لماذا لم يظهر الله في أشياء أعظم من الإنسان مثل الشمس أو القمر أو الكواكب؟
ج: الحقيقة أن لا الشمس ولا القمر ولا الكواكب أعظم من الإنسان، لأن أي منها لم يخلق على صورة الله ومثاله، ولذلك عندما خلق الله الخليقة المادية قال "حسن" ولكن عندما خلق الإنسان الذي يجمع بين الخليقة المادية والروحية قال "حسن جدًا" فإن الإنسان خُلِق على صورة جابلة، ويقول القديس كيرلس الأورشليمي "لقد خلق الله العالم في ستة أيام ولكن العالم قد خُلق أصلًا لأجل البشر!! فالشمس المتألقة بالأشعة الباهرة إنما خُلقت لتضئ للإنسان. بل إن كل الكائنات الحية قد صنعت لخدمتنا، فالأعشاب والأشجار خُلِقت لنتمتع بها.. وكل الخليقة كانت حسنة ولكن لا شيء منها كان على صورة الله ما خلا الإنسان وحده!! لذلك نرى إن الشمس مثلاُ قد خُلِقت بمجرد كلمة من فم الله، أما الإنسان فهو صنعة يديه "لنصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا" فإذا كانت الصورة الخشبية ( التمثال) للملك تحظى بالإكرام، فكم بالحري صورة الله الناطقة؟!!" (مقال 12 للموعوظين) (2).
ولم يأتِ الله ليتباهى ويتظاهر أمام البشرية، إنما جاء ليصنع خلاصًا للإنسان الشقي ويشفيه من آلام الخطية وسم الحية، فالإنسان هو الذي أخطأ وهو الذي يحتاج للخلاص وليس الشمس ولا القمر ولا الكواكب، فيقول القديس أثناسيوس "والآن إذا سألوا قائلين: لماذا لم يظهر بواسطة أجزاء أخرى من الخليقة أشرف وأسمى، ويستخدم أداة أشرف كالشمس أو القمر أو الكواكب أو النار أو الهواء، بدلًا من مجرد الإنسان؟ فليعلموا أن الرب لم يأتِ لكل يتظاهر ويتباهى بل لكي يشفي أولئك الواقعين تحت الآلام ويعلمهم. فالطريق لمن يريد أن يتظاهر هو أن يظهر ويُبهِر الناظرين ويُذهِل عقولهم. أما من يطلب أن يشفى ويعلم الطريق، فعليه أن لا يكتفي بمجرد حلوله هنا، بل يقدم نفسه لمساعدة المحتاجين، وأن يظهر في الشكل الذي يحتمله من هم في حاجة إليه، لئلا -إذا أفرط في سد حاجة المتألمين- يزعج المحتاجين إليه. وبذلك يجعل ظهور الله عديم الجدوى لهم.
والواقع أنه لم يضل أحد من الخليقة عن الله إلاَّ الإنسان وحده، فلا الشمس ولا القمر ولا السماء ولا الكواكب ولا الماء ولا الهواء انحرفت عن نظامها، ولكنها إذ عرفت صانعها وضابطها (الكلمة) فهي باقية كما صُنِعت. أما البشر وحدهم، فإذا رفضوا ما هو صالح، اخترعوا أشياء من العدم عوض الحق، ونسبوا الكرامة المستحقة، ومعرفتهم له، إلى الجن والبشر في شكل حجارة.. ولأن البشر كانوا لا يزالون عاجزين عن أن يدركوا انه هو ضابط الكل ومدبر الكل، لذلك كان صوابًا أن يتخذ لنفسه جزءًا من الكل كأداة أي جسده البشري ويتحد به" (تجسد الكلمة 43: 1-5).