رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وإِذا جاءَ ابنُ الإنسان في مَجْدِه، تُواكِبُه جَميعُ الملائِكة، يَجلِسُ على عَرشِ مَجدِه، تشير عبارة " ابنُ الإنسان" إلى إحدى الألقاب المُميَّزة للسَّيد المسيح، حيث فضَّلته الجَماعة المسيحيَّة الأولى على سائر الألقاب التي أطلقتها عليه (متى 8: 20 و11: 19 و17: 13 و27 24: 30). وسُمِّي يسوع بذلك بيانًا لاتحاد لاهوته بناسوته، وتكرّر هذا اللقب خمسين مرة في الإنجيل. ويُعزي بعض المُفسّرين هذا اللقب إلى ما ورد في حزقيال النَّبيّ "يا ابنَ الإنسان " (حزقيال 2: 1)؛ لكن أكثرهم يردّونه إلى التَّقليد الرؤيوي " كنتُ أَنظر في رُؤيايَ لَيلاً فإِذا بِمِثلِ آبنِ إِنسان آتٍ على غَمامِ السَّماء فبَلَغَ إلى قَديمِ الأَيَّام وقُرِّبَ إلى أَمامِه"(دانيال 7: 13)، وفقًا لهذا التَّقليد سيأتي ابن الإنسان في اليوم الأخير ليدين الخاطئين ويُخلّص الأبرار. فالمسيح حين يأتي ليدين العَالَم لا يأتي بمجرد لاهوته بل بطبيعته " لِأَنَّ الآبَ لا يَدينُ أحَداً بل أَولى القَضاءَ كُلَّه لِلاِبْن"(يوجنا 5: 22). أمَّا عبارة " في مَجْدِه " فتشير إلى بهاء يسوع المسيح، باعتباره ابن الله، كما جاء في صلاة يسوع الكهنوتيَّة "فمَجِّدْني الآنَ عِندَكَ يا أَبتِ بِما كانَ لي مِنَ المَجدِ عِندَكَ قَبلَ أَن يَكونَ العَالَم" (يوحنا 17: 5). وتشير العبارة أيضًا إلى شرفه الذي أعطاه الآب إياه جزاءً لاتِّضاعه بتجسّده وموته فاديًا " فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب. لِذلِك رَفَعَه اللهُ إلى العُلى ووَهَبَ لَه الاَسمَ الَّذي يَفوقُ جَميعَ الأَسماء "(فيلبي 2: 8-9). أمَّا عبارة "جاءَ ابنُ الإنسان في مَجْدِه" فتشير إلى اقتباس هذه الآية أيضًا من سفر زكريا "يأتي الرَّبُّ إِلهي وجَميعُ القِديسينَ معَه (زكريا 5: 14)، وهي وصف نبوي للدَيْنونَة الأخيرة " فسَوفَ يَأتي ابنُ الإنسان في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِه"(متى 16: 27)؛ ويُعلّق القِديس أوغسطينوس "إن الابن المُتجسّد هو الذي يدين، حتى لا يرى الأشرار أمجاد اللاهوت، إنّما تقف نظرتهم عند حدود الجَسد الذي يظهر مُرهبًا لهم. يظهر بشكل عبد للعبيد، ويحفظ شكل الله للأبناء". أمَّا عبارة " جَميعُ الملائِكة" فتشير إلى إضافة من قبل متَّى الإنجيلي لإيضاح موقف الملائكة تُجاه ابن الإنسان، الذِين تواكبه في اليوم الأخير خاصة في مجده لدى مجيئه الثاني يوم الدَيْنونَة (آية 31)، كما صرَّح بولس الرَّسول: "لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَه، عِندَ إِعْلانِ الأَمْر، عِندَ انطِلاقِ صَوتِ رَئيسِ المَلائِكة والنَّفْخِ في بُوقِ الله، سيَنزِلُ مِنَ السَّماء" (1 تسالونيقي 4: 16). أمَّا عبارة "الملائِكة" في الأصل اليوناني ἄγγελος (معناها رسول) فتشير إلى رسول يقوم بتنفيذ أوامر الله ومشيئته وإعلان حلوله وإجراء مقاصده وإظهار عظمته وقوّة جبروته. أمَّا عبارة " يَجلِسُ على عَرشِ مَجدِه " فتشير إلى ابن الإنسان كملكٍ ديّانٍ في نهاية الأزمنة وملكًا (يوحنا 5: 22)؛ وهو الذي يأتي من السَّماء لا ليدين الشَّعب المختار وحده بل الأرض كلِّها، كما صرّح يسوع أمام مجلس اليهود "سَوفَ تَرونَ ابنَ الإنسان جالِساً عن يَمينِ القَدير، وآتِيًا في غَمامِ السَّماء "(مرقس 14: 62). وفي موضع آخر يضيف يسوع "أَنتُم الذِين تَبِعوني، متى جلَسَ ابنُ الإنسان على عَرشِ مَجدِه عِندما يُجَدَّدُ كُلُّ شَيء، تَجلِسونَ أَنتم أيضًا على اثنَي عَشَرَ عَرْشًا، لِتَدينوا أَسباطَ إِسرائيلَ الاثَنيْ عَشَر" (متى 19: 28). فما أعظم الفرق بين حال يسوع على عرش مجده وحاله عندما كان طفلا في مذود بيت لحم "لم يَكُنْ لَهُما (يوسف ومريم) مَوضِعٌ في الـمَضافة"(لوقا 2: 7)، وعندما كان يتجوَّل يبشّر في الإنجيل "َلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه"(متى 8: 20)، وحين تركه تلاميذه وأحاط به أعداؤه وهم يسخرون منه (متى 27: 29)، وحين وقف كمُذنب أمام بيلاطس (متى 27: 22) وحين جُلد ووضعه الجنود إكليلاً من الشَّوك على راسه (يوحنا 19: 1-2)، وأخيرا حين صُلب بين لصين (يوحنا 19: 18). تعلن هذه الآية عن ألوهية المسيح. |
|