"جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العَالَم" فتشير إلى البُعد الفدائي الذي يمتاز به موت يسوع. لم يُحببنا الله بالكلام بل بالعمل، إذ أخذ جَسَدًا حقيقيًا. "احتاج" المسيح إلى جَسَد كي يبذل نفسه من أجل الإنسانية وخلاصها. وهكذا كشف المسيح هنا عن نيَّته في بذل جَسَده على الصَّليب كفارة عن الخطايا. فالمسيح لم يُخلَّص النَّاس بمجرّد تجسُّده بل بموته على الصَّليب بدلًا عنهم لكي ينالوا الغفران والمصالحة مع الله وموهبة الحَياة الأَبدِيَّة. ويتفق هذا الأمر مع ما أنبأ به أشعيا (فصل 53) ويوحنا المعمدان أن المسيح هو "حمل الله" (يوحنا 1: 36)، والفصح الحقيقي "فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهو المسيح" (1 قورنتس 5: 7)؛ وما الإفخارستيا إلاَّ ذبيحة المسيح نفسها على الصَّليب لكي نأكل خبز الحَياة ـ وما خبز الحَياة إلاَّ تناول جَسَد الرَّبّ ودَمَه؛ ومن هذا المنطلق، هناك صلة بين يسوع، مصدر الحَياة وبين موته، كما صرّح: "الرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف (يوحنا 10: 11). أمَّا عبارة " العَالَم " فتشير في إنجيل يوحنا إلى اليهود والأمم الوثنية، لأنَّ ذبيحة المسيح كافية للجميع ومعروضة على الجميع "إِنَّه كَفَّارةٌ لِخَطايانا لا لِخَطايانا وحْدَها بل لِخَطايا العَالَم أَجمع" (1 يوحنا 2: 2)؛ ويُعلق القدّيس أفرام السريانيّ (نحو 306 -373): " المَنُّ (خبز موسى) لم يكن كاملًا فقد أعطي فقط للشَّعب العبراني. أمّا ربّنا، فقد أراد أن يكون عطاؤه أشمل من عطاء موسى، وأن تكون دعوة الشُّعّوب أكمل من دعوة موسى" (عظة في شرح للإنجيل). وأمَّا في إنجيل لوقا فتشير لفظة العَالَم إلى التلاميذ "هذا هو جَسَدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم (22: 19)، كذلك في رسالة بولس " إِنَّه مِن أَجْلِكُم" (1 قورنتس 11: 24). أمَّا هنا يوجّه يسوع كلامه توجيهًا مباشرة إلى الحاضرين من المؤمنين المُشتركين في الإفخارستيا، وأمَّا في إنجيل متى (26: 28) وفي إنجيل مرقس 14: 24) فيُراق دَمَ يسوع " مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس. هدف الحَياة هو الحَياة الحقيقية هي التي يعطيها الكلمة المُتجَسِّد يسوع المسيح بذبيحة جَسَده ودَمِه. إن الخُبزِ الوحيد الذي يُغذّي ويمنح الحَياة هو جَسَده، وأن الطَّريقة الوحيدة للوصول إلى حبِّ الله تتمّ من خلال هذا الجَسَد. يدعونا يسوع أن نجسَّد هذه الحياة في داخلنا.