رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وجود اللّه تعالى
قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص يعجز عقل الإنسان عن إدراك طبيعة اللّه تعالى وجوهره وكيانه فهو تعالى أسمى من أن تحصره طبيعة مخلوقاته، فهو على حد قول الرسول بولس «الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور الكرامة والقدرة الأبدية. آمين»(1تي 6: 16). ولكن عقل الإنسان بنوره الطبيعي الذي وهبه إيّاه اللّه، يستنتج من المخلوقات وجود خالق لها، فكل معلول له علة، الأمر الذي يعد من بديهيات العقل، وشريعة المنطق، يقول أيوب الصدّيق «فاسأل البهائم فتعلمك وطيور السماء فتخبرك أو كلّم الأرض فتعلمك، ويحدثك سمك البحر، من لا يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا»(أي 12: 7) ويقول الرسول بولس: «لأن أموره غير المنظورة منذ خلق العالم مُدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنّهم بلا عذر»(رو 1: 20). فقد فطر اللّه الإنسان الناطق العاقل، على الاعتقاد بوجوده تعالى، وقد صار هذا الاعتقاد شبه غريزة في الإنسان، لذا نرى البشر في كل أجيالهم منذ بدء التاريخ على وجه هذه البسيطة، يبحثون عمن أبدع هذه الدنيا بما فيها وما عليها، وخلق الإنسان دون سائر الأحياء ناطقاً عاقلاً، فنور العقل الطبيعي، والشعور الغريزي في الإنسان يحمله على الاعتقاد بوجود كائن أزلي قدير واجب الوجود، لا علة له، وهو علة العلل كافة. كما أن العواطف الدينية راسخة في كيان الإنسان فهو ميّال إلى التعبّد وتقديم الخضوع لخالقه، ولذلك ففي كل أجيالهم عبد البشر إلهاً أو آلهة بغض النظر عن ماهية هذا الإله، وهم بعبادتهم حتى الأصنام برهنوا على أن في داخلهم وازعاً يدفعهم إلى الاعتقاد بوجود اللّه. وإذ أخفقوا في معرفة الإله الحقيقي، أعلن هو عن نفسه لآباء العهد القديم والأنبياء بالرؤى والأحلام وكلّم بعضهم فماً لفم حتى جاء مشتهى الأمم الرب يسوع الإله المتجسّد فكلّمنا اللّه به (عب 1: 1) وهو «الله ظهر بالجسد»(1تي 3: 16) وكما يقول الرسول بولس «الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر»(يو 1: 18) لأنه بهاء مجده ورسم جوهره (عب 1: 3). استخدم الرسول بولس شعور الإنسان بوجود اللّه، ولئن جهل هذا الإله، استخدم ذلك وسيلة ناجحة ليبشر أهل أثينا بالإله الحقيقي. ويذكر لوقا في سفر أعمال الرسل، أنه فيما كان الرسول بولس يتجوّل بين تماثيل مدينة أثينا، مهد الحكمة وكعبة الفلسفة والفلاسفة يومذاك، وجد «مذبح الإله المجهول» فرأى تلك التسمية اعترافاً صادقاً من فلاسفة اليونان بعجزهم عن الوصول إلى معرفة الإله الحقيقي، مما دعاهم إلى إقامة العبادة على هذا المذبح (للإله المجهول) فانتهزها فرصة ذهبية سانحة ليعلن لهم أن ذلك الإله الذي يعبدونه ولا يعرفونه هو الإله الحقيقي الذي خلق العالم وكل ما فيه. هذا إذ هو رب السماء والأرض ولا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي، ولا يخدم بأيادي الناس كافة كأنه محتاج إلى شيء، إذ هو يعطي الجميع حياة ونفساً وكل شيء... لأننا به نحيا ونتحرّك ونوجد (أع 17: 22 ـ 34). لقد كانت قلوب اليونانيين مهيّأة لقبول الإيمان الحق، لأن عقولهم التي كانت ثاقبة كانت كعقول سائر البشر تملك الميل الطبيعي الغريزي بوجود اللّه، ووجوب عبادته وكانت تمتاز عن غيرها باستنارتها بنور الفلسفة، فتلك الحكمة ألهمتهم الاعتراف بوجود الإله العظيم الذي يفوق أصنامهم ويمتاز بما وصفه به شعراؤهم وحكماؤهم بالحكمة والمقدّرة والحياة «لأننا به نحيا ونتحرّك ونوجد» فآمنوا على يد الرسول بولس بالله، الإله الحقيقي، وقبلوا الرب يسوع المسيح مخلصاً. والكتاب المقدس، الموحى به من اللّه، يشهد على وجود اللّه خالق الكون ومبدعه ومدبّره، والكتاب المقدس ينطوي على النبوات التي أوحى بها اللّه إلى أنبيائه الصادقين، وتمّت بحذافيرها في أوانها بعد أن أعطيت بمئات السنين، فهي أقوى حجة، وأوضح برهان على وجود اللّه تعالى الذي جعل الأوقات والأزمنة تحت سلطانه المطلق، فالماضي والحاضر والمستقبل معروفة لديه، بل الأكوان والأزمان كلها تحت أمرته وسلطانه، وهو قد وضع لها نظمها لتسير بموجبها، وهو يتصرّف بها بحسب مقاصده الإلهية. وقد تناول آباء الكنيسة القديسون عقيدة وجود اللّه بالدرس الدقيق، وتركوا لنا أبحاثاً نفيسة، ومن هؤلاء مار سويريوس يعقوب البرطلي مطران دير مار متى وأذربيجان (1241 +) الذي يقول: «إن اللّه غير مدرك، فالمدرك ـ كما يقول الفلاسفة ـ إنّما يدرك بأمرين: إما بالعقل وإما بالحواس الخمس فالذي يسمو عن حواس المخلوقات وفكرها لا يدرك البتة، إذن اللّه غير مدرك، وإننا نستدلّ على وجود اللّه من الطبيعة، والكتاب المقدس، فمن الطبيعة من البرهان الآتي وهو: إذا شاهدنا بناء نفهم أن بنَّاءً قد شيّده، ونحن نستدلّ على ذلك، ولئن كان البنّاء غائباً، هكذا عندما نتأمل المخلوقات نفهم أن اللّه قد خلقها (وإن كنا لا نتمكّن من رؤية اللّه وإدراك طبيعته). والكتاب المقدس يشهد (على وجود اللّه) فقد كتب موسى ما يلي: «في البدء خلق اللّه السموات والأرض»(تك 1: 1) وأيّد ذلك الأنبياء في أسفارهم، إذن اللّه موجود». وجوب الإيمان بوجود اللّه: فالله تعالى موجود ومن صفاته العامة أنه تعالى روح محض لا جسم له منزّه عن المادة وخواصها، غير منظور ولا يمكن أن يقع تحت الحواس الخمس وهذا ما قاله الرب يسوع للسامرية «اللّه روح والساجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا»(يو 4: 24) وهو تقدّس اسمه واجب الوجود وهو سرمدي أزلي أبدي، كان دائماً منذ الأزل فليس له بداية، وسيكون دائماً إلى الأبد فليس له نهاية وبهذا الصدد يقول صاحب المزامير «من قبل أن تولد الجبال وأبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل وإلى الأبد أنت اللّه»(مز 90: 2). واللّه واجب الوجود من ذاته، وعلة كل موجود فهو خالق السماء والأرض، وضابط الكل يصنع ما يشاء بحكمة وبمجرد إراداته. وهو غير محدود في وجوده وكمالاته «أإلى عمق اللّه تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي»(أي 11: 7) وقال سليمان الحكيم: «لأنه هل يسكن اللّه حقاً على الأرض هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت» (1مل 8: 27). وهو غير متغيّر في وجوده، وقدرته، وقداسته، وعدله، وجودته وحقه «لأني أنا الرب لا أتغير»(مل 3: 6) ويقول الرسول يعقوب : «كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران»(يع 1: 17). وهو رب الكل فلا يحدث شيء في الدنيا إلاّ بأمره أو بإذنه وهو موجود في كل مكان في السماء والأرض وفي جميع المواضع المنظورة وغير المنظورة، ويرى جميع الأشياء ويرى الماضي والحاضر ويعرف حتى ما في الأفكار. «وهكذا قال الرب السموات كرسيّ والأرض موطئ قدميّ»(إش 66: 1) «ألعلّي إله من قريب يقول الرب، أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب»(إر 23: 23). «فاعلم وردّد في قلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل ليس سواه»(تث 4: 39). «لأنه يجب أن الذي يأتي إلى اللّه يؤمن بأنّه موجود وأنّه يجازي الذين يطلبونه»(عب 11: 6). في توحيد ذات اللّه وتثليث أقانيمه: ليس بمقدورنا أن ندرك طبيعة اللّه وجوهره، ولكن عدم إدراكنا كنهه جلّ شأنه لا ينفي حقيقة وجوده. وإن ما نعرفه عنه تعالى نستمدّه من الوحي الإلهي المعلن في الكتاب المقدس بعهديه. وهو المصدر الأول لعقائدنا الدينية. كما نستقي هذه العقائد السمحة من التقليدين الرسولي والأبوي المستندين إلى تعاليم الكتاب المقدس والمفسِّرين والموضحين تلك التعاليم بشروحات صحيحة مبنية على شهادات الرسل وتلاميذهم وقوانين الإيمان التي كانت محفوظة في الكنائس بلغات شتّى، والتي تظهر خاصة واضحة بقرارات المجامع المسكونية الثلاثة المنعقدة في نيقية (325) وقسطنطينية (381) وإفسس (431). وحيث أن عقولنا محدودة ولا تقدر أن تدرك ذات اللّه غير المحدودة، علينا أن نؤمن بما أعلنه لنا اللّه عن ذاته في الكتاب المقدس: بأنه تعالى واحد ذو ثلاثة أقانيم الآب والابن والروح القدس، وأن هؤلاء الأقانيم الثلاثة طبيعة واحدة وذات واحدة وجوهر واحد، فالآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، ومع ذلك ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد، إلاّ أن الآب هو الجوهر ويتميّز بخاصة الأبوّة، فليس هو مولوداً ولا منبثقاً بل هو أب. وإن الابن هو نفس الجوهر للإله الواحد ويتميّز بخاصة البنوة من الآب أزلياً، وأن الروح القدس هو نفس الجوهر للإله الواحد ويتميّز بخاصة الانبثاق أي الانبعاث من الآب أزلياً، فليس هو والداً ولا هو ابناً ولا مولوداً بل هو منبثق من الآب. فهذه الأقانيم الثلاثة متحدة بلا انفصال ومنفصلة بالاتحاد، إله واحد بالجوهر وهي اللّه الآب وكلمته وروحه القدوس، وهي وإن كانت ثلاثة معان متميّزة بالخواص، إلاّ أن الذات واحدة إذ لا انفصال بين اللّه وكلمته وروحه القدوس في الجوهر، وأن لاهوت الأقانيم الثلاثة واحد وهم متساوون في الأزلية والأبدية والقداسة والمجد والصلاح والحكمة والقدرة وسائر الصفات والكمالات الإلهية وإن صفات اللّه تعالى الذاتية الثبوتية أو خواصه الثلاث لا شبيه لها في الخليقة، ويتّصف بها تعالى منذ الأزل وإلى الأبد. وهي الذات والنطق والحياة، وكل من هذه الأسماء هو غير الآخر، وبهذا الصدد يقول أحد الآباء: «إن الآب قائم بذاته، ناطق بابنه، حي بروح قدسه». وإن الابن قائم بالآب ناطق بذاته (لأنه هو الكلمة وهو النطق) حي بالروح القدس. وإن الروح القدس قائم بالآب ناطق بالابن حي بذاته (لأنه هو الحياة). ولكي يقربوا من أذهان البشر مفهوم هذه العقيدة، سمح آباء الكنيسة لأنفسهم أن يمثلوا اللّه تقدس اسمه بالشمس بقرصها وشعاعها وحرارتها، ومع ذلك فهي كوكب واحد وشمس واحدة وليست ثلاث شموس. وشبّهوا الثالوث الأقدس أيضاً بالمثلث المتساوي الأضلاع بخواصه المتعدّدة وهو مثلث واحد. كما مثّلوا الثالوث الأقدس بالنفس التي هي ذات حية ناطقة فإن ذاتها غير حياتها ونطقها، وإن حياتها غير ذاتها ونطقها، وإن نطقها غير حياتها وذاتها. ومع ذلك فهي نفس واحدة غير متعدّدة الذوات. عقيدة التثليث والتوحيد في الكتاب المقدس: إن الكتاب المقدس مملوء بالنصوص والشواهد الدالة على توحيد اللّه وتثليث أقانيمه. وبعض هذه روت عن كل من الأقانيم الثلاثة بمفرده. ففي العهد القديم عندما أعطى اللّه لوحَيْ الوصايا لموسى كليمه نصت الوصية الأولى على لسان الرب ما يأتي: «أنا الرب إلهك لا يكن لك آلهة أخرى أمامي»(خر 20: 2و3) والوصية الثالثة تقول: «لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً لأنه الرب إلهنا رب واحد»(تث 6: 4) وجاء في سفر إشعيا «لأني أنا اللّه وليس آخر»(إش 45: 22) و«هكذا يقول الرب أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري»(إش 44: 8) وقال نحميا النبي وهو يخاطب الرب: «أنت هو الرب وحدك أنت صنعت السموات» (نح 9: 26). عندما سأل موسى الرب الإله عن اسم يطلقه عليه تعالى أجابه: «هكذا تقول لبني اسرائيل أهْيَهْ أرسلني إليكم» (خر 3: 14). أما عن عقيدة التثليث فقد أشير إليها في العهد القديم بورود اسم الجلالة بالعبرانية بصيغة الجمع، فالكلمة المترجمة (اللّه) هي بالعبرانية (إلوهيم) وهي جمع مذكر سالم. و«يم»هي علامة الجمع. وجاء في سفر التكوين قول اللّه تعالى «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا»(تك 1: 26) ولم يقل «أعمل على صورتي» وقوله: «هوذا آدم صار واحداً منا»(تك 3: 2) وقوله: «ننزل ونبلبل هناك لسانهم»(تك 11: 7). والنبي أشعيا يقول عن السرافيم أنهم واقفون حول العرش يصرخون قائلين: «قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت»(إش 6: 3) فتثليث التقديس يشير إلى الثالوث، وبقولهم رب الصباؤوت إشارة إلى وحدة الطبيعة والجوهر. كما أن بعض آيات العهد القديم روت عن كل من الأقانيم الثلاثة بمفرده، وبذلك يتضح أن كل أقنوم من الأقانيم ذو وجود فعلي مستقل في معناه، ولكن الأقانيم الثلاثة واحد بالجوهر، ومن هذه الآيات: «الرب قال لي أنت ابني وأنا اليوم ولدتك» (مز 2: 7) ومنها «قال الرب لربي اجلس عن يميني» (مز 110: 1). وقوله «ويحلّ عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب» (إش 11: 2). وقوله: «مَنْ ثبت أطراف الأرض ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت»(أم 30: 4). إن ما لمحت إليه أسفار العهد القديم صرّح فيه الرب يسوع في الإنجيل المقدس، ورسله الأطهار في سائر أسفار العهد الجديد. والرب يسوع هو أجدر شخص يوضح لنا عن اللّه أبيه السماوي، فالرسول بولس يقول: «اللّه لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر»(يو 1: 18) «لأنه بهاء مجده ورسم جوهره»(عب 1: 3). فالرب يسوع أعلن عقيدة تثليث أقانيم اللّه وتوحيده، ومساواة الأقانيم الثلاثة بالسلطان والقدرة ووحدتهم بالجوهر، بقوله لتلاميذه: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس»(مت 28: 19). وقد تجلّى ظهور الثالوث الأقدس حين عماد الرب يسوع إذ أنه له المجد «لما صعد من الماء انفتحت السموات فرأى روح اللّه نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه وصوت من السماء يقول هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت»(مت 3: 16و17) فالابن كان يعتمد في نهر الأردن والآب شهد له من السماء والروح القدس حلّ عليه بشبه حمامة. كما تتّضح هذه العقيدة أيضاً من قوله له المجد لتلاميذه: «متى جاء المعزّي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق»(يو 15: 26) فالمتكلّم هو الابن والمعزّي هو الروح القدس والذي ينبثق منه الروح القدس هو الآب. ويصيغ الرسول بولس عبارة البركة بقوله: «نعمة ربّنا يسوع المسيح، ومحبة اللّه، وشركة الروح القدس مع جميعكم آمين»(2كو 13: 14) ويقول أيضاً: «لنا إله واحد»(1كو 8: 6) والرسول يعقوب يقول: «أنت تؤمن أن اللّه واحد حسناً تفعل» (يع 2: 19) فاللّه هو الإله الحقيقي وهو ثلاثة أقانيم ولكنه واحد بالجوهر. أما أقوال الآباء بهذا الصدد فلا يحصى لها عدد. قال الذهبي الفم (407 +) عن تساوي الأقانيم الثلاثة فيما بينهم أكمل تساوٍ: «فالابن ليس بأدنى من الآب والروح القدس غير المخلوق مثل الآب والابن يؤلف معهما وحدة غير منقسمة فما تقوله عن الآب قلته عن الابن وما تثبته بشأن الابن أثبته أيضاً بشأن الروح القدس. فليس بينهم إلاّ طبيعة واحدة وقوة واحدة وإرادة الآب هي إرادة الابن والروح القدس.. إن سر إعادة الولادة بالمعمودية يمثّل لنا بأوضح بيان صورة الثالوث الإلهي لأن مخلص البشر قال لرسله: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس»( مت 28: 19) أرأيتم كيف كرامة واحدة ووحدة كاملة وثالوث غير منقسم». وقال مار سويريوس يعقوب البرطلي مطران دير مار متى وأذربيجان (1241 +) في كتابه المسمّى (الكنوز): «إننا نعترف بإله واحد الآب الضابط الكل، وبرب واحد يسوع المسيح الإله الذي فوق الكل، وبرب واحد الروح القدس الذي منه الكل، الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، ثلاثة أقانيم، جوهر واحد، طبع واحد، فعل واحد، لاهوت واحد، إرادة واحدة. وندعو هذه الثلاثة بالأقانيم: إذ نعطي لكل واحد اسماً خاصاً، وصفة خاصة متميزة لا من حيث الطبائع بل بالنسبة للأقانيم. فنقول: الآب والابن والروح القدس، مثلما نقول العقل والنطق والحياة، ولا نقول بثلاثة آلهة كما نقول بثلاثة أسماء، بل إله واحد له نطق وحياة، فندعو النطق ابناً، والحياة روحاً مضافاً إليها (القدس) تمييزاً عن بقية الأرواح. ونعطي الآب خاصة الأبوّة، والابن: البنوة، والروح: الانبثاق. ولا يمكننا أن نبدّل أو نفسد خواص هذه الأقانيم أي أن ندعو الآب مولوداً أو منبثقاً، والابن والداً، والروح القدس والداً أو مولوداً. لأن هذه الخواص هي أزلية لكل من الأقانيم الثلاثة فلا تتبدّل ولا تتغيّر. فنقول: الآب والد، والابن مولود غير والد، والروح منبثق لا والد ولا مولود: الواحد ثلاثة بالخواص، والثلاثة واحد بالألوهة، تمييز موحّد، وإضافة مميِّزة. إذ ليس ذلك الواحد دون الثلاثة ولا الثلاثة هم دون ذلك الواحد. فالأقانيم هم عين اللاهوت واللاهوت عين الأقانيم |
|