منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 05 - 2013, 10:21 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,449

أفتيخوس
" كان شاب اسمه أفتيخوس
جالسا فى الطاقة متثقلا بنوم عميق"
(أع 20 : 9)
أفتيخوس
مقدمة
يطلق على أفتيخوس « أبو النيام » فى الكنيسة ، وقد يكون من أول من ناموا فيها ، ولكنه لا يمكن أن يكون الأخير ، ... والنوم فى الكنيسة وفى أثناء الخدمة أو إلقاء العظة ظاهرة تشغل المهتمين بالأمور الدينية إلى حد بعيد ، وهى تثير هذا السؤال : من الملوم فى مثل هذه الحالة !! ؟ أهو الواعظ ؟ قد يكون ، وقد نصح أحد مشاهير الوعاظ شماس الكنيسة ، قائلا له : إذا لاحظت أحداً ينام فى أثناء الوعظ ، لا تذهب إليه لتوقظه بل تعال إلى أنا وأيقظنى ، .. وقد يصل الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك ، كما عبر واحد من الغلمان الصغار وقد رفض أن يذهب إلى الكنيسة ، وعندما سألوه عن السبب أجاب : لأن وعظ الراعى ينيمنى ، وفى الوقت عينه صوته المرتفع المزعج يمنعنى من النوم ، فلا أنا بقادر على اليقظة ، ولا أنا بقادر على النوم ، ... أم أن السبب يرجع إلى السامع نفسه ، وما أكثر ما يلتقى الواعظ البليغ بالسامع الملول أو المجهد أو المتعب ، والذى لا يملك إلا أن ينام مهما كانت فصاحة العظة وبلاغتها وسحرها فى أذان باقى السامعين!!.. إن أفتيخوس بنومه فى تلك الليلة الشهودة يفتح أمامنا الباب لمناقشة هذه القضية !!.. والتى تعطينا فى تلافيفها صورة للواعظ والموعوظين وجو العظة ، ومن ثم يحسن أن نتأملها فيما يلى :
أفتيخوس وبولس الواعظ
كان أفتيخوس أسعد حظاً من القديس أوغسطينوس الذى كان يتمنى أن يرى بولس واعظاً ، .. ومع أن أجيالا كثيرة كانت ترغب ذات الرغبة إلا أننا يمكن أن نتصور هذا الواعظ الذى لا شك كان من أقدر وعاظ العصور والأجيال ، وذلك لأنه يحمل سمات الواعظ الناجح العظيم المقتدر ، وقد يكون من المناسب أن نأخذ القارئ بعض الوقت مع طلبة كليات اللاهوت ، ونحن نتحدث معهم عن « إلقاء العظة » وكيف يظهر هذا الإلقاء على أروع صورة ، عندما يتحلى الواعظ بالسمات الخاصة به، ... ومن المعتقد أن بولس كان من أقدر الوعاظ فى إلقائه للعظة ، .. وإذا كان ديموستينس الخطيب اليونانى الأشهر كان يؤمن أن الإلقاء هو الشئ الذى يأخذ المرتبة الأولى والثانية والثالثة فى خطابات البلاغة،.. فإن العظة تسمو عن ذلك بمضمونها القوى الفعال، فإذا صدرت عن واعظ ممتلئ بروح اللّه ، فإنها ستفيض بالقوة والجلال والفاعلية ، .. والواعظ المسيحى الناجح كبولس يستطيع أن يضيف إلى الخطابة حسب قواعدها البليغة ، قوة المضمون فى الرسالة التى يؤديها ، وأكثر من ذلك قوة الحياة التى يحياها ، لأنه من الصعب الفصل بين الواعظ والعظة ، وإن كان من اللازم أن نفعل ذلك فى بعض المواطن لأنه : « على كرسى موسى جلس الكتبة والفريسيون . فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه . ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لانهم يقولون ولا يفعلون» ( مت 23 : 2 و 3 ) .. أو كما يقول توماس كارليل بعبارة أخرى : « لا تكلمنى فإن صوت أعمالك يدوى فى أدنى أكثر من صوت كلامك » ... وفى كل جيل وعصر ظهر أمراء المنابر الذين عاشوا عظاتهم قبل أن ينادوا بها .. فكان الذهبى الفم ذهبى الحياة ، قبل أن يكون واعظ العصور والأجيال ، ... وربما كانت أعظم عظة وعظها اسبرجن لا تلك العظة التى ألقاها من فوق المنبر ، بل تلك التى ألقاها بسلوكه وحياته ، ... عندما اكتشف ذات يوم أن رجلا مأخوذاً بسحر عظاته ، ترك كل ثروته له ، ... وتبين لأمير الوعاظ أن أهل هذا الرجل فقراء جداً وأكثر حاجة إلى التركة ، أعادها اسبرجن بالكامل لهم !! .. ولا نشك قط فى أن أعظم عظة لبولس كانت بولس نفسه ، ولندع خيالنا يرسم صورة لبولس فى الليلة التى سقط فيها أفتيخوس من العلية ، عندما كان بولس يعظ !! ..
كان بولس يملك مظهر الواعظ المقتدر روحياً ، ونفسياً ، وطبيعياً ، .. ونقصد بالمظهر الروحى تلك المسحة التى تبدو عليه ، والتى لابد أنها تركت أثرها العميق فى نفوس المسامعين... غداة الحرب الأهلية الأمريكية كان هناك واحد من القواد الذين خاضوا المعركة ، ورشح نفسه فى الانتخابات بعد نهايتها ، ... وقد حدث أن أحدهم ، وكان لا يحب الرجل،آلى على نفسه أن يعطى صوته لآخر ، ... ولما دخل مكان الانتخاب تطلع إلى الوجوه، وكان من بينها وجه القائد المذكور ، وما أن استقرت عيناه عليه ، حتى أبصر وجهه وقد اكتسى بالألم الذى طبعته الحرب عليه ، ولم يستطع أن يقاوم فى داخله مشاعر العطف والحنان والحب التى ولدتها هذه النظرة ، وأعطى صوته له ، .. ومن المعتقد أن بولس كان ممتلئاً بهذه المسحة الروحية التى تأسر سامعيه ، .. وكان بولس يحمل إلى جانب ذلك المظهر النفسى ، ... والمظهر النفسى يعنى أن يظهر الواعظ فى الحالة النفسية التى ينبغى أن تكون عليها العظة ، إذ يلزم أن يكون صادقاً مع نفسه ، ومن نفوس سامعيه ، إذ لا يجوز أن يعظ عن الشجاعة وهو مرتعب ، وعن التعفف وهو دنئ ، ... إن العظة أساساً هى الصدى النفسى الداخلى للواعظ ، ونحن نشكر اللّه لأن داود - وحسناً فعل - لم يترنم بأى مزمور أمام اللّه فى خلال سقطته الشنيعة ، وعندما تغنى بالمزمور الحادى والخمسين ، غناه ، للأجيال كلها ، وهو يستعيد مركزه الصحيح أمام اللّه والتاريخ والأجيال ، ... وكان بولس فى العادة يتكلم من أعماق نفسه وبخلجات مشاعره ، .. وكان بولس يتحلى إلى جانب ذلك بالمظهر الطبيعى ، والمقصود بالمظهر الطبيعى هنا ، هو أن الواعظ ينبغى أن يكون أقرب إلى الطفل أو الصبى عندما يتكلم أو يعبر أو يلعب مع غيره دون أن يلاحظ أنه موضوع تحت ملاحظة أو رقابة أحد من الناس ، ... فانك تجد مظهره عادياً من غير تكلف أو تصنع على الاطلاق ، .. ويقال إن السر فى ذلك هو أن الطفل أو الصبى ينسى فى العادة نفسه ، الأمر الذى يصعب على الكبير عندما يواجه الناس ، أو يبدو أمام الآخرين ، وبولس عندما كان يعظ كان ينسى نفسه تماماً ، ولا يذكر إلا الرسالة التى كان عليه أن يؤديها ويكشفها للسامعين !! ..
يعتمد الإلقاء ، كما رأينا ، على مظهر الواعظ ، كما أن حركته علىالمنبر تلعب دوراً مهما فى لفت الأنظار ، ولست أعلم كيف كان يتحرك بولس ، وهو يعظ ، ... وقد أطلق على الحركة فى المنبر « كلام الجسد » فالجسد يتكلم على المنبر قبل أن يبدأ الواعظ وعظه ، وينتهى بعد أن يلقى آخر كلماته ، ولعلنا نذكر ذلك الواعظ الشاب الذى جهز عظة تصور أنها ستهز السامعين هزا ، وصعد إلى المنبر مندفعاً بخفته واستهتاره وألقى العظة ، وأحس هو قبل غيره بفشلها ، فنزل من المنبر بطيئاً منكمشاً ، وإذ تحدث باختباره إلى واعظ أكثر خبرة وأعمق إدراكاً ، قال له الواعظ التقى: لو أنك يابنى صعدت كما نزلت ، لنزلت كماصعدت !! .. على أن الأمر يعتمد أكثر من ذلك على الصوت ، ولست أعلم كيف كان صوت بولس ، وهل كان يملك الصوت الساحر ذا الرنين ، أو الصوت الفخم الضخم ، وإن كان من الواضح أنه كان من النوع الذى ينفعل بكل قوة حتى تصوره فستوس لفرط القوة والانفعال ، نوعاً من الهذيان : « أنت تهذى يا بولس . الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان » !! ( أع 26 : 24 ) .. على أية حال كان بولس الواعظ من أبرع وعاظ التاريخ وقد حسبوه فى لسترة هرمس إله الفصاحة والخطابة ، مما يدل على قوته العجيبة فى تملك ناصيـــة البيان والقدرة على التأثير فى الآخرين !! ..
فإذا حاولنا أن نتعرف على قدرة بولس الوعظية ، فإننا يمكن أن نرى هذه القدرة فى النماذج الوعظية المسجلة لنا فى كلمة اللّه ، فلنره فى أريوس بـــاغوس ، وأمام أغريباس ، وعندما تحدث إلى قسوس أفسس مثلا ، وهل ترى استهلالا ومقدمة أروع من استهلاله ومقدمته !! ؟ .. وإن المقدمة هى ذلك الجزء الأول من العظة الذى يقصد منه شد انتباه السامع وتحريك أفكاره وعواطفه لمتابعة الواعظ طوال العظة كلها ، ... ومن المسلم به أنه إذا نجح الواعظ فى المقدمة فإن الطريق سيكون مفتوحاً أمامه طوال العظة كلها للتأثير القوى البليغ على موعوظيه ، .. ومن المعروف أن السامعين ليسوا من صنف واحد ، بل هم فى العادة على أصناف متعددة ، فإلى جانب السامع المؤمن الذى هو من حظ الواعظ وينجذب بسرعة وسهولة إلى تيار العظة ، هناك السامع الملول الذى يتبرم ويتذمر إذا لم يسترح إلى العظة أو إذا تجاوزت صبره واحتماله،.. وهناك أكثر من ذلك ، السامع البليد ، أو السامع المعادى الذى قد يأتى متحفزاً بروح قاسية من العداء .. كان الكثيرون الذين يذهبون لسماع جورج هويتفيلد تمتلئ جيوبهم بالأحجار التى يحملونها استعداداً لضرب الواعظ بها ، ولكن المقدمة الساحرة ، كانت تسقطها من جيوبهم وأيديهم .. وشتان بين واعظ يحسن المقدمة وآخر لا يحسنها ، .. فى الحرب الأهلية الأمريكية كان هناك واعظ يضع الكتاب على المنبر ويضع إلى جواره المسدس ، وكان يعتذر للموعوظين بأنه مضطهد من أعدائه الذين يحاربونه ، وأنه ينبغى أن يكون مستعداً للدفاع عن نفسه ، وعلى العكس من ذلك كان هناك ضابط يقوم بالخدمة الدينية بين المحاربين ، ... وقد طلب إليه أن يعظ فى وسط جماعة كانت روحها مشبعة بالعداء لتحرير العبيد ، ... وكانوا ملزمين على حضور الاجتماع بأمر عسكرى ، ... وعندما بدأ الضابط الخدمة بين الجماعة قال لهم : أيها الأصدقاء ليس لى اختيار فى المجئ إلى هذا المكان ، لقد جئت إلى مدينتكم كضابط إلى مدينة ، لأهتم بنفوس أقربائى الذين هم أنتم الحاضرين هنا ، وأنا أقف فى مكان راعيكم الموقر بأمر عسكرى عال ، .. لكن أنا واعظ للمسيح نفسه الذى هو لكم ، وأنا أرجو أن تسمعونى لأجل اسمه !! ... » وقد قيل أن هذه المقدمة ملكت على قلوبهم فاستمروا يستمعون بشوق إلى هذا الواعظ طوال ثلاثة شهور قضاها بينهم !! ..
ونحن لا نستطيع أن نحدد ماذا تكلم بولس فى تلك الليلة وما نوع موضوعه أو الموضوعات التى طرقها ، ... وإن كان من المؤكد أنه لم يكن من عادته إطالة الكلام إلى مثل هذا الحد ، إذ كان الخطاب كما هو مفهوم خطاباً وداعياً ، ولا يصلح أن يكون قياساً للمواعظ العادية لبولس ، وطول العظة موضوع متنازع عليه فى كل التاريخ ، فبينما كان عصر البيورتان هو العصر الذى كان يرى العظة قصيرة ومبتورة ، إذا لم يتكلم الواعظ على الأقل ساعتين من الزمن ، ولا يمكن أن يلام بولس إذا أطال الكلام فى الليلة الوداعية ، ومن المتصور أنه تناول مواضيع جوهرية أساسية ، كان يلزم أن يثبتها فى أذهان الجميع ، وإذا كان أفيتخوس قد نام ، لهذا السبب أو ذاك ، فإن قدرة بولس على الإطالة فى الكلام ، وإثارة انتباه الجميع حتى منتصف الليل شهادة من الجانب الآخر ، له ، وليست عليه ، ... قال دافيد هيوم إن السفر عشرين ميلا لسماع هويتفيلد يعتبر أمراً هيناً ميسوراً أزاء قدرته الساحرة على جذب الانتباه إلى كلامه ، ومن المعتقد أن بولس رغم أنه تكلم فى ذلك اليوم ربما عشرين ساعة دون ملل من الآخرين ، فإن الاستماع إليه كان يشهد على ما فيه من قوة وجلد وجاذبية قل أن توجد بين الوعاظ جميعاً فى مختلف العصور والأجيال !! ..
أفتيخوس ينام وبولس يعظ
إذا كان بولس واعظاً عظيما مجيداً استطاع أن يملك على الجميع مشاعرهم إلى منتصف الليل،فلماذا نام أفتيخوس إذاً بل لماذا تثقل بالنوم العميق !! قد لا نملك الإجابة بالتحقيق ، لكننا يمكن أن نتصور أن أفيتخوس كان صبياً صغيراً ، فالكلمة التى تصفه « شاباً » هى فى الأصل أقرب إلى « الصبى » منه إلى الشاب ، ويظن البعض أنه كان ابن صاحب البيت ، ... وإذا استطاع الرجل القوى الناضج أن يغالب النوم ، فإنه يصعب على الصبى الصغير أن يفعل هكذا ... وإذاً ، هو ضعف الجسد ، وطراوة الحياة التى فعلت هكذا ، ... ومن اللازم أن نتوقف ههنا لكى نلاحظ المواءمة بين السامع والعظة ونوعها ووقتها ، ... فإذاً كان جورج هويتفيلد يشكفى أن التجديد يمكن أن يحدث بعد نصف الساعة الأولى من وقت العظة ، عندما يشحن الذهن أو يجهد الفكر أو تتوتر الأعصاب ، ... مما يعنى أن الأساس ينبغى أن يركز على مضمون العظة ، لا على امتداد الوقت فيها ، ... وقد قيل إن رجلا لم يكن يكره فى حياته أو يرتعب على ما صور تشارلس ديكنز فى إحدى رواياته - أكثر مما يكره أو يرتعب - من أجراس الكنائس عندما تقرع ، ويصل صوتها إلى سمعه ، وذلك لأن أباه كان من جماعة البيورتان وكان حريصاً على أن يأخذ ابنه وهو طفل إلى الكنيسة يوم الأحد ، ويجلسه إلى جواره طول وقت العبادة وقد ذكرنا أن العظة عند البيورتان كانت تستغرق على الأقل ساعتين من الزمان ، والولد مجبر على الجلوس دون حركة إلى جوار أبيه هذا الزمن الطويل ، الأمر الذى يتعارض مع طبيعته الغضة التى خلقه اللّه عليها،... وكانت الجلسة عنده نوعاً من العقاب والعذاب الذى جعله يتعقد ويكره الكنيسة وما فيها عندما شب عن الطوق ، ونحن لا نعجب لصبى صغير ينام فى العظة أو مدرسة الأحد ، طالما أن اللّه لم يعطه بعد الطاقة التى تمكنه من اليقظة طوال الوقت !! .. وهذا يقودنا بدوره للمواءمة بين وقت العظة وقدرة السامع على مواصلة الاستماع ، .. على أن هناك سبباً آخر واضحاً من سياق القصة ، وهو ازدحام المكان الذى لم يتح للشاب أن يجلس إلا فى الطاقة ، وكان مكان العبادة كما هو ثابت فى الدور الثالث من البيت ، وهو يعطينا صورة للعبادة فى أوائل العهد المسيحى ، عندما لم تكن هناك كنائس متسعة ذات قباب وأبهاء ونوافذ وما يلحق ذلك من فخامة وعظمة وجمال ، ... وبالتالى لم تكن هناك المنابر المرتفعة ، وفرق الترنيم ، وما أشبه مما يوجد بكنائسنا الكبرى فى هذه الأيام ، لقد نشأت الكنيسة فى بيوت ، مهما اتسعت ، فإن غرفها وقاعاتها محدودة لا تستوعب العدد الكبير الذى يتزاحم فيها ، ومع ذلك كانت بيت اللّه المهيب ، الذى يطل على باب السماء ، ... وهنا لابد لنا أيضاً من وقفة فيما يجوز أو لا يجوز فى بناء الكنائس.... قال أحد الرعاة الأمريكيين إنه كان يتمنى لو أن مائة ألف دولار أخذت من تكاليف بناء الكنيسة وألقى بها فى البحر ، وذلك لأن الكنيسة ، وقد بنيت بتكاليف كبيرة باهظة ، تحولت إلى ما يشبه المتحف أو المبنى الفخم الذى يذهب إليه الناس ليتسلوا بمنظره العظيم أكثر من الانتفاع به كمكان للعبادة يلتقى فيـــه الإنسان بعمــــق مع اللّه !! .. إن الفضيلة كما يقول أرسطو وسط بين رذيلتين ، ونحن لا نود أن يقف الإنسان من الكنيسة ليرى ما فيها من زينة وبهاء ، وفى الوقت عينه لا نود أن تكون مكاناً محتقراً مهدماً ضيقاً يبعث على الكآبة والألم لمجرد منظره ، ... إن الجمال الصحيح يكون فى الاتساع الذى يساعد على راحة الناس وعدم تكدسهم وتزاحمهم على نحو يخنق الأنفاس ، .. كان المكان مزدحماً ، وممتلئاً بالمصابيح ، وقد اختلف المفسرون حول كثرة المصابيح ، فرآها بعضهم تمييزاً ليوم الرب ، واعتقد بنجل أنها ضرورية فى منتصف الليل حتى تمنع أية شبهة للتصرفات الخاطئة فى الظلام والزحام ، وقال آخرون إنه جاء ذكرها لأنها كشفت ولا شك سقوط الشاب من أول لحظة ... وقال غيرهم إنها كانت السبب فيما تركته من حرارة فى المكان ، مما دفع الشاب إلى البحث عن الطاقة ليجلس فيها ، ... ومهما يكن فإنه واضح أن الزحام كان قاسياً وشديداً ، ولعل بولس كان يتصبب عرقاً وهو يتحدث طوال هذا الوقت ، .. وهنا مكمن التجربة ، فإن الشاب جلس فى المكان الذى ساعده لا على النوم فحسب ، بل على التثقل به ، وربما استسلم للهواء فنام ونعس ، وكانت النتيجة سقوطه من الطابق الثالث إلى الأرض !! .
أفتيخوس واللّه المعزى
وقع الشاب من الطاقة من الطابق الثالث وسقط ميتاً ، وما من شك فى أنأفكار الناس ومشاعرهم فى مثل هذه الحالات تختلف ، وتكثر التساؤلات والتفسيرات ، فأصحاب أيوب اختلفوا مع أيوب فى تفسير النكبات التى لحقت به ، والمأسى التى طوقته من كل جانب ، والذين رأوا الأفعى تنشب نابها فى يد بولس بعد خروجه ومن معه من السفينة المحطمة ، اعتقدوا فى أول الأمر أنه مذنب تطارده العدالة الإلهية ، فإن كان لم يمت غرقاً فإنه سيموت مسموماً ، ولما لم يسقط أمامهم انتقلوا من النقيض إلى النقيض وحسبوه إلهاً تسربل بجسد بشر بين الناس ، وهكذا الناس دائماً يجنحون فى تفسيراتهم ، إلى مختلف دروب الظنون والمشاعر والأحاسيس دون ربط أو ضبط على الإطلاق ، ... فى الواقعة التى أمامنا ، ربما يوجد من يلوم الشاب لأجل نومه فى أثناء الصلاة أو العبادة ، ... وما أكثر ما يسخط الساخطون سواء كانوا وعاظاً أم موعوظين من أولئك الذين ينامون فى أثناء المواعظ ، وقد « يغطون » أيضاً فى نومهم ، ... وقد يلام الشاب للمكان الذى جلس فيه ويصفونه بالحماقة والاستهتار والغباء إذ ليست الطاقة بالمكان الذى يجلس فيه الناس ، وقد يقرعه آخرون لأنه جلس فى ممر الهواء واستسلم للهواء البارد الذى ساعد على تثقله بالنوم ، ... وقد يضيق آخرون به لأنه حبس الهواء عن الآخرين فى مكان مزدحم ، ولعل اللّه عاقبه على هذا كله ، . لكن القصة تحول هؤلاء جميعاً إلى ما يشبه السؤال الذى طرحه التلاميذ على السيد تجاه المولود من بطن أمه أعمى : «أأخطا هذا أم أبواه حتى ولد أعمى » ، ولم يشف السيد فضول التلاميذ لأن هناك أسراراً متعددة تحيط بالحياة البشرية ، ولا مجال لتفسيرها على الأرض ، ... ولا نحس من سياق القصة أن بولس غضب أو قرّع الشاب الذى نام أثناء وعظه ، فأمام الكارثة لا يجوز للعواطف الرخيصة أن تشق طريقها ، أو للاتهامات أن تأخذ سبيلها ، والصمت أزاء ما فعل اللّه أجدى وأنفع ، ونحن على أية حال نرى اللّه أوسع حباً وحناناً ورحمة من الجميع ، فحتى ولو أخطأ الشاب وتصرف بحماقة ورعونة وإسفاف ، فإن اللّه لا يصنع معه حسب خطاياه أو يجازيه حسب آثامه ، ... والفرق واضح بين فعل الشاب وفعل حنانيا وسفيره ، لقد نال الزوجان عقابهما نتيجة الإصرار على الشر والرغبة فى تغطيته مما سيكون وبالا على الكنيسة وتدميراً لها وهى لا تزال زهرة تشق طريقها إلى الحياة والنور ، لكن أفتيخوس كان ضحية ضعف الجسد الذى يترفق به اللّه فى طول أناته وإحسانه وجوده ورحمته ، وأفتيخوس النائم الساقط يكفيه أن يتعلم العبرة التى تلاحقه الحياة كلها،... ولا أعلم هل نام مرة أخرى فى الكنيسة ، أم ترسبت الواقعة فى وجدانه بعد ذلك فنبهته كلماهم به الضعف أو ناله الإعياء والتعب ، على أية حال إنها لمسة الحنان من ذاك الذى أبصر تلاميذه فى جثسيمانى فقال لهم فى عتاب رقيق «أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة ، اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة . أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف » .. ( مت 26 : 40 ، 41 ) . وهى لمسة الحنان أيضاً التى حولت الكارثة إلى ينبوع من الإحسان والتعزية ، كثيراً ما نسأل لماذا لا يمنع اللّه الكارثة ؟ ومع أنه سؤال جرئ ربما لا يحق لنا أن نسأله . إلا أن أعمال اللّه وأمجاده تظهر فى العادة فى خلال الكارثة وبسببها وهنا يأتى جواب المسيح لتلاميذه عندما سئل عن الأعمى إذ قال : « لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال اللّه فيه » (يو 9 : 3 ) ... فإذا كانت خطية الإنسان قد كشفت عن حب اللّه ، ... وإذا كانت المآسى مكروهة عند اللّه وعند الناس ... لكنها مع ذلك هى فرصة اللّه فى الكشف عن وجوده وقدرته وإحسانه للذين يتطلعون إليه !! ... فإذا نظرنا إلى أفتيخوس وهو يقطع العبادة ووعظ بولس ، ويحدث ولا شك الارتباك الذى أحاط بالجميع نتيجة الحادث ، فلنتطلع إلى عمل اللّه العجيب الذى قصد إعلانه من وراء عودة الشاب إلى الحياة ، ... ولا شك فى أن هذا قوى إيمان العابدين وإيمان بولس نفسه ، وبين كيف أن اللّه يقف مع عابديه وعبيده ولا يسلمهم إلى الضياع والبوار وفقدان الثقة واليقين والإيمان ، وكان تعزيزاً لرسالة بولس وختما لها وبرهاناً أمام الجميع على سلامتها وصدقها،... كما أنها تعلمنا أنه لا يوجد شئ اسمه متأخر أو بلا رجاء فى القدرة الإلهية، لأن « عند الرب السيد للموت مخارج » ( مز 68: 20) ، .. كانت العلية مضاءة بمصابيح كثيرة ، وقد شاء اللّه أن يعطيهم - وقد تكلم بولس إلى الفجر ، بعد الواقعة فى نصف الليل - مصباحاً جديداً وهاجاً ، وتحولت حرارة العبادة وأنوارها إلى شئ لم يسبق له مثيل عند منتصف الليل ومن ثم قيل : « وأتوا بالفتى حياً وتعزوا تعزية ليست بقليلة » ( أع 20: 12 )..
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أفتيخوس المغلوب
كفاك وعظاً يا بولس فقد نام أفتيخوس...يا أفتيخوس كيف تنام وبولس هو الذى يعظ؟
أفتيخوس
أفتيخوس
أفتيخوس


الساعة الآن 01:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024