رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نورٌ لِسَبيلي ﴿جِئتُ لِأُلقِيَ على الأرضِ نارًا، وَمَا أشدَّ رَغبَتي أن تَكونَ قَد اشتَعَلت﴾ (لوقا 49:12). بِهذهِ الآية نَستَهِلُّ عِظَتَنا لهذا الأحدِ العِشرين مِن زمن السّنة، والّتي قد تُفَاجِئُ البعض، وَرُبّما يَرَوَنَ فيها عُنفًا صادِرًا عن الْمسيح! ولكنَّ الأمرَ لَيس كَذلك. فالنّارُ الّتي يَتَحَدَّثُ عَنها الْمسيح، لَيسَت نارَ الحقدِ والبُغضِ والعُنفِ والإهلاك، إنَّما هي نارُ الإيمانِ الّذي جَاءَ يُضرِمُهُ في نفوسِنا، وَيرغبُ شديدَ الرّغبةِ أن يُصبِحَ لَهيبًا مُتَّقِدًا فينَا. لِذلِك نَسمَعُه يتحدّثُ قائِلًا: ﴿مَتَى جَاءَ ابنُ الإنسانِ، أَفَتُراهُ يَجِدُ الإيمانَ على الأرض؟﴾ (لوقا 8:18). النّارُ في الكتابِ الْمقدّس أَيُّها الأحبّة تحمِلُ دَلالاتٍ كَثيرة. فاللهُ ظَهرَ لِمُوسَى فوقَ جبلِ حوريب في عُلّيقَةٍ مُشتَعِلة، دونَ أن تحترِق (راجع خروج 2:3). واللهُ نارٌ صالِحة لا تُؤذي النّفوسَ الصّالِحة، بَل تُضيئُنا ضياءَ النّيراتِ في الكون (راجِع فيلبّي 15:2). وهو قَد قَادَ شَعبَهُ بَعدَ خُروجِهِ مِن مِصرِ، في الّليلِ بِواسطةِ عامودٍ مِن نار (راجع خروج 21:13-22). فالنّارُ وَما يَصدرُ عَنها مِن ضوءٍ، هي وَسيلةُ هدايةٍ وَوضوحٍ تَمحَقُ الظّلامَ، وَتكشِفُ لَنا الأشياءَ في العَتمَة، وَأَيضًا وَسيلَةٌ لِلحِمَاية. واللهُ نارُ الْمؤمنين، لِأنّهُ نورٌ يَسيرُ أَمَامَنا فَيَهدينَا وَيُرشِدُنا، وَمَعَنَا يَمشي فَيَحمينَا وَيحرُسُنا. ثُمَّ أنَّ النّارَ أَداةٌ لِلتَّطهير، فَنَقرأُ في سفرِ النّبيّ أشعيا، كيفَ أنّ ملاكَ الرّبّ مَسَّ فَمَ أشعيا بِجَمرَةٍ، مُطَهّرًا إيَّاهُ مِن كُلِّ إثمٍ وَنجاسَة (راجِع أشعيا 5:6-7). واللهُ نارٌ تُطهِّرُ وَتُعقِّمُ، وَقد تَكوي أحيانًا، لِيَحصُلَ الشّفاءُ لِلنّفوس الْمَدمِيّةِ بالخطايا. النّارُ وَسيلَةٌ للحصولِ على الدِّفء، والدِّفءُ عَلامَةُ حياة، والحياةُ تَزدَهِرُ في الفُصولِ الدَّافِئة. أَمَّا البُرودَةُ فهي إشارةُ مَوتٍ وَجُمود. واللهُ نارٌ حارّة تُحي، وَهوَ لا يُريد مؤمنينَ بارِدين ولا حتّى فاترين، بَل يُريدُنا أحياءَ حارّين في إيمانِنا وسلوكِنا وَمُمارَسَاتِنا الْمسيحيّة. وَها هو في سِفر الرّؤيا يُخاطِبُنا فَيَقول: ﴿أَمَّا وَأَنتَ فاتِر، لا حارٌّ ولا بارِد، فَسَأتقيّأُكَ مِن فَمي﴾ (رؤيا 16:3). فَإمَّا الإيمانُ الحار وإمّا لا شَيء، لأنَّ اللهَ لا يَرضى بِأَنصَافِ الْمُؤمنين! النّارُ وسيلةٌ لِطَهي الطَّعَامِ وَنُضجِه، فَدونَ النَّارِ نَعودُ إلى حالةِ الإنسانِ البِدائي، الّذي كَانَ يَأكلُ طَعَامَهُ نَيئًا قبلَ اكتِشافِه لِلنّار. والْمسيحُ بعَد قيامَتِهِ، وَلَدَى ظهورِه لتلاميذِه على شاطِئ بُحيرةِ طبريّا، كانَ قَد أَعَدَّ لَهم، وَقد عادوا مِن الصّيدِ مُنهَكين، سِمَكًا مَشويًّا عَلَى جَمرٍ مُتَّقِد (راجِع يوحنّا 9:21). واللهُ نارٌ يا أحبّة، تُنْضِجُنا وَتُعِدُّنَا لِمواجَهَةِ الحياة بِقدرٍ كَافٍ مِن النّضوجِ الإيمانيِّ والإنْسَاني. وَلا نَنسَى أنَّ روحَ اللهِ القُدس، قَد حَلَّ عَلى الرُّسلِ يَومَ العَنصَرةِ عَلى شَكلِ أَلسِنةٍ مِن نار، فَزيَّنَهم بمواهِبِهِ السَّنيّة (راجع أعمال 3:1-4). فاللهُ نارٌ تَمنحُ الْمَواهِبَ لِلمُؤمَنين، من قُوَّةٍ وَحِكمة وفَهم وَعِلمٍ، وَمخافَةٍ وتقوىً ومشورَةٍ، وَحَماسَةٍ وَغِيرَةٍ مُقدَّسة. وَعِندَما كانَ شعب العهد القَديم يُقدّمُ الذّبائِحَ لله، كانَ يَستَخدِمُ النَّارَ وَسيلَةً لِتقريبِها. واللهُ يريدُنا أن نُقَدِّمَ لَهُ نُفوسَنَا، تَقدمَةً نَقيّةً وَذبيحةً طاهِرةً، لِكَي يَقبَلَها بنارِ الحُبِّ الْمقدَّسة، وَيَتَنسَّمَ مِنَّا رائِحَةَ البُنوّةِ الصّادِقَةِ والعِبادةِ الحَقيقيَّة (راجع تكوين 20:8-21). وَأخيرًا يا أَحبّة، تَبقَى النّارُ مُؤلِمَةً بِجميعِ الأحوال! وَنِيرانُ الْمُؤمِنِ كَثيرةٌ وَمُتعدِّدَة! نارُ الاضطِهادِ الّتي يتحدّثُ عَنها الْمسيحُ في إنجيلِ اليوم، وَقد اكتَوَى بِها مسيحيّو الشّرقِ كَثيرًا خلالَ العَقدَين الأخيرين! نارُ عَدمِ الفَهمِ والازدِراءِ والرّفضِ الْمُبَطَّن والظّاهِر في نَفسِ الوَقت، لِبَشارةِ الْمسيحِ وتلاميذِه وَمُعتَقداتِنا الْمسيحيّة! بالرّغم مِن كُلِّ ذلِك، يُعزّينا كلامُ الرّبِّ وُيُشدِّدُنا، إذ يقول صاحِبُ الْمزامير: ﴿البارُّ كَثيرةٌ مَصائِبُهُ، والرّبُّ مِن جَميعِها يُنقِذُهُ﴾ (مزمور 20:34). والّذي أَنقَذَ الفِتيَةَ الثّلاثةَ مِن أَتُونِ النَّارِ الْمُستَعِرَة في سِفرِ دانيال (راجع دانيال 8:3-93)، لَقَادِرٌ أَن يُنقِذَنَا وَيُنجِّينَا، فَلا نَصيرُ أَبَدًا إلى الهلاكِ والْموتِ الأبدي. وَهُنا أختم مع كلماتِ بُطرسَ الرّسول، والّتي تَبعَثُ فينا الرّجاءَ والقوّة، قَائِلًا: ﴿إنَّكُم تَهتزّونَ لَهُ فَرَحًا، مَع أنّهُ لا بُدَّ لَكُم مِن الاغتِمامِ حينًا، بَما يُصيبُكم مِن مُختَلَفِ الْمِحَن، فَيُمتَحَنُ بِها إيمانُكم، وهو أَثمَنُ مِنَ الذّهبِ الفَاني، الّذي مَع ذلِكَ يُمتَحَنُ بالنّار، فَيؤولُ إلى الحَمدِ والْمَجدِ والتَّكرِمَةِ عندَ ظُهورِ يسوعَ الْمسيح﴾ (1بُطرس 6:1-7) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
هو نورٌ فى قلبى يُقيم |
«إن الوصية مصباح، والشريعة نورٌ» ( أم 6: 23 ) |
نورٌ قد زُرِعَ |
أنتِ نورٌ يُطل من طور قلبي |
نورٌ مشرق من مغارة بيت |