رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاعتداد بالذات (يهوياقيم): 13 « وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي بَيْتَهُ بِغَيْرِ عَدْل وَعَلاَلِيَهُ بِغَيْرِ حَقّ، الَّذِي يَسْتَخْدِمُ صَاحِبَهُ مَجَّانًا وَلاَ يُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ. 14 الْقَائِلُ: أَبْنِي لِنَفْسِي بَيْتًا وَسِيعًا وَعَلاَلِيَ فَسِيحَةً. وَيَشُقُّ لِنَفْسِهِ كُوًى وَيَسْقُفُ بِأَرْزٍ وَيَدْهُنُ بِمُغْرَةٍ. 15 هَلْ تَمْلِكُ لأَنَّكَ أَنْتَ تُحَاذِي الأَرْزَ؟ أَمَا أَكَلَ أَبُوكَ وَشَرِبَ وَأَجْرَى حَقًّا وَعَدْلًا؟ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ خَيْرٌ. 16 قَضَى قَضَاءَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ. أَلَيْسَ ذلِكَ مَعْرِفَتِي، يَقُولُ الرَّبُّ؟ 17 لأَنَّ عَيْنَيْكَ وَقَلْبَكَ لَيْسَتْ إِلاَّ عَلَى خَطْفِكَ، وَعَلَى الدَّمِ الزَّكِيِّ لِتَسْفِكَهُ، وَعَلَى الاغْتِصَابِ وَالظُّلْمِ لِتَعْمَلَهُمَا. 18 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا أَخِي! أَوْ آهِ يَا أُخْتِي! لاَ يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا سَيِّدُ! أَوْ آهِ يَا جَلاَلَهُ! 19 يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوبًا وَمَطْرُوحًا بَعِيدًا عَنْ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ. بعدما تحدث عن سبي يهوآحاز انتقل إلى الملك يهوياقيم الظالم والطماع والطاغية، وقد قضى 11 عامًا في ملكه. "ويل لمن يبني بيته بغير عدلٍ، وعلاليه (حجراته التي على السطح) بغير حقٍ (بظلمٍ)، الذي يستخدم صاحبه مجانًا ولا يعطيه أجرته. القائل: أبني لنفسي بيتًا وسيعًا وعلالي فسيحة، ويشق لنفسه كوى، ويسقف بأرز، ويدهن بمغرة" [13-14]. لا نسمع عن علاقة إرميا النبي بيوشيا الملك وابنه يهوآحاز، لكننا نسمع كثيرًا عن علاقته بالملك يهوياقيم الذي يتحدث عنه هنا [13-19]. فقد كان عدوًا لإرميا، منعه من قراءة نبواته ومزق السفر (إر 36). كان يهوياقيم الملك المستبد الدكتاتور، رفض إصلاحات أبيه الملك يوشيا، وكان منحازًا لفرعون مصر ومتكلًا عليه، إذ أقامه نخو سلفًا لأخيه يهوآحاز (2 مل 23: 34). عنَّفه إرميا النبي على كبريائه وظلمه خلافًا لأبيه يوشيا، ورفضه للعدل والبر (بغير حق sede). وقد جاء توبيخه للملك يتركز في النقاط التالية: أولًا: شغفه بإنشاء أبنية ضخمة فاخرة لإشباع ذاته ego، وقد نقل ذلك عن الدول المجاورة، خاصة مصر وبابل الشهيرتين بابنتيهما الفخمة. لم يتهمه إرميا النبي بالعبادة الوثنية، لكنه مارس الحياة المترفة المدللّة مع عجرفة وكبرياء. استخدم الأرز، أثمن أنواع الخشب، وقد دهنه باللون الأحمر البرتقالي أو القرمزي (sasar) أو الأزرق. ظهرت إلى النور في السنوات الأخيرة حفريات في رامة راحيل تشهد عن أبنية فخمة ترجع إلى نهاية القرن السابع ق.م. التي تحدث عنها إرميا النبي بخصوص أعمال يهوياقيم. شتان ما بين يهوياقيم ووالده يوشيا. الأول أقام بيتًا صالحًا، بينما أقام الثاني بيتًا فاخرًا فسيحًا. الأول بالبر أقام بيته، والثاني بغير عدلٍ ولا حقٍ (برٍ) أنشأه. خير لنا أن نعيش مع يوشيا في بيته القديم الصالح عن أن نقيم مع ابنه يهوياقيم في بيته الفخم المقام بغير عدلٍ ولا برٍ. استخدم القديس غريغوريوس النزينزي هذه العبارات الخاصة بسكنى الملك يهوياقيم في مبانٍ فخمة في حديثه ضد الأريوسيين الذين سطوا على الكنائس وتعقبوا رجال الله لقتلهم: [هؤلاء الناس لهم بيوت، أما نحن فلنا الساكن في البيت، لهم معابد، أما نحن فلنا الله، وبجانب هذا نحن أنفسنا هياكل حيَّة لله الحيّ، محرقات عاقلة، ذبائح كاملة، نعم آلهة خلال العبادة للثالوث. معهم البشر، ونحن معنا الملائكة، يندفعون بتهورٍ، ونحن لنا الإيمان، يهددون ونحن نصلي، يشتمون ونحن نحتمل، لهم ذهب وفضة ونحن لنا الكلمة النقية، بنوا لأنفسهم بيتًا وسيعًا وعلالي فسيحة، بيتًا مسقوفًا، وشقوا كوى (إر 22: 14)، لكن حتى هذه ليست أعلى من إيماني ولا من السموات التي أحملها قدامي]. يرى القديس أغسطينوس أن الأشرار يبنون المباني الشاهقة بروح الظلم، ظانين أنهم يهربون من العدالة الإلهية، أما أولاد الله فلا يجدون لهم ملجأ إلا فيه، إذ يقول: [إن كنت لا تستطيع الهروب من الله لأنه موجود في كل مكان، فاهرب إليه في الحال، حيثما وجدت اهرب. هوذا في طيرانك قد عبرت السماء، إنه هناك! إن هبطت إلى الجحيم، فهو هناك! أي صحاري الأرض تختار تجده هناك... إن كان يملأ السماء والأرض، فإنه لا يوجد موضع يمكنك أن تهرب إليه منه. لتنهِ تعبك ولتهرب إلى حضرته لئلا يدركك مجيئه!]. ثانيًا: يقول "الذي يستخدم صاحبه مجانًا ولا يعطيه أجرته" ليكشف عن أسلوبه الاستغلالي، واتباعه نظام السخرة المخفية. بقوله "صاحبه" يقصد "الشعب"، عندما أُقيم ملكًا في ظروف قاسية، إذ كان الملك ملتزمًا بدفع جزية باهظة لفرعون مصر (2 مل 23: 33-35)، عوض الاهتمام باحتياجات الشعب الزم الشعب ببناء قصره بطريقة مُبالغ فيها. هذا الشعب الذي كان يجب أن يُدعى صاحبه تحول إلى عبيد للملك، يعملون لحسابه بلا أجر، الأمر الذي حذرت منه الشريعة (لا 19: 13، تث 24: 14-15). كان يليق بالملك أن يحفظ هذه الشريعة، ويحميها وسط شعبه فلا يكون بينهم مستغلًا، فإذا به هو أول كاسرٍ لها. بهذا صار مثلًا سيئًا لشعبه وقدوة فاسدة. ثالثًا: جاء الفعل "يشق" بمعنى "يمزق". تُستخدم هذه الكلمة للثياب، أما هنا فتستخدم عن الكوى أو النوافذ، التي وهو يوسِّعها يمزق حياته كثوب، ويفقد الستر والكرامة ليصير كمن هو عريان وفي عارٍ. كما تُستخدم هذه الكلمة عن عيني الزانية حين توسعهما باستخدام المساحيق. وكأنه يربط النوافذ هنا بالزنا. ارتبط الترف في المساكن بحياة اللهو والزنا، وقد تحدث إرميا النبي عن الموت الذي يصعد خلال الكوى (إر 9: 20). صار الملك كالزانية التي توسّع عينيها بالمساحيق لتدخل بنفسها إلى الخطية فتموت! رابعًا: معاملته القاسية وظلمه للفقراء والمساكين. "هل تملك لأنك أنت تحازي الأرز؟! أما أكل أبوك وشرب وأجرى حقًا وعدلًا، حينئذ كان له خيرُ؟! قضى قضاء الفقير والمسكين، حينئذ كان خير. أليس ذلك معرفتي يقول الرب؟! لأن عينيك وقلبك ليست إلا على خطفك وعلى الدم الذكي لتسفكه؟! وعلى الاغتصاب والظلم لتعملهما؟!" [15-17]. كأنه يقول له: [ليست المباني الفسيحة الفخمة هي التي تجعل منك ملكًا، ولا أخشاب الأرز الثمينة أو الزينة... فكر كيف عاش أبوك كملكٍ مكرمٍ. لقد أكل وشرب حسنًا، لكن هدفه هو الالتزام بمسئولياته الملوكية من تحقيق العدالة والبر في حياته وحياة شعبه. لم يكن ناسكًا، لكنه لم يكن نهمًا ومحبًا للملذات... لم يشغله أكله وشربه، وإن كان الله لم يحرمه من شيء. "أسلك كما يليق بك كملكٍ"، أو "حاول أن تكون ملكًا"، لا بالكبرياء والتشامخ حاسبًا نفسك كأرز لبنان المتشامخ، وإنما مقتديًا بأبيك الذي كانت له معرفة بالله بإجرائه العدل والبر، وقضائه للفقير والمسكين، فيكون لك الخير. لا تكن كالزانية التي تتزين بالمساحيق لتبدو عيناها واسعتان، وإنما بزينة العدل والبر والرحمة]. ماذا يعني بقوله: "أما أكل أبوك وشرب؟" إنه عاش في حياة بسيطة يأكل ويشرب، لا للذة والانغماس في الشهوات وإنما ليعيش كي يجري حقًا وعدلًا وسط الشعب، خاصة بين المظلومين، فصارت كل الأمور تسير حسنًا، أو "كان له خير". أما الربط بين عينيه وقلبه في قوله: "لأن عينيك وقلبك ليست إلا على خطفك وعلى الدم الذكي لتسفكه" [17]، إنما يعني أن سلوكه الخارجي يأتي متناغمًا مع شهوة قلبه الداخلية نحو ممارسة الظلم والقتل والطغيان. ففي أيامه قُتل النبي أوريّا (إر 26: 20-23). بأمانة كاملة تحدث إرميا النبي عن نهاية الملك يهوياقيم، قائلًا: "لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا: لا يندبونه قائلين: آه يا أخي، أو آه يا أخت. لا يندبونه قائلين: آه يا سيد، أو آه يا جلالهُ. يُدفن دفن حمارٍ، مسحوبًا ومطروحًا بعيدًا عن أبواب أورشليم" [18-19]. سبق فقال عنه "ويل لهذا الرجل" راجع [13]... وعلامة الويل الخارجية أنه بنَى قصرًا فخمًا بمال الظلم، ولم يجد جثمانه قبرًا يُدفن فيه، ولا من يبكيه. فكما لم يسمع لدموع المظلومين والمحتاجين، لا يجد من يسكب دمعة واحدة عليه. ليس من يندب قائلًا: "آه يا أخي، أو آه يا أخت؛ آه يا سيد أو آه يا جلالهُ." ماذا يعني بهذه الأسماء الأربعة (الأخ، الأخت، السيد، الجلالة)؟ أولًا: يرى البعض أن العبارة الأولى تصدر عن الحاضرين في الجنازة، ليس منهم من يقول للذين حوله: آه يا أخي، أو آه يا أختي، لأنه لا يشعر الرجال ولا النساء بالحزن على موت الملك. أما العبارة الثانية فيوجهها المشتركون في الجنازة نحو الميت، ليس منهم من يندب الملك كسيد أو صاحب جلاله. ثانيًا: يرى البعض أن العبارة الثانية تعني بالسيد الأب، وبالجلالة الأم أو السيدة. وقد وجدت في بعض النقوش الفينيقية عن الملك Azitawadda العبارة: [جعلني البعل أبًا وأمً]. وكأن الملك في اللغة التقليدية يتمم كل دور الأسرة كأبٍ وأمٍ وأخٍ وأختٍ. هنا لا يندب الحاضرون الملك لأنه لم يحقق شيئًا في حياته. لم يقم بدور الأخ أو الأخت أو الأب أو الأم. يُدفن دفن حمار، لا توجد له مقبرة لدفنه، بل يُسحب جثمانه إلى موضع القمامة خارج أبواب المدينة. يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس بأن نبوخذنصر قتله في أورشليم وترك جثمانه بلا دفن بعيدًا خارج أبواب المدينة. كيف يمكن التوافق بين ما ورد هنا عن موت يهوياقيم وعدم دفنه، وبين ما ورد في (2 مل 24: 6)، أنه رقد مع آبائه، مما يُشتم منه أنه قد دفن في مقبرة آبائه. يرى البعض أن ما ورد في (2 مل 24: 6) لا يعني بها دفنه إنما هي عبارة مستخدمة للتعبير عن الموت أيَّا كانت ظروفه. ويرى آخرون أن عبارة إرميا "يُدفن دفن حمار، مسحوبًا ومطروحًا بعيدًا عن أبواب أورشليم" [18-19] تعبير مجازي عن حال الملك، فإنه وإن كان قد دفن رسميًا، لكنه كان في عيني شعبه كحمارٍ ميتٍ لا يستحق إلا إلقائه خارج أسوار المدينة. هذه هي مشاعر شعبه من نحوه في لحظات موته ودفنه! |
|