إنجيل متّى هو "إنجيل الملكوت"، مركزه "ملكوت السماوات" الذي يُعلن بوضوح في الأحاديث التعليميّة للسيّد المسيح كما في أمثاله ومعجزاته. هذا الملكوت هو ملكوت المستقبل (مت 25: 34؛ 7: 21؛ 8: 11؛ 16: 28)، لكنّه يبدأ من الآن في حياتنا كحقيقة حاضرة (مت 12: 28؛ 4: 17؛ 5: 3؛ 11: 3). كأن ملكوت السماوات قد بدأ فعلًا بمجيء السيّد المسيح وسكناه في قلوبنا ليُعلن بكماله في مجيئه الأخير.
أما رب الملكوت فهو "المسيّا" المخلّص الذي كشف الإنجيل عن سلطانه الملوكي، موضّحًا أنه فيه تمّ المكتوب، وتحقّقت المواعيد الإلهيّة، وتمتّعت الشعوب بمشتهى الأمم! إنه موسى الجديد على مستوى فريد وفائق، يصوم أربعين يومًا، ويجرّب على الجبل ليغلب باسم شعبه وتخدمه الملائكة، يكمّل الشريعة الموسويّة لا بتسلّم وصايا على حجر منقوش بل يتكلّم بسلطان من عنده، يُشبع الجموع التي في القفر، ويتجلّى أمام تلاميذه مستدعيًا موسى وإيليّا ومتحدّثًا معهما! إنه ابن الله، لكنّه هو أيضًا ابن الإنسان، إذ حلّ في وسطنا ليدخل بنا إلى أمجاده. لهذا يدعوه "ابن الإنسان" في مواقف المجد الفائق.