رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حكمة الله المخفية فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ [20]. كثيرًا ما يصرخ رجال الله طالبين الحكمة من السماوي، لأنه من أين تأتي الحكمة وما هو مكان الفهم، سوى من الله السماوي؟ * إنه يعطي المعرفة لا بكتاب نتعلمه وإنما باستنارة الروح(1164). الأبأمبروسيا ستر القديسمار اسحق السرياني البابا غريغوريوس (الكبير) إِذْ أُخْفِيَتْ عَنْ عُيُونِ كُلِّ حَيٍّ، وَسُتِرَتْ عَنْ طَيْرِ السَّمَاءِ؟ [21] شهوة قلب كل مؤمن وكل لاهوتي حقيقي أن يكون من حق المختارين أن يتمتعوا برؤية الله في الحياة الأبدية. هذا ما يعلنه القديس يوحنا الرسول: "لأننا سنراهُ كما هو" (1 يو 2:3). غير أنه في ذات الرسالة يقول: "الله لم ينظرهُ أحد قط" (1 يو 12:4). ويؤكد الرسول بولس: "ساكنًا في نورٍ لا يُدنَى منهُ، الذي لم يَرَهُ أحد من الناس ولا يقدر أن يراهُ" (1 تي 16:6). هذا يثير أسئلة كثيرة منها: 1. هل هذه الرؤية محفوظة فقط للحياة الأبدية؟ أم يمكن أن تبدأ هنا في خبرة داخلية في أعماق النفس؟ 2. هل رؤية السمائيين لله هي رؤية لجوهره؟ وهل يتمتع المؤمنون في السماء برؤية الجوهر الإلهي؟ لقد كتب القديس يوحنا الذهبي الفممقالًا بعنوان: "طبيعة الله غير المدركة"، يُظهر فيها استحالة رؤية الله في جوهره كما هو. أكدت مجامع القسطنطينية في القرن الرابع عشر (1341، 1351، 1368م) أن الله لا يمكن الدنو منه من جهة الجوهر، فهو ليس موضوع معرفة الملائكة أو القديسين أو موضوع رؤيتهم، إنما يُرى هذا الجوهر الإلهي خلال طاقاته الإلهية غير المخلوقة. وقد أفاض الأب غريغوريوس بالاماس في الحديث عن هذه النظرية. * عندما نسمع السيرافيم أنهم يطيرون حول العرش في سموه ورفعةٍ، يغطون وجوههم بجناحين... ويسترون أرجلهم باثنين، ويصيحون بصوتٍ مملوء رعدة، لا تظن أن لهم ريشًا وأرجلًا وأجنحة، فإنهم قوات غير منظورة... حقًا إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مدرك، ولا يقدرون على الدنو منه، لهذا يتنازل هو ليظهر بالطريقة التي وردت في الرؤيا. فإن الله لا يحده مكان ولا يجلس على عرش... إنما جلوسه على العرش وإحاطته بالقوات السمائية هو من قبيل حبه لهم. إذا ظهر على العرش وأحاطت به هذه القوات لا تقدر على معاينته، ولا احتملت التطلع إلى بهاء نوره، فتغطي أعينها بأجنحتها، ولا يعد لها إلا أن تسبح وتترنم بتسابيح مملوءة مجدًا ورعدة مقدسة، وبأناشيد عجيبة تشهد لقداسة الجالس على العرش. حرى بذاك الذي يتجاسر ليفحص عناية الله الذي لا تقدر القوات السمائية على لمسها أو التعبير عنها أن يختبئ مختفيًا تحت الآكام. القديس يوحنا الذهبي الفم إن كانت الحكمة، التي هي الله، مخفية عن عيون الأحياء، فبالتأكيد لا يستطيع أحد القديسين أن يرى هذه الحكمة. وإني أسمع يوحنا يتفق مع هذه العبارة: "الله لم يره أحد قط" (يو 18:1). ولكن عندما أتطلع إلى آباء العهد القديم أتعلم أن كثيرين منهم - كما يشهد تاريخ الكتاب المقدس - رأوا الله. فقد رأى يعقوب الرب وقال: "لأني نظرت الله وجهًا لوجه" (خر 30:32). بالمثل رأى موسى الله الذي كُتب عنه: "ويكلم الرب موسى وجهًا لوجهٍ كما يكلم الرجل صاحبه" (خر 11:33). أيوب نفسه هذا رأى الرب وقال: "بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني" (أي 5:42). إشعياء النبي رأى الرب وقال: "في سنة وفاة عزيا الملك، رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع" (إش 1:6). رأى ميخا الرب قائلًا: "قد رأيت الرب جالسًا على كرسيه، وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره" (1 مل 19:22). ماذا إذن يعني هذا أن كثيرين من آباء العهد القديم يشهدون أنهم رأوا الله، ومع هذا يُقال بخصوص هذه الحكمة التي هي الله،: "أخفيت عن عيون كل حيُ" (أي 21:28)، ويقول يوحنا: "الله لم يره أحد قط" (يو 18:1)؟ واضح لنا أن نفهم بأننا مادمنا نعيش هنا حياة قابلة للموت يمكن رؤية الله عن طريق ظهورات، أما رؤيته الحقيقية بطبيعته فلا يمكن تحقيقها. البابا غريغوريوس (الكبير) اَلْهَلاَكُ وَالْمَوْتُ يَقُولاَنِ: بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا خَبَرَهَا [22]. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الهلاك والموت يشيران إلى الأرواح الشريرة التي تسبب الهلاك والدمار، فقد قيل عن الشيطان "اسمه الموت" (رؤ 8:6). هذه الأرواح لا ترى الحكمة، إذ طردوا من أمامه بسبب كبريائهم، وصاروا عاجزين عن رؤية حكمة الله. "أولئك يكونون بين المتمردين على النور، لا يعرفون طرقه، ولا يلبثون في سبله" (راجع أي 13:24). اَللهُ يَفْهَمُ طَرِيقَهَا، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَانِهَا [23]. ليس من يعرف الحكمة الإلهي أو الابن إلاّ الآب، فهو يعرف طريق الحكمة، لأنها مولودة منه أزليًا، ليس من انفصال بين الآب والابن. الحكمة، الشريكة في الأزلية مع الله، لها طريقها بمعنى ما، ولها مكانها بمعنى آخر... مكان الحكمة هو الآب، ومكان الآب هو الحكمة، وذلك كما تشهد الحكمة نفسها قائلة: "أنا في الآب، والآب فيٌ" (يو 10:14). البابا غريغوريوس (الكبير) لأَنَّهُ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يَرَى [24]. رؤية الله هي تجديد نعمته للأشياء التي فُقدت وفسدت. لذلك كُتب: "الملك الجالس على كرسي القضاء يذري بعينه كل شرٍ" (أم 8:20). فبرؤيته يضع حدًا لشرور طيشنا، ويهب تقديرًا عظيمًا للنضوج. البابا غريغوريوس (الكبير) لِيَجْعَلَ لِلرِّيحِ وَزْنًا، وَيُعَايِرَ الْمِيَاهَ بِمِقْيَاسٍ [25]. في الكتاب المقدس يشير بسرعة الريح وخفتها بوجه عام إلى النفوس. وكما يقول مرتل الله: "الماشي على أجنحة الريح" (مز 3:104)، بمعنى الذي يسير فوق فضائل النفس. تبعًا لهذا "يجعل للريح وزنًا"، بمعنى أن الحكمة التي من فوق تملأ النفوس، فتجعلهم مثقلين بالنضوج، وليس بالوزن الذي قيل عنه: "يا بني البشر، إلى متى تثقل قلوبكم" (مز 2:4). فإن الثقل بالمشورة (الصالحة) شيء، والثقل بالخطية شيء آخر، التثقل بالالتزام شيء، والتثقل بالمعصية شيء آخر... "ويعاير المياه بمقياس" [25]. تُستخدم المياه في الكتاب المقدس للإشارة إلى الروح القدس، وأحيانًا تُستخدم عن المعرفة الخاطئة، وأحيانًا عن النكبات والشعوب المنجرفة، وأحيانًا عن الذين يتبعون الإيمان. هكذا يشير الماء إلى انسكاب الروح القدس، كما قيل في الإنجيل: "من يؤمن بي كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار مياه حية". ويضيف الإنجيلي: "قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو 38:7- 39). مرة أخرى يشير الماء إلى المعرفة المقدسة، كما قيل: "يعطيه ماء الحكمة ليشرب" (سيراخ 3:15). بالمثل يشير الماء إلى المعرفة الشريرة، وذلك كالمرأة المذكورة في سليمان والتي تحمل رمزًا للهرطقة، والتي تسحر بفنونها المخادعة، فقيل: "المياه المسروقة حلوة" (أم 17:9). كذلك تعبير "المياه" يشير إلى التجارب، كما يقول المرتل: "نجني يا الله من المياه، فقد بلغت إلى نفسي" (مز 1:69). تشير المياه أيضًا إلى الشعوب كما قيل بيوحنا: "المياه هي شعوب" (رؤ 15:17). هكذا أيضًا ليس فقط مدّ الشعوب الجارفة، بل وأيضًا أذهان الصالحين الذين يتبعون الكرازة بالإيمان، كقول النبي: "طوباكم أيها الزارعون على كل المياه" (إش 20:32)، وقول المرتل: "صوت الرب على المياه" (مز 29: 3). في هذا الموضع بماذا يشير لقب "المياه" إلا إلى قلوب المختارين الذين بفهم الحكمة ينالون سماع الصوت السماوي؟ البابا غريغوريوس (الكبير) لَمَّا جَعَلَ لِلْمَطَرِ فَرِيضَةً، وَسَبِيلًا لِلصَّوَاعِقِ [26]. * يشير بالأمطار إلى أقوال الكارزين، لذلك قيل بموسى: "يهطل كالمطر تعليمي" (تث 2:32). بمعنى عندما يقدمون كلماتي بإقناع لطيف يكون مطرًا، وعندما يرعدون بأمورٍ مرعبة بخصوص الدينونة القادمة يصدرون أصواتًا كالرعود القاصفة... يُفقد سلطان الكلام عندما يكون الصوت غير مؤيدٍ بالعمل. يُقال بالمرتل: "وللشرير مالك تحدث بفرائضي، وتحمل عهدي على فمك، وأنت قد أبغضت التأديب، وألقيت كلامي خلفك؟" (مز 50: 16-17)... كُتب هذا عن ناموس الكرازة: "فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلمٌَ الناس، هكذا يُدعى أصغر في ملكوت السماوات. وأما من عمل وعلَّم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات، هذه التي كُتب عنها: "يجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم" (مت 41:13). فإنه في الملكوت العلوي يلزم أن تُجمع "المعاثر" خارجًا وتُطرح خارجًا... الآن جعل "سبيلًا للرعود القاصفة" [26] عندما يقيم اتصالًا بقلوب البشر مضروبة بالفزع من الدينونة القادمة لكارزيه. البابا غريغوريوس (الكبير) حِينَئِذٍ رَآهَا وَأَخْبَرَ بِهَا هَيَّأَهَا، وَأَيْضًا بَحَثَ عَنْهَا [27]. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أنه يليق بنا ملاحظة وجود أربعة أمور بخصوص الحكمة حيث بقول: "حينئذ رآها، وأخبر بها، وهيأها، وأيضًا بحث عنها" [27]. * يراها في كونها "شبه"، ويخبر بها إذ هي "الكلمة"، ويهيئها إذ هي "العلاج"، ويبحث عنها بكونها "مخفية عن البصر". حكمة الله الأزلية هي صورة الآب وكلمته، عندما يخترقها عقل الإنسان. فمن يريد أن يفهمها بكونها الكلمة بغير زمانٍ، والصورة بغير حدٍ. البابا غريغوريوس (الكبير) * إن كان المسيح هو رأس المؤمن، فإن عيني الحكيم في رأسه (جا 2: 14). وبالتالي تتركز كل أحاسيسنا وعقلنا وأفكارنا وكلمتنا ومشوراتنا (إن كنا حكماء) في المسيح. القديس جيروم وَقَالَ لِلإِنْسَانِ: هُوَذَا مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَالْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ هُوَ الْفَهْمُ [28]. يعلق القديس أغسطينوس على هذه العبارة قائلًا بأن الحكمة اليونانية qeosebeia، والتي تترجم أحيانًا "تقوى": "هوذا التقوى هي الحكمة" تعني "التعبد لله". والنقطة الرئيسية في العبادة هي أن النفس لا تكون جاحدة لله. لذلك فإن الذبيحة الممتازة الحقيقية هي تقديم الشكر لله ربنا. الحكمة هي الشكر الداخلي للنفس نحو الله، تعبر عنه بالعبادة الروحية له. مرة أخرى يؤكد أن من ينسب الحكمة لنفسه لا يكون شاكرا لله، وبالتالي لا يحمل مخافة الرب ولا يكون تقيًا، فهو غبي وليس حكيمًا(1171). * "هوذا التقوى هي الحكمة، والحيدان عن الشر هو الفهم" (أي 28: 28). هنا التمييز (بين الحكمة والفهم)، إذ يلزم أن نفهم أن الحكمة تخص التأمل، والفهم يخص العمل. ففي هذا الموضع يقصد بالحكمة عبادة الله.... وما هو عبادة الله سوى حب لله، الذي به نشتاق أن نراه، ونؤمن ونترجى أن نراه نسبيًا. إذ يحدث لنا تقدم نرى كما في مرآة في لغز، ولكن عندئذٍ تكون الرؤية في وضوح... وأما الحيد عن الشر الذي يقول عنه أيوب أنه فهم، فهو دون شك يخص الأمور الزمنية. فإنه بالنسبة للزمن (في هذا العالم) نحن في شرٍ، حيث يلزمنا أن نكف عنه حتى نبلغ الخيرات الأبدية(1172). * يوجد نوع آخر من الأشرار الذين لما عرفوا الله لم يمجدوه كإله، ولا كانوا شاكرين (رو 21:1). في هذا أنا أيضًا سقطت، لكن يمينك رفعتني (مز 35:18)، وحملتني بعيدًا، ووضعتني حيث يُمكن شفائي. فأنت قلت للإنسان: "هوذا مخافة الرب التي هي حكمة" (أي 28:28)، ولا تشتهِ أن تبدو حكيمًا (أم 7:3)، لأنهم "بينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء" (رو 1:22). لكنني الآن وجدت اللؤلؤة الصالحة حيث كان يلزمني أن أبيع كل شيء وأشتريها (مت 46:13)، لكنني ترددت. * إن كانت المعرفة من النوع المستقيم، فهي وصيفة للحب، فبدون الحب "المعرفة تنفخ" (1 كو 1:8)، ولكن حيث يوجد الحب يملأ القلب بالبنيان، فلا تجد المعرفة شيئًا فارغًا يمكن أن تنفخه. أضف إلى هذا أن أيوب يظهر المعرفة النافعة بتعريفه إياها بعد بقوله: "مخافة الرب التي هي الحكمة"، مضيفًا: "والحيدان عن الشر هو الفهم"(1174). * "هوذا عبادة الله هي الحكمة". عندئذ يكون الذهن حكيمًا، لا بنوره الذاتي، بل بالشركة في ذلك النور السامي، والذي هو أبدي، فيه يملك في الطوباوية. القديس أغسطينوس القديس يوحنا ذهبي الفم البابا غريغوريوس (الكبير) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيوب | حكمة الله وسلطانه |
أيوب | لأقتنيك يا حكمة الله |
أيوب | القديسون شهود على حكمة الله |
أيوب مقارنة حكمة الملائكة بحكمة الله |
ليئة التي سمحت لها حكمة الله |