سأكسرُ جرتي

[walaa farouk]

كنتُ أشتاقُ أن أحيا بقداسةٍ ونقاوةٍ ،ولكن جرّة الماءِ التي كانت ترويني وتغنيني عن حياة القداسة ،كانت هي سر إبتعادي عن هذه الحياة ،وكانت هي سر إنغماسي أكثر فأكثر في الشرِّ
" بِطُولِ أَسْفَارِكِ أَعْيَيْتِ، وَلَمْ تَقُولِي: يَئِسْتُ. شَهْوَتَكِ وَجَدْتِ، لِذلِكَ لَمْ تَضْعُفِي.
وَمِمَّنْ خَشِيتِ وَخِفْتِ حَتَّى خُنْتِ، وَإِيَّايَ لَمْ تَذْكُرِي، وَلاَ وَضَعْتِ فِي قَلْبِكِ؟ "أش10:57

جرّتي كانت تحميني من ألسنة الناس ،وتخبئني من نظراتهم التي تدين حياتي ،والتي تحكم عليّ !!؟؟

كنتُ آتي في حرِّ النهار لأستقي ماءاً حتي لا أقابل أحداً يجرحني بكلامهِ ،أو يرمقني بنظراته المهينة والمذلّة ،ويشعرني أني منبوذٌ ومرفوضٌ بسبب خطاياي !!؟؟

كم من مرّةٍ أردتُ أن أتخلّص من جرّتي ،وأحيا مثل باقي الناس ،وآتي معهم في الصباح إلي بئر يعقوب وهم يرنمون ويسبحون لأستقي ماء وأشرب وأرتوي ،ولكن لم أجد البديل للذّة الخطية ،ولم أجد الشئَ المشبعَ لحياتي والقادر أن يعوّضني عن حرماني من جرّتي ،فقبلتُ المذلّة مع جرّتي خير من ماءٍ مجهولٍ غامض لا يروي ولا يشبع ولا يغنيني عنها!!؟؟

جرّتي في عملي الذي وضعتُ فيه شبعي وآمالي ،والذي يمنحني أن أختبئ فيه من أنقياء القلب حتي لا يكتشفوا نجاستي!!؟؟
جرّتي في شهوات العالم الجميلة والمشبعة والممتلئة لذّات ،والتي أحيا بها وأرتوي منها ،فكيف أكسر جرتي ولا بديل !!؟؟
جرّتي في ذاتي التي هي أجمل ما في حياتي ،والتي أشبعها وأرويها بالعلم والمعرفة ،وبالمراكز العالية ،وبتحقيق كل ما يسعدها ويحميها ،ويرفعها ويعلّيها ،فهل جُننتُ لأكسر جرّتي ولا بديل !!؟؟

جرّتي في عائلتي حيث الحياة والأسرة والإستقرار ،ونجاح الأولاد ،ورفاهيتهم وسعادتهم ،ومع أنّهم سيتركونني وحيداً يوماً من الأيام ،إلا أنني لا أستطيع أن أترك جرّتي هذه لأذهب في الصباح الباكر لألتقي بإله يعقوب !!؟؟

وأوّاه عليك يانفسي حينما تكون جرّتك في الخدمة ،فتختبئين وسط المسبحين والمرنمين، حتي لا تواجهي إله يعقوب وجهاً لوجه،فيكشف زيفك وجرّتك الكاذبة ،فتدخلين وتخرجين وأنتِ لم تلتقي بعد بينبوع الماء الحي !!؟؟
آه يارب آه...لقد بعنا الغالي بالرخيص ،وبعناك أنت مصدر كل شبع ولم نربح بثمنك شئ !!؟؟

كنتَ تنتظرني عند بئر يعقوب لتقدّمَ لي بديلاً لجرّتي البالية ،والتي يتساقط الماء من ثقوبها الكثيرة ،وما تبقّي كان يزيدني ظمئاً وعطشاً " «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا "يو13:4

كم من مرّةٍ وقفتَ هناك فاتحاً ذراعيك ومتودّداً إليّ قائلاً " مَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا "رؤ17:22
وكنتُ لا أصدّق أنّك تستطيع أن تعوّضني عن جرّتي ،وكنت لا أثق أنّك تقدر أن تمنحني بديلاً لها يرويني ويشبعني ويحييني ،ويلذّذني ويغنيني عن جرّتي !!؟؟
إلي أن غمرتني بنعمتك ،وجعلتَ نهرَ حبِّك يسري في أحشائي لمّا وقفت معك وكشفتُ لك عطشي وإعترفتُ بظمأي الشديد !!؟؟
كلّمتني ،وعيناكَ مُثبّتة علي قلبي الظمآن ،فخرج نهرٌ من عينيك ورواني وأشبعني وأغناني ،فكسرتُ جرّتي
" وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ "رؤ1:22
آه يا جرّتي خدعتيني بسرابٍ كاذبٍ ،وأوهمتيني بماءك المرّ الذي جعلني أكثر ظمئاً ،لن أتركك عند قدمي السيد مثل السامرية ،بل سأكسرك حتي لا أعودُ إليكِ