القمص تادرس يعقوب ملطي8
أمومة القديسة مريم في الكتاب المقدس
-
يشهد الكتاب المقدس لأمومة القديسة مريم لكلمة الله، إذ نراها في الكتاب المقدس تُلَقِّب ابنها (الله) (يو 20: 28)، فتكون هي أم الله. وفي البشارة يتحدَّث الملاك غبريال عن الطفل الذي تحبل به أنه "ابن العليّ" و"القدوس" و"ابن الله".
وعندما دخلت القديسة مريم بيت نسيبتها أليصابات وسلَّمت عليها، ركض الجنين في أحشائها بابتهاج (لو 1: 41، 44)، وامتلأت أليصابات من الروح القدوس الذي وهبها إدراك سرّ التجسد الإلهي. فنرى أليصابات السيدة التي بلغت سن الشيخوخة، زوجة الكاهن، والحاملة في أحشائها النبي العظيم يوحنا، تتصاغر جدًا أمام هذه الفتاة اليتيمة الفقيرة صغيرة السن، إذ أدركت أنها أُم ربّها، فقالت: "من أين لي أن تأتي أم ربي إليَّ؟" (لو 1: 43). هكذا بينما كان العالم كله يجهل كل شيءٍ عن البشارة للقديسة مريم إذا بالقديسة أليصابات تُعلِن أمومة مريم لربِّها، رغم عدم وجود أية علامة ظاهرة لهذا الحدث الإلهي.
والأمر المُدهِش في هذه الأحداث العجيبة (ركوض الجنين بابتهاج، وامتلاء أليصابات بالروح القدس، وشهادتها لأمومة العذراء لربّها)، تمَّت بمجرد إصغاء أليصابات لسلام مريم، ك . وكأن ابن الله الساكن في أحشاء القديسة مريم قد تكلم بنفسه على فم أمه، وعمل خلال تصرفاتها.
يُعَلِّق العلامة أوريجينوس على كلمات لأليصابات وعلى لسانها، قائلًا: [أيُّ عمل حسن قمْتُ به؟ أو ما هي أهميّة الأعمال التي مارِسْتُها حتى تأتي أم ربّي لرؤيتي؟! هل أنا قدّيسة؟! أيُّ كمال أو أيَّة أمانة داخليّة بموجبها استحقّقتُ نيل هذا الامتياز: زيارة أم ربِّي إليَّ[57]؟!]
ويعلِّق القدّيس أمبروسيوس قائلًا على لسانها:
["من أين لي"، بمعنى أنها لفرصة عظيمة أن تأتي أم ربِّي إليّ، أعترف إني لا أَستحقُّها.
"من أين لي"، أي فضَّل لي، أو أيّ عمل قمتُ به، أو أيّ حق هو لي.. فإنَّي أشعر بالمعجزة وأَتلمَّس السرّ.]
يقول العلامة أوريجينوس: [قبل ميلاد يوحنا تنبَّأت أليصابات، وقبل ميلاد الرب مُخَلِّصنا تنبَّأت مريم. وكما بدأت الخطيّة بالمرأة ثم بلغت إلى الرجل، هكذا بدأ الخلاص في العالم بواسطة نساء العالم، تغلَّبْن على ضعف جنسهن. لننظر الآن نبوَّة العذراء وهي تقول: "تُعظِّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلِّصي"، فإنَّ النفس والروح يشتركان في التعظيم[58].]