرجاء الذي لنا في المسيح.
ولقد كان من السهل على شخص مثله جديد على هذا النوع من الحياة القاسية أن يتراجع متعللًا بالمشقات الكثيرة التي تصادفه وهو ما يزال غضًا في الطريق النسكي، ولكنه كان مثابرًا..لقد أثار عليه عدو الخير حربًا شعواء بخصوص عفته، وفي ذات ليلة تردد على الأب إيسيذورس إحدى عشر مرة الذي كان يشجعه ويعزيه في كل مرة، فيمضى إلى قلايته ثم لا يلبث أن يعود إلى معلمه باكيًا بسبب ثقل الأفكار (وكان يسكن في ذلك الوقت عند الصخرة المسماة بترا)
وفي النهاية أخذه معلمه من يده وأصعده إلى سطح الكنيسة وجعله ينظر جهة الغرب سائلًا إياه عما يرى فرأى شياطين كثيرين بوجوه قبيحة متأهبين للقتال، ثم استدار وجعله ينظر إلى الشرق فرأى ملائكة أكثر منيرين يسبحون الله، وقال له القديس: "إن الذين في الغرب هم أعداؤنا وأما الذين في الشرق فهم معاونونا، أفلا تتشجع!!" ففرح موسى وعاد إلى قلايته مستريحًا(1).
عن ذلك سأل بعض الأخوة شيخًا: ”لماذا لما أتى على أنبا موسى قتال الزنى لم يقدر أن يبقى في قلايته حتى ذهب إلى أنبا إيسيذورس الذي لما أراه الملائكة والشياطين تشجع للقتال وعاد إلى قلايته“؟ فأجاب الشيخ: ”كل إنسان يحاربه شيطان الزنى بقدر قياس تدبيره، فالذي يحاربه الزنى زمانًا طويلًا في أفكاره وهو يجاهد ضدّه بالصلاة والنسك ويغلب الأفكار، فإن الشياطين تحاربه علنًا في حواسه ويصوِّرون له بشرًا وحيوانات تفسق أمامه بجميع القبائح، وأحيانًا تحيط به شياطين كثيرة ويغصبونه على أن يميل إلى وجع الزنى، فإذا اشتدّ هذا القتال على المتوحد في الهدوء فعليه أن يصبر، وبعد أن ينتصر في هذا القتال يضيء في ذهنه النور المقدس كما يقول الآباء وينال نعمة الطهارة. فلأن أنبا موسى كان يرى خيالات الشياطين القبيحة، لذلك كشف له أنبا إيسيذورس منظر الملائكة فنال عزاءً وشجاعةً كثيرةً وعاد إلى قلايته بفرح“(2).
وكإنسان اختبر ذلك يقول فيما بعد محذّرًا من اليأس:
"الذين يريدون أن يقتنوا الصلاح وفيهم خوف الله فإنهم إذا عثروا لا ييأسون بل سرعان ما يقومون من عثرتهم وهم في نشاط واهتمام أكثر بالأعمال الصالحة".
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ماذا تعني القلاية بالنسبة له؟:

لم يكتفِ القديس بالبحث عن مكان هادئ إذ حفر له مغارة في الصخرة، ولكنه أحب سكنى القلاية، رغم صعوبة ذلك عليه وهو الذي اعتاد الحياة الطلقة في الجبال والوهاد.. وأتعجب جدًا من نصيحته لأحد الرهبان الذي ذهب إليه يطلب كلمة منفعة، إذ قال له: [امضِ واجلس في قلايتك والقلاية سوف تعلمك كل شيء..] ولقد درّب الآباء أنفسهم كثيرًا حتى تصبح القلاية بالنسبة للراهب مثل الأم الحنون والمعمل الروحي، وتصبح مع الوقت رغم ضيقها أوسع من الفضاء الخارجي فيحس بالراحة والانطلاق داخلها وليس خارجها.. كما تدرب الآباء على عدم الانسياق للفكر الذي يُملي عليهم الخروج أو الدخول، فإذا ألحّ عليه فكره بالخروج آثر البقاء والعكس صحيح.. ولولا ذلك لأصبح كريشة أو قصبة تحركها الريح.
وتعليقًا على ذلك سأل بعض الرهبان أباهم الروحي قائلين: [كيف ينصح القديس موسى تلميذه بأن يجلس في القلاية وهي تعلمه كل شيء، في حين يوصي الشيوخ أن يتردد الراهب على معلمه ليكشف له أفكاره ويسترشد بالروح القدس من خلاله؟]، فأجاب الأب بأن [هذا لا يتعارض مع تعليم الشيوخ، مثلما كان القديس مكاريوس ينصح الراهب المبتدئ أن يتبع تدبيره الروحي العادي في الأيام الأولى لسكناه في القلاية لفترة حتى يتأقلم مع القلاية ويختار له نظامًا يناسبه].
هو نفسه يقول عن الحياة في سكون [الذي يهرب ويحيا في الوحدة يشبه عنقود عنب ناضج بواسطة الشمس (يقصد التجارب التي تمحّص) وأمّا الذي يمكث بين الناس وأحاديثهم فهو يشبه عنبًا غير ناضج].
وكان يساعد الرهبان الجدد اختبار ذلك، فعندما كان أحد الأخوة في الإسقيط ذاهبًا إلى الحصاد مضى إلى الأنبا موسى الأسود وقال له:
يا أبى: قل لي ماذا أعمل، هل أذهب إلى الحصاد؟ أجاب الأخ: نعم: سأنصت إليك، وإذا أجبتك، هل تقتنع بقولي؟ أجاب الأخ: نعم: سأنصت إليك.
قال الشيخ: إذا كان الأمر كذلك فقم وحرر نفسك من الذهاب إلى الحصاد وهلم أخبر بما تفعله حينئذ رحل الأخ وحصل على حل من إخوته وأصاحبه كما أخبره الشيخ. ثم جاء إليه. فقال الشيخ: "أمضى إلى قلايتك. واحفظ نعمة الروح التي فيك وكل الخبر الجاف والملح مرة واحدة في اليوم، وبعد أن تفعل هذا سوف أخبرك عن أمر آخر تؤديه بعد ذلك" فمضى لأخ وعمل حسب ما أوصاه الشيخ وعاد إليه مرة أخرى، ولما رأى الشيخ انه كان يقول بعمل اليدين أطلعة عل الطريقة المثلى للحياة في القلاية،وذهب لأخ إلى قلايته وسقط على وجهه إلى الأرض وظل يبكى أمام الرب ثلاثة أيام كاملة بلياليها. وحدث بعد هذه الأمور عندما كانت أفكاره تحدثه قائله:"لقد صرت رجلًا مغبوطًا عظيمًا كان يقاطعها واضعًا أمام عينيه عيوبه ونقائصه السابقة ويقول: "وهذه كلها خطاياك. ومره أخرى عندما اعتادت أفكاره أن تقول: "لقد أديت أعمالًا كثيرة بتراخ"، كان يقول أيضًا: "ومع ذلك أؤدي أعمالًا قليلة جدًا لله وهو الذي يسبغ على رحمته". وعندما كان يتغلب على الأرواح بطرق كثيرة هكذا كانت تظهر له في هيئة مخلوقات جسمانية قائلة له: "لقد قهرتنا" فكان يقول: "لماذا؟" فيجيبونه "إذا وضعناك، فنحن نرتفع بواسطتك إلى مكانة عظمى، وإذا رفعناك فنحنن نتضع إليك".

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ومع ذلك فإنه كان مضيافًا من النوع المثالي.. فبينما كان القديس أرسانيوس محبًا للصمت والخلوة كان موسى محبًا للإخوة والغرباء مع حرصه في الكلام وعدم إدانته، كان كل من القديسين أرسانيوس وموسى عمودين هامين في الإسقيط وكانا يمثلان كِلا المنهجين الموجودين الآن في أكثر أديرة الرهبان، أي أن هناك من يتصل بالزائرين ويقوم على راحتهم، باعتبار ذلك عمله.. مثلما هناك من لا يفارق قلايته إلا قليلًا.
ويروى بلاديوس هذه القصة عنهما فيقول:
[أراد أحد الضيوف الغرباء أن يرى القديس أرسانيوس فلمّا جاء إلى الكنيسة طلب من الآباء المسئولين أن يمكّنوه من ذلك، فلمّا أرادوا أن يقدموا له طعامًا أولًا رفض ألاّ يتناول أي طعام قبل أن يرى القديس، ومن ثمّ أرسلوا معه من يدله إلى القلاية لأنها كانت بعيدة جدًا، فلما دخل سلم عليه وصليا وجلس الجميع صامتين، فلما همّ الأخ المرشد بالانصراف ظانًا أنه بذلك يترك الفرصة للضيف في الاسترشاد، طلب الضيف أن ينصرف معه إذ لم يجد دالة له عند الأب أرسانيوس، وفي الطريق طلب إليه أن يمضي به عند الأب موسى الذي كان أولًا لصًا وهناك رحب به القديس وأكرمه وعزّاه.
فقال الأخ للضيف: ها قد أريتك المصري واليوناني فأيهما أرضاك؟ فأجاب وقال: أما أنا فإني أقول إن المصري أرضاني. ولما سمع أحد الرهبان ذلك صلى إلى الله قائلًا: يا رب اكشف لي هذا الأمر، فإن قومًا يهربون من الناس لأجل اسمك وقومًا يقبلونهم من أجل اسمك أيضًا، وألحّ في الصلاة والطلبة حتى تراءت له سفينتان عظيمتان تسيران في لجة البحر، ورأى في إحداهما أنبا أرسانيوس وهو يسير سيرًا هادئًا وروح الله معه، ورأى في الأخرى أنبا موسى وملائكة الله معه يطعمونه شهد العسل].
وفي مخطوط تفسير الباراديسوس (شرح بستان الرهبان) ورد:
سأل بعض الإخوة: لماذا أرسانيوس كان يختار ويحب الهدوء، وما يحب قبول من يأتي إليه، وأنبا موسى مع محبة الهدوء يحب البشر وينيحهم ولماذا تراءى الله لأرسانيوس في المركب، والملائكة تراءت مع أنبا موسى يمشون في مركب آخر يطعمونه شهدًا.
قال الشيخ: أنبا أرسانيوس كان قد خرج خبره لأجل شرف جنسه فإذا أفسح للناس زيارته لما كان يتم له شيء من أمر الهدوء، وأنبا موسى كان لصًا صنع بالناس شرورًا كثيرة فرأى أن بمحبة الغرباء يرضى الله لأجل أنه كان يضيق عليهم فأراد أن ينيحهم في زمان توبته، وأما روح الله فيظهر للمتوحدين الكاملين ومن يستحق ذلك بأشكال مختلفة.
ولكن القديس موسى يفرق بين إكرام الغرباء ومحبة الناس من جهة، وعدم الدالة من جهة أخرى، وهو يظهر في جميع المواقف كيف يميز بين هذه وتلك، أليس هو الذي طلب من القديس مقاريوس أن يدبره بخصوص محبته لحياة السكون والصلاة الدائمة؟ قال له: إن الإخوة لا يدعونني أفعل ذلك (يقصد ترددهم عليه بكثرة) فأجابه القديس: أرى أنك إنسان مرهف ولا تستطيع أن ترفض من يأتي لزيارتك، فإذا أردت أن تحيا في سلام فاذهب إلى البرية الداخلية عند الموضع المسمّى "بترا".
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
محاسبته لنفسه:

لقد جعل موسى شغله الشاغل هو التفكير في خطاياه، ليس كمن هو أسير صغر النفس أو اليأس، وإنما ليدرك على الدوام مقدار محبة الله وطول أناته عليه، وليتعجب كثيرًا كيف كانت حياته السابقة هكذا سوداء وكيف رحمه الله. ولذلك يؤكد كثيرًا على أهمية محاسبة النفس، قال من واقع خبرته الشخصية يحذر من اليأس:
+ اختبر نفسك كل يوم وتأمل في أي المحاربات انتصرت ولا تثق بنفسك بل قل: "الرحمة والعون هما من الله"، لا تظن في نفسك أنك أجدت شيئا من الصلاح إلى آخر نسمة من حياتك.
+ لا تستكبر وتقول "طوباي" لأنك لا يمكنك أن تطمئن من جهة أعدائك.
+ لا تثق بنفسك ما دمت في الجسد حتى تعبر عنك سلاطين الظلمة.
+ الذي يعتقد في نفسه انه بلا عيب فقد حوى في ذاته سائر العيوب.
+ إن لم يضع الإنسان نفسه في مركز خاطئ، فلم تسمع صلاته أمام الرب.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وعن طعامه هو شخصيًا:

قلنا أنه تدرّب على الإقلال من الطعام، حتى صار أكله زهيدًا وحين سأله زكريا تلميذه عن ذلك قائلًا له: "أخبرني يا أبي عن حياة الزهد التي مارستها في شبابك، لكي أمارسها أنا أيضًا؟" فأجابه القديس: "كنت أتناول خبزة واحدة عند المساء، وإذا صُمتُ يومين متتاليين فإنني كنت أتناول خبزتين". ففعل تلميذه هكذا أيضًا.
ولما هاجمته أفكار الزنا، انطلق إلى البرية الجوانية صائمًا لمدة اثنان وأربعين يومًا، دون خبز أو ماء، ودون نوم أو جلوس، ملتمسًا من الرب بدموع أن يخلصه من هذه الحرب حتى حرّره منها فاستراح من قتالها. وهكذا يربط الآباء بين الراحة الجسدية الزائدة (بما فيها النوم والأكل) وحروب الشهوة.
ولما اشتهى ذات يوم أن يأكل سمكًا أو لحمًا فإنه اصطاد ثعبانًا وشواه ووضعه على مائدته، فلما أتاه زائرون وهمّوا بتناول الطعام هتف فيهم ألا يأكلوا من الموضوع على المائدة لأنه (وحش مميت) وفهم الآباء لماذا صنع هكذا، مثلما صنع الأنبا ابرآم أسقف الفيوم حين اشتهى أن يأكل حمامًا فأمر خادمه بأن يعد له ذلك، غير أنه تركه أمامه على المائدة لعدة أيام دون أن يقربه حتى أنتن.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
رسامته قسًا:

وقد شهد القس إيسوزورس لابنه وتلميذه موسى، كما رشحه الآباء بالإجماع كاهنًا مساعدًا له، وكان موسى قد سيم شماسًا مساعدًا للقس ايسيذورس (بعد نياحة الشماس بيشوي الذي كان من القسطنطينية والذي كتب سيرة القديس أرسانيوس). وكانت رسامة موسى في عهد البابا ثيؤفيلس (البطريرك الثالث والعشرون) والذي كان يحب البرية كثيرًا ويزورها سنويًا ليتتلمذ على الآباء هناك. وقيل أنه لمّا بدأ الأب البطريرك يضع عليه يده للرسامة، سمع الحاضرين صوتًا من أعلى قائلًا: أكسيوس. أكسيوس. أكسيوس. (أي مستحق. مستحق. مستحق).
وبعد رسامته ألبسوه الثياب البيضاء، فقال له الأب البطريرك: هوذا قد صرت كلك أبيضًا يا موسى، فرد عليه موسى مداعبًا أيضًا: من الخارج أم من الداخل يا أبانا؟ وأراد أن يختبره أيضًا بلطف -وكأنه يلقي بالبخور في النار لتفوح وتشيع رائحته- فأوعز الأب البطريرك للرهبان أن يطردوه من الهيكل عند دخوله ليختبر احتماله.. فلما جاء انتهروه قائلين: اخرج يا حبشي، فما كان منه إلاّ أن لامَ نفسه قائلًا: حسنًا صنعوا بك يا أسود اللون.. ما أنت بإنسان فكيف تحشر نفسك بين الناس؟
_____
الحواشي والمراجع:
(1) فقال لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم (ملوك ثان 6: 16).
(2) فردوس الآباء- راهب من برية شيهيت.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:25 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

القديس موسى الأسود المدبر الروحي

عجيب أن يصبح هذا الإنسان ليس راهبًا فاضلًا فحسب دائمًا مرشدًا لكثيرين، وقد كتب عنه أنه كان أب ومرشد لعدد خمسمائة راهب، وعوض السبعين لصًا الذين تلمذهم وعلمهم صنوف وألوان الجرائم والموبقات، أصبح عمله أن يأخذ بأيدي المبتدئين من الرهبان ليسلمهم طريق الفضيلة بحكمة وإفراز نادرين، يعكسان اعتداله الشديد في الفكر والعمل.. بل وأنه ترك عند نياحته سبعين تلميذا من الرهبان، وكأنّه يسدد الدين الذي عليه!!
والذي يقرأ أقواله الآن ومواقفه وردود أفعاله يدرك وكأن القديس يحيا حياته وكأنه يعيش مع كل منا في مخدعه وفي خدمته، إنه يذكرنا بالقديس بولس والذي تحول من أعظم مضطِهد إلى أكثر المضطهَدين في الكنيسة "فإنكم سمعتم بسيرتي قبلًا في الديانة اليهودية أني كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها" (غلاطية 1: 13).
ومن الطريف أن يهاجمه أربعة من اللصوص في بدايات حياته الرهبانية حيث كانت قلالي الرهبان المتفرقة في الجبل هدفًا للصوص، مثلما أصبحت الأديرة كلها هدفًا لهجمات البربر فيما بعد، والتي اُستشهد موسى في إحداها.. ولكن موسى يقتاد اللصوص الأربعة مقيدين إذ كانت قوته الجسدية ما تزال فيه، وسلمهم للآباء في الدير ليروا ماذا يصنعون معهم، ولكنهم طلبوا إليه أن يتعامل هو معهم، فأكرمهم كثيرًا وتلاطف معهم، فتأثروا بذلك ولكن غبطتهم ازدادت وكذلك دهشتهم عندما عرفوا أن مضيفهم ما هو إلا موسى اللص الشهير، فتابوا على يديه، وتفيد بعض المصادر أنهم حذوا حذوه في الطريق الرهباني.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
فى التوبة وعدم الإدانة:

يجدر بالذكر أنه انتهج منهج التلطف بالخطاة والتدرج الروحي مع المبتدئين، ويقول ذات مرة "لا تكن قاسي القلب على أخيك لأننا جميعًا قد تغلبنا الأفكار". ولاشك أنه يقول ذلك من واقع خبرته الشخصية مع أبيه القديس ايسيذورس وكلاهما متمثل بسيده الذي قال عنه القديس بولس "لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عبرانيين 2: 18).
كما طبق ذلك عمليًا حين دُعي إلى مجلس تأديب لراهب مخالف، وقد رفض الحضور في البداية، ولما ألح عليه الآباء، فاجأهم بالدخول وهو يحمل على ظهره قفة مثقوبة يجرى منها الرمل من ثقب في أسفلها، فلما استفسر الآباء منه عن مخزى ذلك أجاب أن هذه هي خطاياه قد تركها خلفه حتى لا يراها بينما جاء اليوم ليدين غيره على خطاياه، وقد قيل أن الآباء تأثروا بمسلكه هذا فغفروا للراهب المخطئ إكرامًا للقديس موسى، ولعل الآباء اكتفوا بأن يرى الراهب ما فعله القديس موسى كدرس هام له، لا يقل عن العقوبة.
وكان يقول دائمًا: "إذا تذكر الإنسان خطاياه فإنه لن يقدر أن يدين الآخرين على خطاياهم" ويبدو أن حياة موسى السابقة وما فيها من شرور كانت ماثلة أمام عينيه، ولكن ليس لُتوقعه في اليأس مثلما حاول الشيطان في البداية، وإنما لكي ينسحق أمام الله مستدرًا مراحمه.
في هذا الإطار يقول القديس موسى: "إياك أن تسمع بسقطة أحد إخوتك لئلا تكون قد دنته خفية. وقال كذلك: "خير للإنسان أن يضع نفسه للموت من أن يضع جاره، ولا يدينه في شيء ما".

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
’سئل القديس موسى ذات مرة عما يفعله أحد العمال الذي ’يضرب كثيرًا ويهان من صاحب العمل، فقال القديس: إذا كان العامل تقيًا فليعتذر ويطلب المغفرة، وأردف السائل وماذا بعد ذلك، أجاب القديس لاشيء، لأنه في اللحظة التي يأتي فيها الإنسان بالملامة على نفسه فإنه ينال رحمة من الرب، والأكثر من ذلك هو الحذر من أن يدين الآخرين فهذا هو كمال الفضيلة. ويردف القديس موسى فيقول للسائل مكتوب أنه عندما قتل الرب أبكار المصريين لم يكن هناك بيتًا خاليًا من ميت، ولما استفسر السائل عن مغزى ذلك، فقال: "إن كنا متيقظين لرؤية خطايانا فلن نرى خطايا الآخرين، كما أنه من الحماقة أن يترك الإنسان في بيته ميت ثم يذهب ليبكى على ميت غيره، ثم قال القديس " فانظر إلى خطاياك واقطع اهتمامك بأي إنسان ولا تشي بأحد، ولا تفكر بالشر على إنسان، ولا تصادق النمامين، ولا تسمع بسقطة أخيك".
ويتحدث القديس موسى عن ضرورة أن يموت الإنسان عن قريبه، فهذا معناه أن يهتم الإنسان بخطاياه، دون الاهتمام بخطايا الآخرين، صالحة كانت أم رديئة، وأن لا تؤذِ أحدًا، ولا تفكر بقلبك في خطايا الآخرين، ولا تحتقر من يفعل الشر، ولا تتعاون مع من يفكر بالشر على الآخرين، ولا تفرح بأذية الآخرين، وهذا هو معنى أن يموت الإنسان عن قريبه.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
هكذا نلاحظ كيف أكد الآباء على ضرورة الاهتمام بخطايا الإنسان نفسه لا خطايا الآخرين، ربما لأن أكثر الخطايا انتشارًا هي خطايا الإدانة، وهي خدعة شيطانية لا شك، بها ينشغل الإنسان عن خلاصه. محاولًا إقناع نفسه أنه ليس الخاطئ الوحيد فالكل خطاة ولعله أفضل من كثيرين! وهكذا لخطية الإدانة شقان، الأول: اقتراف خطية إدانة الآخرين، والثاني: ترك الخطايا الشخصية لتتراكم دون تنقيتها والتخلص منها.
يقول القديس موسى في هذا الإطار أيضًا:
"لا تتكلم بشرٍ على أحد، بل بالحري ’قل الله يعرف كل إنسان، ولا’تسر بالحديث الشرير، ولا تسلم إرادتك لمن يدين قريبك، هذا معنى قول الرب "لا تدينوا فلا تدانوا" ولا تجعل في قلبك عداوة لأي إنسان، ولا تبغض من يعادى قريبه ولا تدن عداوته ولا تغضب على أخ يغضب على قريبه، لأن هذا هو السلام الحقيقي أن تشبع نفسك بهذا الفكر: الضيق يستمر لوقت قصير، في حين أن السلام أبدى بنعمة الله الكلمة".
هنا تدرج رائع في تعليم القديس عن عدم الإدانة فهو يرى أنه خطية، ثم أنه يشغلنا عن عيوبنا نحن والتي يجب أن تكون شغلنا الشاغل، ثم يوصي بألاّ ندين الذي يدين!! وألا نغضب ممن يغضب من قريبه!! والخلاصة ألاّ ندين بشكل من الأشكال...
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
كان في الإسقيط شيخ أُصيب بمرضٍ شديد، وكان الإخوة يخدمونه ولكنه لم يجد راحةً في خدمتهم، فقال الشيخ: ”سأذهب إلى مصر (القاهرة الآن) حتى لا أخطئ إلى الأخوة“، فقال له أنبا موسى: ”لا تذهب لأنك ستسقط في الزنى“. فقال الشيخ وهو متكدِّر: ”ها جسدي ميت وأنت تقول لي هذا“؟
ثم ذهب ليُعالَج عند أقربائه، ولما علم الناس أتوا إليه بهدايا كثيرة وأدوية جيدة وتهافتوا على خدمته حتى تحسَّنت صحته، ولكن الشيطان كمُن له في ممرضةٍ شابةٍ كانت تخدمه بإخلاص، وهو كان يستلطفها ثم تطورت علاقته بها حتى أخطأ معها فحبلت. وقالت للناس إنّ الشيخ هو سبب ذلك فلم يصدِّقوها، ولكن الشيخ قال في نفسه: ”أنا هو المذنب، وعليَّ أن أرعى طفلها“.
علم الآباء في شيهيت بالخبر المحزن فقدَّموا صلوات حارة من أجله، واستجاب الله لتوسلاتهم، فشعر الشيخ بالندم وقرر العودة في يوم عيدٍ حتى يكون لاعترافه بخطيئته وقعٌ أكبر، وكان الطفل قد فُطِم، فذهب الشيخ إلى ديره ومعه الطفل ودخل الكنيسة في حضرة جميع الرهبان الذين لما رأوه انفجروا في البكاء. ثم قال لهم الشيخ: ”أَترون هذا الطفل؟ إنه ابن عدم الطاعة. احترسوا، إذًا، يا إخوتي لأنني في شيخوختي فعلتُ هذا، وصلُّوا من أجلي لكي يرحم الله نفسي“. ثم وضعوا عليه قانونًا، ورجع إلى قلايته حيث استرجع أسلوب حياته السابقة.
قال أنبا يوحنا تلميذ الأب يعقوب: ”كان أنبا موسى كثيرًا ما يقول في الإسقيط: ’إذا صنع الراهب مشيئة الرب ولكنه سكن مع أهله حيث يرتمي عليهم، فسيُلقى هو أيضًا بعد الموت معهم‘‘.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
تدبير الفكر:

يعطى القديس منهجًا للمجاهدين فيما يتعلق بالفكر، فيقول: "عندما تستيقظ عند الصباح تذكّر أنك ستعطى الله جوابًا عن كل أعمالك وأنت لا تخطيء أبدًا، بل وتسكن فيك مخافة الله، تذكر دائمًا أنك يومًا ما ستلتقي بالرب وسوف تصنع ما يرضيه، افحص نفسك ههنا واعرف ماذا ينقصك حتى تنجو من الشدة -ساعة الموت- ويبصر أخوتك أعمالك فيمتلئوا غيرة، اختبر نفسك كل يوم وانظر أي الأوجاع غلبت، ولا تثق في ذاتك بل لتعرف أن الرحمة والمعونة هما من عند الله، ولا تظن في نفسك أنك اقتنيت شيئًا من الصلاح حتى آخر نسمة في حياتك،لا تقل في نفسك "من مثلى أنا" لأنك لا يمكن أن تطمئن من جهة أعدائك، ولا تثق في نفسك ما دمت في الجسد إلى أن تعبر من سلاطين الظلمة.
وعن مواجهة الأفكار يقول "ليكن قلبك شجاعًا من جهة الأفكار حتى تخف عنك، أما الذي يخاف منها فهي تسحقه، كذلك الذي يفزع منها هو كمن لا إيمان له بالله، أما الذي يطرح ذاته قدام المسيح بكل قلبه يصير أقوى منها".
وهذا جانب من القوة الروحية القديس موسى، ومن بين الأسباب التي جعلته قويًا في رهبنته وجهاده، ألاّ يتراجع أمام الحروب، فالشيطان مثل وحش رديء من يهرب منه يطارده ومن يجرى وراءه يهرب منه.. حقًا يقول الكتاب "اطبعوا سكاتكم سيوفًا ومناجلكم رماحا ليقل الضعيف بطل أنا" (يوئيل 3: 10). ثم يعود فيحذر من الشبع من النوم، والذي من شأنه أن يولّد الأفكار ويثيرها، في حين أن السهر بمقدار يعين على خلاص النفس، النوم الكثير يولد كثرة الخيالات، والسهر بمعرفة ُيزهر العقل ويجعله مثمرًا، النوم الكثير يجعل الجسم كثيفًا، والسهر بقدر يجعله لطيفًا، من ينام بمعرفة أفضل ممن يسهر في الكلام البطال..
ليلاحظ القارئ كيف يركّز القديس موسى على الاعتدال.."النوم بمعرفة.. والسهر بمقدار"، وهو يؤكد هنا أنه قد وَعَى الدرس جيدًا، حين طلب إليه القديس إيسيذورس أن يتعقل في جهاده، إذ كان مندفعًا في البداية كما أسلفنا، وسنلاحظ أن هذا التدبير قد صار منهجه في الحياة النسكية: يحياه ويسلمه لتلاميذه، إذ من الخطورة أن يجنح الإنسان سواء جهة اليمين أو جهة الشمال، حسنًا قال الآباء أن "الطريق الوسطى خلصت كثيرين".
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ولاشك أنه من أكثر الآباء الذين اختبروا حروب الأفكار وثقلها، وذلك بسبب الرصيد الضخم لديه من الخبرات السلبية والتي كانت تطفو على صفحة عقله بين آن وآخر، لاسيما عندما يتهيأ للصلاة، ولعل أفكار الشهوة من أشد حروب الفكر ضراوة بالنسبة للمجاهد.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:28 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

استشهاده

أيامه الأخيرة:

عاش القديس موسى حياته الجديدة كعربون لحياته مع الله في الملكوت، ولم يكن تفكيره في الموت سوى الرغبة الشديدة في أعماقه لترك الجسد ليكون بجملته مع المسيح، كان تفكيره في خطاياه يردعه عن إتيان الشر، بينما تفكيره في الملكوت فهو لأجل تحفيزه أكثر على الجهاد. في ذلك يقول:
"اعد نفسك للقاء الرب فتعمل حسب مشيئته، افحص نفسك ههنا واعرف ماذا يعوزك فتنجو من الشدة في ساعة الموت، ويبصر إخوتك أعمالك فتأخذهم الغيرة الصالحة".
"إذا قمت كل يوم بالغداة، تذكر أنك سوف تعطى الله جوابًا عن سائر أعمالك فلن تخطئ البتة، بل يسكن خوف الله فيك".
+ "فكر في نار جهنم لكيما تمقت أعمالها، اذكر ملكوت السموات لتتحرك فيك شهوتها". وقال أيضًا:
+ "ذكر الدينونة يولد في الفكر تقوى الله. وقلة خوف الله تضل العقل".
+ "لنقتن لأنفسنا الشوق إلى الله فإن الاشتياق إلى الله إليه يحفظنا من الزنى.."
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
استشهاده

بينما كان القديس موسى في زيارة القديس مقاريوس الكبير مع الآباء: بامو وأوغريس وكرونيوس وثلاثة شيوخ آخرين، قال القديس مكاريوس: إن واحدًا منكم سينال اكليل الشهادة، ويهرق دمه في هذه البرية. وهنا بادر القديس على الفور بقوله، لعله أنا يا أبى لأنه مكتوب أن "الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون"، ثم صلى القديس عليهم وأطلقهم بسلام(1).
بل أن القديس نفسه تنبأ محذرا مرارًا من التهاون قائلًا: ”إن حفظنا وصايا آبائنا أقول لكم باسم الرب إنّ البربر لن يأتوا إلينا هنا، وإن كنا لا نحفظ وصايا الله فإنّ هذا المكان سوف يخرب“.
وبعد ذلك بقليل وفي سنة 407 م. وهو موعد الغارة الأولى على برية شيهيت، كان هو في قلايته ومعه بعض الإخوة، فقال: "ها قد جاء البربر اليوم إلى الإسقيط فقوموا واهربوا، فقالوا له وأنت يا أبانا ألا تهرب؟ فأجابهم قائلًا: منذ زمان وأنا انتظر هذا اليوم حتى يكمل قول المخلص، فأجابوه على الفور: "ونحن أيضًا لن نهرب بل نموت معك" فقال لهم هذا شأنكم أنتم، وليهتم كل منكم بنفسه في الموضع الذي يسكن فيه. ثم هتف فيهم: هوذا البربر يقتربون من الباب!
وهجم البربر بالفعل عليهم وكانوا سبعة من الرهبان فقتلوهم ولكن واحدًا منهم كان خائفًا فهرب واختفى تحت ضفائر الخوص، فأبصر ملائكة نازلون من السماء وبأيديهم أكاليل يضعونها على رؤوس الشهداء، ثم رأى ملاك الرب وهو يحمل إكليلًا بيده وحينئذ خرج وسلم نفسه للبربر الذين قتلوه هو أيضًا، فنال الإكليل من الملاك ولحق بكوكبة الشهداء.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
غزوة البربر على الإسقيط(2):

كان المغيرون على الأديرة يدعون من قبل العرب "برابرة" ولكنهم وردوا في تاريخ الأبوفثجماتا "مازيق" ويرى بلاديوس أنهم كانوا يقطنون جنوب غرب جبل نتريا، كما يشير كاسيان إلى أنهم يحبون الحياة في الصحراء، يعيشون حياة خشنة محبون لسفك الدماء، وقد تقدموا للجانب الغربي من النهر وأسروا كل من وجدوه، ويرد في بعض المصادر أنهم سكنوا في المنطقة الجنوبية الغربية بشكل عام. وقد خربوا ليبيا من جانبها الشرقي وجزءا كبيرا من مصر في القرن الخامس. ويبدو أيضا أنهم سكنوا في منطقتي الواحات الخارجة والداخلة. ومن المحتمل أن يكون المازيق هم الشعب المدعو "ماستيكوس" الذين أرسلت ضدهم حملة في أيام الإمبراطور مور وبعد ذلك ببضعة قرون نجد أن البرابرة ’يدعوا عربًا حيث كانوا يرعبون الحجاج المتجهين إلى وادي هبيب (الإسقيط) وكانوا ينزلون بانتظام من مصر العليا إلى الدلتا بعد وضع جمالهم وجيادهم خارجًا للمرعى. هؤلاء المغيرون ربما كان أحفاد مازيكوس القرن 5م.
ومن ناحية أخرى، كانوا يقطنون في واحة سيوة، وأن مغيري القرن السادس على الإسقيط قد جاءوا على أية حال من الغرب أكثر من الجنوب، لذلك يمكننا أن نفترض أن هؤلاء المغيرين كانوا على أية حال الرعاة الليبيين الذين كانوا يزورون الإسقيط سنويًا وربما قد ازدروا بالرهبان.

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وما يقال عن السنوسيين في القرن العشرين يقال عن البرابرة في الفترة التي نتحدّث عنها، وقد حمل سكان هذه المناطق القاصية في سائر الأوقات نفس السمات، فبمجرد أن تنضب مواردهم الذاتية أو يحدث ارتباك أو ضعف في الحكم على نحو يتيح لهم الفرصة، حتى ُيسرعون بالنزول إلى مصر مستخدمين الواحات المتعددة كنقاط استراحة عبر الصحراء. وهكذا كان الحال في زمن استشهاد القديس موسى، وهكذا حدث مؤخرًا جدًا في أيام محمد على، عندما سجل رحالة إنجليزي أن "بدو الغرب" كانوا مغامرين غير عاديين، ففي إحدى المرات سرقوا ثلثمائة جمل من وأدى النطرون. وهكذا أيضًا في الأيام الأخيرة، دعا الارتباك الناجم عن الحرب الأوروبية السنوسيين إلى الهجوم على مصر سنة 1915 م عن طريق الساحل وعن طريق وأدى النطرون في الشمال وواحة الداخلة والخارجة في الجنوب.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
الغارة الأولى للبربر على شيهيت:

التنبؤ بثلاث غارات: اعتادوا أن يقولوا عن شيخ كبير في الإسقيط أنه كلما كان الإخوة يبنون قلالي في الإسقيط اعتاد أن يخرج. ويضع الأساس. ومع ذلك كان ذات مرة حزينًا جدًا ومتأثرًا عندما خرج للبناء وقال لهم "يا أولادي هذا المكان سيخرب لأنني رأيت نارًا مشتعلة في الإسقيط، ورأيت الإخوة يضربونها بأغصان النخيل حتى انطفأت، لكنها عادت فاندلعت ثانية، والإخوة إطفاؤها. لكنها اندلعت لثالث مرة وملأت كل الإسقيط ولم يستطع أحد إطفاؤها". هكذا تخرب الإسقيط ثلاث مرات خلال النصف الأول من القرن الخامس الميلادي.
كما تنبأ القديس مقاريوس بغارتين: أخبر القديس بغارتين في الإسقيط بالكلمات التالية "وسيكون كذلك حتى الخراب الأول لشيهيت عقب أربعين سنة، لأنهم سيكونون قد أكملوا أوجاعهم. ولكن الملك المسيح سيشفق عليهم ثانية وسيدعهم يعودون وسيعطيهم هذه الشرائع والوصايا. ويطيعون ويتممون نصف الوصايا وسيظلون حتى الخراب الثاني لشيهيت بسبب عظم ترفهم.. ويشفق عليهم الملك المسيح ويدعهم يعودون". ونعلم أن الغارة الأولى على الإسقيط قد حدثت في العقد الأول من القرن الخامس الميلادي، والثانية عقب وصول أرسانيوس بأربعين سنة، والثالثة بعدها بعشر سنوات. ويرد عن كل من القديسين مقاريوس والقديس موسى الأسود نبوءتان عن هذه الغارة،: "لقد اعتاد آبا مقاريوس أن يقول للإخوة بشأن خراب الإسقيط، عندما ترون الأشجار فأعلموا أنه على الأبواب، ولكن عندما ترون الأطفال فخذوا ملوطكم (عباءة من الجلد) وارحلوا. كذلك تنبأ موسى اللص الشهيد الأول في الإسقيط بأن تهاون الرهبان سيجازى بغزو بربري، فقد اعتاد أنبا موسى أن يقول في الإسقيط: إذا حفظنا وصايا آبائنا، فإنني أؤكد لكم في الله أن البربر لن يأتوا هنا، ولكن إن لم نحفظها فإن هذا الموضع سيخرب.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
الغارة الأولى سنة 407 م.: يرى البعض أن الأنبا موسى الأسود استشهد ما بين سنة 391/ 392 وبين سنة 400 م. وبذلك تكون الغارة الأولى سنة 399 م. ولكن هذا التاريخ غير مقبول بسبب أن بلاديوس الذي عاش في القلالي حتى سنة 399م لم يلمح إلى ذلك. وكاسيان الذي كان في الإسقيط في سنة 399م لم يذكر ذلك أبدًا. كما يلمح القديس اغسطينوس إلى ذلك قائلًا في نوفمبر سنة 409 "قتل الأخوة على يد البربر". إذا فقد حدثت الغارة في عهد أركاديوس الإمبراطور (أي ليس متأخرًا عن أول مايو سنة 408م).
خرائب الكنائس الأربع وتشتت الرهبان: وقد تعرض الإسقيط كله للغارة باستثناء أطرافه المترامية، وتفرقت جماعات الإسقيط الأربع لبعض الوقت وتخربت كنائسها وقلاليها. وبهذا كانت الخسائر المادية أقل خطورة، فإن كثيرون من أشهر الرهبان فقدوا كل أمل في العودة إلى الإسقيط، فاستقروا في أماكن أخرى،ونسمع عن ثيؤدور الفرمي أنه "عندما تخرب الإسقيط جاء ليسكن في الفرما" كما سكن الأنبا بيمين والأنبا آنوب مع أخوتهم- والذين كانوا في الإسقيط - اعتكفوا في مكان يدعى ترنوثيس (الطرانة الآن).
عودة الأوضاع في الإسقيط ورجوع الرهبان: رغم أن الخراب كان شاملًا في الإسقيط، إلا أن نبوة مكاريوس تتحدث عن عودة الآباء، وربما بقى آخرون في مخابئهم في الصحراء نفسها. ولكن الإسقيط عندما تعرض لغارة أخرى سنة 434 م كانت الحياة الطبيعية قد عادت إليه.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
في ذلك اليوم (يوم 30 يونيو من سنة 407م) أحدثوا دمارًا هائلًا، فقد هدموا الكنائس الأربعة وقتلوا وسبوا الكثيرين ونهبوا كل ما يمكن نهبه، وترك الرهبان الأديرة على أثر ذلك، وكوّن الآباء تجمعات رهبانية جديدة في القلزم (السويس) والتي عاش فيها القديس يحنس القصير، وأنصنا (ملوي) والتي أقام فيها الأنبا بيشوي، وكذلك منف (بجوار الأهرامات) ونصيبين بالعراق، وصيدا. ويلاحظ أن القديس أرسانيوس لم يتأثر بهذه الغارة لأن مغارته كانت تبعد أكثر من خمسين كيلومترا عن مركز شيهيت. وبعد أن تكررت الغارة سنة 434 م. نشأت فكرة بناء الحصون والقلاع في الأديرة حيث يحتمي فيها الرهبان مع مؤنهم وكنيسة للصلاة.
وهكذا تمت نبوءة القديس مكاريوس، ونال القديس مكانة جعلته بين الصفوف الأولى، وترك سبعين من تلاميذه الذين أثروا الحياة والفكر الرهباني من بعده ولعشرات السنين. وكان استشهاده في اليوم الرابع العشرون من شهر بؤونة(3) عن عمر يناهز الثمانين عامًا قضى منها خمسة وعشرون عامًا قبل رهبنته.
وقد عاش مستعدّا لهذا اليوم، وكأنه يحدث نفسه حين يقول: ”أيها الحبيب، ما دام هناك وقت للرجوع فارجع وتقدّم إلى المسيح بتوبةٍ خالصة، أسرع قبل أن يُغلَق الباب فتبكي بكاءً عظيمًا حتى تحرق دموعك خدّيك بلا منفعة. أسرع واضبط الباب قبل أن يُغلَق، أسرع بالرجوع فإنّ المسيح إلهنا يهوى خلاص جميع الناس وإتيانهم إلى معرفة الحق، إنه ينتظرك وسيقبلك، له المجد إلى الأبد آمين“.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
جسده المقدس ومغارته:

بعدما غادر البربر الدير أخذ الآباء جسد القديس وأجساد من معه من الشهداء، وكفنوه ووضعوه في كنيسة الدير، وتذكر المخطوطة التي تحوى سيرته، أنه بعدما أصبح القديس موسى قسًا بني كنيسة جديدة ُدعيت لاحقًا باسمه، كما أن راهبًا روحيًا أقام بها 40 سنة، ويرى البعض أن مكان الكنيسة هو المكان المعروف الآن بدير الأنبا موسى والذي ظل قائمًا حتى القرن السادس عشر، ومكانه الآن الخرائب الموجودة شرق دير البرموس الحالي، والذي قامت بعثتان فرنسية وهولندية بالتنقيب فيه واكتشاف الدير ومرافقه، حيث استمر العمل لمدة سنوات (مع نهاية صيف كل عام) بدءا من عام 1996 م.
وكان كل من جسد القديس موسى وجسد معلمه القديس إيسيذورس في الدير المذكور، فلما تهدم نقلا إلى دير البرموس الحالي، حيث وضعا ومازالا في مقصورة واحدة. وما تزال تجرى من هذين الجسدين الكثير من العجائب.
بركة صلاتهما فلتكن معنا آمين.
_____
الحواشي والمراجع:
(1) يعترض البعض على إطلاق لقب شهيد عليه، باعتبار أن البربر الذين قتلوه، لم يقتلوه لأجل إيمانه وإنما بغرض السرقة، ولكن القديس موسى كان له نفسه حكم الموت، وكان يعرف أن البربر سيقتلونه إن وجدوه في الدير، وكان بإمكانه أن يهرب مثلما هرب الكثيرون، مثله مثل الذين يقتلون من المسيحيين في مصر على يد الجماعات الإسلامية المتشددة، فإنهم يحسبون شهداء في ضمير الكنيسة بسبب أنهم ماتوا لأنهم مسيحيون.. ويكفينا أن نعرف أن القديس مكاريوس الكبير هو الذي تنبأ له بإكليل الشهادة.
(2) Evelin white, book 2.
(3) تعيد له الكنيسة الكاثوليكية واليونانية والحبشية في الثامن والعشرين من شهر أغسطس.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:32 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

بعض من أقواله

تلك كانت سيرة القديس الأنبا موسى الأسود، والآن نعرض لبعض من أقواله، والفرق بين سير الآباء وأقوالهم: هو أن الأقوال هي التعاليم التي يلقنونها لأولادهم في إرشادهم لهم، والآراء التي يدلون بها في أمر ما، والقوانين التي يسنّونها (مثل قوانين القديسين باخوميوس وباسيليوس وغيرهم..) ومناقشاتهم ومناظراتهم (مثل مناظرات يوحنا كاسيان). وأمّا السيرة فهي ذلك المزيج بين ما يقولونه وما يحيونه، ولا شك أن السلوك والبعد الحياتي يكون أشد تأثيرًا من الكلام فقط. ولكن الآباء كانوا يعملون ويقولون، كان يعمل ملتزمًا الصمت دون أن يتكلّم. فبعضهم كان لا يجيد التعبير عمّا في داخله وبعضهم كان لا يريد التعبير، وفي مديح الآباء للبعض يقولون: الأب العامل العالم!!
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
والآن نورد بعض من أقوال القديس حسبما استطعنا أن نجمع من عدة مصادر.
أقواله (ضمن ردّ على سؤال أرسل به إليه أنبا نومين)
لماذا نحب الفضائل:

لنقتنِ لأنفسنا شوق الله، فإنّ الشوق إليه يحفظنا من الزنى، ولنحب المسكنة لتخلِّصنا من حب الفضة، ولنحب السلام لينقذنا من البغضة، ولنقتنِ الصبر وطول الروح لننجو من صغر النفس، ولنحب الكل محبةً خالصةً لكي نُحفَظ من الغيرة والحسد، ولنحب الاتضاع في كل أمر وكل عمل، لنحتمل المسبّة والتعيير لنتخلّص من الكبرياء، ولنكرم الجميع من كل الوجوه لكي نُحفَظ من الدينونة.
لنرفض شرف العالم وكراماته لنتخلّص من المجد الباطل، ولنستعمل اللسان في ذكر الله والحق لنتخلّص من الكذب، ولنحب طهارة القلب والجسد لننجو من الدنس، لأنّ هذا كله يحيط بالنفس ويضبطها عند خروجها من الجسد، فمَنْ كان حكيمًا ويتصرّف بحكمةٍ لا ينبغي أن يترك نفسه بدون أعمالٍ صالحةٍ حتى يخلص من تلك الشدّة. فلنحرص بقدر طاقتنا وربنا يُعين ضعفنا، لأنه يعلم شقاء الإنسان، لذلك وهب له التوبة ما دام في هذا الجسد.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
بغضة العالم:

لا تُصغِ إلى أمور العالم كأنه هو هدفك حتى يمكنك أن تخلص، ولا يكُن لك في هذا العالم رجاء لئلاّ يبطل رجاؤك في الله. اُمقت أقاويل العالم لكي يعاين قلبك الله. داوم الصلاة في كل حين ليستنير قلبك بالله، لا تحب البطالة لئلاّ تحزن، أتعب جسمك حتى لا تخزى في قيامة الصدِّيقين.
احفظ لسانك لتسكن في قلبك مخافة الله. أعطِ المحتاجين بسخاءٍ لئلاّ تخجل بين القديسين وتفوتك خيراتهم. اُمقت شهوة الأطعمة لئلاّ يحيط بك عماليق. كُنْ متيقّظًا في صلاتك لئلاّ تأكلك السباع الخفية. لا تحب الخمر لئلاّ يحرمك من مسرة الله. حِبّ المساكين لكي تنجو في أوان الشدّة. كُنْ مشتاقًا إلى القديسين لكي تأكلك غيرة أعمالهم. اذكر ملكوت السماء لتتحرك فيك شهوتها. تفكّر في نار جهنم لكي تمقت أعمالها.
الذي يريد كرامة الرب (أي تكريمه) يتفرّغ لطهارة نفسه من الدنس. إن كنا نملّ فنحن نشهد على أنفسنا أن الهزيمة هي منا نحن. مَنْ يُحقِّر ذاته ولا يعتبر نفسه شيئًا يكون مواظبًا على تحقيق مشيئة الله، ومَنْ يحب أن يطرح كلامه وسط الجماعة فقد دلَّ بذلك على أن مخافة الله ليست فيه، لأن مخافة الله هي حفظ ومعونة للعقل كما أن الملك هو معين لمن يطيعه، أما الذين يريدون أن يقتنوا الصلاح فهم إذا سقطوا لا تصغر نفوسهم بل يقومون بنشاط واهتمام بالأعمال الصالحة.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
أسلحة الفضائل:

أسلحة الفضائل هي أتعاب الجسد بمعرفةٍ، أما التواني فيولِّد القتالات. مَنْ له معرفة مع همَّة فقد أهان الشر لأنه مكتوبٌ إنّ الاهتمام يتبع الرجل الحكيم، والضعيف الهمّة لم يعرف أمر خلاصه بعد. الذي يقهر أعداءه يُكلَّل بحضرة الملك، ولو لم يوجد حرب وقتال لما وُجِدَت فضائل، والذي يقاتل بمعرفة هو الذي أبعد عنه الدينونة لأنّ هذا سورٌ حصين، والذي يدين قد حطّم سوره بنقص معرفته. الذي يهتم بضبط لسانه يدل على أنه عمَّالٌ في الفضيلة، ونقص تأديب اللسان يدل على أنه ليس في صاحبه عملٌ صالح.
الصدقة بمعرفةٍ تولِّد النظر إلى ما سيكون (أي بُعد النظر) وترشد إلى المحبة، والقاسي القلب يدل على أنه ليست عنده فضيلة. الحرية تولِّد العفة وحمل الهموم يولِّد الأفكار. قساوة القلب تولِّد الغيظ والوداعة تولِّد الرحمة. بُغض التنزُّه هو نسكٌ للنفس، والعوز هو نسكٌ للجسد. حمل الهموم هو سقوطٌ للنفس، وتهذيبها هو السكوت بمعرفةٍ.
الشبع من النوم يولِّد إثارةً للأفكار، والسهر بمقدارٍ يعين على خلاص النفس. النوم الكثير يولِّد كثرة التخيُّل، والسهر بمعرفةٍ يُزهر العقل ويجعله مثمرًا. النوم الكثير يجعل الذهن كثيفًا، والسهر بقدرٍ يجعله لطيفًا. مَنْ ينام بمعرفةٍ أفضل ممن يسهر في الكلام البطال.
النوح يطرد جميع أنواع الشر عندما تثور. إذا احترس الإنسان من أن يُكدِّر رفيقه بظنٍّ رديء فهذا يولِّد له الاتضاع، أما تكريم الناس له فيولِّد له البذخ وترفُّع الفكر. حُبّ التفاخر يطرد المعرفة، وضبط شهوة البطن يذلِّل من ميول الجسد. شهوة الأطعمة توقظ القتالات والامتناع عنها يقمع هذه القتالات. زينة الجسد هزيمة للنفس، والاهتمام به بمخافة الله محمودٌ. ذكر يوم الدينونة يولِّد في القلب تقوى الله، وقلة مخافة الله تُسبي العقل. السكوت بمعرفةٍ يهذِّب الفكر، وكثرة الكلام تولِّد الضجر والجنون (أو انحراف الفكر). قطع الهوى يدل على إتمام الفضيلة، وإكمال الهوى يدل على نقص المعرفة.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
الاختلاط بالناس والمجد الباطل:

الهذيذ بمخافة الله يحفظ النفس من القتالات، وحديث أهل العالم والاختلاط بهم يُظلم النفس. محبة القنية تُزعج الفكر، والزهد فيها يمنحه معونةً. صون الإنسان لنفسه هو في أن يُقِرّ بأفكاره، ومَنْ يكتمها يثيرها عليه، والذي يُقِرّ بها يطردها عنه. مثل بيتٍ لا باب له ولا أقفال يدخل إليه كل مَنْ يقصده هكذا السائب اللسان. مثل الصدأ الذي يأكل الحديد، هكذا تكريم الناس يُفسِد القلب إذا مال إليه. وكما يلتفّ اللبلاب على الكرم فيُفسِد ثمرته هكذا المجد الباطل يُفسِد ثمرة الراهب عندما يلتفّ عليه، وكما يفعل الدود في الخشب هكذا تفعل الرذيلة في النفس.

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
اتضاع القلب يتقدّم (أو يتفوّق) على الفضائل كلها، وشهوة البطن أساس كل الأوجاع. الكبرياء هي أصل الشر كله، والمحبة هي كمال كل صلاح. أشرّ الرذائل كلها أن يُزكِّي الإنسان نفسه، والذي يرذل ذاته يعيش بدون قلق، والذي يظن في نفسه أنه لا عيب فيه فقد جمع في ذاته جميع العيوب.
الذي يخلط حديثه مع أهل العالم ينزعج قلبه، والذي يستهين بعفة جسده يخجل في صلاته. محبة العلمانيين تُظلم النفس، والابتعاد منهم يزيد المعرفة. محبة التعب عونٌ عظيم وأصل الهلاك هو الكسل. احفظ عينيك لئلاّ يمتلئ قلبك بأشباح (أو مناظر) خفية. مَنْ ينظر إلى امرأةٍ بلذّةٍ فقد أكمل الفسق بها. لا تحب أن تسمع عن زلةٍ لأحد إخوتك لئلاّ تدينه خفيةً. احفظ أذنيك لئلاّ تجمع لنفسك حزنًا في داخلك.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
الحرص والإفراز:

احرص أن تعمل بيديك ليجد المسكين خبزه منك، لأنّ البطالة موتٌ وسقوطٌ للنفس. مداومة الصلاة مهلكة للسبي (أي الأسر والعبودية)، ومَنْ يتوانى قليلًا فقد سُبيَ. مَنْ يتذكر خطاياه لا يُخطئ كثيرًا، ومَنْ لا يتذكرها يفسد بها. الذي يتأسف أمام الله فقد اهتم بتنقية طريقه من الخطية، والذي يقول: "دع هذا الأمر لوقته" يكون مسكنًا للخبث.
لا تكن قاسي القلب على أخيك لأننا جميعًا تغلبنا الأفكار السمجة. إذا سكنتَ مع إخوة فلا تأمرهم بأي عمل بل اتعب معهم لئلاّ يضيع أجرك. إذا حاربتك الشياطين بالأكل والشرب والملبس فلا تقبل منهم، وأظهِر لهم محقرة ذاتك فيهربوا منك. إن لذّ لك الزنى فحاربه بالاتضاع وأَلْقِ بنفسك أمام الله فتستريح. إن حوربتَ بحُسن جسدٍ فتذكر نتانته بعد الموت وأنت تستريح، وإن جاءتك أفكار النساء فاذكر أين ذهبَت الأوليات (السابقات) منهن وأين حسنهن وجمالهن، وكل هذه يختبرها الإفراز وينتقدها.
يستحيل أن يأتينا الإفراز إن لم نتعب في فلاحته التي أول أنواعها هو السكوت لأنه تاج الراهب، والسكوت يلد النسك، والنسك يلد البكاء، والبكاء يلد الخوف (المخافة)، والمخافة تلد الاتضاع، والاتضاع يلد بُعد النظر، وبُعد النظر يلد الحب، والحب يلد للنفس الصحة الخالية من الأسقام والأمراض، وحينئذٍ يعلم الإنسان أنه ليس بعيدًا من الله ويُعِدّ ذاته للموت، ومَنْ يريد أن يبلغ إلى هذه الكرامات كلها لا يهتم بأحدٍ من الناس ولا يدينه.
كلما صلَّى الإنسان يتفطّن فيما يقرِّبه من الله ويطلبه، ويُبغض هذا العالم، لأنّ نعمة الله تهب له كل صلاح. ولكن اعلم يقينًا أنّ كل إنسان يأكل ويشرب بتخليط (أي بأنواع كثيرة بلا ضابط) ويحب أمور هذا العالم لا يمكنه أن يلقى شيئًا من الصلاح ولا يدركه، وإنما هو يخدع نفسه.
إن آثرتَ أن تتوب إلى الله فاحترس من التنعُّم لأنه يثير جميع الأوجاع ويطرد مخافة الله من القلب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.اُطلب مخافة الله بكل طاقتك فهي تُهلك جميع الخطايا. لا تحب الراحة ما دُمتَ في هذه الدنيا، ولا تأمن إلى الجسد إذا رأيتَ ذاتك مستريحًا من الأوجاع في بعض الأحيان، لأن الأوجاع من طبعها أن تتوقف لبعض الوقت كنوعٍ من الخداع عسى أن يتوانى الإنسان عن التحفُّظ، حينئذٍ تنقضّ الأوجاع على النفس الشقية وتختطفها، ولهذا يحذّرنا ربنا قائلًا: "اسهروا"..
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
من أقواله للأنبا بيمن عن النسك:

إن حفظ أحد فهذه، فإن كان ساكنًا في ديرٍ أو في الوحدة أو حتى في العالم يمكنه أن يخلص:
1- كما هو مكتوب: على الإنسان أن يحب الله من كل نفسه ومن كل فهمه.
2- على الإنسان أن يحب قريبه كنفسه.
3- على الإنسان أن يموت عن كل شر.
4- على الإنسان ألاّ يدين أخاه بأي حال.
5- على الإنسان ألاّ يصنع شرًّا بأحد.
6- على الإنسان قبل أن يخرج من الجسد أن ينقِّي نفسه من كل حماقات الجسد والروح.
7- على الإنسان أن يكون دائمًا له انسحاق قلب ومتضع. ويستطيع ذلك مَنْ ينظر دائمًا إلى خطاياه وليس إلى خطايا قريبه بمعونة ربنا يسوع المسيح الذي مع الآب والروح القدس يحيا ويملك إلى ما لا نهاية. آمين.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
هذه التوجيهات أرسلها أنبا موسى إلى أنبا بيمين، وكل مَنْ يمارسها يهرب من كل عقابٍ ويحيا في سلام:

(1) على الراهب أن يموت عن قريبه ولا يدينه إطلاقًا بأي حال من الأحوال.
(2) على الراهب أن يموت عن كل شيء قبل أن يترك الجسد، ولا يؤذي أو يغيظ أحدًا.
(3) إن لم يضع الراهب في قلبه أنه خاطئ فصلواته لن يقبلها الله. وهنا سأله أخ: ”ما معنى وفائدة أن يفكر الإنسان في قلبه أنه خاطئ“؟ فأجابه الشيخ: ”عندما ينشغل الإنسان بخطاياه فلن يرى خطايا غيره“.
(4) إن لم تتفق أعمال الإنسان مع صلاته تكون أعماله باطلة. فسأله الأخ: ”ما معنى هذا التوافق بين العمل والصلاة“؟ فأجابه: ”ينبغي ألاّ نفعل الأمور المضادة لما نصلِّي من أجله، كما أنّ مَنْ يطلب غفران خطاياه لا يليق به أن يعيش متغافلًا، لأنه عندما يسلِّم الإنسان مشيئته لله يتصالح الله معه ويقبل صلواته“.
ثم سأله الأخ: ”ما الذي يُعين الراهب في شدائده التي يقابلها في حياته“؟ فأجابه: ”مكتوبٌ: »إلهنا ملجأنا وقوتنا، وُجِد في الشدائد قويًا جدًا« (مز46: 1)“
اعتاد أنبا موسى أن يقول للنسّاك: ”أربع قواعد رئيسية يلزم مراعاتها: الصمت، ومراعاة وصايا الله، والاتضاع، وسدّ احتياج المسكين. وثلاث فضائل يكتسبها الإنسان بصعوبةٍ: أن يُحزِن نفسه دائمًا، وأن يذكر خطاياه دائمًا، وأن يجعل الموت في كل لحظة أمام عينيه“.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وعن الجهاد قال أنبا موسى:

”لا يستطيع الإنسان أن يتجنّد في جيش المسيح إن لم يصِر كله نارًا، وإن لم يحتقر الكرامة والراحة، وإن لم يقطع رغبات الشهوة، وإن لم يُراعِ جميع وصايا الله“.
وقال أيضًا: ”يستحيل أن نمتلك يسوع إلاّ بالاجتهاد والاتضاع والصلاة المتواصلة“.
وكان يقول أيضًا: ”إن تخلَّى الإنسان عن عمله الداخلي يظلم عقله، ولكن الذي يتحمَّل ويواظب على أعماله (أي يكون عمَّالًا) يصير فكره خفيفًا في الرب، وهذا يقوِّي ويحصِّن النفس“.
وقال أيضًا: ”الراهب الذي هو لله وقريبٌ منه تمامًا وله عشرة معه ينجح في ألاّ يُدخل إنسانًا إلى قلايته“.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وعن الطاعة للمرشد الروحي قال:
”لنقتنِ الطاعة التي تلد الاتضاع وتجلب المثابرة والصبر وتأنيب الضمير والمحبة الأخوية والرأفة، فهذه هي في الحقيقة أسلحتنا في حروبنا“.
وقال أيضًا: ”أيها الأخ. فلنسلك بالطاعة الحقيقية لأنها هي التي تسبِّب لنا الاتضاع والقوة والفرح والمثابرة والصبر والمحبة الأخوية وتأنيب الضمير والرأفة، لأن هذه هي الطاعة الصالحة التي تتمم كل وصايا الله“.
وقال أيضًا: ”الراهب الذي يكون تحت إرشاد أب ولا يمارس الطاعة والاتضاع، فهو لا يقتني فضيلة واحدة ولا يعرف حتى ما هو الراهب“.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
أقوال القديس في الفضائل والرذائل

خوف الله يطرد جميع الرذائل والضجر (التذمر) يطرد خوف الله. كما يفعل السوس في الخشب كذلك تفعل الرذيلة في النفس.
+ ستة أشياء تدنس النفس والجسد:
المشى في المدن - اهمال العينين بلا حفظ - التعرف بالنساء - مصادقة الرؤساء - محبة الأحاديث الجسدانية - الكلام الباطل.
+ أربعة يجب اقتناؤها:
الرحمة. غلبة الغضب. طول الروح. التحفظ من النسيان.
+ أربعة يحتاج اليها العقل كل ساعة:
الصلاة الدائمة بسجود قلبى - محاربة الأفكار - أن تغتبر ذاتك خاطئًا - ألا تدين أحدًا.
+ أربعة عون الراهب الشاب:
الهذيذ في كل ساعة في ناموس الله - مدوامة السهر - النشاط في الصلاة - ألا يعتبر نفسه شيئاً..
+ أربعة تؤدى إلى الزنى:
الأكل والشرب - الشبع من النوم - البطالة واللعب - التزين بالملابس.
+ أربعة مصدر ظلمة العقل:
مقت الرفيق - الازدراء به - حسده - سوء الظن به.
+ أربعة أمور بها يتحرك في الإنسان الغضب:
الأخذ والعطاء - إتمام الهوى - محبته في أن يعلم غيره - ظنه في نفسه أنه عاقل.
+ أربعة تقتنى بصعوبة:
البكاء - تأمل الإنسان في خطاياه - جعل الموت بين عينيه - أن يقول في كل أمر "أخطأت". "اغفر لى".
ومن يحرث ويتعب فانه يخلص بنعمة ربنا يسوع المسيح.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
أقوال القديس عن العقل

جودته:

ثلاثة أشياء تكون من جودة العقل: الإيمان بالله. والصبر على كل محنة، وتعب الجسد حتى يذل.


فرحه:

ثلاثة أمور يفرح بها العقل: تمييز الخير عن الشر، التفكير في الأمر قبل الإقدام عليه، والبعد عن المكر.


استنارته:

ثلاثة أشياء يستنير بها العقل: الإحسان إلى من أساء إليك، والصبر على ما ينالك من أعدائك، وترك النظر أو الحسد لمن يتقدمك في الدنيا.


تطهير العقل:

ستة أشياء يتطهر بها العقل: الصمت، حفظ الوصايا، الزهد في القوت، الثقة بالله في كل الأمور مع ترك الاتكال على أي رئيس من رؤساء الدنيا، قمع القلب عن الفكر الرديء وعدم استماع كلام الأغنياء، والامتناع عن النظر إلى النساء.


ما يحارب العقل:

ثلاثة أمور تحارب العقل: الغفلة - الكسل - ترك الصلاة.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
أقوال القديس عن النفس

حفظ النفس:

أربعة تحفظ النفس: الرحمة لجميع الناس - ترك الغضب - الاحتمال - إخراج الذنب وطرحه من القلب بالتسبيح.


ظلام النفس يأتي من:

المشي في المدن والقرى - النظر إلى مجد العالم - الاختلاط بالرؤساء في الدنيا.


عمى النفس .. يأتي من:

البغضة لأخيك - الازدراء بالمساكين خاصة - الحسد والوقيعة.


هلاك النفس .. يأتي من:

الجولان من موضع إلى موضع - محبة الاجتماع بأهل الدنيا - الإكثار من الترف والبذخ - كثرة الحقد في القلب.


أمور تولد النجاسة:

تتولد من الشبع من الطعام - السكر من الشراب - كثرة النوم- نظافة البدن بالماء والطين وتعاهد ذالك كل وقت.
أمور تولد الغضب:

المعاملة - المساواة - الانفراد برأيك فيما تهواه نفسك - عدولك عن مشورة الآخرين - وإتباع شهواتهم.


الحفظ من الفكر الرديء:

يأتي من: القراءة في كتب الوصايا - طرح الكسل - القيام في الليل للصلاة والابتهال - التواضع دائمًا.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
الوصول للملكوت:

يساعد عليه: الحزن والتنهد دائماً - البكاء على الذنوب والآثام - انتظار الموت في كل يوم وساعة.
الشرب: لا تحب الخمر لئلا يحرمك من رضى الرب.
القنية: محبة المقتنيات تزعج العقل، والزهد فيها يمنحه استنارة.
نياح الجسد: نسك النفس هو بغض التنعم ونسك الجسد هو العوز.
العفة: + لنحب طهارة القلب والجسد لننجو من الدنس.
+ الذي يريد كرامة الرب عليه أن يتفرغ لطهارة نفسه من الدنس.
+ الذي يتهاون بعفة جسده يخجل في صلاته.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
نياح الجسد

"لا تأمن للجسد إذا رأيت نفسك مستريحًا من المُحاربات في أي وقت من الأوقات؛ لأنه من شأن الأوجاع أن تثور فجأة بخداع ومخاتلة عسى أن يتوانى لإنسان عن السهر والتحفظ وحينئذ يهاجم لأعداء النفس الشقية ويختطفونها لذلك يحذرنا ربنا قائلا:"اسهروا".
الشهوة: "قهر الشهوة يدل على تمام الفضيلة والانهزام لها يدل على نقص المعرفة".
الأكل: ابغض شهوة البطن لئلا يحيط بك عماليق، ضبط شهوة البطن يقلل من تأثيرات الشهوات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.شهوة الأطعمة توقظ الغرائز والانفعالات والامتناع عنها يقمعها. وشهوة البطن أساس كل الأوجاع.
+ الشبع من النوم يثير الأفكار وخلاص القلب هو السهر الدائم - النوم الكثير يولد الخيالات الكثيرة والسهر بمعرفة يزهر العقل ويثمره - النوم الكثير يجعل الذهن كثيفا مظلما والسهر بمقدار يجعله لطيفًا نيرًا. من ينام بمعرفه هو أفضل ممن يسهر في الكلام الباطل.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
التجول في العالم(1)

ملازمة خوف الله تحفظ النفس من المحاربات وحديث أهل العالم والاختلاط بهم يظلم النفس وينسيها التأمل.
قتال الزنا: إذا حسن لك الزنى اقتله بالتواضع وإلجأ بنفسك إلى الله فتستريح، وإذا حوربت بجمال الجسد فتذكر نتانتة بعد الموت فانك تستريح.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
جمع العقل

(أ) مقاومة الأفكار الشريرة:

"سأل أحد الاخوة الانبا موسى الاسود: ماذا اصنع لكي أمنع أمرا يتراءى لى دائما، فقال له الشيخ: إنك إن لم تصبح مقبورا كالميت فلن تستطيع أن تمنعه (يقصد الفكر).


(ب) طرد الخزف والشك:

ليكن قلبك من نحو الافكار شجاعة جدًا فتخف عنك حدتها، اما الذي يفزع منها. يثبت عدم ايمانه بللة حقا ولن يستطيع الصلاة قدام يسوع سيدة من كل قلبة ما لم يطرد الأفكار اول.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ضبط الحواس



(أ) النظر:

+ احفظ عينيك لئلا يمتلئ قلبك أشباحا خفية.
+ من ينظر إلى امرأة بلذة فقد أكمل الفسق بها.


(ب) اللسان:

+ كمثل بيت لا بابًا له ولا أقفال، يدخل إليه كل من يقصده، كذلك الإنسان الذي لا يضبط لسانه.
+ من يهتم بضبط لسانه يدل على أنه محب للفضيلة، وعدم ضبط اللسان يدل على أن صاحبه خال من أي عمل صالح.
+ احفظ لسانك فيسكن في قلبك خوف الله.
+ لنستعمل اللسان في ذكر الله والعدل لنتخلص من الكذب.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
العمل

تعب الجسد:

+ أهم أسلحة الفضائل هي إتعاب الجسد بمعرفة والكسل والتواني يولد المحاربات.
+ اتعب جسدك لئلا تخزى في قيامة الصديقين.
+ اذا سكنت مع اخوة فلا تأمرهم بعمل ما. بل اتعب معهم لئلا يضيع اجرك.
+ لا تحب الراحة ما دمت في هذه الدنيا.
+ إن الارتداد الخفي من العمل الظالم العقل، أما احتمال الإنسان وجلده في الأتعاب فهذا ينير العقل بربنا ويقوى ويسلح الروح.
اعمل، لأن البطالة مفسدة للنفس
إياك والبطالة لئلا تحزن. أحرى بك أن تعمل بيديك ليصادف المسكين منك خبزه، لأن البطالة موت وسقطة للنفس.
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
رفض العالم

+ لنرفض شرف العالم وكراماته لنتخلص من المجد الباطل.
+ لا تهتم بشئون العالم كأنها غاية أملك في هذه الحياة، وذلك لتستطيع أن تخلص.
+ ابغض كلام العالم كي تبصر الله بقلبك لأن الذي يخلط حديثه بحديث أهل العالم يزعج قلبه.
الأصحاب والجيران

سأل أخ أنبا موسى: قائلًا: "كيف يبتعد الإنسان بنفسه عن جاره؟
قال له الشيخ: ما لم يضع الإنسان في قلبه أنه قد صار في القبر منذ ثلاث سنين، فلن تكون له القوة الكافية لحفظ هذا القول.
إكليل الجهاد والثمار

الجهاد: "مَنْ يحتمل ظلما من أجل الرب يعتبر شهيدًا. ومَنْ يَتَمَسْكَن من أجل الرب يعوله الرب. ومَنْ يصير جاهلًا من أجل الرب يحكمه الرب"..
_____
الحواشي والمراجع:
(1) هذه النصائح تخص الرهبان.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 03 - 2014, 12:33 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

القديس الأنبا موسى في ليتورجيات الكنيسة

كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
يحتل القديس الأنبا موسى الأسود مكانة كبيرة في ليتوجيات الكنيسة، فقد وضع اسمه في مجمع القديسين في القداس الإلهي والتسبحة بعد القديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس، وقبل القديسين يحنس كاما وإيسوزورس القس.
كما خصصت له ذكصولوجية (تمجيد) ضمن الذكصولوجيات التي تتلى عقب مجمع التسبحة اليومية، ويذكر القديس كذلك في أرباع الناقوص التي تتلى في رفع البخور عقب صلاة الشكر، وفي الهيتنيات (الطلبات) التي تقال في القداس الإلهي.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب دراما الصلب - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
كتاب فضيلة الشكر - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
كتاب الاستنارة في حياة الآباء - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
الصوم والنسك الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا


الساعة الآن 07:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024