رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث روح الإنسان وعلاقتها بالروح القدس إذا تكلمنا عن الحياة الروحية، أو الحياة بالروح، لابد أن نتعرض لأمرين هامين وهما: الروح الإنسانية، وروح الله القدوس من حيث عمله في روح الإنسان.
الروح الإنسانية يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى روميه: إذن لا شيء من الدينونة الآن على الذين في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو1:8). إنه يدقق هنا على السلوك حسب الروح. والذي يسلك حسب الروح،لابد أن يقوى روحه، حتى يمكنها أن تنتصر على الجسد،وعلى المادة والخطية والعالم... وهكذا يقول في نفس الإصحاح "فإن الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح (يهتمون). لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو5:8،6). قوة الروح تظهر حتى في الشخص غير المؤمن. الهندوس مثلًا لهم تداريب روحية عميقة يقوون بها أرواحهم البشرية، فتكون أرواحهم أرواحًا قوية. انظروا إلى جماعات اليوجا، بتداريبهم تصبح أرواحهم قوية، بغض النظر عن عمل الروح القدس وهكذا يمكن لكثيرين من غير المسيحيين الذي لا يؤمنون بالروح القدس، ولم يمسحوا بمسحة الميرون المقدس أن تكون لهم أرواح بشرية قوية، ويمكنهم أن يسلكوا في حياة صالحة، ويبعدوا عن شهوات العالم الردية، بغض النظر عن ناحية الإيمان، أما المؤمن فعليه أمران: تقوية روحه الإنسانية، وأيضًا الشركة مع الروح القدس. ولا شك أن هذا يكون في مستوى روحي أعلى بكثير من غير المؤمن. شركة الروح القدس حينما تشترك الروح الإنسانية مع الروح القدس، يكون عليها واجبان: أحدهما إيجابي والآخر سلبي. أما الجانب السلبي، فهو أن تبتعد عن إطفاء الروح، وأحزان الروح، ومقاومة الروح، والتجديف على الروح. وعن هذا يقول الكتاب "لا تطفئوا الروح" (1تس19:5)، "لا تحزنوا روح الله الذي به ختمتم.." (أف18:5). وتكلم الكتاب أيضا عن مقاومة الروح، في قول القديس اسطفانوس أول الشمامسة لليهود "يا قساة الرقاب.. أنتم دائمًا تقاومون الروح القدس، كما كان آباؤكم، كذلك أنتم" (أع51:7). والتجديف على الروح القدس، ذكره السيد الرب (مت31:12). أما العلاقة الإيجابية بالروح القدس، فتبدأ بالميلاد من الروح. وهكذا قال الرب "المولود من الروح، روح هو" (يو6:3). وقال "أن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5:3). وهكذا يولد الإنسان من الروح في المعمودية. ثانى علاقة بالروح هي في مسحة الروح القدس. هذه التي ذكرها القديس يوحنا الرسول في (1يو20:1، 27) فقال "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس.." إنها المسحة المقدسة في سر الميرون المقدس. وهكذا بالمسحة يصير جسد الإنسان هيكلًا للروح القدس. وعن ذلك قال القديس بولس الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم.." (1كو16:3). النقطة الثالثة في العلاقة بالروح القدس هي الشركة مع الروح. وفى هذا يقول القديس بولس الرسول في البركة الختامية "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس، تكون مع جميعكم (2كو14:13). إنها شركة لروح الله مع روح الإنسان. شركة في العمل. فيها روح الله معك، وفيك، وبك. المهم في هذا أن تستجيب روح الإنسان لعمل الروح القدس فيها. وبهذا تكون في شركة معه، أما التجديف على الروح، فهو رفض عمل الروح، رفضًا كاملًا، مدى الحياة، وبهذا لا يتوب الإنسان، لأنه لا يستطيع التوبة بدون عمل الروح فيه. وإذ لا يتوب، لا تغفر له خطاياه. رابعًا: أما الشركة مع الروح، فيظل الإنسان ينمو فيها، حتى يصل إلى إتمام الوصية القائلة: "امتلئوا بالروح" (أف18:5). أو على حسب ترجمة أخرى "اجعلوا روح الله يملؤكم".. خامسًا: وبالشركة مع الروح، والامتلاء بالروح، يصل الإنسان إلى نتيجة هامة، وهى ثمار الروح، التي ذكرها القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية (غل22:5، 23). وثمار الروح تأتى كنتيجة لعمل روح الله في الإنسان، ونتيجة لاستجابة روح الإنسان لعمل روح الله، واشتراكها معه. أية نتيجة للأمرين معًا.. وهذا هو المنهج الروحي المتكامل، بالنسبة لسلوك الإنسان في حياة الروح. وإذا سارت روح الإنسان في شركة مستمرة مع روح الله، فلآبد أن تصل إلى نتيجة واضحة، وهى: سادسًا: حرارة الروح، كما قال الرسول"حارين في الروح" (رو11:12). مادام قد قيل عن الرب "إلهنا نار آكلة" (عب29:12).. إذن فمن الطبيعي أنه إذا اشترك روح الإنسان مع روح الله،لابد أن يصبح هذا الإنسان حارًا في الروح... وكلما ابتعد عن الله،تفتر روحه. ليس غريبًا إذن أنه عندما حل روح الله على التلاميذ في اليوم الخمسين حل بألسنة "كأنها من نار" (أع3:2). وهكذا لآن الملائكة أشخاص روحيون، أو لأنهم أرواح، لذلك قيل عنهم في المزمور "الذي خلق ملائكته أرواحًا وخدامه نارًا تلتهب" (مز4:104). فالإنسان الذي يكون في حالة روحية، تعرف رو حياته من حرارته: يكون حارًا في الروح: إذا صلى، تكون صلاته حارة جدًا، ملتهبة بالحب الإلهي، والصلاة بالروح تظهر حرارتها في الدموع. أو في الانسحاق، أو في الإيمان القوى. أو ربما تكون حرارتها في ألفاظها وتعبيراتها. ومن أمثلة الصلاة الروحية، صلاة المؤمنين من أجل الرسل، التي زعزعت المكان (أع31:4). أيضًا الإنسان المشتعل بالروح، تظهر روحياته في حرارة خدمته. خدمة ملتهبة، فيها الغيرة النارية التي يقول فيها "غيرة بيتك أكلتني" (مز119). فيها حماس الخدمة، وقوة الخدمة، بعكس الخدمة غير الروحية الخاملة الذابلة، التي هي مجرد روتين وبلا تأثير. الحياة الروحية الملتهبة تظهر أيضًا في حياة الإنسان الخاصة: كما يقول القديس يوحنا الحبيب في بدء رؤياه "كنت في الروح، في يوم الرب" (رؤ10:1)، أي في حالة روحية معينة... وقد تبدو حياة الروح في المحبة الإلهية القوية. لأن المحبة وصفت بالنار، كما قيل في سفر النشيد "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها" (نش7:8). فالمحبة كالنار، سواء كانت محبة لله، أو للناس أو للكنيسة والخدمة. عمل الروح في الإنسان يعطيه حرارة، على أن البعض ربما يفهم الوداعة فهمًا خاطئًا، كما لو كان الوديع بلا حرارة ولا حيوية..! سابعًا: إذا سلك الإنسان حسب الروح، وتمتع بسكنى روح الله فيه، فإنه سوف يتمتع بما يسمى: سلطان الروح، أو قوة الروح. يكون لروحه سلطان على جسده، ويكون لروحه سلطان على الشياطين. كما قيل عن التلاميذ إن الرب "أعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها" (مت10: 1). وقال لهم "ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19). ويكون للروح سلطان في تأثيرها حتى على الناس. وهذا هو الذي يعطى للكلمة قوة، ويكون لها سلطان أن تدخل إلى العقل والقلب، وأن تحدث تأثيرًا في الناس. الشخص الذي يشعر بهيبة أبيه ويخافه، هناك سلطان من روح أبيه عليه، وسلطان من الشريعة والوصية والطبيعة. أما الإنسان الذي لا تزال هناك معركة بين جسده وروحه "ويقاوم أحدهما الآخر" (غل 17:5)، وتقف الروح أحيانًا في موقف المنهزم، فهذا قد فقد سلطان روحه. أما إذا انتصرت روحه، فحينئذ يكون لها سلطان. هذا السلطان كان يجعل الشياطين ترتعب أمام بعض القديسين. ثامنًا: الإنسان الذي يحيا بالروح، هو إنسان قوى، ولا يخاف. عنده قوة داخلية، لا تخشى شيئًا من الخارج. أما الذين يخافون، فأرواحهم ليست لها قوة. وهكذا فإن الخائفين وضعهم سفر الرؤيا في قمة الهالكين. إذ كتب "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتقدمة بنار وكبريت.." (رؤ8:21). عجيب أن الخائفين هم بعيدون عن روح الله الذي هو مصدر القوة. هذا الذي قال عنه الرب "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع8:1). أما الذي أخذت روحه قوة من روح الله فإنه إن خدم يخدم بقوة. وإن تكلم، يتكلم بقوة، وهكذا كانت الكنيسة الأولى قوية. وقيل عن خدمتها إن ملكوت الله قد أتى بقوة. أما عيب الخدام، فهو أنهم يخدمون كثيرًا، ولكن ليس بقوة.. يخدمون بنشاط كبير، ولكن ليس بقوة الروح!! الروح وكيفية الاهتمام بها يقول القديس بولس الرسول "الذين هم حسب الجسد، فبالجسد يهتمون. والذين هم حسب الروح، فبالروح يهتمون "لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة" (رو8). إن كان الأمر هكذا، فكيف يكون الاهتمام بالروح؟ أنظر كيف تهتم بجسدك. وقارن هل بنفس الدرجة تهتم بالروح؟
* أنت تعطى جسدك غذاءه، كل يوم. بل ثلاث مرات كل يوم. وتعطيه الغذاء بكميات كافية حسبما يلزمه. فهل أنت تعطى روحك غذاءها، كل يوم؟ وأنت تعطى الجسد غذاءه من كل العناصر والأصناف اللازمة: تعطيه الكلسيوم لبناء العظام، والحديد لبناء الدم، والبروتين لبناء الأنسجة. وتعطيه ألوانًا متعددة من الفيتامينات والعناصر.. فهل أنت تعطى الروح كل ما يلزمها من أصناف الغذاء. الروح تحتاج في غذائها إلى القراءات الروحية، وإلى التأمل الروحي، وإلى القداسات والاجتماعات الروحية، وإلى الألحان والتراتيل، وإلى الفكر الروحي والتأثير الروحي، والمعاشرات الروحية... فهل أنت تقدم لها كل هذا الغذاء. لمنفعتها وتقويتها؟ * وأنت تعطى الجسد راحته. والروح تحتاج إلى الهدوء والخلوة الروحية.. فهل تقدم لها ذلك؟ وهل تريحها أيضًا بالإيمان والسلام القلبي؟ * الجسد أيضًا إذا مرض، تعرضه على أطباء. وحسبما أمروا تنفذ، وتأخذ الدواء اللازم والعلاج. والروح أيضًا في مرضها تحتاج إلى أطباء روحيين، هم الآباء الروحيون، المرشدون الروحيون الذين يلزمك أن تأخذ ما يصفونه لك من علاج. وإن كان في الطب الجسدي، الوقاية خير من العلاج. ففي الطب الروحي كذلك أيضًا: تبعد عن كل ما يضعف روحك، عن كل أسباب الخطية، تبعد عن"المعاشرات الردية التي تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو33:15). لأنه "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفى طريق الخطاة لم يقف، وفى مجلس المستهزئين لم يجلس" (مز1). وهكذا تقوى الروح بالبعد عن الأجواء التي تضعف الروح أو تحطمها... كل هذه تقويات عادية. فكم بالأكثر يكون حال الروح، إن كان روح الله يعمل فيها ويتولى قيادتها. وهنا نرى للروح مسحة من الجمال بما يسمى (زينة الروح). زينة الروح عجيب أن الإنسان -قبل أن يخرج من بيته- يقف أمام المرآة يتأمل نفسه، ليطمئن على أناقته وزينته وحسن مظهره، بينما لا تهمه روحه ومنظرها وحسن زينتها. فما هي زينة الروح إذن؟ الروح تتزين بالفضائل. مثال ذلك قول القديس بطرس الرسول: زينة الروح الوديع الهادئ" (1بط4:3). إن أورشليم السمائية، التي تمثل الكنيسة في العالم الآخر، قيل عنها في سفر الرؤيا "مهيأة كعروس مزينة لعريسها" (رؤ2:21). وقيل في سفر النشيد عن الكنيسة بالإجمال، أو عن الروح البشرية بصفة خاصة إنها "معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش6:3)... أمام الله تكون هكذا، وأمام الناس أيضًا، يرونها مزينة بالوداعة والرقة والاتضاع واللطف. فهل تطمئن على روحك هكذا -قبل أن تخرج من بيتك، وقبل أن تتقابل مع الناس- حتى لا تعثر أحدًا. بل على العكس -في زينتك الروحية- يرى الناس أعمالك الحسنة. فيمجدوا أباك الذي في السموات" (مت16:5). عن هذه الزينة الروحية نغنى نحن في التسبحة ونقول: "زينت نفوسنا يا موسى النبي. بكرامة القبة، التي زينتها". وبهذه الزينة تتجمل الروح في مقابلتها للرب في السماء. يترك الإنسان جسده على فراش الموت وتخرج الروح صاعدة إلى الله، لها رائحة المسيح الزكية، كذبيحة مقدسة يتنسم منها الله رائحة الرضا (تك8)... إن الروح المزينة بالفضائل هي حقًا صورة الله على الأرض. لقد خلقنا الله في البدء، بهذه الصورة الجميلة، بروح رأيناها في آدم وحواء، مزينة بالبراءة والبساطة، لا تعرف شرًا على الإطلاق. كما يقول عنها سفر النشيد "مشرقة كالشمس، جميلة كالقمر.." وكما قال القديس يوحنا الحبيب: كنت في الروح هكذا قال في سفر الرؤيا "كنت في الروح، في يوم الرب". فما هو معنى "كنت في الروح"، لو أتيح لنا أن نتأمله؟ إنها حالة روحية تذكرنا بقول القديس بولس الرسول في صعوده إلى السماء الثالثة" كنت في الجسد، أم خارج الجسد، لست أعلم، الله يعلم" (2كو2:12). إنها حالة إنسان كان في الروح. الروح وحدها تعمل، والجسد معطل تمامًا عن العمل معها وهى في رؤياها. ليست حواس الجسد هي التي ترى، بل حواس الروح. ولا هو الذي يسمع، بل هي حواس الروح، تسمع أشياء لا ينطق بها (2كو4:12). لأن النطق الجسداني خارج عن هذا النطاق. هذا النطق الجسدي لا يعرف هنا أن يدخل في غير اختصاصه..! كذلك من جهة النظر.. إنها حالة "رجل مفتوح العينين، يرى رؤى القدير" (عد3:24-5). تذكرنا بصلاة أليشع النبي من أجل تلميذه جيحزي: افتح يا رب عيني الغلام فيرى (2مل6)، أو بقول السيد الرب لتلاميذه القديسين".. أما أنتم فطوبى لعيونكم لأنها تبصر.." (مت16:13). إنه بلا شك لا يتحدث هنا عن عيون الجسد، بل عن بصيرة الروح. وبنفس المعنى نفهم قوله لهم".. ولآذانكم لأنها تسمع".. في الأبدية نرى ما لا تره عين، ولم تسمع به أذن (1كو9:2). لأنه أسمى من حواس الجسد، وأعلى من مستواها في الإدراك.. نراه في الروح، وبالروح... متى يعطينا الرب هذه البصيرة الروحية، ويصبح كل منا إنسانًا مفتوح العينين؟ ليتنا على الأقل نعطى لروح الله فرصة ليعمل فينا، وندخل في شركة الروح... شركة الروح ونقصد أن تحيا أرواحنا في شركة دائمة مع روح الله. هذه التي قال عنها معلمنا بولس الرسول ".. وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم" (2كو14:13). إذ نسلم ذواتنا لروح الله يعمل فينا وتشترك أرواحنا مع روح الله في العمل. فتصبح حياتنا كلها حياة روحية. يصبح كلامنا كلامًا روحيًا، ومحبتنا للناس محبة روحية، وتصرفاتنا تصرفات روحية. وحينما نسلك بحكمة، تكون حكمة روحية، نازلة من فوق من عند أبى الأنوار. وحينئذ ينطبق علينا قول الرسول: "لا دينونة الآن على الذين هم في المسيح، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو1:8) الذين هم في المسيح يسوع، هم الذين بدونه لا يقدرون أن يعملوا شيئًا (يو5:15). هؤلاء الذين قال عنهم الرب".. وأكون أنا فيهم" (يو26:17)... وكلما نموا في الروح، يستطيعون أخيرًا أن يقولوا مع القديس بولس الرسول "أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فى" (غل20:2). ما دام المسيح هو الذي يحيا في، إذن لا دينونة على الذين هم في المسيح يسوع، الذي يعمل هو فيهم، مادام يحيا فيهم.. وكأنك -وأنت في هذا الوضع- تقول للرب: عن أي شيء يا رب تدينني؟! وأنا من ذاتي لم أعمل شيئًا!! لآن كل شيء بك كان، وبغيرك لم يكن شيء مما كان... هذه العبارة قيلت في البدء عن الخليقة، ولكنها يمكن أن تقال أيضًا بالمثل عن حياتك الروحية، في شركتك مع الله وروحه. لأن الذي في المسيح، هو خليقة جديدة" (2كو17:5). وهذه الحياة التي لا دينونة عليها، هى حياة التسليم الكامل الدائم لروح الله. لا نعنى بها شركة مؤقتة مع الروح القدس، إنما شركة شاملة معه، بحيث يشترك روح الله في كل عمل من أعمالك، في كل كلمة تنطق بها: كما قال الرب "لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم السماوي هو المتكلم فيكم(مت20:10)... ما أجمل هذا أن يشترك معك روح الله في كل شيء. لا ينفصل عنك، ولا تنفصل أنت عنه. بل يسكن فيك، وتصبح هيكلًا له (1كو16:3).. وهكذا تكون أيضًا أداة في يديه يعمل بها ما يريد هو أن يعمله. إن صرت هكذا، تكون لك أيضًا هيبة الروح. هيبة الروح إن روحك تفقد هيبتها، حينما تخضع للشيطان وتعطيه مجالًا أن يعمل فيها ويوجهها. أما الروح التي تصمد في قوة أمام الشيطان، مستندة على الرب حبيبها (نش3).. فإن هذه تصبح لها هيبة أمام الشيطان. إنها روح الإنسان الذي وعده الله قائلًا "يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك.." (مز7:91). هؤلاء تصرخ الشياطين أمامهم خوفًا أو عجزًا. حاولوا أن يجسبوا نبضهم، ليجدوا مدخلًا إليهم، فلم يستطيعوا. فأصبحوا لذلك يخافون، ولا يجسرون على الاقتراب منهم. يخيفهم أن يروا فيهم صورة الله. هيبة أرواحهم ليست عن عظمة أو كبرياء، بل بسبب تواضعهم. كما اعترف الشيطان قائلًا للقديس مقاريوس الكبير "بل بتواضعك تغلبنا".. لأن الإنسان المتواضع يرى فيه الشيطان صورة الله المتواضع، الذي في تجسده "أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد" (فى7:2)، لأن التواضع هو حلة اللاهوت التي لبسها، لما تجسد لخلاصنا... إن الأرواح التي تهابها الشياطين، هي أيضًا الأرواح التي جاهدت وغلبت. إنها الرواح التي لا تستطيع الشياطين أن تغويها أو تغريها، ولا حتى بصعوبة.. إنها أرواح لا تستسلم لعدو الخير، ولا في الهفوات التي تبدو بسيطة. بل هي أرواح مخلصة لخالقها، لا تخونه في شيء، بل تسلك بتدقيق (اف15:5)... هي أرواح لم تطلب من الشيطان شيئًا، وليست لها شهوة على الإطلاق يحققها لها الشيطان. إنما أرواح كبيرة. أرواح كبيرة كبيرة في محبتها، وكبيرة في عفتها، وكبيرة في قوتها واستطاعتها... إنها أروح كبيرة في مستواها الروحي. لم تقف عند حدود التوبة والجهاد، وإنما ظلت تنمو في حياة البر، حتى وصلت إلى القداسة، وظلت تنمو في القداسة ساعية نحو الكمال،حسب وصية الرب "كونوا أنتم أيضًا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5). أرواح لا تسعى فقط لخلاص ذاتها، بل لخلاص الذين يسمعونها أيضًا (1تى16:4). إنها أرواح تبنى الملكوت. هناك أرواح كبيرة، لم يقتصر عملها على خدمة الله هنا على الأرض، بل حينما تترك الجسد وتصعد إلى السماء، ينتدبها الله أيضًا لبعض خدمات على الأرض. ينتدبها لإنقاذ بعض أولاده في العالم، أو لأداء رسالة معينة، كما يحدث مثلاً لروح مثل مارجرجس، أو روح مارمينا، وبعض الشهداء والقديسين الذين نطلب شفاعتهم. ولم تنته حياتهم بالموت، بل مازالوا يعملون... هذه الأرواح الكبيرة غير الأرواح الصغيرة الضعيفة، التي لا تزال تكافح ضد الجسد. والتي إن تابت بضعة أيام، تعود مرة أخرى إلى خطاياها وإلى عاداتها المسيطرة في ضعف أو في عجز. الأرواح الكبيرة هى أيضًا كبيرة في معرفتها، لها روح الحكمة والإفراز. وهبها الله الفهم والإدراك، وأصبحت لها قدرة على إرشاد الآخرين وقيادتهم، وهذه الحكمة التي يسلكون بها ليست عملًا بشريًا، إنما هي من مواهب الروح (1كو12). وفى تنفيذ وصايا الله، تسلك هذه الرواح بالروح لا بالحرف (2كو6:3). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من كتاب من هو الإنسان؟ الروح |
حينما تشترك الروح الإنسانية مع الروح القدس يكون عليها واجبان |
الروح الإنسانية تبقى بعد موت الإنسان |
الروح الإنسانية |
الروح الإنسانية |