ما هي أسس السعادة الزوجية؟
إلى الأخ العزيز:
سلام الله معك. وصلتنا رسالتك ونشكرك عليها. بدورنا نرسل لك هذه الأسطر عربون صداقة وأخوة، راجين الله أن تصلك وأنت بصحة تامة بعونه تعالى. وهذا جواب عن سؤالك:
إن الوضع الكتابي للزواج والغرض الرئيسي منه هو ما قاله الله: "ليس جيداً أن يكون آدم وحده, فأصنع له معيناً نظيره". إذ قصد الله أن يتعاون الشريكان معاً في السراء والضراء, وأن يعملا بقانون المسيح: إن الأعظم هو من يخدم وليس الذي يتكيء على الدوام لكي يخدمه غيره. قال الكتاب: "احملوا بعضكم أثقال بعض وهكذا تمموا ناموس المسيح". وإن صح هذا عامة, فهو الزم للحياة الزوجية بين الشريكين.
بعض الطرق لعلاج إهمال التعاون والصداقة بين الزوجين:
قال أحدهم:
(1) ليدرس الزوجان الأسباب التي عطلت الصداقة والتعاون بينهما.
(2) ليقرّ كل منهما بخطئه بتواضع, وإلا تعذر العلاج لوجود الكبرياء والتعالي, وليعرف كل منهما أن من يبدأ بالاعتراف فهو الأعظم وليس بالعكس.
(3) ليبدأ الاثنان في الصداقة العملية وفي التعاون البناء في الحال.
(4) إذا اختلفا حول أمر من الأمور ليأخذا المسألة بسهولة وبالإقناع باللطف, ويتركا المسألة للزمن لزيادة الفهم إذا لم يتم الإقناع.
(5) وإذا أمكن ليحتكم الاثنان إلى صديق للطرفين أو لرجل من رجال الدين يثقان به وممن يحفظون أسرار الناس.
(6) وقد يحتكم البعض إلى إجراء القرعة عن الأمر الذي يختلفان فيه إذا كان الاثنان يستسيغان هذه الطريقة. قال أحدهم: إن صفات اللطف والصبر والاحتمال, هي كالشحم للآلات يلينها ويسهل عملها. وهكذا لا تسير عجلة الحياة الزوجية إن لم تشحم بشحم هذه الصفات السامية. وكما أن الآلة تحدث أصواتاً مزعجة, ويصعب إدارتها بدون تشحيم, هكذا تحدث لماكينة الحياة الزوجية, تحدث صخباً وصياحاً وإزعاجاً بل تتعطل وتتوقف عن التقدم.
الثقة والصراحة بين الزوجين:
(1) ازدياد المحبة بين الاثنين على مر الأيام.
(2) عدم فتح ثغرة للوشاة الخبثاء.
(3) استئمان الواحد منهما للآخر على كل شيء.
(4) عدم تطرق الشك إلى قلبيهما.
(5) اتخاذ كل منهما الآخر صديقاً وعوناً على مصائب الدهر.
(6) تقاسم مسرات الحياة معاً.
(7) سيادة السلام القلبي بينهما, والسعادة الصحيحة.
قال أحدهم: من آفات الزواج عدم الصراحة بين الزوجين وأن كلاً منهما لا يفضي بما فيه. وهذا يكثر الشك والتوجس والظنون والانتقاد. والأجدر أن يفضي كل منهما للآخر برغباته أو انتقاداته بروح اللطف المسيحي. وباستعمال الصراحة تتلاشى الأفكار السيئة وتتوطد دعائم الصداقة بين الزوجين. قال بلي جراهام الواعظ الأمريكي المشهور: "ليست الزوجة لعبة أو أداة من أدوات الزينة في منـزلك ولكنها شريكة حياتك في كل أمور الحياة. لذلك يجب ألا تحتفظ بأسرار تخفيها عنها. بل اعرض عليها مشروعاتك وناقشها فيها". لكن آخر يرى أن لكل قاعدة شواذ, فعندما لا تكون الزوجة مستحقة لأن تكون موضع ثقة فيستمع الزوج للقول الإلهي: "احفظ أبواب فمك عن المضطجعة في حضنك"(ميخا 7: 5).
قد تتعطل الثقة والصراحة بين الزوجين لأسباب منها:
(1) كتمان الأمور الواحد عن الآخر وعدم التشاور.
(2) دخول بعض الوشاة بين الاثنين.
(3) ضعف الحياة الروحية.
(4) وجود بعض التقلب في حياة أحدهما أو أي الاثنين.
(5) الميل لتصديق آخر أكثر من الشريك الآخر.
(6) عدم الحكمة في بعض التصرفات.
(7) عمل أشياء مشكوك في أمرها من أحدهما أو من الاثنين.
محبة وخضوع:
الخضوع الدائم هو الخضوع للرجل, لأن الرجل رأس المرأة, والرأس لا يتسلط بل يقود ويوجه. هذا الخضوع ينبغي أن يكون شاملاً إذ هو في كل شيء. كما ينبغي أن يتمثل بخضوع الكنيسة للمسيح. ويتم هذا الخضوع عملياً بالاحترام والإجلال "أما المرأة فلتهب رجلها". وسر الأخطار والأضرار التي تصيب المجتمع تأتي من بُعد المرأة عن هذا الولاء والتقدير. أما الرجل فمن واجبه المحبة. على أن المحبة في ذاتها لا تحتاج إلى وصية, لكن الرسول بولس لا يقف عند مجرد المحبة بل يرتقي بها إلى محبة المسيح الباذلة العجيبة, وعندما توجد المحبة يوجد معها كل شيء.
ذكر الأستاذ لويس بجامعة أكسفورد في كتاب "آداب السلوك المسيحي" ما يلي: "تتعهد الزوجة المسيحية في رابطة الزواج أن تطيع زوجها, والرجل في الزواج المسيحي هو "الرأس". وهنا يثير بعضهم أو على الأصح بعضهن سؤالين:1) لماذا هذا الرأس? ولماذا لا تكون مساواة? 2) ولماذا يكون الرجل هو الرأس... والجواب هو:
إن الحاجة إلى رأس ناشئة عن الفكرة بأن الزواج علاقة مستديمة ثابتة, وطبعاً ما دام الوفاق قائماً بين الزوج والزوجة فلا مجال للتحدث أو التفكير فيمن هو الرأس. وهذا هو الوضع الطبيعي الذي نرجوه في كل زواج مسيحي. ولكن إذا وقع شقاق, فما الذي يحدث? الشيء الطبيعي هو بذل الجهد لإزالته بالعتاب الودي والكلام العاقل, ولكن إذا فرض أنهما فعلا كل هذا ولم يصلا إلى اتفاق, فما الذي يفعلانه بعد ذلك? لا يمكن تسوية النـزاع بأغلبية الأصوات, لأن مجلساً مؤلفاً من اثنين فقط لا أغلبية فيه. لا شك أن الذي يحدث هو أحد أمرين:
1) فإما أن ينفصلا ويذهب كل منهما لحال سبيله, وإما أن يكون لأحدهما القول الفاصل. وما دام الزواج رابطة مستديمة, فلا بد أن يكون لأحد الطرفين في آخر الأمر, حق تقرير سياسة الأسرة, ولن تعيش أية هيئة مستديمة بدون دستور يحكمها وسلطة ما تشرف عليها.
2) وإن كانت هنالك ضرورة للرأس فلماذا لا يكون الرجل? أعتقد أن المرأة ذاتها لن تسيطر على رجلها إذا كانت تحبه, فإن سلطة الزوجات على الأزواج شيء غير طبيعي. والمرأة العاقلة الحكيمة لا ترضاها, بل المرأة بصفة عامة تخجل من هذا الموقف وتحتقر الرجل الذي تكون هي رأسا له.
التعبير عن العواطف:
قال أحد رجال الأعمال "إنني متزوج منذ أكثر من ثمانية أعوام وقلما ابتسمت لزوجتي خلال هذا العمر الطويل. بل قلما حدثتها بأكثر من بضع عبارات ابتداء من الساعة التي أصحو فيها حتى أغادر البيت قاصداً عملي. لقد كنت أسوأ مثل للرجل العبوس المتجهم. فلما قصدت أن أبتسم فكرت أن أجرب الابتسام مع زوجتي. ففي الصباح التالي, بينما أنا أمشط شعري أمام المرأة تطلعت إلى صورتي وقلت لنفسي "إنك ستمحو اليوم هذا العبوس المخيم على سحنتك, ستبتسم دائماً, وأبدأ في هذه اللحظة". فلما جلست على المائدة لتناول طعام الإفطار حييت زوجتي بهذه التحية على الدوام. وقد جلب هذا الموقف الجديد لبيتنا خلال الشهرين الماضيين سعادة لم نذق مثلها خلال العام الماضي كله".
رد الشر بالخير:
كانت الزوجات المسيحيات كثيراً ما يعرضن أحوالهن مع أزواجهن على القديسة "مونيكا" أم القديس أغسطينوس, ويشكين لها مصابهن, ويتعجبن كيف تعيش مع زوجها براحة وسلام, مع أنه مشهور بشراسته وغضبه الشديد, فكانت تجيبهن بالقول: "إنه إذا احتد وغضب, فإني أسكت سكوتاً تاماً, بل كثيرا ما أنشغل بالصلاة في أثناء هياجه وسخطه, وعلى هذه الصورة يسكن غضبه ويهدأ اضطرابه, فأعيش معه بحب وسلام حتى أني قد استملتُه إلى المسيحية. فافعلن مثل ذلك تعشن ورجالكن, براحة بل تقدسن أنفسكن ورجالكن".
كان أحد الأفاضل يتحدث مع شيخ تقي. فسأله عن سبب تجديده, فصمت دقيقة, وكان السؤال أصاب وتراً حساساً في نفسه, وأجاب بتأثر شديد وقد سالت الدموع من عينيه: "لقد جاءت زوجتي إلى الله قبلي بعدة سنين فاضطهدتُها وأسأتُ إليها بسبب دينها, غير أنها لم ترد علي إلا بالشفقة. وكانت تظهر باستمرار اهتمامها لتزيد من راحتي وسعادتي. فكان سلوكها الطيب مع كل ما لقيته من ألم من سوء معاملتي فها هو أول ما أرسل سهام التبكيت إلى نفسي".
المحبة الزوجية:
أوضح أحد الحكماء المحبة في الزواج بقوله: "هناك ثلاثة أنواع من الحب: (1) الحب الكاذب, الذي يطلب ما لنفسه, كما يحب الإنسان الذهب والكبرياء والنساء خارج الحدود التي رسمها الله (2) وهناك الحب الطبيعي, كحب الوالد لابنه والأخ لأخته (3) وفوق الكل الحب الزوجي الذي يتغلب على كل شيء ولا يطلب إلا الشريك الآخر فيقول: أنا لا أطلب ما هو لك, لا ذهبك ولا فضتك, بل أطلبك أنت. وهذا النوع من الحب يطلب المحبوب كله. ولو لم يكن آدم قد سقط لكان الحب الزوجي أقدس ما في الوجود, ولكن الحب الزوجي الآن ليس نقياً كما ينبغي, لأن حب الذات يتدخل فيه. لقد شدد البيوريتان الذين ظهروا في انجلترا في القرن السادس عشر ونادوا بضرورة التدقيق الديني الشديد, بأن الزوجين يجب ألا يقدما ولاءهما لبعضهما عن ولائهما للمسيح وإلا اعتبر هذا عبادة أصنام. فقد كتب كرومويل زعيمهم الأول المشهور لابنته على اثر زواجها يقول: "لا تدعي حبك لزوجك يقلل من حبك للمسيح بأي شكل من الأشكال. إن أكثر ما يجتذبك هو مدى تشبهه بالمسيح, فصورة المسيح فيه هي ما يجب أن يجذبك إليه أولاً". وقد كتب احد البيوريتان إلى خطيبته يقول: "يا حمامتي لا أعطيك قلبي لأني قد سبق وأعطيته للسماء من زمن طويل, ما لم يكن قلبي خدعني, وأنا واثق انه ليس ملك أحد في هذا العالم. ولكن الحب الذي تسمح السماء لي بأن أقدمه لإنسان أقدمه لك وحدك".
الطلاق:
الطلاق هو مظهر الرفض وعدم الرضا بواقع معين أي بالزواج. وعدم قبول العيش مع شريك الحياة أو شريكة الحياة. وان المبدأ العام هو أن احد الزوجين أو كليهما يرفض أن تستمر على ذلك النوع من الحياة التي ربما كان راضياً بها من قبل. ونظراً لوجود مخرج من هذه الحياة, أو نظراً لوجود سبيل للخروج من ذلك السجن الذي يرفضه الزوجان, يهرب كل منهما أو أحدهما إلى التحرر. فالطلاق إذن مظهر للرفض وأسلوب للإنعتاق والتحرر من سجن الزوجية كما يسميه البعض.
لو عرف الإنسان أن هذا السجن له أبواب من ذهب, وقيود من حرير لعزف عن تسميته سجناً, وبارك الله لأجل تأسيس الزواج. لكن هذه الظاهرة هي بخلاف ترتيب الله وبخلاف إرادته. والكتاب المقدس يعيدنا إلى ما قاله السيد المسيح عن هذا الموضوع, حيث قال الكتاب المقدس بأن الله من بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما. ويقول أيضاً: "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته, ويكون الاثنان جسداً واحداً, فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان". لكن الفريسيين إذ أرادوا أن يجربوا المسيح قالوا له: "فلماذا أوصى موسى أن تعطى كتاب طلاق فتطلق?" فقال لهم: "إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم: إن من طلّق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزني, والذي يتزوج بمطلقة يزني". وهكذا لقد أصلح المسيح مفهوم الطلاق ووضع له شرطاً, وأعاد ترتيب الزواج إلى وضعه الأول إذ قال: "يكون الاثنان جسداً واحداً", وهذا الجسد لا يمكن أن ينفصل بسهولة ولا يحق لأي إنسان أن يتدخل لفصله لأن الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. وهكذا نجد أن تعليم المسيح واضح جداً وهو منع الطلاق إلا بسبب واحد وهو عدم الوفاء. وبما أن الله لا يريد ولا يحب عدم الوفاء, إذاً فهو لا يريد ولا يحب الطلاق, ولا يأذن أيضاً بالطلاق.