تأمل فى جبل الزيتون تأملات في عيد الصعود
عيد الصعود المجيد يرفع قلوبنا وأفكارنا وارواحنا الى السماء حيث المسيح جالس عن يمين الاب. فنحن نشكر الله الذى أقام طبيعتنا واصعدها الى السماء.
ونصلي ان يقيمنا من الكسل والتعلق بالأرضيات الي سمو الفكر وارتفاعه عن كل فكر غريب عن محبة الله { هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستاسرين كل فكر الى طاعة المسيح }(2كو 10 : 5).
ان السيد المسيح الذى نزل لأجل خلاصنا هو الذى صعد ايضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 9:4، 10). فنحن مدعوين الى الصعود بحياتنا مع من صعد ليقيمنا ويرفعنا الى مرتبة البنوة والحياة السمائية .
ويرى القديس أغسطينوس أن حياتنا على الأرض يمثلها الرقم اربعين، حيث نلتزم بتنفيذ الوصايا العشرة كل أيام حياتنا فنبلغ كمال التطويبات، ونعمل على طاعة وصايا الله في كل أركان المسكونة أو جهاتها الأربع أينما وجدنا فالرقم أربعين يشير الى حياتنا التي نعمل فيها فى العالم للثبات في المسيح لنرتفع معه ولا نخجل منه فى مجيئه الثاني { والان ايها الاولاد اثبتوا فيه حتى اذا اظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه} (1يو 2 : 28)
صعد المسيح ليرسل لنا الروح القدس المعزى :
الذى يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة ( يو 16 : 5 – 8 ) ويرشدنا إلى الحق ويخبرنا بأمور آتية ( يو 16 : 13 – 14 ) ويشهد للمسيح ( يو 15 : 26 ) ونحن نعرفه وماكث فينا ( يو 14 : 16 – 17 ) .. وحل الروح القدس كألسنة نار ( أع 2 : 1 – 4 ) ومازال الروح القدس يعمل فى الكنيسة عن طريق الأسرار الكنسية السبعة .. يقدس ويبارك ويرشد ويعلم ( 1 يو 2 : 20 ، إش 11 : 2 ) .
2 – صعد المسيح ليعد لنا مكانا :
أن ملكوت السموات معد لنا منذ تأسيس العالم ( مت 25 : 24 ) ... " أنا أمضى لأعد لكم مكانا " ( يو 14 : 2 ) .
وسكنى القديسين فى الملكوت كل واحد حسب جهاده واستحقاقه .. " فى بيت أبى منازل كثيرة " ( يو 14 : 2 ) .. قد تكون منزل أو منزلة ؛ ... " لأن نجما يمتاز عن نجم فى المجد " ( 1 كو 15 : 41 ) .
3 – صعد المسيح ليشفع فينا لدى الآب :
" إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب " ( 1 يو 2 : 1 – 2 ) .. " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس " ( 1 تى 2 : 5 ) .
وهذه هى الشفاعة الكفارية بدم يسوع المسيح الذى أشترانا به وقد صعد السيد المسيح إلى المجد بجسده الممجد وفيه آثار جروح المسامير وطعنة الحربة ..
بركة عيد الصعود تكون معنا آمين
+ معنى كلمة عيد: كلمة أعياد هي في الحقيقة مواسم أو مواعيد للمقابلة بين الله وشعبه وهي نفس الكلمة المستعملة في (خر 25 : 22) "وأنا أجتمع بك هناك"، لذلك فكلمة عيد تحمل في العبرية معنى الفرح أو البهجة ولهذا صارت الأعياد عند اليهود محافل مقدسة (لا 23 : 2).
+ طقس فرايحي: تحتفل الكنيسة فيه بتذكار صعود الرب يسوع الي السماء كسابق لنا. وموعده في اليوم الأربعين لقيامة الرب يسوع كما جاء بأعمال الرسل في الإصحاح الأول. وأخرجهم خارجاً إلى بيت عينيا ورفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم إنفرد عنهم وأصعد إلى السماء" (لو51:24).
قال القديس يعقوب السروجى لقد جمع السيد المسيح تلاميذه على جبل الزيتون، ومن الزيتون يخرج زيت المسحة، ومن هناك أعطاهم سر المسحة، لقد جمعهم إلى ذلك الجبل ليزودهم بالزيت ليرشم كل الأرض. أعطى المسحة من جبل الزيتون ولتكون لخلاص العالم كله.
وعندما نتأمل فى جبل الزيتون نجد أن هذا الجبل هو الذى ذهب إليه السيد المسيح فى طريقه إلى الموت موت الصليب، هو هو نفس الجبل الذى صعد من عليه إلى السماء.
لكى يعطينا درساً إنه لايمكن أن ندخل أو نعبر إلى السماء إلا من خلال جبل التجارب والضيقات [إنه بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت الله] (اع22:14).
+ صعد إلى السموات: صعد الرب يسوع المسيح إلى السماء ليؤكد حقيقة أنه ليس ملاكاً ولانبياً بل هو الله ذاته الذى هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمه قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى (عب 1 : 3)، إذ [ليس أحد صعد الى السماء إلا الذى نزل من السماء إبن الإنسان الذى هو فى السماء] (يو13:3).
ودعا نفسه إبن الإنسان ليؤكد حقيقة انه بالرغم من ألوهيته إلا أنه أخذ جسد تواضعنا من السيدة العذراء جسد بشرى كامل وليس جسد هيولى لذلك دعا نفسه بإبن الإنسان بحسب الجسد لكنه هو إبن الله بحسب الطبيعة الإلهية فلما أخذ جسدنا وصار بيننا أكد أنه هو هو الله ولكنه ظهر فى الجسد وقد أكد أنه من فوق بقوله [أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق أنتم من هذا العالم أما انا فلست من هذا العالم ] (يو23:8).
بعض من الأنبياء صعدوا إلى السماء مثل إيليا وأخنوخ والقديس بولس الرسول إلى السماء الثالثة.
ولكن رب المجد يسوع المسيح صعد إلى السماء عينها بقوة لاهوته الذى لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفـة عين من بعد الإتحاد وقد ظن البعض أن صعود رب المجد يسوع المسيح إلى السماء من وحى الخيال ولكن تنبأ عن صعوده الانبياء فنجد فى سفر الأمثال نبوه عن صعوده وأيضاً عن الثالوث فيقول [من صعد الى السماوات و نزل من جمع الريح في حفنتيه من صر المياه في ثوب من ثبت جميع اطراف الارض ما اسمه و ما اسم ابنه ان عرفت (ام 30 : 4)].
فصعد الرب إلى السماء موطنه الأصلى مؤكداً الإشارات والنبوات التى تمت فيه وكان صعوده من قمة جبل الزيتون الذى كان فى مواجهة الباب الشرقى لأورشليم وحالياً يوجد على هذا الجبل كنيسة باسم الصعود.
لذلك الكنيسة فى صلواتها وكافة طقوسها تتجه إلى ناحية الشرق تجاه مكان صعود الرب ومجيئه الثانى مؤكداً ذلك ما قاله الملاكان للتلاميذ ؟[أيها الرجال الجليليون مابالكم واقفين تنظرون إلى السماء أن يسوع هذا الذى أرتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء] (اع11:1).
صعد الرب إلى السماء لكى ما يصعد قلب الإنسان إليه فى الأعالى كما يردد الشعب عند سمعه قول الكاهن فى القداس الألهى أين هى قلوبكم ؟ فيجاوب الشعب ويقول هى عند الرب وليرفع نظر الإنسان من الأرضيات إلى السمائيات (غير ناظرين إلى الأشياء التى ترى بل إلى الأشياء التى لا ترى لأن التى ترى وقتية وأما التى لا ترى فأبدية) (2كو 4 : 18).
+ وجلس عن يمين أبيه: وجلس عن يمين أبيه تتميماً لقوله على فم داود النبى قائلاً [قال الرب لربى أجلس عن يمينى حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك] (مز110 : 1) وقد شرح السيد المسيح هذه الأية الدالة على صعوده وجلوسه عن يمين أبيه ليؤكد لجماعة الفريسين أنه هو المكتوب عنه فى الأنبياء والمزامير بقوله لهم كيف يدعوه داود بالروح رباً قائلأ [ قال الرب لربى إجلس عن يمينى حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك] أى كيف يدعوه رباً إلا إذا كان مؤمناً انه هو نفسه الرب الذى نزل من السماء.
السبب الأول:
تمجيد المسيح
تمجيد المسيح فى صعوده كان لابد أن يسبق تمجيد الكنيسة بحلول الروح القدس.
أختفاء السيد المسيح سابق للحلول لكى يتحول الرب من كائن معنا إلى كائن فينا، كائن معنا محدوده لكن كائن فينا غير محدوده نتيجة عمل الروح القدس. "ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم "ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم" بفعل الروح القدس طبعاً.
السبب الثانى: كرازة التلاميذ:
قبل أن يصعد أوصاهم أن يكرزوا وقال لهم "دُفع إلى كل سلطان ما فى السماء وما على الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر". التلاميذ لم يعيشوا كل الأيام لكن كان مقصود الكنيسة. كرازة التلاميذ على مر الأيام، أى مع الكنيسة فالأشخاص تنتهى لكن الكنيسة تدوم إلى الأبد.
(أع 1: 4 – 9) "أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذى سمعتموه منى لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير". ولذلك يوم الصعود يوم الخميس بينما الأعياد الُكبرى تتم يوم الأحد مثل القيامة والعنصرة وقبلهما الشعانين. لذلك فدورة الصعود تتم يوم الأحد لربط الصعود بالأحد.
السبب الثالث:
إعلان مجيئه:
إنه سيأتى كما صعد، لذلك إنتظار مجئ المسيح عقيدة "وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين" نعلن انتظارنا لمجيئه الثانى.
وأعرف أن صعودك وعد بالملء بالروح... فأعتكف مع تلاميذك الأطهار... لعلى آخذ قبساً مما أخذوه...
فمن أنا حتى يتنازل روح الله إلىَّ؟!
ولكنها محبتك الحانية... وتواضعك المجيد... ووعدك الأكيد... أن "ينسكب روحك على كل بشر" (يؤ 28:2)، (أع 17:2). فأعطنى يارب روحك الذى يبكتنى على كل خطية... والذى يرشدنى كلما احتجت إلى نورك، ويذكرنى بكل ما قلته لى، ويعزينى فى كل آلامى وضيقاتى، ويثمر داخلى بثمارك المقدسة، ويهبنى بعضاً من مواهب خدمتك... لعلى أخدمك ما حييت!!
وأعرف أن صعودك وعد بالمجىء الثانى... كما وعد الملاكان تلاميذك الأطهار... وهو وعد أكيد... حينما تأتى لتدين العالم... وتأخذ إليك الأبرار... هناك على السحاب... ثم إلى مجد، فى الملكوت!!