رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سرّ يسوع تقديس الإنسان للاتحاد بالله شهادة حية لإيمان مُسَلَّم من جيل إلى جيل [ من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كو 6 : 17) سر يسوع تقديس الإنسان أي تأهيل الطبيعة البشرية للحياة مع الله كمجال حي لنتذوق عمل المسيح الخلاصي في حياتنا الجزء السابع:/ التقديس والاتحاد بالله امتداد دائم إن التقديس التي تحدثنا عنه الذي هو الاتحاد بالله وسكناه الحقيقي فينا ووحدتنا معه (أي التأله حسب المصطلح الآبائي) لا يتوقف عند حد، أو مرحلة معينة [ها ملكوت الله داخلكم (لو 17: 21) ]، وملكوت الله بطبعه يمتد وينمو في الإنسان، على قدر انفتاح القلب لاستقباله ونمو كل واحد فيه بحسب عمل الروح القدس، روح التقديس. [ ومن هُنا نفهم لماذا نستمر ونظل نتناول من سرّ الإفخارستيا ]. أن التقديس أو مسيرة الإنسان في حياة القداسة بالنعمة واتحاده مع الله ليس رتيباً أو وقوف ثابت، بل هو ممتداً في ملئ لا ينضُب. ففي مُلك يسوع كل واحد يتقدم دائماً إلى الأمام، في سعي متواصل لا ينتهي قط [ أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي إني قد أدركت ولكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع (في3: 13 – 14)]، فكل واحد يتقدم للأمام مستنيراً أكثر فأكثر بنور الثالوث القدوس. ويقول القديس غريغوريوس النيصي: [ هُنا أن تحيا يعني أن تتغير. وأن تُصبح كاملاً يعني أن تكون قد تغيرت ]فيا إخوتي، أننا بلا أدنى شك، سنبقى على الدوام في شوقٍ إلى الامتلاء من الله غير المحدود وغير المتناهي. نحن بطبيعتنا المخلوقة محدودون وهو بطبيعته اللاهوتية غير محدود، وغير نهائي. وسيبقى شوقنا إليه وامتلائنا منه عملين دائمين من جهة، ومتزايدين لحظة بعد لحظة من جهة أُخرى، لأننا سنظل نمتلئ وندخل من مرحة لمرحلة أخرى في الملء والقداسة، وهكذا نستمر ولن نتوقف قط... فبما أن الله غير محدود، فإن قداستنا وامتلائنا منه واتحادنا بشخصه هو تقدم دائم نحو الأمام، هو امتداد دائم مستمر لا يتوقف: [ أيها الإخوة: أنا لست أحسب نفسي قد أدركت. ولكني أفعل شيئاً واحداً: إذ أنسى ما هو وراء وأمتدإلى ما هو قدام ] (في3: 13) فالإنسان دائماً يمتلئ من الله، ومع ذلك يسعى دائماً إليه ولن يتوقف إطلاقاً إلا لو أصابه مرض روحي عطل مسيرته، أو خطية أربكت حياته، ولكنه يعود ويتوب ويلتمس الغفران والشفاء من الله ليستكمل المسيرة مرة أخرى وبشغف وشوق أعظم ناسياً ما فات ممتداً إلى الأمام... والنفس دائماً تفرح في الرب، ومع ذلك تنمو دائماً في فرح أكثر [ أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً أفرحوا ] (في 4: 4) وعموماً الله دائماً ما يقترب أكثر فأكثر منا، ومع ذلك سيبقى هو الله المحب الذي نسعى إليه أكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، وسنلتقي به وجهاً لوجه، ومع ذلك نستمر في الاقتراب منه أكثر فأكثر ونتعمق في سره الإلهي، ونكتشف أعماق هذا السرّ في كل أيام حياتنا بإعلان الروح القدس الذي يسكن أوانينا الخزفية الضعيفة... وبالرغم من أننا لم نعد غرباء عن الله، ومع ذلك لن نتوقف عن أن نكون سائرين نحوه بشغف عظيم ومستمرين في المعرفة والرؤيا والقرب منه، متغيرين لصورته عينها [ من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كو3: 18) إننا حقاً لن نصل أبداً إلى نقطة الاكتفاء والإنجاز النهائي لكل شيء، أو نكتشف كل ما يُمكن اكتشافه أو ندرك إدراك كامل لجميع الأسرار الإلهية، ويقول القديس إيرينيئوس: [ ليس فقط في هذا الوقت الحاضر، بل وفي الدهر الآتي أيضاً، سيكون لدى الله دائماً شيء ما جديد ليُعلمه للإنسان وسيبقى لدى الإنسان دائماً شيءٌ ما جديد ليتعلمه من الله ] الشوق إلى الله لهيبٌ لا يبرد. فكلما وصل المشتاق إلى الله إلى درجة، فأنه يزداد لهيباً ليصعد لدرجة أخرى، ولذلك فهو يبتدئ باستمرار. فكل نقطة يصل إليها تُصبح بداية انطلاق لنقطة أعلى، يأخذ من الخبرة السابقة قوة وينطلق بها لقوة أعظم ليدخل لخبرة جديدة أمجد، وبذلك يستمر يمتد بلا توقف... ونجد القديس بولس الرسول الذي قال أنسى ما للوراء وامتد لما هو قدام في فيلبي، أنه قالها بعد أن نوه في رسالة كورنثوس الأولى (2: 9 – 10)، رسالة كورنثوس الثانية (12: 1 – 4) بالمشاهدات الإلهية وصعوده للسماء الثالثة، ومع ذلك قال أنسى ما للوراء وامتد لما هو قدام، فهو لم يجلس ويتوقف عند مرحلة معينه بل تركها ليدخل في مرحلة أعمق وأمجد ناظراً لما هو قدام، مع أنه لم ينسى خبراته الروحية السابقة بل ظلت في قلبه كأساس لا يهتز أو يتزعزع ليكمل عليه البناء. وكذلك موسى أيضاً في العهد القديم، فبعد أن صعد إلى الجبل وعاين الله لم يكتفي بل طالب بأن يراه بعينيه، لذلك نجد أن كل من يعرف المسيح الرب حسب إعلان ذاته في القلب بالروح القدس، فأنه دائماً يشتاق إلى ما هو أعلى وأعظم وأعمق، فالله لا يُشبع منه أبداً، بل نظل نشرب ونرتوي ونشبع من ماء الحياة ودسم النعمة الذي يمدنا بالقوة الفائقة...فالله الذي هو الخير والجمال الأعظم [ أنت أبرع جمالاً من بني البشر. انسكبت النعمة على شفتيك ] (مز45: 2)، هو الذي يجذب النفس إليه بلا هوادة: فالنفس تتذوق الله بالمحبة، ولكنها لا تشبع منه قط، تستنير منه ولكنها تبقى في ظل نوراني، لأن مشاهدة النور الكامل والمطلق وبتمامه مستحيلة الآن ونحن في الجسد... الله سرمدي أزلي أبدي غير متناهٍ في جوهره، والنفس خالدة وغير متناهية لا في جوهرها بل في صيرورتها حسب دعوة الله وسر خلقتها على صورته، فهي في حالة صيرورة دائمة تنمو وترتفع من درجة إلى درجة حسب النعمة المعطاة لها أي الموهوبة لها. فهي بالروح القدس تدخل إلى أعماق الله، ولكن تبقى أعماق الله مستحيل الوصول إلى كمالها المطلق... يدخل الله إليها ويسكن فيها، ولكنها لا تستطيع أن تحوي كماله، فتطلب المزيد باستمرار فتخرج عن ذاتها إلى الله المحبة النورانية التي تبدد كل شبه ظلمة في أعماق النفس الداخلية...ولا يزيد تقدم النفس إلا اضطراماً ولهفة للتقدم والتعمق. فهي تُفتش دائماً وأبدا عن الله وتستمر في الشوق إليه، وتُجاهد طالبه إياه وحده. فالركض متواصل وبلا توقف. والله يوسع إمكانيات النفس لتدخل إلى العمق، إلى مياه سباحة نهر لا يُعبر (حز 47: 5)، وهي تنال منه بصورة نسبية، أي بحسب حالتها، أي في كل درجة، مثلاً، تنال بحسب وضعها في هذه الدرجة الروحية، وحينما تصعد إلى درجة أخرى أعمق تزداد سعتها فيزداد عطاء الله لها، فهي دائماً تسأل الله لتنال منه والله يجود عليها ويفيض... ومن هُنا نستطيع ان نفهم قول القديس مقاريوس الكبير: [ النفس التي تحب الله بالحق، ولو أنها تعمل عشرة آلاف من أعمال البرّ، فهي تعتبر ذاتها أنها لم تعمل شيئاً بسبب أنها لا تشبع من إلهام الله.
|
|