من هي زوجة بيلاطس؟
لعلنا أقرب في تقصي قصة هذه المرأة إلى علماء الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي الذين يظفرون بحقائق واسعة من معلومات صغيرة، فما نعرفه عنها لا يتعدي بضعة سطور كتبها التقليد، وآية واحدة في إنجيل متى، غير أن هذه الآية وتلك السطور ترسم لنا في وضوح وجلاء ملامح وجه رائع جميل، يقولون إن اسمها كلوديا بروكولا، رومانية الجنس وأغلب الظن أنها كزوجة لوال ممتاز كانت امرأة تنتمي إلى الطبقة الارستقراطية العلية كما لابد أنها كانت على حظ وفير من المعرفة والعلم، والذي يبدو لنا من تتبع قصتها إنها كانت رفيعة النفس سامية الخلق، وهذا يظهر من اصطحابها لزوجها وتغربها معه الأمر الذي لم يكن يجيزه القانون الروماني إلا في أعسر الأحوال وأشدها استثناءا، فإن أوغسطس قيصر أصدر أمرا بتفضيل الوالي الأعزب على المتزوج، وضرورة بقاء زوجته في أرض الوطن إن كان متزوجًا، وقد أبقى طباريوس قيصر على هذا القانون وإن كان قد خفف من غلوائه، وتسامح في تطبيق نصوصه، ولعل القصد من قانون كهذا هو بعض ما يقصده القانون الإنجليزي الذي يمنع البحار من مصاحبة زوجته له أثناء عمله، لئلا تصرفه عن واجبه أو تعوقه عن إتمامه، أو ما تذهب إليه بعض الدول من تحريم زواج سفرائها بالأجنبيات حرصًا على نزاهة خدمتهم وخلوها من كل شائبة وشبهة ولعلك تعجب إذ تعلم أن أكثرية الولاة الرومانيين كانوا يسرون بهذا القانون ويستريحون إليه إذ كان يعفيهم من رقابة زوجاتهم البغيضة، ولعلك تعجب أكثر عندما تعلم أن الزوجات بدورهن كن لا يجدن غضاضة في تقبله والترحيب به في عصر فاض بالخلاعة والمجون والاستهتار والبعد عن الأمانة الزوجية، لكن زوجة بيلاطس لم تكن من هذا الصنف الوضيع بل كانت زوجة شريفة تحب زوجها وتخلص له وتحرص على راحته وعدم مفارقته أينما سار وأني توجه، ولعلها جاهدت كثيرًا حتى أعفيت من تطبيق هذا القانون عليها، كما يظهر أنها كانت ذات طبيعة رقيقة شاعرية حساسة، وحلمها ينبيء إلى حد كبير عن مبلغ رقتها وشاعريتها واحساسها، والأحلام كما يقول رجال النفس إن هي إلا انعكاس طبائعنا وعقلياتنا وغرائزنا، ولئن كان هذا الحلم وحيًا إلهياً خالصاً، فإننا نعلم أن الله يوحي إلى النفوس دائمًا على أساس طبيعتها واستعدادها وانتظارها، ويصور لها ما يريد في صورة أقرب إلى تقديرها وتفكيرها وشعورها وتصورها، فيوسف الصديق في صبوته الساذجة البريئة المشبوبة الرؤى جاءته رسالة الله في صورة حزم تقوم وتسجد لحزمته الواقفة المنتصبة، والشمس والقمر والنجوم تتعبد له وتنحني أمامه، ورئيسا الخبازين والسقايين عرفا كل مصيره مما يتصل بطبيعه عمله وصناعته، ونبوخذنصر الملك العظيم رأى أمامه في رؤى الليل تمثالاً عظيمًا يحطمه حجر قطع بدون يدين، أو شجرة وارفة زاهية مزهرة ينزل عليها قضاء الله من السماء، وبطرس الجائع أبصر أمامع ملاءة عظيمة مربوطة وفيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء، وبولس النازع إلى التبشير والمشوق إليه جاءه في دجى الليل رجل يستغيث: أن اعبر إلى مكدونية واعنا. ولذا فنحن نظن أن المرأة التي تتألم كثيرًا في حلم من أجل بار تعبر لنا بألمها عن نفس إنسانية رقيقة القلب مرهفة الشعور، كما يخيل إلينا أنها كامرأة رومانية أخذت عن الطبع الروماني حب العدالة الذي يجعلها تقف لمناصرة الحق وتأييده مهما تكن الظروف، هذا الحب الذي تمكن من بروتس القاضي الروماني فحكم على ولديه بالإعدام حيث ثبتت إدانتهما، وإن عجز كأب أن يرى موتهما عند التنفيذ.. ومن أجل هذا وقفت هذه المرأة إلى جانب المسيح في وقت عز فيه الوقوف على كثيرين.