اعتراضات والرد عليها
1 يعترضون بأن الله اختار يعقوب دون عيسو، من بطن أمه. وقال لها (في بطنك أمتان.. وكبير يستعبد لصغير) (تك 25: 23) كما هو مكتوب: (أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو) (رو 9: 12، 13).
ولاشك أن هذا الاختيار مبنى على علم الله السابق. فهو كان يعلم ماذا سيكون عليه يعقوب بكامل إرادته، وكيف سيكون عيسو بكامل إرادته (زانيا ومستبيحًا) (عب 12: 16) ولن يبالى بالبكورية بل سيبيعها بأكلة عدسويحتقرها (تك 25: 34) ولكن الله في كل ذلك لم يدفع عيسو إلى طريق الهلاك. ولم يرغم يعقوب على عمل الخير. وهذا الاختيار المبنى على سابق علم الله، يوضحه القديس بولس الرسول بقوله:
(الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم) (رو 8: 29)
فالله يعرف ما سوف تعمله خلائقه في المستقبل بكامل إرادتها، وكيف ستكون شخصيتها وسلوكها. وبناء على هذا، يختار الشخص المناسب للعمل المناسب. وقد يهبه المواهب التي تساعده على ذلك كما حدث مع يوحنا المعمدان، وأرمياء النبي ويعقوب، الذين أختارهم من بطون أمهاتهم، ومنحهم مواهب..
على أن هناك أشخاص آخرون منحهم الله مواهب وهلكوا..
حتى الشيطان نفسه كان من أصحاب المواهب، وبدأ حسنًا كرئيس ملائكة ثم أهلك نفسه. ولم يختره الله للشر، بل هو حول نفسه إلى شيطان.. ويهوذا اختاره الرب ضمن الاثني عشر، واستأمنه على الصندوق، وكان يجلس قريبًا منه على المائدة.. ولكنه خانه وأهلك نفسه.. !
مبدأ الفرص إذا كان محتاجًا للكل. والبعض أتيحت لهم الفرصة والاختيار وأهلكوا أنفسهم.
2 يعترضون بقول الكتاب: (ما أعده الله للذين يحبونه) (1كو 2: 9) وحسنًا أن الآية هنا تقول: (للذين يحبونه) وليس (للذين يحبهم) فبناء على ما في قلوب هؤلاء المحبين لله من مشاعر مقدسة، قد أعد الله لهم ذلك النعيم الأبدي.
3 يعترضون بقول الكتاب: (ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل الله الذي يرحم) (رو 9: 16)
ولعل هذه الآية تذكرنا بآية أخرى على نسقها تمامًا وهى: (أنا غرست وأبولس سقى، لكن كان ينمى. إذن ليس الغارس شيئًا، ولا الساقي، بل الله الذي ينمى) (1كو 3: 6، 7) وطبيعي أن الله لا ينمى الفراغ، إنما ينمى ما قد غرس وسقى.. وبنفس الوضع (ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل الله الذي يرحم)
والله يرحم من؟ يرحم الذي يشاء، الذي يسعى. ولكن مشيئة الإنسان وحدها لا تكفى، وسعيه لا يكفى، بدون رحمة الله. تمامًا كما أن الغرس والسقي وحدهما لا يكفيان بدون الله الذي ينمى..
إذن ليس معنى الآية أن الله يرفض المشيئة المقدسة والسعي المقدس. ويرحم من لا يشاء ولا يسعى، كلا طبعًا. إنما الأهمية الكبرى تعي لعمل الله معنا، حتى لا يفتخر أحد بأعماله..
4 يعترضون بعبارة: (ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟) (رو 9: 20).
وطبيعي أن الإنسان لا يقول لخالقه: (لماذا صنعتني هكذا؟) فليكن كما يكون، صاحب مواهب كثيرة، أولا مواهب له.. ولكن ليس لهذا تأثير على أبديته وخلاصه..
وقد يكون إناء هوان على الأرض، ويكون مصيره الأبدي عكس هذا، كما كان لعازر المسكين. ولكن لا يمكن أن تعنى (إناء للهوان) أن يكون إناء للشر، لأن الخزاف العظيم لا يمكن أن يصنع آنية للشر. فالشر ليس الله مصدره.
5 ومع ذلك كثيرًا ما جعل الله بعض الناس آنية كرامة على الأرض، وهم غيروا مصائرهم بصفة دائمة أم مؤقتة:
فشاول البنياميني حل عليه روح الرب فتنبأ، وصار رجلًا آخر (1صم 10)، وأخذ المسحة المقدسة من صموئيل النبي، ولكنه حول نفسه إلى إناء هوان بإرادته، لما استقل عن الله وخالفه، ففارق روح الرب شاول (1صم 16).
وبلعام كان آنية للكرامة، وتنبأ نبوءات عن السيد المسيح، وكان موضع إكرام الملوك (عد 22 - 24) ولكنه حول نفسه آنية للهوان، لما وقع في الضلالة، ونصح بلاق أن يلقى معثرة أمام الشعب (رؤ 2: 14).
وشمشون جعله الله آنية وحل عليه روح الرب وكان يقوده (قض 13) ولكنه حول نفسه إلى آنية هوان في فترة معينة وفقد كرامته وكسر نذره (قض 16) وأخيرًا عاد آنية للكرامة وحسب مع رجال الإيمان (عب 11: 32).
6 أرى البعض كانوا مختارين، فليسمعوا إذن قول الرسول:
(لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين) (2بط 1: 10).