رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 92 - تفسير سفر المزامير مزمور السبتكان لهذا المزمور وضعه الخاص في خدمة السبت في الهيكل. وهو يكشف عن النظرة الحقيقية للسبت عند اليهود. إنه لم يكن يهدف إلى مجرد الراحة من العمل، إنما التمتع بالراحة والبهجة خلال العبادة والتسبيح لله. فالعبادة ليست فريضة تمثل عبئًا يلتزم به المؤمن، إنما هي راحة وبهجة للنفس. جاء في النسخة الكلدانية أن واضع المزمور هو آدم، وتبع ذلك كثير من الكتاب اليهود وقلة من المسيحيين. الذين نادوا بهذا الرأي يرون أن آدم وضع هذا المزمور قبل السقوط أو بعد خروجه من الفردوس مباشرة. لكن يعترض البعض على ذلك أن آدم -خاصة في الفردوس- لم يعرف الآلات الموسيقية. يرى البعض أنه من وضع موسى النبي، بينما كثيرون يرون أن الكاتب داود النبي، سجله بعد أن أراحه الله من أعدائه. هو دعوة أو حث على التسبيح لله من أجل أعماله سواء كخالقٍ، أو لرعايته وحمايته لشعبه، ولعدله في معاقبته للأشرار. 1. دعوة للتسبيح 1-5. 2. هلاك الجاهل 6-11. 3. تطويب الأتقياء 12-15. من وحي مز 92 [FONT=""]العنوان[/FONT] مَزْمُورُ تَسْبِيحَةٍ. لِيَوْمِ السَّبْتِ يقول القديس جيروم معلقًا على مزمور تسبيح ليوم السبت (مز 92): [لا يمكن أن يوجد سبت ما لم تسبقه ستة أيام. نحن نعمل الستة أيام لنستريح في السابع. لا نقدر أن نسبح الرب إلا في يوم السبت؛ مادمنا مشغولين بأعمال العالم، أي مادمنا في الستة أيام لا نستطيع أن نغني للرب... ليس أحد في يوم السبت، أي في راحة الرب يعمل عملًا دنيئًا، أي يرتبك بأعمال العالم، إنما يلزمه أن يعمل ما يخص السبت. أتريد أن تعرف أنه في السبت يعمل الكهنة في هيكل الرب بينما لا يُسمح لأحدٍ أن يقطع فيه حطبًا، ففي الحقيقة الرجل الذي اُكتشف أنه يجمع حطبًا في البرية رُجم للموت (عد32:14-36). في السبت لا يشعل أحد نارًا، ولا يمارس أي عمل... إذن لنرى أنه يليق بنا أن نسبح في السبت عندما نترك أعمال هذا العالم[1].] يرى كثير من الآباء في اليوم السابق للسبت حيث كان الشعب يجمع منًا ليوم السبت إشارة إلى العمل الجاد لأجل التمتع بالطعام السماوي في الحياة الأبديةِ. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [هذا اليوم إنما هو الحياة الحاضرة التي فيها نعد أنفسنا للأشياء العتيدة[2].] ويقول العلامة أوريجينوس: [من خزَّن للسبت لم يفسد (المن)، ولا أتى فيه دود، بل بقي سليمًا، أما إن كنت تخزن للحياة الحاضرة حُبًا في هذا العالم، فسيتولد فيك الدود[3].] هكذا سبتنا يعني مشاركتنا إلهنا في راحته التي هي عمل إلهي لا يتوقف كما في قداسته (خر 12:31-17). لهذا كثيرًا ما يستخدم الكتاب المقدس تعبير "قدِّسْ يوم السبت". بمعنى آخر حفظ السبت هو التقاء مع الله خلال العبادة المقدسة والذبيحة لا لنكرم الله بعبادتنا، لكن ما هو أعظم، لكي ننعم بعمل الله فينا، واهبًا إيانا الشركة معه، لندخل به إلى قداسته[4]. كأن "السبت" هو عربون لتمتع الشعب المختار بقداسة الله يومًا كل أسبوع، وسنة كل سبع سنوات، وأخرى كل خمسين عامًا. كانوا يعتزلون كل عملٍ زمني، لا ليعيشوا في خمولٍ، بل في الحياة المقدسة، ليختبروا عربون السماء! كان السبت هو علامة على العضوية في الأسرة الإلهية، والانتساب إلى السماء، لذا كان كسر السبت عقوبته الموت (خر 1:35-3). في مزمور تسبحة ليوم السبت (مز 92) يتأمل المرتل في معاملات الله، قائلًا: "ما أعظم أعمالك يا رب، وأعمق جدًا أفكارك!" (مز 5:92). يدرك المؤمن نجاحه بالرب فيقول: "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو، مغروسين في بيت الرب في ديار إلهنا يزهرون، وأيضًا يثمرون في الشيبة" (مز 12:92-14). بهذا تمتلئ نفس المؤمن فرحًا، فيترنم "على ذات عشرة أوتار، وعلى الرباب، وعلى عزف العود، لأنك فرحتني يا رب بصنائعك، بأعمال يديك أبتهج" (مز3:92، 4). يقول العلامة أوريجينوس إن حياة المؤمن تصير سبتية، لا بالامتناع عن الأعمال الصالحة، بل بالتأمل في الله، وأعماله ومجده السماوي[5]. يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن السبت يشير إلى اليوم السابع حيث كان اليهود يستريحون من الأعمال الجسدية ويواظبون على الأعمال الروحية، مقدمين الذبائح ويزيدون من صلواتهم وتسابيحهم. كما يشير إلى الحياة العتيدة الأبدية، حيث تبطل فيه كافة أعمال الجسد. وأيضًا يُقال عن الزمن الذي فيه تجسد ربنا سبتًا، لأننا فيه طرحنا عنا أعمال خطايانا. * يعلن الله لنا عن السبت. أي نوع من السبت؟ أولًا أين هو، إنه في القلب، داخلنا، فإن كثيرين عاطلون بأعضائهم (الجسدية) بينما هم مضطربون في ضميرهم... ذات الفرح في هدوء رجائنا هو سبتنا. هذا هو موضوع التسبيح والترنم في هذا المزمور. كيف يكون المسيحي في سبت قلبه، أي في هدوء ضميره وسكونه وصفائه بدون اضطراب. هنا يخبرنا كيف أن البشر ينزعون إلى أن يكونوا مضطربين معلمًا إياكم أن تحفظوا السبت في قلوبكم[6]. القديس أغسطينوس 1. دعوة للتسبيح حَسَنٌ هُوَ الْحَمْدُ لِلرَّبِّ، وَالتَّرَنُّمُ لاِسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ [1]. يدعو المرتل الآخرين للاشتراك في لحظات التسبيح المفرحة، مستخدمًا الآلات الموسيقية. إن كانت التسبحة لله أمرًا مبهجًا ومفرحًا، فهي عمل دائم يبقى حتى في الأبدية. * عندما نعترف للرب نثق في رحمته، وعندما نرنم نتمم عملًا صالحًا[7]. * "حسن هو الاعتراف للرب، والترنم لاسمك أيها العلي". لماذا لم يقل المرتل أولًا: "حسن هو الترنم" وبعد ذلك "الاعتراف"؟ لأن الأخرى (أي الاعتراف) هي التي تهيئ للترنم الحقيقي. حسن للإنسان أولًا أن يتوب ويعترف عن خطاياه للرب، وعندما يتعرف على خطاياه، يترنم له. فإنه بالندامة يتأهل لقوة الاندفاع في الترنم لله، دون أن تقيده خطورة الخطية[8]. القديس جيروم القديس أغسطينوس وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ [2]. يبدأ التسبيح مع بداية النهار باكرًا في الفجر، وتبقى النفس تسبحه حتى ساعة متأخرة من الليل، حيث يلهج الإنسان بمراحمه الإلهية وأمانته في تحقيق وعوده. ليس أمر يهب الإنسان عذوبة في بداية اليوم مثل التسبيح، ولا ما يهبه تعزية وراحة في آخر الليل مثله. * ماذا إذن تعني: "أن نخبر برحمتك (حنوك) في الفجر"؟ إنها تعني هذا: "إنه ليس ممكنًا لنا أن نعترف للرب ونحصل على رحمته ما لم يبدأ نور واضح أن ينير قلوبنا؛ ما لم تنسحب ظلال الليل ويبلغ الفجر، لا نستطيع أن ننال رحمة الله المترفقة. لهذا فإنه بالحقيقة تخبر في الفجر بحنو الله عندما تشرق شمس البرّ في قلبك[10]. * "أن يخبر برحمتك في الفجر، وأمانتك بالليل". لماذا يسبح بالرحمة في الفجر وبالأمانة بالليل؟ لتصغوا بانتباه، فإن هذه أمور ليس من السهل فهمها. يقول أولًا: "حسن هو أن يعترف للرب" فإن الترنم يتبع معرفة الخطايا. الإنسان الذي يرد نفسه بالتوبة عن الخطية، ويتأهل للتسبيح، يبدأ أيضًا أن يخبر عن ذاك الذي يسبحه. ماذا يعني أن الرحمة يُخبر بها في الفجر، والأمانة يُسبح بها في الليل بأغنية؟ حيث توجد رحمة الرب يكون النور، أي يكون الفجر، الساعة التي تشرق فيها الشمس، ويزول عمى ظل الليل. "أمانتك بالليل"، حيثالعدل. حيث يوجد العدل تكون المحاكمة، وحينما يصدر الحكم لا يوجد مجال للرحمة، عندما تُزال الرحمة، يكونالتهديد بكارثة الخطية. هناك يكون الليل لا النهار، كقول النبي: "ماذا يعني لكم يوم الرب؟ هو ظلام لا نور" (راجع عا 5: 18). في ذلك اليوم سيعرف فحص كل حياة حسبما يستحق. في عبارة أخرى يقول النبي إن هذا اليوم مرعب... "عظيم هو يوم الرب ومرعب للغاية من يقدر أن يحتمله؟" (راجع يوئيل 2: 11)[11]. القديس جيروم القديس أغسطينوس أولًا: اعتراف للرب، أي التفكير في إحسانات الله وخلاصه الذي صنعه للبشر. ثانيًا: الترتيل لاسمه. ثالثًا: أن نخبر الناس برحمته التي صنعها معنا. رابعًا: أن نذكره بحقه أي بانجازه وتحقيق ما وعد به إبراهيم أن بنسله تتبارك كافة الأمم. وهذه الأربع نداوم عليها بالغداة (الصباح) والليل. الأب أنسيمُس الأورشليمي وَعَلَى الرَّبَابِ، عَلَى عَزْفِ الْعُودِ [3]. * عندما نرفع أيادي طاهرة في الصلاة بدون غضبٍ ولا جدال (1 تي 2: 8)، نلعب للرب على آلة موسيقية ذات عشرة أوتار... جسدنا ونفسنا وروحنا -قيثارتنا- تعمل معًا بانسجام، كل أوتارها تقدم لحنًا[13]. القديس جيروم القديس أغسطينوس الأب أنسيمُس الأورشليمي بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ [4]. بدأ تقديس يوم السبت أولًا لتمجيد الله على أعمال خلقته. راحة الإنسان الحقيقية تقوم على التسبيح لله خلال دراسته وتأملاته في أعمال الله العجيبة، الظاهرة والخفية. أما عناية الله الدائمة لخليقته فلا تقل عن عمل الخلقة نفسه، فإن كان بمحبته قد خلق كل شيءٍ، فانه بذات الحب يبقى يرعى خليقته ويعتني بها. وجاء السبت المسيحي، أو الأحد يبعث روح الفرح في حياة المؤمنين، إذ يتمتعون بالحياة الجديدة المقامة خلال قيامة السيد المسيح في فجر الأحد. صنائع الرب وأعمال يديه تبعث فينا الفرح، وتحثنا على التغني بتسابيح مبهجة. يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن كلمة "صنائعك" تشير إلى قيامة رب المجد يسوع في بدء الأسبوع، فالمزمور يشير إلى فرح الكنيسة بعمل قيامته، فصار عيدنا وراحتنا فيها، في يوم الأحد. يرى القديس جيروم في هذه العبارة ردًا على الغنوسيين الذين يحقرون من المادة، ويظنون أنها ليست من صنع الله الصالح، بل من صنع الخالق الذي أدنى من الله، أو هو إله شرير. يرى القديس أغسطينوس أن المؤمن الحقيقي يفرح بأعمال الله معه. فما فيه من صلاح هو عطية إلهية. * إن اقتربتم إليه تكونون في النور، لذلك يقول المزمور: "انظروا إليه واستنيروا ووجوهكم لا تخجل" (راجع مز 34: 5). لأنكم لا تقدرون أن تصنعوا أي صلاحٍ ما لم تستنيروا بنور الله، وتصيروا في دفء بروح الله، عندما ترون أنفسكم تمارسون عملًا صالحًا، اعترفوا لله وقولوا ما نطق به الرسول إنكم لا تنتفخون: "أي شيء لك لم تأخذه؟" (1 كو 4: 7)[15]. القديس أغسطينوس القديس جيروم القديس جيروم وَأَعْمَقَ جِدًّا أَفْكَارَكَ [5]. كلما تمتع الإنسان باكتشافات حديثة زادت دهشته أمام عظمة الخالق وحكمته وعنايته التي تفوق الفكر البشري. أما في يوم الرب العظيم فسندرك أعماقًا جديدة لعمل الخلاص الذي قدمه الرب بصلبه وقيامته. إذ ننعم برؤيته وجهًا لوجه، ونتمتع بشركة الأمجاد، نقف في دهشة أمام خلاص الرب العجيب. * حقًا يا إخوتي لا يوجد بحر عميق مثل أفكار الله هذه، الذي يجعل الأشرار يزدهرون والصالحين يتألمون. ليس شيء يصعب فهمه مثل هذا، ليس شيء عميقًا كهذا... أتريدون أن تعبروا هذا العمق. لا تتركوا خشبة صليب المسيح. بهذا لا تغرقون، تمسكوا بالمسيح بقوة. ماذا أقصد بهذا: تمسكوا بقوة المسيح؟ إنه لهذا السبب اختار أن يتألم على الأرض بنفسه. لقد سمعتم حين كان النبي يُقرأ: إنه لم يحول ظهره عن ضاربيه، ولم يحول خديه عن أياديهم (راجع إش 50: 6). لماذا اختار أن يتألم بكل هذا إلا لكي يعزي المتألمين؟ احتملوا إذن التجربة في العالم بذات الهدف لكي ما تُلاحظوا في المسيح، ولا تجعلوا أولئك الذين يفعلون الشر ويزدهرون في هذه الحياة أن يزعزعونكم. "ما أعمق جدًا أفكارك". أين هو فكر الله؟ لا تفرحوا مثل السمكة التي تبتهج بالطُعم. لم يسحب الصياد الطُعم بعد، والطُعم لا يزال في حلق السمكة. وما تظنوه مدة طويلة هو مدة قصيرة، كل هذه الأمور ستعبر سريعًا. ما هي الحياة الطويلة للإنسان بالنسبة لأبدية الله؟[22] القديس أغسطينوس * لاحظوا ماذا تفعل الملائكة: إنهم يعلنون عن جماله، ويصمتون بخصوص جوهره[24]. القديس جيروم 2. هلاك الجاهل الرَّجُلُ الْبَلِيدُ لاَ يَعْرِفُ، وَالْجَاهِلُ لاَ يَفْهَمُ هَذَا [6]. ما هو الذي لا يعرفه الإنسان البليد ولا يفهمه الجاهل، إلا عمق أفكار الله، إذ يسمح للشرير أن يزدهر، لكنه سرعان ما يجف كالعشب. كان يليق بالشرير ألا يبتهج بازدهاره، بل يقدم توبة ويرجع إلى الله. إنه يفضل الازدهار إلى حين مع الهلاك الأبدي، عوض التوبة لكي ينعم بالمجد السماوي. الإنسان الذي يتكل على معرفته وحدها ولا يقبل التعليم من قبل الله يدخل في نوع من البلادة والجهل. قيل بإرميا النبي: "لأنه في جميع حكماء الشعوب، وفي كل ممالكهم ليس مثلك. بلدوا وحمقوا معًا... أما الرب الإله فحق" (إر 10: 7، 8، 10). "بلد كل إنسانٍ بمعرفته" (إر 51: 17). وكما قيل في سفر الأمثال: "إني أبلد من كل إنسانٍ، وليس لي فهم إنسانٍ، ولم أتعلم الحكمة، ولم أعرف معرفة القدوس" (أم 30: 2-3). يدعونا الرسول أن نتمتع بمعرفة الروحيات من قبل روح الله: "أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله، لنعرف الأشياء الموهبة لنا من الله" (1 كو 2: 11-12). * إن أعمالك وإن كانت عجيبة، وحكمتك لا يُدرك عمقها، لكننا نحن بنعمتك نتصورها ونعلمها للغير. أما الجهال فلا يعرفونها، ولا يقبلون تعليمها. الأب أنسيمُس الأورشليمي وَأَزْهَرَ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ، فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى الدَّهْرِ [7]. أمور هذا العالم تزهو لكن كالعشب، الذي سرعان ما يجف وييبس، فالأشرار يزهون إلى حين كالعشب، ويهلكون إلى الأبد. * "إذا زها الأشرار كالعشب". لقد رأيتم قادة جيش، رأيتم حكامًا، لاحظتم جيوشًا، وتشهدون عن انتصارات عسكرية. بالأمس كانوا، واليوم لا وجود لهم... بالأمس كانت الزهرة مزدهرة، واليوم لم تعُد تُرى. بالأمس كان النبات أخضر ومنتعشًا واليوم صار جافًا ويابسًا. ماذا صار لكل هذا الجمال؟ ليس شيء صالحًا إلا ما هو أبدي![25] القديس جيروم فَمُتَعَالٍ إِلَى الأَبَدِ [8]. الله عالٍ جدًا إلى الأبد، مجده لا يُحد، لا يلحقه عوز، ولا ألم ولا تلحق به قوة الأعداء. الله في علوه ينتظر حتى يعبر الشرير الملتصق بالفساد، ويأتي البار إلى المجد الأبدي. يعبر زمان الشرير المؤقت، وتحل أبدية البار. * أما أنت يا رب، وإن كنت قد تواضعت وصرت إنسانًا مثلنا لكنك مازلت عاليًا. الأب أنسيمُس الأورشليمي القديس أغسطينوس لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ [9]. كل فاعلي الإثم سيتفرقون ويتبددون ويهلكون، إذ يمارسون الإثم يحملون في داخلهم الفساد والهلاك. * كما أن الزوجة لا يمكن أن تكون زانية ما لم تكن عدوه لزوجها، هكذا النفس التي هي زانية خلال محبتها للأمور الزمنية لا يمكنها إلا أن تكون عدوة لله... كل محبي العالم هم أعداء الله: هم شغوفون نحو الأمور التافهة والذين يستشيرون العرافين والمنجمين وأصحاب الأرواح الشريرة[27]. القديس أغسطينوس تَدَهَّنْتُ بِزَيْتٍ طَرِيٍّ [10]. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "يرتفع مثل وحيد القرن قرني، وشيخوختي في دهن دسم". "وحيد القرن Unicorn" أو أحادي القرن، وهو حيوان له جسم فرس وذيل أسد وقرن وحيد في وسط الجبة. يشير "القرن" إلى القوة، لذا يقول المرتل: "إلهي صخرتي به أحتمي، ترسي وقرن خلاصي وملجأي" (مز 18: 2). كما قيل: "قلت للمفتخرين لا تفتخروا، وللأشرار لا ترفعوا قرنًا؛ لا ترفعوا إلى العلي قرنكم، ولا تتكلموا بعنقٍ متصلبٍ" (مز 75: 4-5). كأن المرتل هنا وقد تلامس مع عمل الله الذي يبدد فعله الإثم يدرك أنه ينقذه من حالة الإحباط التي سبق فحلت به بسبب الأشرار، طالبًا منه أن يهبه القوة والفرح والحرية. يسأله أن يمسحه بالدهن، فيجعله مكرسًا للرب كما وُهب للملوك حيث مسحهم الأنبياء (1 صم 15: 1، مز 2: 2)؛ يهبهم مسحة البهجة المفرحة (2 صم 12: 20). للقديس جيروم تعليق يخص "القرن" إذ يقول بأنه لا يجوز تقديم ذبيحة في الهيكل لحيوانٍ ليس له قرن، لأن الذبيحة تشير إلى السيد المسيح المصلوب، فيبسط يديه على الصليب، ليضرب بالصليب عدو الخير، كما يقتل الحيوان عدوه بالقرن. على الصليب صلب السيد المسيح الشيطان وكل قواته، ووهبنا روح الغلبة والنصرة. أما بخصوص الدهن الإلهي أو الزيت، فقد صعد السيد المسيح إلى السماء من على جبل الزيتون، لكي إذ نُدهن بزيت مراحم الرب أو دهنه الإلهي فبالحق تنحل قلوبنا من رباطات العالم، وتصعد إلى ملكوت السماء! إنه لم يصعد من وادي الزيتون، بل من جبل الزيتون، لأنه يود أن يرفعنا إلى السماء، أما إبليس فله أيضًا زيته في الفلسفات والإلحادية والهراطقة والأشرار لكي يعدوا البشر بالاستنارة بزيتهم الذي لا يرفع قلوبهم إلى ملكوت السماء، بل يهبط بهم ويحدرهم إلى محبة العالم والأرضيات. * "وتنصب مثل البقر الوحشي قرني". يُشيَّد القرن دائمًا في مملكة... كحقيقة واقعة لا يُقدم للرب ذبيحة في الهيكل ما لم يكن لها قرون. يُقدم في الهيكل ثلاث حيوانات للرب: الثور والكبش (الخروف) والظبي. ثلاث حيوانات تقدم ذبائح وكلها بقرون. ما لم يكن له قرن يهزم به عدوه لا يُحسب أهلًا أن يُقدم للرب. وهذا هو السبب لماذا يوصف الرب أيضًا بالقرن (مز 18: 2)، بالنسبة للذين يؤمنون به، وبقرون الصليب غلب أعداءه. على الصليب أخزى الشيطان وكل جيشه. لتتأكدوا أن المسيح صُلب بجسده، ولكن على الصليب صلب هو الشياطين هناك. لم يكن صليبًا، بل علامة النصرة، علم الغلبة. غايته الكاملة لصعوده الصليب هو أن يرفعنا عن الأرض. أظن أن صليب المخلص كان السلم الذي رآه يعقوب[28]. * كم أن أجسادنا عندما تكون مرهقة من العمل اليدوي، تنتعش بدهنها بزيتٍ، وكما أن نور السرج ينطفئ ما لم تغذيه بالزيت، هكذا نور شيخوختي يتطلب زيت رحمة الله ليبقى منيرًا ببهاءٍ. لذلك أيضًا صعد الرسل على جبل الزيتون لكي يستنيروا بزيت الرب، إذ كانوا في قلقٍ، وكانت مصابيحهم في حاجة إلى زيته. في توافق مع هذا الفكر، يقول البار: "أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله" (مز 52: 8). وفي موضع آخر يقول الكتاب المقدس: "بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك" (مز 128: 3)... لماذا كان من الضروري للرب أن يصعد إلى ملكوت السماوات من جبل الزيتون؟ إنما ليحقق ما يعلمكم به الكتاب المقدس. ما لم يكن لكم ولمصابيحكم الزيت، لن تستطيعوا أن تصعدوا إلى ملكوت السماء. يلزمكم أن تكونوا على جبل الزيتون، لا في وادي الزيتون، بل على الجبل. قد يسأل أحد: ما هو وادي الزيتون؟ الشيطان أيضًا له الزيتون الخاص به، له الفلاسفة، له الهراطقة، هؤلاء أيضًا لهم زيت، هو أيضًا يعدون بنور المعرفة. لكن هذه البساتين من الزيتون تقود إلى الانحدار في الوادي. "زيت الخاطي لا يدهن رأسي" (راجع مز 142: 5). لنصلي إذن للرب لكي ما تستنير شيخوختنا وعملنا وكل ظلمتنا بزيت الرب[29]. القديس جيروم وَبِالْقَائِمِينَ عَلَيَّ بِالشَّرِّ تَسْمَعُ أُذُنَايَ [11]. إذ أعداء المرتل هم فاعلو إثم، فنهايتهم الهلاك الأكيد. سيرى بعينيه ما سيحل بهؤلاء الأشرار، وتسمع أذناه عن القائمين ضده. "مراقبي": لم ترد هذه الكلمة العبرية في موضع آخر في الكتاب المقدس، وهي تشير إلى الذين يتطلعون إليه بعين شريرة يترقبون هلاكه. 3. تطويب الأتقياء اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو كَالأَرْزِ، فِي لُبْنَانَ يَنْمُو [12]. النخلة: عادة شجرة تتسم بطولها مع استقامتها وخضرتها الدائمة وجمالها، ثمرها غذاء نافع جدًا، ويستظل تحتها الفلاحون. تُستخدم كرمزٍ للديمومة والصبر والأثمار والنصرة. الأرز في لبنان: يتسم بارتفاعه وقوته، تعيش الشجرة أكثر من ألف علم، ظلها متسع يلجأ إليه مجموعات معًا، خشبها له قيمة ثمينة يستخدم في العمارة. في المسارح الشرقية الشهيرة تستخدم النخلة وشجرة الأرز كرمزٍ أخاذ للشخص البار. البار والشرير كلاهما يزهوان، لكن ليسا بذات الطريقة، الأول يزهو كالنخلة ويدوم نموه إلى الأبد. أما الثاني فيزهو، ولكن كالعشب إلى حين، إذ يُقال عنه: "لأن الشمس أشرقت بالحر، فيبست العشب، فسقط زهره وفني جمال منظره" (يع 1: 11). الأول يجد سعادته في الأبديات، فتحمله معها، والثاني يجد سعادته في الزمنيات، فتدمره معها. * يظهر جبل لبنان لنا من جميع جوانبه وتنمو الغابات الكثيفة تظلل جوانبه المنحدرة. ولهذا السبب تتنوع الصور التي كتبت عن جبل لبنان في الكتاب المقدس، لذلك يجب أن نفحص كل واحدة منها على حدة. لذلك يرى الأنبياء لبنان في أوجهه المختلفة، لمدحه ولإدانته. الرب يكسر أرز لبنان، ويقلل من شأنه، ويجعله كالعجل الوحشي الذي يُعبد في الصحراء (مز 5:29-6) (تعلمنا هذه النبوّة أن كل شر يرفع نفسه ضد معرفة الله سوف ينتهي إلى لاشيء). ويمكن أن نضفي معنى أفضل إلى لبنان: "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو" (مز 12:92). ينمو الواحد العادل كنخلة عالية، لأنه في الحقيقة عادل (السيد المسيح هو الواحد العادل الذي صعد من الأرض إلى السماء من أجلنا). هو نخلة يحمل الكثير من الأوراق. وأصبح السيد المسيح وهو في طبيعتنا البشرية، جبلًا ملأ بالأرز كل من كان مرتبطًا به بالإيمان وناميًا عليه. وعندما نُزرع في بيت الله، ننمو ونزدهر في فناء الله[30]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص * النخلة شجرة مرتفعة ومثمرة وكثيرة البقاء، وفي نموها تحتاج إلى زمن طويل، وهي دائمة الورق، ومتينة الأصل، ولها حسن البياض، وحلو الثمر. ألوان ثمرها كثيرة، أسفلها رفيع وأما أعلاها فعريض ويصعب عل الوحوش أكل ثمرها، لأنه يعسر الوصول إلى أغصانها، والصعود إلي ارتفاعها... حتى أغصانها (سعف النخل) فيستعمل كراية لمن ينتصرون في الجهاد. لأجل هذه الخصال شبه الصديق بها، لأن الفضيلة زائدة الحلاوة، وتحتاج إلى زمن طويل وتعب كثير في نموها، لكنها دائمة البقاء، ومورقة وجيدة الأصل، وثمرها حلو، وقلبها أبيض، ومحاسنها كثيرة ومتنوعة، ولا تتسمع بالأرضيات، لكن ارتفاعها واتساعها في محبة السماويات، ولا يُلقى منها شيء جزافًا، وجوائز أثمانها والجهاد في اكتسابها كثير. وأيضًا شُبه الصديق بالأرز، لكون الأرز طوله شاهق، وثابت الأصل، زكي الرائحة وكثير الأصول والأغصان وملتف ومورق وعديم البلى... أما قوله "لبنان" فيدل على أن الأمم يتزكون بإيمانهم بيسوع المسيح الإله، لأنه بلبنان يُكنى عن الأمم. فقد غرسوا في بيت الرب (أي في كنيسته) وفي دياره التي هي مجامع المؤمنين المنتشرة في العالم. الأب أنسيمُس الأورشليمي فردوس الآباء القديس برصنوفيوس العلامة أوريجينوس فِي دِيَارِ إِلَهِنَا يُزْهِرُونَ [13]. يرى القديس أمبروسيوس في السيد المسيح أشبه بالكرّام أو المزارع الذي يهتم بالمؤمنين وأولادهم ليقيم منهم غروسًا مثمرة مزهرة. * "مغروسين في بيت إلهنا في ديار إلهنا يزهرون" [13]. نُغرس في موضع، ونزهر في موضع آخر. هنا نغرس، وفي ملكوت الله نزهر... لقد غُرست في بيت الرب، أي في الكنيسة، ليس بين الأسوار، وإنما في تعاليمها، إذ يقول الرب: "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21). كل من يُغرس في بيت الرب، وتنمو جذوره هنا، يأتي بالزهور هناك... نبدو أننا في بيتٍ هنا، بالمقارنة مع الملائكة والقوات الأخرى لا نكون في بيت نهائي، وإنما في دارٍ فقط. نحن الآن في البداية لا في نهاية الكمال. سوف لا نكون ملائكة بل مثل الملائكة. لا تحسب هذا بالأمر الهين بالنسبة لك يا إنسان، إن كنت ستصير مثل ملاك[32]. القديس جيروم القديس أمبروسيوس * يليق بكم أن تحتفظوا في عقولكم أنكم لا تستطيعون أن تسمعوا "الشتاء قد مضى" (نش 2: 11) بطريق آخر سوى الدخول في صراع مع هذا الشتاء الحاضر بكل قوتكم وقدرتكم وقوتكم البدنية. إذ يمضي الشتاء ويزول المطر، تظهر الزهور المغروسة في بيت الرب، وتنتعش في ساحات إلهنا[34]. العلامة أوريجينوس يَكُونُونَ دِسَامًا وَخُضْرًا [14]. إن كان الله يسمح الإنسان بضعف الجسد في شيخوخته، إلا أنه يهبه ثمرًا متزايدًا وثمينًا في الروح. الشجرة الصغيرة المثمرة مبهجة للنفس، أما الشجرة المزمنة والمملوءة بالثمار فتهب بهجة أعظم. ليس بالعجيب أن نرى شجرة صغيرة خضراء، لكن العجيب أن نرى شجرة مزمنة وتبقى خضراء. * "أيضًا يثمرون في شيخوخة". طوبى للإنسان الذي ينمو أكثر نشاطًا يومًا فيومًا[35]. القديس جيروم صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ [15]. متى حل يوم الرب العظيم يتلألأ عدل الله الفائق في قديسه كما في الأشرار. من وحي مز 92 لتحتفل قلوبنا بسبتك! * من أجلنا قدست يوم السبت. لا لتستريح من عمل الخليقة، بل لتعلن راحتك من جهتنا، حيث نستريح نحن بك! أمرتنا أن نعيد بالراحة الحقيقية. سبتنا هو قيامتك التي وهبتنا الحياة المقامة. سبتنا هو راحة قلوبنا بك وفيك. ماذا ننتفع إن استراحت أعضاء جسمنا، وبقيت قلوبنا مضطربة بلا سلامٍ ولا سكونٍ حقيقيٍ؟ * قيامتك قدمت لنا الراحة الحقيقية، فصار قلبنا مع لساننا يلهج بالاعتراف لك. في ضعفنا نعترف لك أننا خطاة، وأنت غافر الخطية. وفي سلوكنا بالحق، نعترف أنك هو برّنا وصلاحنا. نسبحك ونرنم لاسمك القدوس أيها العلي. نمجد اسمك يا من تنقش أسماءنا على كفك، وتسجلها في سفر الحياة. لسنا نطلب مجد أسمائنا، بل مجد اسمك القدوس. * نخبر برحمتك ونمجدك في الصباح، ونعلن أمانتك بالليل. حينما تحل بنا البركات نتهلل بمراحمك كما في الصباح. وحينما تسمح بالتجارب والضيقات نخبر بأمانتك في تحقيق وعودك. في وسط الفرج كما في وسط الضيق نشهد لك. نعلن عن رحمتك العظيمة وأمانتك الفائقة. * نحتفل بسبتك الحقيقي، فيعزف روحك القدوس على أوتار قيثارتي. يعزف بلساني، كما بكل كياني. يشترك جسدي مع نفسي وروحي للترنم لك. * ما هي قيثارتي ذات العشرة أوتار، إلا وصاياك المقدسة. إنني أعزف عليها بممارستها والتلذذ بها. أفرح لا بحملي كتابك المقدس فحسب، وإنما أن أسلك به، ويستنير كل كياني بنوره. لأسبحك بلساني كما بسلوكي. فمع التسبحة أضرب على القيثارة! * ليتحول قلبي إلى سبتٍ لا ينقطع. أعيد على الدوام من أجل أعمالك معي. كل صلاح هو من عندك.أعمالك تملأ نفسي ببهجة دائمة. * ما أعمق أفكارك يا رب؟ تسمح للشرير أن يزدهر، وهو لا يدري أنه إنما يتنعم بطُُعم في حلقه. سرعان ما يحل الوقت ويُسحب الطعم، هنا تهلك السمكة خلال ما كانت تتلذذ به. هب لي أن أتهلل بالأبدية التي تعدها لي. * أراك تتطلع من أعلى سماواتك. تطيل أناتك على الشرير لعله يرجع عن فساده، وتشجع أبرارك لاحتمال الألم بصبرٍ. فيتزكون ويتمجدون أبديًا! هوذا زمن الأشرار يعبر سريعًا ويصير ماضيًا. وتأتي أبدية الأبرار التي تسمو فوق كل زمنٍ! * صليبك كشف لي حكمتك. قبلت وأنت ابن الله الوحيد الألم بمسرتك، لكي أقبل أنا الخاطي الألم برضا. التصق بصليبك، وأتقبل الصليب معك! بصليبك ضربت إبليس وحطمت سلطانه. وهبتني روح القوة، ومتعتني بقرن الخلاص. وهبت لي قرن القوة، ومسحتني بزيت نعمتك! |
|