رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تركزت مشورة يوسف في النقاط التالية: أولًا: الحاجة إلى رجل بصير وحكيم يقيمه فرعون على أرض مصر... وكانت إجابة فرعون على هذا المطلب: "هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله؟! ثم قال فرعون ليوسف: بعدما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. أنت تكون على بيتي، وعلى فمك يقبل جميع شعبي" [38-40]. إذ يفتح الرب بصيرتنا فلا نعيش بعد تحت ظلال الناموس، بك يتكشف الحلمان فنفهم الحق عوض الظل، والمرموز إليه عوض الرموز نكتشف هذه الحقيقة أننا محتاجون إلى من يتسلم أرضنا ويتدبر حياتنا الداخلية بحكمة سماوية، فنقول ليوسفنا: إن كنت قد أدخلتنا إلى الحق، وفتحت بصائرنا على السموات من هو بصير وحكيم مثلك؟! من يكون على بيتي الداخلي ويشبع أفواه حواسي وعواطفي وكل طاقاتي غيرك؟! بمعنى آخر كلما دخل بنا ربنا يسوع المسيح إلى أسراره السماوية ازداد إحساسنا بالحاجة إليه والتهبت أعماقنا شوقًا نحوه، فنقول مع العروس: "وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي" (نش 3: 4). إن كان فرعون قد تعلق قلبه بيوسف قائلًا: "هل نجد مثل هذا الرجلًا فيه روح الله؟!"، فكم بالحري يليق بنا أن نتعلق بذاك الذي روح الله هو روحه؟! الواحد مع الروح القدس في اللاهوت؟! يقول الرسول بولس: "لأن غاية الناموس هي المسيح" (رو 10: 4)... فإذ يكشف لنا السيد المسيح عن أسرار الناموس وأعماقه نكتشف غايته أن يدفعنا نحو المسيح كمخلص وعريس للنفس البشرية. ولعله لهذا السبب كان المرتل يصرخ: "بنورك يا رب نعاين النور"، وكأنه يقول بمسيحك الذي هو نورك نكتشف أسرار ناموسك فيدخل بنا إلى المسيح نفسه بكونه "النور الإلهي". المسيح هو الطريق وهو الغاية! ثانيًا: يوسف يسأل فرعون أن يقيم نظارًا على الأرض تحت قيادة ذاك الحكيم الذي يدبر أرض مصر. ماذا يعني بهؤلاء النظار إلاَّ تقديس الحواس، فتكون جميع حواسنا مضبوطة في الرب ومقدسة، تعمل لا حسب أهواء الجسد بل حسب مشورة السيد المسيح مدبر حياتنا كلها. والعجيب أن السيد المسيح لم يأتمن نظارًا على حواسنا غير روحه القدوس الذي وحده يقدر أن يقدس ويشكل حواسنا حسب إرادته الإلهية. يقول القديس الأنبا أنطونيوس: [الروح القدس يعلم الإنسان أن يحفظ الجسد كله -من الرأس إلى القدمين- في تناسق. فيحفظ العينين لتنظرا بنقاوة. ويحفظ الأذنين لتصغيا في سلام دون أن تتلذذ بالأحاديث عن الآخرين والافتراءات وذم الغير. ويحفظ اللسان لينطق بالصلاة وحده، معطيًا وزنًا لكل كلمة، فلا يسمح لشيء دنس أو شهواني أن يختلط بحديثه. ويحفظ اليدين لتتحركا طبيعيًا فترتفعان للصلاة لصنع الرحمة والكرم. ويحفظ المعدة ليكون لها حدود مناسبة للأكل والشرب، وذلك حسب القدر الكافي لقوت الجسد، فلا يترك الشهوة والنهم ينحرفان به فتتعدى حدودها. ويحفظ القدمين ليسلكا حسب إرادة الله بهدف القيام بالأعمال الصالحة. بهذا يكون الجسد كله قد اعتاد كل عمل صالح، وصار خاضعًا لسلطان الروح القدس، فيتغير شيئًا فشيئًا حتى يشارك - إلى حد ما - في النهاية صفات الجسد الروحي الذي يناله في القيامة العادلة ]. ثالثًا: طالب يوسف فرعون بالجمع في أيام الشبع، وتخزين خُمس المحصول السنوي لمدة سبع سنوات حتى يستخدم هذا الفائض في أيام الجوع. هذه مشورة حكيمة يليق بكل مؤمن أن يلتزم بها روحيًا، ففي فترات تعزيته الروحية والتهاب قلبه بمحبة الله يكون حريصًا أن يغتنم كل فرصة ليجمع لحساب ملكوت الله في مخازن قلبه الداخلية، حتى متى كان أمينًا وغير مستهتر في تلك الآونة يسنده الرب نفسه في أوقات الجفاف وفي فترات التجارب. بقد أمانتنا في فترات الالتهاب الروحي وحرصنا على كل فرصة للنمو والبنيان المستمر، نجد عون الله المجاني يفيض في فترات الفتور... فهو أمين و"ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة" (عب 6: 10). إن كنا تحت الناموس نلتزم بتقديم العشور، ففي عهد النعمة يليق بنا أن نقدم بفيض، فالخُمس هنا لا يعني كمًا معينًا إنما تقديم حواسنا له بكونها خمس حواس! رابعًا: إذ نقيم في الأرض مخازن "لا تنقرض الأرض بالجوع" [36]... بمعنى أنه إن صار جسدنًا يحمل فيه مخازن الحنطة الروحية، فإن الخطية لا تستطيع أن تفسده بجوعها، بل يجتاز فترات الضيق دون أن يهلك! |
|