منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 22 - 12 - 2022, 05:38 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

إخوة يوسف في مصر


إخوة يوسف في مصر

إذ حرم إخوة يوسف أنفسهم من يوسف ببيعهم إياه فقدت كنعان كلها البركة ودخلت في مجاعة بينما تباركت مصر بيوسف وصارت مصدر شبع للجائعين. والآن إذ شعر هؤلاء الإخوة بالجوع اضطروا للرحيل إلى مصر ليشتروا لأنفسهم قمحًا، وكأنهم يمثلون جماعة اليهود التي خانت السيد المسيح وباعته بقليل من الفضة، في آخر الأيام إذ تشعر بالجوع الحقيقي تترك كنعان وتنطلق إلى مصر، إي إلى كنيسة الأمم تبحث عمن فقدته: الإيمان بالسيد المسيح. لكنها لا تستطيع أن تلتقي به مادامت متعصبة لصهيونيتها مرتبطة بمطامع زمنية.


1. يعقوب يُرسل أولاده إلى مصر:

"فلما رأى يعقوب أنه يوجد قمح في مصر، قال يعقوب لبنيه: لماذا تنظرون بعضكم إلى بعض. وقال: إني سمعت أنه يوجد قمح في مصر، أنزلوا إلى هناك واشتروا لنا من هناك لنحيا" [1-2].
سمع يعقوب عن وجود قمح في مصر، ربما من التجار الذي يتبادلون السلع مع مصر، أو من الشعوب المحيطة به التي اضطرت أن تنزل إلى مصر لتشتري قمحًا من هناك، لذا بدأ يحثهم على النزول لشراء قمح. ويلاحظ في النص الذي بين أيدينا الآتي:
أ. يكرر كلمة "يعقوب" أكثر من مرة، ولم يقل "إسرائيل" مع أنه كان قد أخذ الوعد أنه لا يدعى بعد "يعقوب" بل "إسرائيل". لكن يعقوب هنا لا يمثل شبع الله بل "اليهود" الذين فقدوا الإيمان بالسيد المسيح أي يوسف الحقيقي... إنهم لا يُحسبون إسرائيل الروحي ولا شعب الله بسبب جحودهم.
ب. الآن يلجأ يعقوب خلال أولاده إلى أرض مصر لكي يحيوا ولا يموتوا، فقد خسر اليهود سرّ حياتهم -يوسف الحقيقي- بينما قبل الأمم -مصر- مصدر الحياة الحقة.
ج. يقول لهم يعقوب: "انزلوا إلى هناك"، فقد أتسم اليهود بالكبرياء الذي دفعهم للجحود، لذا تأتي الدعوة لكل نفس متكبرة أن تنزل عن كبريائها لتذهب إلى هناك. أي إلى كنيسة السيد المسيح المتسمة بروح عريسها المتواضع.
د. يقول يعقوب لهم: "لماذا تنظرون بعضكم إلى بعض؟!"... كان يليق بهم أن ينظروا إلى موضع الشبع، إلى حيث يوسف موجود، عوض أن ينظروا إلى بعضهم البعض. وكأن كلمات يعقوب هذه تمثل دعوة للنفس أن تنطلق من انغلاقها وتقوقعها حول ذاتها إلى الانفتاح على السيد المسيح. القلب المغلق يعيش جائعًا، أما المنفتح لله والناس فيشبع بالله مصدر كل شبع.
ه. كان عدد النازلين إلى مصر عشرة من إخوة يوسف [3]، ولم يكن بينهم بنيامين إذ خشى يعقوب لئلا يُصاب بسوء كما حدث لأخيه يوسف. هذه الانطلاقة الأولى للعشرة إنما تشير إلى الانطلاق للسيد المسيح خلال إدراكنا الروحي للناموس (10 وصايا الناموس)، لكنه لن نلتقي بيوسف على مستوى الحب إلاَّ ببنيامين (ابن اليمين)، إي بارتباطنا بالإنجيل الذي يهبنا حق التمتع بيمين الله.
2. المثول بين يديّ يوسف:

إذ كانت كنعان في رخاء لم يفكر يعقوب وبنوه في للقاء بيوسف، وربما نسى أبناء يعقوب يوسف وظنوا أنهم لن يروه بعد، لكن الله في محبته سمح بالجوع في كنعان حتى يلتقي الكل بيوسف. الله لا يشتاق إلى مذلتنا ولا يطلب لنا الجوع، لكننا إذ نفقد يوسفنا الداخلي تصير أعماقنا جافة وفي قحط، فيسمح الله بالجوع يحل بالأرض لا لشيء إلاَّ لنكتشف الجوع الداخلي ونطلب يوسفنا يشبع الداخل كما الخارج.
ويقول الكتاب: "كان يوسف هو المسلط على الأرض، وهو البائع لكل شعب الأرض، فأتى إخوة يوسف وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض" [6].

كان يوسف هو المتسلط على مصر يدبر أمورها المالية، وقد قام ببيع القمح بنفسه في مخازنها في الحدود الشرقية، ربما لكي يطمئن إلى الغرباء القادمين لشراء القمح لئلا يعبثوا بالبلاد، أو ربما لأن حنينه كان ملتهبًا نحو أبيه وأخوته، فكان ينتظر مجيئهم ليشتروا القمح فيتعرف عليهم. وبالفعل إذ جاء إخوته عرفهم فتنكر لهم وتكلم معهم بجفاء أي تحدث معهم كغريب عنهم.
وقد حملت تصرفات يوسف في هذا اللقاء معانٍ كثيرة، نذكر منها:
أ. إذ يمثل يوسف السيد المسيح، عرف إخوته وتنكر لهم أما هو فلم يعرفوه... جاء السيد المسيح الذي يعرفنا بأسمائنا، لكنه إذ حمل طبيعتنا وصار في الهيئة كإنسان لم يستطع إخوته اليهود أن يعرفوه، وكما يقول الرسول: "ولو عرفوا رب المجد لما صلبوه".
ب. تحدث معهم بجفاء بل واتهمهم كجواسيس لا لينتقم منهم، إذ كانت أحشاؤه ملتهبة فيه... وعندما سمعهم يتحدثون في مرارة متذكرين ما فعلوه به وهم لا يدرون أنه يوسف: "تحول عنهم وبكى" [24]. إنما كان قصده بهذا الجفاء ألاَّ يعرفوه سريعًا حتى لا يخافوا منه، ومن ناحية أخرى أراد أن يستفسر عن أبيه وأخيه بنيامين بطريقة غير مباشرة، كما كان يخطط لإحضار الجميع ليعيشوا معه في خيراته. وقد نجح يوسف في تحقيق كل هذه المقاصد حتى وإن تظاهر في البداية بمظهر الجفاء.
الله في حبه لنا يبدو أحيانًا جافيًا لا ليحرمنا من حنوه وإنما ليحقق فينا غايته، ويدخل بنا إلى أسراره والتمتع بنعمه بطريقته الإلهية الفائقة لإدراكنا.
ج. تذكر يوسف الأحلام التي حلم عنهم [9]... فقد يطول بنا الوقت ونظن استحالة تحقيق وعود الله، لكنه يهبنا تحقيق وعوده في الوقت المعين وبطريقة فائقة لم نكن نتوقعها.
د. أمر بحبسهم ثلاثة أيام... وكأنه أراد أن يؤدبهم ولكن في حنو لعلهم يذكرون خطيتهم من نحو دمه البريء؛ وفي اليوم الثالث تحدث معهم برفق: "افعلوا هذا واحيوا. أنا خائف الله. إن كنتم أمناء فليحبس أخ واحد منكم في بيت حبسكم وانطلقوا أنتم وخذوا قمحًا لمجاعة بيوتكم، واحضروا أخاكم الصغير إليّ فيتحقق كلامكم ولا تموتون" [18-20]. لقد أراد أن يطمئنهم أنه لا يستبد بهم فهو خائف الله، لكنه يطلب التحقق من صدق أقوالهم بإحضار الابن الأصغر إذ كان قلبه ملتهبًا نحو رؤيته، وعلامة حنوه أنه وهبهم أن يأخذوا قمحًا لبيوتهم، قائلًا: "لا تموتون"... هذا وقد وضع فضتهم في عدالهم (جوالقهم)، إذ لا يطلب منهم ثمنًا للطعام الذي يقدمه.
لقد سبق فسُجن يوسف، والآن يحبس أخوته ثلاثة أيام ليخرجوا فيجدوا يوسف يهبهم القمح لهم لعائلاتهم، سائلًا إياهم أن يكونوا أمناء فيحضروا أخاهم الأصغر. إنه حديث السيد المسيح الذي دُفن في القبر كما في سجن وقد وهبنا أن ندفن معه ثلاثة أيام لننعم بقوة قيامته عندئذ نتقبله خبزًا سماويًا يشبعنا نحن وكل عائلاتنا أي يشبع النفس مع الجسد والعقل وكل مالنا.
أما سؤاله عن الابن الأصغر إنما هي دعوة للعمل، فلن يستريح قلب السيد المسيح من جهة الكنيسة ما لم تأتِ إليه بالأصغر، أي تبحث عن كل نفس ليقتنيها لحسابه... يبقى السيد المسيح يطلب من كنيسته أن تعمل لتأتي إليه ببنيامين، أي تقدم الكل كابن عن يمين الله.

بهذا الروح يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن الله يرضى بهذا العمل كثيرًا، حتى أنه لو صنع الإنسان كل التقشفات ولو قمع جسده بكل نسك، ولو صام حياته كلها ونام على الحضيض، ولو وزع كل مقتنياته على الفقراء والمساكين، فهذه كلها لا توازي غيرة خلاص النفس ].
ه. كانت كلمات يوسف لهم: "افعلوا هذا واحيوا... لا تموتوا" [18، 20]. هذه هي دعوة السيد المسيح القائم من الأموات، يريدنا أن ندفن معه لننعم بالحياة المقامة فلا نموت، وكما يقول الرسول بولس: "فَدُفِنَّا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة، لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته" (رو 6: 4، 5).
و. لماذا قيد يوسف شمعون أمام عيونهم [24]؟ بلا شك لم يقيده حقدًا ولا انتقامًا... وربما فك قيوده وأحسن معاملته بعد رحيل إخوته، إنما أراد أن يثير فيهم الإسراع بإحضار بنيامين حتى تُفك قيود شمعون أخيهم، وتُرد له حريته. هذا ومن جانب آخر فإن كلمة: "شمعون" معناها "سمع"، فهو يشير إلى الاستماع لصوت الله أو الطاعة له، لذا فإن تقييده إنما يكشف عن فقدان اليهود لروح الاستماع لصوت الله والطاعة له.
هذا ويرى البعض أن شمعون كان قاسيًا جدًا على يوسف وأنه هو الذي اقترح بقتله (37: 19، 20) فاستحق التأديب ليشعر بخطيته ويقدم توبة عن تصرفاته.
كان رأوبين (ابن الرؤيا) يوبخ اخوته: "ألم أكلمكم قائلًا لا تأثموا بالولد وأنتم لم تسمعوا، فهوذا دمه يُطلب" [22]. إنه يمثل "ابن الرؤيا" أي البصيرة التي تنفتح لتدرك الخطأ الذي ارتكبه الإنسان وتدفعه للتوبة على ما صنع.

وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [عندما ترون أمرًا ما يحدث لكم اذكروا خطيتكم "التي جلبت هذا عليكم" ].

3. العودة إلى كنعان:

عاد إخوة يوسف بدون شمعون إلى أبيهم في أرض كنعان ليخبروه بكل ما أصابهم، وكيف اُتهموا بأنهم جواسيس، وأن الرجل "سيد الأرض" قال لهم: "بهذا أعرف إنكم أمناء. دعوا أخًا واحدًا منكم عندي وخذوا لمجاعة بيوتكم وانطلقوا واحضروا أخاكم الصغير إليّ، فأعرف أنكم لستم جواسيس بل أنكم أمناء فأعطيكم أخاكم وتتجرون في الأرض" [33-34]... وكان تعليق يعقوب: "أعدمتموني الأولاد، يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تأخذونه، صار كل هذا عليّ" [36]. وكان أن رأوبين قال لأبيه: "أقتل أبني إن لم أجيء به إليك، سلمه بيدي وأنا أرده لك" [37].
عاد بنو يعقوب بلا شمعون فظهرت أعماقهم التي كانت مختفية، ظهروا أنهم كانوا في قلبهم لا يحملون "الاستماع لله"... فصار الظاهر وهو يمثل مرارة للجميع يكشف عن الموقف الداخلي الذي تجاهلوه زمانًا طويلًا.
دعوة يوسف "سيد الأرض" دون أن يعرفوه فشهدوا له من ورائه أن فيه تحققت الأحلام التي كانوا لا يطيقون تذكرها... هذا السيد ليس مستبدًا إنما يطلب أمانتهم برد بنيامين أخيه إليه.
رفض يعقوب تسليم ابنه بنيامين لئلا تصيبه أذية في الطريق كأخيه يوسف، عندئذ كما يقول: "تنزلون شيبتي بحزن إلى الهاوية" [38]... هذه هي مشاعر الأبوة الصادقة، فإن سقوط أي ابن لنا مهما كان صغيرًا ينزل شيبتنا بحزن كما إلى الهاوية. هذه الشاعر التي ترجمها الرسول بولس بقوله: "من يضعف وأنا لا أضعف، من يسقط وأنا لا التهب؟!" وقد تحدث القديس يوحنا الذهبي الفم كثيرًا عن هذه الأبوة الحانية نحو كل نفس في المسيح يسوع.
لكن يعقوب يقول: "تنزلون شيبتي بحزن إلى الهاوية"، إذ لم يكن بعد باب الفردوس قد انفتح... فكان الموت بالنسبة له انحدارًا!!



اللقاء الثاني مع يوسف



في اللقاء الأول تظاهر يوسف بالجفاء معهم واتهمهم أنهم جواسيس، وفي هذا اللقاء جاءوا إليه مرتعبين ولم يستطيعوا أن يتعرفوا عليه حتى جاء اللقاء الثالث فحنت أحشاؤه عليهم فأطلق صوته بالبكاء وأعلن لهم ذاته (45: 2، 3). كأنهم يلتقون بيوسف في المرة الثالثة خلال قيامته في اليوم الثالث فيعرفونه كسرّ حياتهم وكأخ حقيقي لهم، أما اللقاءان الأولان فيحملان لهم الكثير من الآلام.


1. الحاجة إلى طعام:

اشتد الجوع بالأرض حتى اضطر يعقوب أن يحثهم على العودة إلى مصر لشراء طعام لهم. عندئذ سأله يهوذا أن يسمح لهم بأخذ بنيامين أخيهم، إذ سبق فأشهد عليهم الرجل سيد الأرض أنهم لن يروا وجهه ما لم يكن معهم أخوهم. وإذ كان إسرائيل مستاءً للأمر صار يعاتبهم لماذا ذكروا للرجل عن وجود أخ أصغر لهم فقالوا له بأنه استدرجهم في الحديث وعرف منهم كل شيء. أخيرًا وقف يهوذا كضامن لأخيه الأصغر إذ قال لإسرائيل: "أرسل الغلام معي لنقوم ونذهب ونحيا ولا نموت نحن وأنت وأولادنا جميعًا. أنا أضمنه، من يدي تطلبه، إن لم أجيء به إليك قدامك أصر مذنبًا إليك كل الأيام" [8-9].
لقد حمل يهوذا وبنيامين رمزًا للسيد المسيح كل من جانب معين. فيهوذا يمثل السيد المسيح بكونه الضامن لأخيه الأصغر أمام أبيه يلتزم برده، إذ جاء كلمة الله متجسدًا كأخ بكر لنا خارجًا من سبط يهوذا ليتقدم للآب كضامن لنا يفدينا بدمه. حقًا لقد صرنا نحن الأصغر لا بالنسبة للسيد المسيح فهو رأس كل خليقة وموجدها وإنما بالنسبة للخليقة العاقلة السماوية إذ أحدرتنا الخطية جدًا... ومع هذا فإننا في عيني الله الآب كبنيامين يعتز بنا، مقدمًا الابن لأجل خلاصنا. هذا وبنيامين من جانب آخر يقدم لنا رمزًا للسيد المسيح الذي صار "الأصغر" إذ أحتل آخر الصفوف ليضم كل البشرية بالحب. صار الأصغر كبنيامين إن لم ينطلق من كنعان إلى مصر لن ينعم أخوته بالطعام... وكأنه بكلمة الله، الابن المحبوب الوحيد الجنس والجالس عن يمين العظمة، ينزل إلى مصر كواحد منا حتى نجد فيه شبع الروح.
يقول يوسف: "لا ترون وجهي بدون أن يكون أخوكم معكم" [4]... وكأنه صوت الآب لنا، إنه لن نرى وجهه ولا ننعم بخبزه السماوي ولا شركة أمجاده إن لم نظهر أمامه في المسيح يسوع ومعه! بدونه لن نلتقي بالآب ولا يكون لنا موضع في حضنه الإلهي، وكما يقول الرسول بولس: "اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أف 1: 4).
إذ لم يكن يوجد طريق آخر للخلاص أرسل يعقوب بنيامين إلى أرض مصر، كما طلب من أولاده أن يحملوا من أفخر جني الأرض في أوعيتهم: قليلًا من البلسان وقليلًا من العسل وكثيراء (نوع من الصمغ كان يستخدم في الطب والتغرية، تسمى أشجارها شوكة المغري Astraaglus، وقد دعيت كثيراء ربنا لأنه عندما توضع في الماء يزداد حجمها) ولاذنًا (نوع آخر من الصمغ يسمى Cistus Creticus، وربنا نوع من اللبان إذ يدعى بالعامية "لادن") وفستقًا ولوزًا، كما سألهم أن يردوا الفضة التي وجدوها في عدالهم وفضة أخرى ثمنًا لما يشترونه.
كأنه لكي يلتقي أبناء إسرائيل بيوسف يليق بهم أن يتقدموا بثلاثة أمور:
أولًا: يأخذون بنيامين معهم، الذي بدونه لن يروا وجه يوسف. وكما قلنا يرمز للسيد المسيح الذي فيه ومعه نلتقي بالآب في أمجاده السماوية.
ثانيًا: الهدايا التي هي أفخر جني الأرض، إنما هي ثمار الروح القدس التي يقدمها لنا الآب بروحه القدوس، نحملها هدية حب له. إن كان هو العامل فينا لأجل مسرته (في 2: 13)، فإننا من عمله نقدم له ما يبهجه، وكما يقول داود: "من يدك أعطيناك" (1 أي 29: 14). حقًا إن ثمر الروح القدس من محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غل 5: 22، 23) إنما هو بلسان يشفي النفس وكثيراء ولاذن يستخدم كعلاج لها، كما هو عسل يحمل حلاوة للقلب وعذوبة للفكر، وهو فستق ولوز يشبع الأعماق كطعام... نقدم ما تمتعنا به كسرّ علاج للنفس وشبع وعذوبة لها هدية حب للآب في ابنه تسره.
ثالثًا: ردّ الفضة التي وجدوها في عدالهم، إنما يشير إلى فهم رموز العهد القديم ونبواته، أما الفضة الجديدة فهي التمتع بإدراك العهد الجديد والتعرف على إنجيل المسيح فإن كانت كلمة الله هي فضة ممحصة (مز 12: 6)، يليق بنا أن نلتقي بالله خلال تقديم هذه الفضة معلنة في حياتنا ومتجلية في سلوكنا، معلنين فهمنا الروحي الناموسي وإدراكنا للإنجيل عمليًا كل يوم!
2. لقاء في بيت يوسف:

إذ رأى يوسف أخاه بنيامين مع أخوته "قال للذي على بيته ادخل الرجال إلى البيت، واذبح ذبيحة، وهيئ، لأن الرجال يأكلون معي عند الظهر" [16]. هكذا طلب يوسف من رئيس خدمه الموكل على بيته أن يهيئ مائدة لاخوة يوسف... لكن الرجال إذ أدخلوا إلى بيت يوسف ظنوا إنما أدخلهم لكي يمسك بهم وينتقم منهم بسبب الفضة التي وُجدت في عدالهم، لكن الموكل طمأنهم، قائلًا لهم: "سلام لكم لا تخافوا. إلهكم وإله أبيكم أعطاكم كنزًا في عدالكم، فضتكم قد وصلت إليَّ" [23]. يبدو أن يوسف كان قد لقن هذه الكلمات للرجل حتى يبعث في قلوب إخوته الطمأنينة، خاصة وأن الرجل أخرج إليهم أخاهم شمعون ليلتقوا به، كما قدم لهم ماء يغسلون أرجلهم، وأعطاهم عليقًا لحميرهم، وإذ جاء يوسف إليهم في بيته سألهم عن سلامة أبيهم، وإذ تأكد من بنيامين أخيه "أستعجل يوسف لأن أحشاؤه حنت إلى أخيه وطلب مكانًا ليبكي، فدخل المخدع وبكى هناك. ثم غسل وجهه وخرج وتجلد وقال قدموا طعامًا. فقدموا له وحده ولهم وحدهم وللمصريين الآكلين عنده وحدهم، لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعامًا مع العبرانيين لأنه رجس عند المصريين. فجلسوا قدامه البكر بحسب بكوريته والصغير بحسب صغره، فبهت الرجال بعضهم إلى بعض، ورفع حصصًا من قدامه إليهم، وكانت حصة بنيامين أكثر من حصص جميعهم خمسة أضعاف وشربوا ورووا معه" [30-34].
هذا هو اللقاء الثاني الذي تم بين يوسف وأخوته، وقد ظهر الفارق واضحًا بين لقائه الأول (ص 42) وهذا اللقاء، فالأول يقدم لنا ظلًا للقائنا مع السيد المسيح خلال آلام صلبه أما هنا فنلتقي معه في قبره، لكي في اللقاء التالي (الثالث) ننعم باللقاء معه خلال قيامته... وإن كنا لا نستطيع الفصل بين الصلب والدفن والقيامة بكونهم يمثلون عملًا خلاصيًا متكاملًا لا يمكن تجزئته.
في هذا اللقاء نتلمس ظلالًا لعمل السيد المسيح الخلاصي من جوانب كثيرة منها:
أولًا: في اللقاء الأول يظهر يوسف جافيًا ويتهمهم أنهم جواسيس، وإن كان الكتاب يعلن أنه لم يحتمل مرارة أنفسهم بل "تحول عنهم وبكى" (42: 24). إنه في لقاؤنا مع السيد المسيح في لحظات الصلب حيث كان العدل الإلهي يقتص الدين في جسد السيد المسيح ويستوفيه وكانت أعيننا غير قادرة على إدراك محبة الله الخفية والفائقة للعقل. أما هنا فلا نجد في اللقاء جفاءً بل حنوًا وطعامًا... فعندما دفن السيد المسيح في القبر أمكن للبشرية الراحلة على رجاء أن تلتقي به وتتعرف على محبته وتقبل المخلص طعامًا روحيًا يهب خلودًا أبديًا.
اللقاء الأول تم خارج بيت يوسف، إذ صلب السيد المسيح خارج المحلة ويطالبنا الرسول أن نخرج معه حاملين عاره (عب 13: 13)، أما هذا اللقاء فتم في بيت يوسف إذ تم تلاقٍ بين الراحلين على رجاء وبين السيد المسيح المدفون وذلك في الفردوس حيث حملهم كغنيمة محبته إلى بيته.
وكما قال السيد للص اليمين: "اليوم تكون معي في الفردوس".
ثانيًا:دخل يوسف المخدع وبكى هناك، تم غسل وجهه وتجلد وقال: قدموا طعامًا. ما هو هذا المخدع الذي بكى فيه يوسف الحقيقي ثم غسل وجهه وخرج إلاَّ قبره المقدس، الذي فيه تلاقى مع الموت وغسل موتنا لا بدموعه بل بدمه الطاهر، وخرج بالقيامة ليعطينا جسده المقام حياة أبدية؟!
ثالثا: كان ليوسف مائدة خاصة ولإخوته العبرانيين مائدة والمصريين مائدة ثالثة. اجتماع الكل معًا إنما يشير إلى وحدة الكنيسة في الرأس، حيث يجتمع رجال العهد القديم مع رجال العهد الجديد في المسيح يسوع، إذ كان يوسف يمثل الرأس له مائدته الخاصة بكونه البكر، والعبرانيين يمثلون رجال العهد القديم الذين قبلوا في الكنيسة بيت يوسف طعامًا خاصًا خلال الناموس والأنبياء، والمصريون يمثلون رجال العهد الجديد أي كنيسة الأمم التي تمتعت بمائدة الإنجيل.
رابعًا: إذ جلس العبرانيون أمام يوسف بهتوا متطلعين كل واحد نحو الآخر، فقد جاء ترتيبهم في الجلوس متفقًا مع أعمارهم... تُرى هل كان الرجل يعرفهم؟!
إن كان العبرانيون لم يعرفوا يوسف لكنه كان يعرفهم تمام المعرفة وقد هيأ لكل واحدٍ منهم موضعًا يليق به، وكأنه بالسيد المسيح الذي يعرفنا قبلما كنا نعرفه، يعرفنا بأسمائنا (يو 10: 3)، ويدبر خلاصنا مقدمًا لكل واحد منا منزلًا خاصًا في بيت أبيه (يو 14: 2). يعرفنا ويعرف قامة كل واحد منا في الروح، وكما يقول الرسول: "لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41).
خامسًا: رفع حصصًا من قدامه إليهم، وكانت حصة بنيامين أكثر من حصص جميعهم خمسة أضعاف. ما ناله من حصص في المجد إنما يهبه لنا من قدامه، إذ نصير "شركاء معه في المجد".
لعل ما ناله بنيامين خمسة أضعاف حصص الآخرين، يشير إلى عطية الله لنا بتقديس حواسنا الخمسة لتكون مملوءة شبعًا ومجدًا بالمسيح يسوع مشبعها.
سادسًا: لكي يتم هذا اللقاء المفرح والمشبع، الذي أبهج قلب يوسف إذ لم يكن يحتمل رؤية أخوته خاصة بنيامين فكانت أحشاؤه تلتهب حنينًا وحبًا، ودهش الرجال فكانوا ينظرون ما يحدث كأمر فائق لإدراكهم... يجتمعون بأخيهم شمعون ويجالسون سيد الأرض ويأكلون في بيته، ويقدم لهم من قدامه كان لزامًا أن يتهيأ الرجال هكذا: الدخول إلى بيت يوسف، غسل أرجلهم بالماء، تقديم طعام لحميرهم، جلوسهم على المائدة.
ما هو الدخول إلى بيت يوسف سوى الدخول إلى العضوية الكنسية لنصير بالحق في بيت الرب خلال مياه المعمودية، وما هو غسيل الأرجل بالماء إلاَّ تقديم التوبة التي تغسل آثامنا وما تعلق بأنفسنا من تراب خلال رحلتنا، أما الطعام للحمير فيشير إلى تقديس الجسد الذي كان حيوانيًا بشهواته فلا تسمح له بالشبع خلال ملذات العالم إنما خلال الحياة المقدسة في بيت الرب، وأخيرًا الجلوس على المائدة إنما يشير إلى التمتع بذبيحة الأفخارستيا... هذه كلها وسائط خلاصنا التي ننعم بها في كنيسة المسيح بالروح القدس خلال الصليب.
سابعًا: نختم حديثنا عن هذا اللقاء بتعليق القديس يوحنا الذهبي الفم على بكاء يوسف عندما شاهد أخوته: [لنتمثل بهذا الرجل، فحزن ونبكي على الذي يضروننا، ليتنا لا نغضب عليهم، فإنهم بالحق يستوجبون الدموع من أجل العقوبة التي تحل بهم والدينونة التي يلقون أنفسهم فيها].


رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
خطية الحسد إخوة يوسف
إذ حرم إخوة يوسف أنفسهم من يوسف ببيعهم إياه
شر إخوة يوسف
إخوة يوسف
إخوة يوسف


الساعة الآن 04:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024