رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
غاب يوسف عن أبيه وأخوته لمدة 22 سنة . وكانت أكثر تلك السنين مليئة بالمشاكل ، الى أن دخل الثلاثين من عمره ، وفسر حلمي فرعون فأرتفع شأنه لكي يصبح الشخصية الثانية في مصر ، أي بعد فرعون . بعد سبع سنوات الرخاء جاءت سنين القحط لتضرب مصر والبلدان المجاورة . فأمر يعقوب أولاده للذهاب الى مصر لشراء القمح قبل أن يموتا ( تك 1:42) . جاءوا الى يوسف وسجدوا بوجوههم الى الأرض ، وسجدوا بعد ذلك مرات عديدة . هنا تحققت أحلام يوسف التي هزأوا بها لأنهم لا يعرفون بأن تلك الأحلام كانت من الله ، وها هي قد تحققت . لم يكن بنيامين شقيق يوسف معهم . أعد يوسف خطة لكي يلتقي بأبيه وشقيقه . لهذا السبب تكلم مع أخوته بجفاء لكي يصل الى مراده . في خطته تظاهر بأنه لم يعرفهم ، وتظاهر بأنه منهم عرف بأن لديهم أخاً مفقوداً وآخر لم يرافقهم وأن أبوه يحبه . أخفى عنهم بأنه عبراني فكان يتحدث معهم عن طريق المترجم ، أما هو فكان يتحدث باللغة المصرية . لهذا لم يشِّكوا به ، أما هو فكان يفهم لغتهم . كان يتحدث معهم بجفاء لكنه ملىء بالمحبة ، لهذا كان يتأثر أحياناً من مذلتهم فيدخل الى الداخل ويبكي . فقساوته عليهم كانت ظاهرة لكن القسوة لم تكن يوماً من طبعه وهذه القسوة قادته الى أدراك خطاياهم السابقة ، لهذا كان قاسياً عندما قال لهم أنتم جواسيس ، جئتم لتكشفوا الأرض ... أحضروا لي أخاكم الصغير فيتحقق كلامكم ( تك 42: 9-20 ) . هنا أعترفوا بذنبهم مع أنفسهم فقالوا ( حقاً أننا أذنبنا في حق أخينا . لقد رأينا ضيقة نفسه عندما استرحَمَنا فلم نسمع له . لذلك أصابتنا هذه الضيقة ) . رد عليهم رأوبين : ألم أكلمكم قائلاً ( لا تأثموا بالولد ، وأنتم لم تسمعوا ، فهوذا دمه يطلب ) . تأثر يوسف بهذا الكلام فتحول عنهم وبكى . هكذا عبر يوسف عن تأثيره وحبه . لم يبكى عندما القوه في البئر ، أو عندما بيع عبداً . ولا عندما أتهم ظلماً في بيت فوطيفار . لكنه بكى عندما رأى أخوته مذلولين أمامه . صبر يوسف على أذلالهم لكي يتذكروا أخطائهم ولكي يقودهم الى التوبة ويعترفوا بالماضي الأليم . أن لم يعطي يعقوب لأولاده التربية الحسنة فأن يوسف نجح في تأديبهم وطريقته في التأديب كانت حكيمة وهادئة وسريعة ، وبهذا الأسلوب يستطيع أن يجبرهم لأحضار بنيامين اليه . لهذا أخذ شمعون وقيده أمامهم . لماذا شمعون ؟ لأنه المحتاج الى تأديب لأشتراكه مع لاوي في قتل أهل شكيم ظلماً . هذا الذي لم يرضى عنه والده في حينها ، لهذا قال عنه في بركته الأخيرة أمام أولاده قبل وفاته ( شمعون ولاوي أخوان . آلات ظلم سيوفهما . في مجلسهما لا تدخل نفسي بمجمعهما لا تتحد كرامتي ... ملعون غضبهما فأنه شديد وسخطهما فأنه قاسٍ ) ( 49: 5-7) . هكذا أراد يوسف أن يعلم اخوته أن هذا العنيف اصبح ذليلاً أمامهم ، لكي يقضي على كبريائهم جميعاً ولكي يخيفهم لكي لا يتمردوا عليه لاحقاً . بعدما أمرهم بالذهاب لأحضار بنيامين بحجة التحقق من صدق كلامهم . قال لهم ، هكذا أعرف أنكم أمناء . ذهبوا وأخبروا أباهم الذي رفض أرسال بنيامين معهم ، فقال : يوسف مفقود ، وشمعون مفقود ، وبنيامين تريدون أن تأخذوه ! ! تعهد رأوبين بأعادته اليه فقال لأبيه : أقتل أبني ، أن لم أجىء به اليك . لكن يعقوب رفض طلبه الى أن أشتد الجوع فعاد وأرسلهم الى مصر مع بنيامين وقال يهودا ( أنا أضمنه . من يدي تطلبه . أن لم أجىء به اليك ... أصير مذنباً لك كل الأيام ... ) رضخ يعقوب وسلم بنيامين لهم مع هدية ثمينة يقدمونها للوزير . وقال لهم الفضة المردودة في عدالكم ردوها . لعله كان سهواً . عادوا الى يوسف وسلموه الهدية . وسجدوا الى الأرض . سألهم عن أبيهم ، أسالم أبوكم الشيخ الذي قلتم عنه ، أحي هو بعد ؟ أعد لهم طعاماً واجلسهم على مائدته وحسب أعمارهم . فاندهشوا لذلك دون أن يعلموا . دخل يوسف الى مخدعه وبكي على أخاه بنيامين لأنه تحنن اليه . بعدها غسل وجهه وجلس وأكل معهم . ما زال يوسف يمارس خطة التأديب فدبر حيلة أخرى قبل أن يصرفهم . فأمر بوضع كأسه في أمتعة بنيامين . وبعد الأنصراف أرسل وراءهم من يتهمهم ويفتشهم بسبب فقدان الكأس . فقالوا ، من يوجد معه شىء يموت ، ونحن نصير عبيداً لسيدي . وُجِدَ الكأس في أمتعة بنيامين ، مزقوا ثيابهم ، فقال يهوذا : ماذا نقول لسيدي ؟ وبماذا نتبرر ؟ الله قد وجد أثم عبيدك . طلبوا من يوسف لكي يكونوا كلهم عبيداً له ، ولكنه قال : الذي وجد الكأس عنده هو يصير لي عبداً فوقف يهوذا متذللاً بكل أنواع التذلل ، يكلم يوسف بكلام مؤثر جداً ، قائلاً : ( ليتكلم عبدك كلمة في أذني سيدي ، ولا يحم غضبك على عبدك ...) ثم شرح ما حدث لهم مع أبيهم . ( قال لنا عبدك أبي : أنتم تعلمون أن أمرأتي ولدت لي أثنين . فخرج الواحد من عندي ، وقلت أنما هو قد أفترس أفتراساً ، ولم أنظره الى الآن . فأذا أخذتم هذا أيضاً من أمام وجهي وأصابته أذية ، تنزلون شيبتي بشرٍ الى الهاوية ) " 44: 27-29" ... فمتى جئت الى عبدك أبي ، والغلام ليس معنا ، ونفسه مرتبطة بنفسه ، يكون متى رأى أن الغلام مفقود ، أنه يموت ... لأن عبدك ضمن الغلام . الآن ليمكث عبدك عبداً لسيدي ، وليصعد الغلام مع أخوته . كلام ملىء بالمحبة والوفاء ليعقوب ، وحزين ومؤثر ليوسف لهذا لم يستطع أن يسيطر على عواطفه فأطلق صوته بالبكاء ، وعَرَّفَ بذاته لأخوته بعد أن أوصلهم الى خط الأعتراف والتوبة . بكى خوفاً على أبيه وعرف بأن الله أوصلهم الى هذا الوضع المنسحق والذليل . هكذا تمحى خطية كل أنسانٍ بالتوبة والأنسحاق والمذلة والأعتراف ، وبعدها تأتي المغفرة . وهكذا غفر لهم يوسف فصرخ قائلاً : ( أنا يوسف . أحيّ أبي بعد ؟ ) فخافوا منه . فقال لهم : لا تتأسفوا أذ بعتموني الى هنا . لأنه لأستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم ... لستم أنتم أرسلتموني الى هنا ، بل الله . وهو قد جعلني أباً لفرعون ، وسيداً لكل بيته ، ومتسلطاً على كل أرض مصر . أسرعوا وأصعدوا الى أبي ...(45:1-9) ثم وقع يوسف على عنق أخيه بنيامين وبكى . لأنه شقيقه الوحيد ولعدم أشتراكه مع أخوته في الأساءة اليه . ثم قبل الجميع وبكى عليهم . القداسة التي نراها في يوسف هي ، أنه عاش في الفترة التي ما قبل عصر الناموس لكنه كان وكأنه في عصر النعمة ، فترة العهد الجديد ، فكان يطبق وصايا الرب يسوع في ذلك الزمن فأحسن الى أخوته لكي يطبق الوصية ( أحبوا أعداءكم ... أحسنوا الى مبغضيكم ) أنها من وصايا الرب التي قالها في وعظته على الجبل . كما طبّقَ وصية العفة ( لا تزن ) والتي جاءت في لوحي الشريعة في زمن موسى . هكذا كانت طبيعته النقية شريعة له ، وكان مستواه الروحي أرقى من زمانه كثيراً . ألتقى يوسف مع أخوته ، لكن فكره كان من ناحية أبيه حيث قال لهم ( أحيٌ أبي بعد ؟ ) "3:45" علماً بأنهم أخبروه بأن لديهم أباً شيخاً ، وأنهم يخافون عليه من الموت أن لم يرجع اليه بنيامين . أذاً كان ذلك السؤال بسبب اللهفة التي في داخله يرى أباه . لهذا وبعد أن نزع الشك والخوف من قلوبهم ، كلمهم من جهة أبيه وأحضاره اليه في مصر ... فقال ( اسرعوا واصعدوا الى أبي .. وتستعجلون وتنزلون بأبي الى هنا ) " 45: 13،9" ذهبوا الأخوة الى أبيهم حاملين رسالة أخيهم يوسف والتي قال فيها ( أنزل اليَّ لا تقف . تسكن في أرض جاسان ، وتكون قريباً مني أنت وبنوك وبنو بنيك . أعولك هناك ، لأنه يكون أيضاً خمس سنين جوعاً ، لئلا تفتقر أنت وبيتك ) . بعدها أخبر فرعون بذلك وأخذ أمراً منه مع أعطائهم خيرات مصر ، بل أمر أيضاً لهم ( خذوا لكم عجلات لأولادكم ونساءكم ، واحملوا أباكم وتعالوا ...) . أراد يوسف أن يكرم أباه ويُنسى همومه السابقة ويُفَرِحَه ُفي شيخوخته ... وما كان أبهج خبرٍ سمعه يعقوب في حياته والذي نقله اليه أولاده حينما عادوا اليه بالمركبات قائلين : ( يوسف حَيّ بَعدُ ، وهو متسلط على كل أرض مصر ) 26:45" يوسف الذي كان يحسبه يعقوب ميتاً ويقول ( أني أنزل الى ابني نائحاً الى الهاوية ) أتاه خبر مؤكداً بأنه حَيٌّ ( جمد قلبه ولم يصدقهم ) ثم أعاد رباطة جأشه فتقبل الخبر عندما عاين العربات الفرعونية معهم والتي أرسلها اليه أبنه ، فانتعش روحه ، وقال (كفى ! يوسف ابني حَيٌّ بعدُ ، سأذهب لأراه قبل أن أموت )"28:45" . نزل يعقوب الى مصر بسبب المجاعة . لكن ليس كما نزل جده أبراهيم لنفس السبب ، لأن أبراهيم نزل ليتغرب هناك وبدون استشارة الرب . ويوسف نزل بأرادة الرب وحسب قوله لأخوته ( أن الله هو الذي أرسلني الى مصر ) وهكذا يجب ان تتم أرادة الله ليجمع عائلة يعقوب في مصر لكي تبقى هناك الى زمن ظهور النبي موسى . كما ظهر الله ليعقوب في رؤيا ، وقال له ( لا تخف من النزول الى مصر ...أنا أنزل معك ..) 2:46" . أذاً دعوته للذهاب الى مصر ليست من يوسف فقط بل من الله أيضاً . وصل الى مصر في موكب عظيم راكباً عجلات فرعون فأستقبله أبنه يوسف في جاسان ( ولما ظهر له وقع على عنقه ، وبكى على عنقه زماناً ) " 29:46" . عجزت ألسنتهم عن الكلام وتحدث الحب بدموع لكي يعبروا ما في القلب من الحب المدفون ، حب الآب لأبنه الذي كان يظنه ميتاً ، وناح عليه كل تلك السنين . وأبى أن يتقوى . وحب يوسف لأبيه الذي كان يحبه أكثر من كل أخوته . عاش يعقوب مع يوسف في مصر 17 سنة ، فكانت كل أيام عمره 147 عاماً . لما عرف بأن أيامه قد أقتربت . أخذ عهداً من يوسف أن يدفنه في مغارة المكفلية مع جده أبراهيم وجدته ساره وأبيه أسحق وأمه رفقة ، وأيضاً دفنت ليئة . فقال يوسف ( أنا أفعل حسب قولك ) . بارك يعقوب أبني يوسف ( منسى وأفرايم ) فوضع يده اليمنى على الصغيررغم أحتجاج يوسف . عاش يوسف 110 سنة واستحلف أخوته لكي يحملوا عظامه من مصر ، حيث تنبأ عن خروج أخوته من أرض مصر (24:50) نفذت وصيته بعد خروج بني أسرائيل بقيادو موسى فأخذوا عظام يوسف معهم . لتكن بركة وشفاعة أبينا يعقوب وأبنه يوسف الصديق معنا جميعاً |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إذ نزل يوسف من بيت أبيه بالحب يبحث عن أخوته الضالين |
يوسف في بيت أبيه |
يوسف ومحبة أبيه |
يوسف الصديق مع يعقوب أبيه |
يوسف الصديق وأخوته |