رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
الشعوب تفتخر بالمقاتلين وتمجد المحاربين، ونرى كثيرين يركنون إلى القوة الجسدية فى كل موقف يصادفهم فى حياتهم وعندما يريد أناس أن يرمزوا إلى القوة نجدهم يلجأون إلى استخدام الوحوش القوية والطيور آكلة اللحوم، فنجد روسيا ترفع من قدرالدب القطبي لبطشه، وإنجلترا تستخدم الأسد المرتكز على قدميه الخلفيتين فى وضع الاستعداد للقفز على الفريسة، وفرنسا تستخدم النمر، أما الولايات المتحدة الأمريكية فلا يكاد يفارقها النسر فارداً جناحيه في قوة وكلها حيوانات مفترسة متوحشة آكلة اللحوم.
لكن على العكس من ذلك تماماً نجد أن السيد المسيح كان يتكلم بوداعة ولا يصيح ولا يسمع أحد صوته فى الشوارع، وهكذا أيضاً بشارة الرسل وتعاليم التلاميذ هزمت ممالك عتيدة وشعوب قوية لا بالسيف ولا بالحروب بل بالمحبة والإتضاع واحتمال ضعف الضعفاء، فإن مملكة السماء هي الوحيدة التي تجرؤ على أن ترمز إلى قوتها بالحمل، فمن المذهل وغير المتوقع بالمرة أن يختار أحد مثل هذا الحيوان الضعيف ليرمز إلى السيد المسيح، حقاً ما من أحد على الإطلاق على الأرض يمكنه أن يفكر في تلك القوة إلا كاتب موحى به من السماء. هكذا أنت تختلف عن باقي الأرضيين، فإذا تسائلنا ما هو السر الذي على أساسه يرتكز رجاؤنا ويتحرك به تاريخنا، نجد أن الحقيقة الوحيدة منذ البداية التي ستبقى حتى النهاية تقول أن منطق الله معكوس تماماً عن منطق البشر، فالمجتمع يرى فى التسامح امتهانا للكرامة التي ينشدها الشخص لنفسه، وفى الإحسان تشجيعاً على البطالة واستمراءً للحياة العاطلة، وفى الرحمة إفساحاً لمجال الاستهانة بحقوق الآخرين، وفى القداسة حرماناً للغرائز التي تركتها الطبيعة فى الإنسان، وفى الحلم وطول الأناة بداية الفوضى التي تكتسح سلامة المجتمع وتنظيمه. وعلى العكس نجد أن القوة في المفهوم المسيحي قد تكون ضعفاً حسب مفهوم العالم الذي يعترف بالقوة فى السيف، في البطش، في الملامح الجسدية، في الاعتداد بالنفس، وهكذا نجد أن من يرتبط بالأرضيات لا يقبل محبة الآخرين، ومن يهمه رأى الناس لا يعترف بقول السيد المسيح من أراد أن يصبح عظيماً يكون خادماً للكل، وهكذا يختلف منطق السماء عن منطق الأرض فالقوة التي نحن بصددها هي قوة الاحتمال، هي قوة المحبة، هي قوة الإيمان. إن البطل الذي يفتح التاريخ أمام من سدت في وجوههم سبل الرجاء والمستقبل هو الحمل الصامت الوديع المذبوح، ليس الأسد الذى تطلع يوحنا ليراه، ولكن الحمل الذى لا حول له ولا قوة بل أكثر من ذلك أنه حمل قائم كأنه مذبوح، هكذا يصف سفر الرؤيا ونضيف أيضاَ أن الأسفار الرؤيوية قد تستخدم الحمل ليشير إلى القاهر الغالب القوى، على أن مثل هذه الرمزية المعكوسة ربما قد لا تكون متوقعة من جانب المبتدئين فى الروحيات وقد لا يقبلها المرتبطون بالأرضيات. نتذكر أيضاً أن الحمل هو الذبيحة المثالية، لم يكن هو الحيوان الوحيد الذى يقدم على المذبح فى ذلك الزمان البعيد، ولكنه كان يقدم فى أغلب الذبائح ونتذكر دائماً أن الحمل ليس مذبوحاً ولكنه قائم كأنه مذبوح، وهذه حقيقة لها أهميتها فالحمل لم يذبح قط ولكن تأثير موته وقيامته لازالت حاضرة ومن هنا يأتي سر قوتها وتجددها على الدوام. سيستمر سفر الرؤيا فى وصف منطق القوة فنرى المنتصرين على الفرسان الأربعة هم الشهداء المدفونين تحت المذبح والقديسين الذين ترتفع صلواتهم كالعطر فى جامات الملائكة، ثم نجد أن قاهر التنين ولد، وتتدرج المشاهد حتى نصل إلى المدينة التي نسعى إليها فنجد أن بنيانها لا يعلو بقوة سواعدنا الضعيفة وليس لها مكان على الأرض بل نتأكد أن وطنا الحقيقي هو السماء، متتبعين رب المجد حين قال "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو36:18) فنتذكر أن الرجاء في قيامنا في هذه المدينة مرتهن بصفحات الكتاب المقدس الذي تأتي كلماته خافتة كالنسمة الرقيقة وفى وسط آلامنا يتمخض ويلد احتياجنا الدائم إليه، لينبلج الفجر من عتمة الليل ويغطي النور على الظلام. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
هو فوق المنطق |
ضد المنطق !! |
علم المنطق |
: ضد المنطق |
ضد المنطق !! |