إذن ليقل الشهيد وهو واقف كإنسان قبالة إنسان آخر، "أنني لا أخاف لأنني أخاف". إنك لا تستطيع أن تنفذ وعيدك بدون سماح من الله، وأما ما يهدد به الله فلا يستطيع أحد أن يمنعه من تنفيذه. بماذا تهدد وماذا تستطيع أن تفعل إن سُمح لك به؟ إن سطوتك تمتد إلى الجسد، وأما الروح ففي مأمن منك. إنك لا تستطيع أن تقتل ما لا تراه. فلأنك منظور تهدد ما هو منظر فيّ، ولكن لكلينا خالق غير منظور ينبغي أن نخافه، فهو الذي خلق كل ما هو منظور وما هو غير منظور في الإنسان. لقد خلقه مرئيًا من الأرض، وبنسمته التي نفخها منه خلق الروح غير المنظورة. لذلك فإن الجوهر غير المرئي الذي هو الروح السامية عن الأرض (الجسد) المنحطة، لا يخاف عندما تهاجم الأرض. إنك تستطيع أن تقتل المسكن، ولكن هل تستطيع أن تقتل الساكن فيه؟ عندما تنحل القيود يهرب ذلك الذي كان قبلاً مقيدًا ويتوَّج خفية. إذن لماذا تتوعدني يا من تعجز عن صنع أي شيء لروحي؟ فبإطلاقك لذلك الذي لا تستطيع أن تصنع له شيئًا سيقوم أيضًا ذلك الذي لك سلطان عليه. لأنه بإطلاق الروح سيقوم الجسد أيضًا ويعود مرة أخرى إلى ساكنه، وعندئذ لا يموت بعد بل سيبقى إلى الأبد. اُنظر (إذ أتكلم على لسان الشهيد)، اُنظر فإنني لا أخاف وعيدك حتى بالنسبة لجسدي. حقًا إن جسدي يخضع لسلطانك، ولكن حتى شعر رأسي فمُحصى بواسطة خالقي (مت 10: 30). لماذا أخاف من فقدان جسدي أنا الذي لا يمكن أن أفقد ولا شعرة واحدة (لو 21: 18)؟ كيف لا يهتم بجسدي ذلك الذي يعرف جيدًا حتى أموري الصغيرة؟ هذا الجسد الذي يُجرح أو يُذبح سيكون ترابًا لوقت ما، لكنه بعد ذلك سيصير غير قابل للموت إلى الأبد. ولكن لمن يكون هذا؟ من الذي يبعث جسده للحياة الأبدية حتى ولو ذبح أو هلك أو اِندثر بين الرياح؟ لمن سيعود؟ لذاك الذي لم يخف من أن يضع حياته، حيث لا يخاف من قتل جسده.
القديس أغسطينوس