زوجة شريرة فاسقة
لكن ما حدث بالنسبة للشاب الوقح المستهتر الخائن والدنيء لم يكن كافيًا لردعه لأن الشهوات كانت قد استولت عليه، أخذ يتمادى في التفكير في الشر، وكانت إهانته وطرده دافعًا له بالأكثر للتوغل في الشر بدلًا من النكوص عنه. أخذ بعدئذ يدبر أمرًا ليسقط هذه الفتاة ويفسد حياتها، كان يفكر في الوصول إلى غرضه الشرير وتفتحت أمامه حيل الشر - وهذا ما يحدث بالنسبة لكل سائر في الطريق المعوجة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.رأى أن يعيد التودد إليها -بعد انقطاعه فترة من الزمن- باستخدام أساليب شيطانية: أعاد الكرة وكانت الشابة في حالات فتور واسترخاء روحي، وكانت لا تزال تعيش وسط دوامة كثرة الاهتمامات والمشاغل والأفراح العالمية ولم تأبه بالحادث الذي وقع في طريقها. كان الشاب يحضر مع المعارف والأصدقاء القدامى للزيارة كلما وجد الفرصة سانحة وكأن أمرًا لم يحدث ناسيًا كل شئ، وكانت الشهوة تأكل قلبه أما هي فكانت تستحي أن تفصح لأحد عن شيء، كما أن العدو تدخل وبدأت الشابة هي أيضًا تفكر وتدنست تصوراتها وركز إبليس القتال ضدها فأحبت الكسل والانحلال الروحي الذي انتابها وتغلغل إلى أعماق نفسها وأهملت كل وسائط النعمة وألقت كل الأسلحة التي تستطيع أن تحارب بها إبليس.
لقد فاتها قول ابن سيراخ: "يا بني إن أخطأت فلا تزد بل استغفر عما سلف من الخطأ. اهرب من الخطية هربك من الحية فإنك إن دنوت منها لدغتك، أنيابها أنياب أسد تقتل نفوس الناس، كل إثم كسيف ذي حدين ليس من جرحه شفاء" (ابن سيراخ 21: 1-4).
بدأت الزيارات تتكاثر والأحاديث تطول، وفي ليلة ما بعد سلسلة من اللقاءات.. سقطت الزوجة، وما أسهل السقوط وما أيسره..
سقطت الزوجة المصون السقطة المروعة وتدمرت حياتها الزوجية والروحية وتحطم عش سعادتها.
تحولت من امرأة صالحة وزوجة مخلصة إلى امرأة شريرة زانية أشد قبحًا من المرأة البرصاء.. فيا للهول ويا للفجيعة..
تمت عليها بعض أوصاف ابن سيراخ للمرأة الشريرة حيث قال:
"المرأة الشريرة نير قلق ومثل متخذها مثل من يمسك عقربًا" ص26: 10.
"كل سوء بإزاء سوء المرأة خفيف" ص25: 26.
"إن لم تسلك طوع يدك تخزيك أمام أعدائك، فاقلعها عن جسدك لئلا تؤذيك على الدوام" ص25: 35، 36.
"خبث المرأة يغير منظرها ويرد وجهها أسود كالمسح، رجلها يكمد بين أصحابه وإذا سمع تأوه بمرارة" ص25: 24، 25.
"لا رأس أشر من رأس الحية، ولا غضب أشر من غضب المرأة. مساكنة الأسد والتنين خير عندي من مساكنة المرأة الخبيثة" ص25: 22، 23.
حزن وخزي وعار
بعد السقطة المروعة تراكم الحزن والخزي والعار على ثيؤدوره كما هو الحال عقب السقوط، وبعد أن كانت معروفة بطهارتها ومشهورة بنقاوتها وبرارتها هبطت إلى الدرك الأسفل، فاحت رائحة الخطية كما تفوح رائحة النتن من الجسد الميت، وأمست بين ليلة وضحاها مثل الجيف الميتة تنهشها الحيوانات المفترسة.
أفاقت من سقطتها ووجدت نفسها قد تدنست، تملكها ندم، قاتل تجرعت كؤوس الحزن وصارت تبكي بكاء مرًا وتمزق قلبها هلعًا وفزعًا وكان لجريمتها مفعول السم يسري ببطء في جسمها ويسمم كل حياتها ويسيطر على تفكيرها ليل نهار، صارت مسرات الحياة ومباهجها مصدر لكد وألم، كانت تصرخ من أعماق قلبها الممزق في تأوهات مرة دون أن تستطيع النطق بكلمة واحدة، كانت تسجد إلى الأرض وتلطم وجهها وتندب مصيرها وتصرخ مولولة:
"ارحمني أيها المتحنن كعظيم رحمتك، يا إله الرحمة والرأفة التجئ إلى مراحمك لأنه لم يبق لي رجاء ولا أمل. نعم أنني قد أخطأت وأذنبت لكني صنعتك وجبلتك فأنت قد رسمت صورتك البهية في هذه الطبيعة العديمة الشكر وأنا قد سودتها بخطيئتي"..
"ويحي أنا المسكينة. لقد كنت قبلًا في كرامة وسلام، كنت أعيش تحت ظلال غروس الفردوس الشهية المباح أكلها والتلذذ بها والآن أسهر لأربي الأشواك.. أية تعاسة للجبلة المنفصلة عن جابلها، إنها كالجو الذي خلا من الشمس وأرخى عليه الظلام الحالك، كالعين التي جفت ونضب ماؤها، كالجسد الذي فارقته النفس"..
"إن تذكر سعادتي السابقة يثقل عليَّ أحزاني الحاضرة وخيانتي الكبيرة التي سقطت فيها تجعل مصيبتي أبهظ مما احتمل".
"الآن أرى حقيقة نفسي. إني موضوعة تحت الموت والأحزان والضيقات والأوجاع، أنظر إلى السماء حزينة والأرض تندب تعاستي.. ويزيدني ألمًا أن أرى باب فردوس النعيم مغلقًا والحربة النارية حارسة له"..
"صرت بالحقيقة عدوة لك يا ربي فكيف اثبت بصري نحوك، وماذا يكون موقفي لو أتت ساعتي الآن وأنا في مثل هذه الصورة الدنسة الرجسة القذرة البشعة.."؟!!