تشير عبارة " خُذْ ما لَكَ وَانصَرِفْ " إلى المُتذمِّرين الذين رفضوا أن يأخذوا الأُجرَة المُتَّفق عليها. إنَّ الله الإله الكريم هو عادِلٌ، ولا يحرم أحداً مكافأة تعبه. أمَّا عبارة "فَهذا الَّذي أَتى آخِراً أُريدُ أَن أُعطِيَهُ مِثلَك" فتشير إلى تشديد على إرادة السَّيِّد في العطاء. السَّيِّد يُعطى ليس بحسب الأعمال والاستحقاق فحسب، إنما أيضا بحسب محبته ورحمته ونعمته. وهو يعطى أكثر مما نظن، أنه يُعطي بحسب نعمته، كما جاء في تعليم بولس الرَّسول: "ذاكَ الَّذي يَستَطيعُ، بِقُوَّتِه العامِلَةِ فينا، أَن يَبلُغَ ما يَفوقُ كثيرًا كُلَّ ما نَسأَلُه أَو نَتصَوَّرُه" (أفسس 3: 20). إن ملكوت الله لا يقوم على موازنة حسابية، إنما على كَرْمِه تعالى وصلاحه وحريته. وإذا كانت الأجور تقرِّر على أساس ما يؤدِّيه العامل، وعلى أساس مؤهلاته وكفايته ومدى إنتاجه، فإنما نظام الأسرة يتبع نظاما آخر، فالآب يوزَّع بين بنيه على أساس الحاجة، لا على أساس المقدرة الإنتاجية. ونظام الأسرة هو نظام ملكوت الله. والله لا يمنح النَّاس اقلَّ مما يستحقون، بل يُجزل لهم العطاء دائما أكثر ممَّا هم أهل له.