رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحوار في أسلوب السيد المسيح كان السيد المسيح يستخدم دائمًا أسلوب الإقناع في توصيل الحقائق الإلهية والسامية للناس. وكثيرًا ما تعرض للسخرية من مقاوميه، كما أنهم كانوا يحاولون أن يصطادوه بكلمة ليضعوه في مأزق في علاقته بالحكام، أو في موقفه من شرائع الناموس.. ولكنه كان باستمرار يستخدم أسلوب الحوار المقنع.. لم يستخدم الغضب، ولم يكن عنيفًا في الرد على مقاوميه، أو الذين يسخرون منه.. ولكنه أحيانًا كان يحذرهم من نتائج تمسّكهم بالخطأ. كُتب عن السيد المسيح: "الذي لم يفعل خطية، ولا وُجد في فمه مكر. الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يُهدد، بل كان يُسلّم لمن يقضى بعدلٍ. الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر" (1بط2: 22-24). ولنا بعض من الأمثلة عن أهمية الحوار في خدمة السيد المسيح: 1- في إخراجه للشياطين"وكان يخرج شيطانًا. وكان ذلك أخرس. فلما أُخرِجَ الشيطان تكلم الأخرس فتعجب الجموع وأما قوم منهم فقالوا ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين. وآخرون طلبوا منه آية من السماء يجربونه. فعلم أفكارهم وقال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وبيت منقسم على بيت يسقط. فإن كان الشيطان أيضًا ينقسم على ذاته، فكيف تثبت مملكته؟! لأنكم تقولون إني ببعلزبول أخرج الشياطين. فإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين، فأبناؤكم بمن يخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم. ولكن إن كنت بإصبع الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله" (لو11: 14-20). اتهم اليهود السيد المسيح بأن به شيطانًا، بل تجاسروا أكثر واتهموه بأن به بعلزبول. وواجه السيد المسيح هذا الاتهام بأسلوب الحوار الهادئ الموضوعي، وذلك بالرغم من تجاسرهم الكائن ضد كلمة الله المتجسد. ونكرانهم لجميله في شفاء أخيهم الأخرس الذي أذله الشيطان وعذبه. قدّم السيد المسيح دليلين على استحالة عمله بواسطة بعلزبول رئيس الشياطين: الدليل الأول: هو أن بعلزبول لا يعمل ضد مملكته وسلطانه في البشر، ولا يخرج شياطينه من البشر وإلا تكون مملكته قد انقسمت على ذاتها. لا نتصور قائدًا حربيًا يطرد جنوده من المواقع التي استولوا عليها بمشقة واستعمروها. الدليل الثاني: أنه لو كان يعمل بواسطة بعلزبول رئيس الشياطين -ولهذا فمعه سلطان الرئاسة في مواجهة الشياطين الأقل قدرة- فبمن يخرج تلاميذ المسيح الشياطين التي أخرجوها؟! كان اليهود يريدون تصوير السيد المسيح، وكأنه يعمل بقوة بعلزبول الساكن فيه.. ففند السيد المسيح ادعائهم بالمنطق والحجة القوية. مُظهرًا لهم أن الرسل يكونون قضاة لهم، لأنهم سوف يدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر. وبعدما أثبت السيد المسيح استحالة أن يكون بعلزبول هو الذي يخرج الشياطين، قدّم الحقيقة الإلهية الساطعة، وهى أنه بإصبع الله يخرج الشياطين، مؤكدًا أن ملكوت الله قد أقبل على بنى البشر مُحررًا إياهم من سلطان إبليس جاعلًا إياهم مسكنًا للروح القدس بعد إتمام الفداء على الصليب. وهكذا نقل السيد المسيح الحوار إلى إعلان قصد الله في تجسد الكلمة الأزلي، ليسحق الشيطان ويحرر البشرية من سيطرته وسلطانه. 2- في حواره حول القيامة حضر قوم من الصدوقيين الذين يقاومون أمر القيامة، وسألوه بمثلٍ عن امرأة مات رجلها دون أن تنجب أولادًا فتزوجها أخوه حسب ناموس موسى ليقيم اسم الميت على ميراثه، ولكنه مات أيضًا دون أن ينجب وهكذا حتى تزوجها سبعة إخوة وماتوا وآخر الكل ماتت المرأة أيضًا ففي القيامة لمن تكون زوجة؟. لقد رد على مكيدتهم بإقناع وباتضاع، هؤلاء الذين حاولوا بذكائهم أن يوقعوه في مأزق، ليثبتوا أنه لا توجد قيامة للأموات. وبمنتهى الحكمة أجابهم السيد المسيح مُظهِرًا أن "أبناء هذا الدهر يُزوِّجون ويُزَوَّجون، ولكن الذين حُسبوا أهلًا للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يزوِّجون ولا يزوَّجون إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضًا لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة،وأما أن الموتى يقومون فقد دلّ عليه موسى أيضًا في أمر العليقة كما يقول الرب إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب، وليس هو إله أموات بل إله أحياء لأن الجميع عنده أحياء" (لو20: 34-38). شرح السيد المسيح طبيعة حياة القيامة، باعتبارها حياة روحانية مثل حياة الملائكة الذين لا يتزوجون لأنهم لا يحتاجون إلى نسل، إذ لا يمنعهم الموت عن استمرار رسالتهم وحياتهم. أما البشر في هذا الزمان الحاضر فإن استمرار الجنس البشرى يقتضى أن ينجبوا نسلًا قبل موتهم.. وقدّم السيد المسيح دليلًا كتابيًا عن قيامة الموتى بأن الرب إله أحياء، مؤكدًا بذلك خلود الروح الإنسانية وبقاءها حتى بعد انفصالها المؤقت عن الجسد. 3- بأي سلطان تفعل هذا؟ (مت21: 23) "ولما جاء إلى الهيكل تقدّم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يُعلِّم قائلين: بأي سلطان تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السلطان؟ فأجاب يسوع وقال لهم: وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة، فإن قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضًا بأي سلطان أفعل هذا، معمودية يوحنا من أين كانت، من السماء أم من الناس؟ ففكروا في أنفسهم قائلين: إن قلنا من السماء، يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب، لأن يوحنا عند الجميع مثل نبي. فأجابوا يسوع وقالوا: لا نعلم. فقال لهم هو أيضًا: "ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا" (مت21: 23-27). كان رؤساء اليهود يريدون أن يقولوا أن السيد المسيح لم يكن لديه سلطان من الله في تعليم الشعب في الهيكل. وأراد السيد المسيح أن يرد على ذلك، بأنهم هم الذين يقاومون عمل الله والمرسلين منه. وأعطاهم مثلًا بيوحنا المعمدان، وكيف لم يتجاوبوا مع إرساليته القوية كآخر أنبياء العهد القديم، والذي جاء ليعد الطريق أمام السيد المسيح، وشهد له أنه هو حمل الله، وابن الله والمسيا المخلص. وأعلن شهادته هذه على الملأ. كما أعلن أنه أثناء عماده للسيد المسيح قد رأى الروح القدس نازلًا من السماء، ومستقرًا عليه بهيئة جسمية مثل حمامة. سألهم عن معمودية يوحنا وإرساليته هل كانت من الله؟ فاحتاروا في الإجابة. ولم يمكنهم أن ينكروا علانية أنه كان مُرسلًا من الله. فقالوا: "لا نعلم". وهنا أظهر السيد المسيح ارتباكهم وعدم يقينيتهم، بل وعدم اعترافهم بالحقيقة التي قبلها الشعب بشأن إرسالية يوحنا المعمدان.. ولذلك قال لهم هو أيضًا: ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا. إن للحوار الهادئ المتأني قوة وتأثيرًا أشد من العنف والقساوة في التعبير. وإن لم يقنع المقاومين، فعلى الأقل، يستطيع أن يقنع من يستمعون إلى الحوار من الشعب. 4- التوبيخ قرب نهاية خدمته على الأرض، والتي استمرت لعدة سنوات، بدأ السيد المسيح في توبيخ الكتبة والفريسيين على ريائهم، وبدأ يكشف ما في حياتهم من خداع، وذلك بعد أن تجاهلوا كل ما قدّمه لهم من وسائل الإقناع وتمسكوا بأخطائهم. كما أنه أخرج من الهيكل الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه، لأن الهيكل هو بيت الرب الذي دعى بيت الصلاة لجميع الأمم، وهم جعلوه مغارة لصوص (انظر مت21: 13). استخدم السيد المسيح الحزم والتوبيخ بعد أن استنفذ كل وسائل الإقناع الهادئة مع مثل هؤلاء الناس.. ولكنهم تآمروا عليه نتيجة لهذا الحزم وذلك التوبيخ، إذ حنقوا عليه ليقتلوه، مع أنه لم يؤذ واحدًا منهم على الإطلاق بل قدّم الحب والخير للجميع. لم يكن ممكنًا أن يسكت عليهم أكثر من ذلك، لئلا يُظن أنه سكت خوفًا على سلامته وحياته.. كما كان ينبغي أن يُظهر السيد القدوس عدم رضائه على ما يسلكون فيه من شر ورياء. ولكنه في توبيخه للكتبة والفريسيين، كان أيضًا يستخدم أسلوب الإقناع، مُقدمًا البراهين الكتابية والمنطقية، ومحققًا ما قيل عنه من نبوات في الكتب المقدسة، مثل ما قيل بإشعياء النبي: "هوذا فتاي الذي اخترته. حبيبي الذي سرت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق. لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ. حتى يخرج الحق إلى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الأمم" (مت12: 18-21). |
|