الصليب ضرورة لأنه نقض أعمال الشيطان وأكد هزيمته
يكتب يوحنا الحبيب في نغمة تحوي كل عناصر الظفر والانتصار كلماته الحلوة ((لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس)) 1 يو 8:3 , وأعمال إبليس كلها للخراب , والإفساد , والتدمير , فقد جرب العائلة البشرية الأولى وقادها إلى الخراب , واستعبد الإنسان الضعيف ولوث صفحة حياته بأقذر الخطايا , وأشنع الموبقات , ثم أحدره إلى الموت في أرض السكوت لأنه قد أخذ بإسقاطه للإنسان هذا السلطان !!
((ولكن لما جاء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني)) غلا 4:4 وكانت أول معركة دخل فيها المسيح مع الشيطان في حرب سافرة هي معركة البرية , حين حاول الشيطان أن يسقط ((يسوع)) في ثلاث تجارب شديدة , هي التجارب التي يمر بها كل إنسان , وكانت التجربة الأولى التي قدمها ليسوع , تجربة موجهة لغريزة حب الحياة , وكانت التجربة الثانية موجهة لغريزة حب السيادة , وكانت التجربة الثالثة موجهة لغريزة حب الامتلاك , لكن ((يسوع))انتصر في التجارب الثلاث , وكانت هذه أول هزيمة علنية أصابت الشيطان
ويلذ لنا في هذه المناسبة أن نقارن بين تجربة ((آدم الأول)) وتجربة ((آدم الأخير)) فآدم الأول جرب في جنة ولكنه سقط فتحولت الأرض بسببه إلى برية جرداء , و ((آدم الأخير يسوع المسيح)) جرب في البرية الجرداء , فانتصر نصرة عظمى , وفتح للبشر الطريق إلى السماء
لكن المعركة الحاسمة التي نقض فيها المسيح أعمال الشيطان ,وأكد فيها هزيمته النكراء , هي معركة الصليب , فقد ظن الشيطان أن الصليب هو نهاية الصراع بينه وبين المسيح , وصفق مجمع الأبالسة في زهو وفخار , يوم رأوا يسوع المسيح معلقاً بين الأرض والسماء , لكن المسيح حول الصليب إلى سيف حاد ودحر به قوات الظلام , كما يقول كاتب العبرانيين ((فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس)) عب 14:2 , وكما يقرر ذلك رسول الأمم في رسالته إلى أهل كولوسي قائلا ((وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا إذ محا الصك الذي كان علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا , وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه)) كولوسي 3:2 -15 , وليس شك في أن الرياسات والسلاطين الذين جردهم المسيح من سلاحهم , وشهر بهم , وظفر بهم في الصليب , هم الذين ذكرهم الرسول حين قال ((فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء , مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات)) أفسس 12:6 هؤلاء جميعا جردهم يسوع من سلاحهم البتار , وأعلن هزيمتهم العظمى أمام الجميع , إذ هزم رئيسهم الأكبر الذي له سلطان الموت في معركة الصليب , وحرر البشر من عبوديته إلى التمام , وهذه هي الصورة التي يرسمها بولس في كلماته إلى القديسين في أفسس قائلا ((وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية الذين نحن جميعا تصرفنا قبلا بيتهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضا الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح بالنعمة أنتم مخلصون وأقامنا معه , وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع)) أفسس 1:2-6
يقينا أن محبة الله الظاهرة في الصليب , قد حررت من الأسر الأسير , وبقوة الصليب يعطي يسوع النصرة على الشيطان لكل من يؤمن به كما يقول يوحنا في رؤياه عن الغالبين ((وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت)) رؤ 11:12 وكما يكتب للمؤمنين الأحداث في رسالته قائلا ((كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير)) 1 يو 14:2 ((أنتم من الله أيها الأولاد وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم)) 1 يو 4:4 , لقد أكد السيد نصرته العظمى على الشيطان عندما في قوله ((رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء)) لو 18:10 , وفي قوله ((الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا)) يو 31:12 ,أجل , لقد استطاع يسوع أن ينتصر على الشيطان لأنه لم يكن ملكا له ! ولا كان تحت سلطان حكمه , وقد أكد ذلك لتلاميذه قائلا ((رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء)) يو 3:14 وقد تمت نصرته بالصليب الذي نقض به أعمال الشيطان , وأكد هزيمته , ونحن نرى كيف خلق الله السماء والأرض , وكيف ضربت الأرض باللعنة بسبب خطية الإنسان , وفي سفر الرؤيا نرى السماء الجديدة والأرض الجديدة وقد خلت من كل لعنة وحزن وشقاء
في سفر التكوين نرى الجنة الأرضية , وفيها شجرة الحياة , ونهر البركات وقد فقدها الإنسان الأول بالعصيان , وفي سفر الرؤيا نرى فردوس الله , وشجرة الحياة , والنهر النقي كالبللور خارجا من عرش الله والمسيح أو بعبارة أخرى نرى الفردوس المردود بواسطة كفارة الصليب
في سفر التكوين نرى أول رمز للحمل المذبوح , وفي سفر الرؤيا نرى الحمل الذي ذبح قائماً في وسط العرش
في سفر التكوين نقرأ عن بداية الخطية , حينما دخلت الحية إلى الجنة الهادئة الوادعة لتخدع بمكرها الإنسان , وفي سفر الرؤيا نجد الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان وقد طرح في بحيرة النار
في سفر التكوين نجد القاتل الأول , ونجد أول من مارس تعدد الزوجات , ونجد المتمرد الأول , والسكير الأول , وفي سفر الرؤيا نرى أمثال هؤلاء ونصيبهم البحيرة المتقدة بنار وكبريت
في سفر التكوين نرى مدينة الإنسان , وفي سفر الرؤيا نرى مدينة الله.
في سفر التكوين نرى الإنسان غارقا في الدم , والألم , والدموع يطارده الموت أينما كان , ولكن سفر الرؤيا لا يختتم إلا بعد أن نرى محبة الله المحب , وهو يمسح كل دمعة من العيون , ويرحب بكل مفدي بالدم , في مدينته التي لا يمكن أن يدخلها الموت والخطية والألم , والحزن , والعذاب.
في سفر التكوين نرى أول مملكة للعالم وقد حل بها التبلبل والشقاق , وفي سفر الرؤيا نسمع الهتاف الداوي ((قد صارت ممالك العالم لربنا ولمسيحه))
في سفر التكوين نرى نصرة الشيطان على الإنسان , وفي سفر الرؤيا نرى نصرة الله على الشيطان وهذه النصرة جاءت عن طريق موت المسيح على الصليب وهكذا بالصليب نقض الله أعمال الشيطان وأكد هزيمته وأتم برنامجه الرائع الذي قصده للإنسان
|