الولد الغيّور على الإيمان
هذه القصة تناسب، خصوصاً، الأعمار من 10 إلى 13 سنة
الولد الغيّور على الإيمان
القدّيس أثناسيوس رئيس أساقفة الإسكندرية
إيقونة للقدّيس أثناسيوس
القدّيس، في هذه القصة، عاش في زمن ضيق كبير في الكنيسة. حارب، بضراوة، ليحفظ التعليم المسيحي الصحيح والمستقيم في وقت كَثُر فيه الأعداء الأقوياء.
وُلد القدّيس أثناسيوس في أواخر القرن الثالث، في مدينة من الإسكندرية في مصر. في ذلك الزمان كانت الإسكندرية مركزاً للثقافة والعلم، وإحدى عواصم الكنيسة المسيحية. كان أسقف الإسكندرية أحد أقوى رجال الكنيسة في كل الإمبراطورية الرومانية.
ذات يوم كان أسقف الإسكندرية في قصره، يتطلّع من النافذة ناحية شاطئ البحر. فوجئ لرؤيته مجموعة من الصبيان يتحركون ذهاباً وإياباً بكل رزانة ووقار. طلب من مساعده أن يُحضر الأولاد إلى المنزل الأسقفي. وصل الأولاد فسألهم الأسقف ماذا كانوا يفعلون. أجابه أحد الأطفال:
- لقد اخترنا أثناسيوس ليكون أسقفاً علينا، ونحن نتبع أوامره.
- أية أوامر؟ سأل الأسقف
تقدم أثناسيوس وأخذ يفسّر له على الشكل التالي:
- إننا نعمّد بعض الأولاد الوثنيين. لقد اخترت هؤلاء الأولاد المسيحيين ليكونوا كهنة ونحن نعمّد الأخرين تماماً كما يفعل الكهنة في الكنيسة.
القدّيس أثناسيوس طفلاً يعمّد الأولاد بعد أن يقوم بتعليمهم الإيمان المسيحي
وأخذ يفسّر للأسقف بالتفصيل كيف كان يقوم بهذا العمل. لقد قام بتعليم الأولاد الوثنيِّين الإيمان المسيحي، وبعد ذلك، تبعاً لخدمة العماد في الكنيسة بالضبط، قاد الأولاد إلى المياه ليعمّدهم. فرح الأسقف كثيراً بأثناسيوس الذي كان يعرف ويفهم الخدم بشكل جيد. ثم استدعى أهل الصبي ونصحهم بتعليم الولد تعليماً جيداً لإعداده لخدمة الكهنوت. أُعجب الأسقف بأثناسيوس. وكان الصبي يمضي الكثير من وقته في منزل الأسقف حتى صار كإبن للشيخ الوقور. وتحت رعاية الأسقف، تعلّم أثناسيوس، بجدّ. وقبل بلوغه عامه العشرين كان يكتب أعمالاً لاهوتية مهمة.
في هذا الوقت عينه، أوقف الأمبراطور الروماني قسطنطين اضطهاد المسيحيين، وما عاد المسيحيون يخافون التعذيب والموت إذا ما رفضوا عبادة الأمبراطور الروماني وآلهته. فكتب أثناسيوس كتاباً، يفسّر فيه معنى قدوم المسيح على الأرض كإنسان لأجل العالم. كتب أثناسيوس عن المسيح ما يلي:
"لم يأتِ المسيح ليعرض مجده؛ أتى ليشفي. في الجسد كان إنسانا تاماً، تألم ومات. ولكنْ، في الوقت ذاته، حافظ على طبيعته الإلهية، القادرة على كل شيء. وهكذا بمجيئه أمات الموت، لأنه وعدنا بالحياة الأبدية."
أثناسيوس الصغير يكتب ويجاهر بالإيمان المسيحي
هذا العمل الصغير لأثناسيوس بـ"خصوص التجسد" كان مؤثِّراً، وهو من أفضل الكتب التي تتكلم عن الإيمان المسيحي.
بعدما كتب الشاب أثناسيوس هذا الكتاب بقليل، انتشر تعليم جديد عن المسيح نادى به: آريوس، وهو كاهن من الإسكندرية. اعتقد آريوس أنه إذا كان المسيح ابن الله فالله أكبر سناً من المسيح. وإذا كان الأمر كذلك لا يستطيع المسيح أن يكون بأهمية الله. نادى آريوس بأنه:
- كان هناك وقت لم يكن فيه مسيح. إذاً المسيح لا يستطيع أن يكون إلهاً حقانياً، كما كتب أثناسيوس، بل هو صلة الوصل بين الله والإنسان.
رؤساء الكنيسة أفزعتهم الهرطقة الجديدة، التي عُرفت فيما بعد بالآريوسية، لأنه إذا كان المسيح شخصاً فائق القوة كـ"سوبرمان" وليس الإله، فماذا سيحصل لكنيسة المسيح؟ هذا كان عكس كل تعليم الكنيسة القديمة والتقليد المسيحي عن يسوع.
ورغم أنّ معظم رؤساء الكنيسة كانوا ضدّ هذا التعليم الجديد، إلا أنه لاقى إقبالاً كبيراً من الشعب. صدّق الناس بسهولة أن المسيح هو بطل أرشدنا إلى الطريق إلى الله. حتى الأمبراطور قسطنطين سمع بذلك. كان الأمبراطور يحب الكنيسة وأزعجه أن يسمع أن فيها اختلافات. حتى الأساقفة كانوا يتخاصمون مع أساقفة أخرين، والناس يتخاصمون فيما بينهم، وأعضاء من العائلة الواحدة أخذوا يتصارعون بشأن هذه المسألة فيما بينهم. كيف يمكن الأمبراطور أن يوقف هذا الجدال؟ قرر أن يدعو إلى مجمع كنسي لكل الأساقفة.
وقف أثناسيوس، الشماس الشاب، في وسط المجمع وأجاب بطريقة جديّة، مدافعًا عن الإيمان القويم
التقى مجمع كنسي كبير في نيقية، في أسيا الصغرى، عام 325 للميلاد. حضره ثلاث مئة وثمانية عشر أسقفاً من كل أرجاء الأمبراطورية. هؤلاء اصطحبوا معهم عدداً من الكهنة والعلمانيين. أتى آريوس ليعرض قضيته وفعل ذلك بتلاوته قصيدة تلخص معتقداته على لحن إحدى الأغاني الشعبية. كان أثناسيوس ما يزال شمّاساً شاباً، لكنه أجابه بطريقة جدّية، مشيراً إلى كل الشر الذي يمكن أن ينتج عن الإعتقاد الآريوسي. معظم الأساقفة كانوا ضدّ آريوس، وقرروا أن يكتبوا دستور إيمان يظهر، بدقة، ما يؤمن به المسيحيون بشأن المسيح. هذا الدستور يشكل اليوم جزءاً من دستور الإيمان الذي نتلوه في خدمنا: "أؤمن بإله واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد؛ مساوٍ للآب في الجوهر الذي به كان كل شيء".
وطرد آريوس خارج الكنيسة
أتى هذا القانون ليعبّر عن إيمان الكنيسة، الذي دافع عنه أثناسيوس بكل فصاحة، ولدحض الآريوسية. مجمع نيقية الذي هو المجمع الأول والأعظم بين كل مجامع الكنيسة، دعم أثناسيوس وطرد آريوس خارج الكنيسة.
عاد أثناسيوس إلى الإسكندرية منتصراً لأن مهمته نجحت. وبعد ذلك بقليل أصبح أسقفاً على الإسكندرية. كان الناس في المدن يحبونه كثيراً وكذلك النسّاك في البراري الذين كان يستمتع بزيارتهم ويقيم معهم لفترة. أذِن له الأمبراطور قسطنطين بالاستمرار في الوعظ، وكان عنده أصدقاء نافذون. بدأ الناس ينشرون إشاعات يسيئون بها إلى أثناسيوس، قائلين إنه ضد الأمبراطور وهو لا يطيع القانون. ولما قالوا عنه إنه اقترف جريمة قتل. استدعاه الأمبراطور إلى القسطنطينية وطلب منه أن يدافع عن نفسه في وجه الإتهامات المنسوبة إليه.
وقف أثناسيوس في البلاط، فلم يستطع الآريوسيّون أن يجدوا شيئًا ضد هذا الأسقف القوي والمحبوب وقف أثناسيوس في البلاط، فأحسّ أن أعداءه يحيطون به من كل صوب. أتباع آريوس كانوا يكرهونه لأنه قاد هجوم الكنيسة على قائدهم. صرخوا بوجهه متهمين إياه بالقتل. أجابهم بإحضاره الرجل الذي اتُهم بقتله. تعجب الناس وأحسوا بالخجل. غضب الآريوسيون لكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً ضد هذا الأسقف القوي والمحبوب. كذلك اتُهم أثناسيوس بمعارضة الأمبراطور فأجريت له محاكمة ثانية حضرها الأمبراطور نفسه الذي حكم بإبعاد الأسقف أثناسيوس إلى فرنسا، إلى المنفى.
مضت بضع سنوات، رقد خلالها الأمبراطور قسطنطين، وسُمح لأثناسيوس بالعودة إلى مدينته. استقبلته الإسكندرية إستقبالاً عظيماً ووقوراً. كل المدينة تحوّلت إلى كنيسة، رغم أنه أُبعد لفترة طويلة، إلا أن آباء الصحراء تذكروا عمله العظيم للكنيسة وذكّروا الشعب بأسقفهم.
الأمبراطور الذي خلف قسطنطين كان تحت تأثير الآريوسيين وكان يكره أثناسيوس ويخاف منه. فبعث بأسقف آريوسي ليحل مكان القدّيس أثناسيوس في الإسكندرية. هذا الأسقف الجديد بثّ الذعر في نفوس المؤمنين، لأنه أغلق وهدّم الكنائس وعرّض الكهنة والرهبان والمؤمنين للتعذيب.
كيف يستطيع أثناسيوس أن يحارب الآن، فإن الإمبراطور وكل جيشه ضده؟ أعلن بصوت عالٍ: "وحدها معرفة الحقيقة تستطيع إنقاذنا!". هرب أثناسيوس إلى روما، إلى المنفى مجدداً. دعمه أسقف روما في حين كان أساقفة الشرق كلّهم من الآريوسيين. ثم في وقت لاحق، سُمح له بالعودة إلى الإسكندرية، لكنّ الأمبراطور كان يحاول دائماً التخلّص منه.
ذات مرة، كان أثناسيوس في الكنيسة في خدمة أثناء الليل، فدخل فجأة جنود وأحاطوا بالشعب والمذبح. بقي الأسقف أثناسيوس جالساً وأمر الشمّاس بأن يقرأ من كتاب المزامير. في البدء لم يجرؤ الجنود أن يهاجموا المؤمنين في الكنيسة، لكنهم ما لبثوا أن هجموا عليهم وقتلوا ودنسّوا الكنيسة ونهبوها. نجح رجال الإكليروس بتهريب أثناسيوس من الكنيسة فخرج إلى الصحراء قبل أن يقبض الجنود عليه. أمضى القدّيس أثناسيوس عشرين سنة من حياته في المنفى، بعيداً عن كرسيّه الأسقفي، لكنه لم يتوقف عن الكتابة والنضال ليحافظ على الإيمان المسيحي ضدّ أعدائه.
في نهاية حياته، استطاع أثناسيوس العودة إلى الإسكندرية والعيش بسلام كأسقف قوي ومحبوب ومكرّم
في نهاية حياته، استطاع العودة إلى الإسكندرية والعيش بسلام كأسقف قوي ومحبوب ومكرّم. واجه أثناسيوس بشكل صارم وثابت الآريوسيين طيلة عمره، وتحدّى الأباطرة، وحافظ على الإيمان القويم. لو لم يعمل أثناسيوس بنعمة الله من أجل إيماننا، ما بقيت الكنيسة على ما هي عليه اليوم.
يقول الرب يسوع في إنجيل متى 10:5 -12: "طوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة سوء من أجلي كاذبين. افرحوا وتهلّلوا. لأن أجركم عظيم في السموات. فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم."
يعيّد للقدّيس أثناسيوس الكبير في 2 أيّار و18 كانون الثّاني.
صلواته تكون معنا. آمين
إيقونتان للقدّيس أثناسيوس الكبير