St. Hilary of Poitiérs هو أسقف مدينة بواتييه ولاهوتي وأحد آباء الكنيسة في القرن الرابع، كان معاصرًا للبابا أثناسيوس الرسولي. كثيرًا ما كان القديس أغسطينوس يستعين به في مقاومته البيلاجيين Pelagians. ويصفه القديس جيروم بأنه: "من أكثر الرجال فصاحة وقوة من اللاتين في مقاومة الأريوسيين". نشأته: وُلد هيلاري في بواتييه وكانت أسرته من أشراف بلاد الغال Gaul (فرنسا). نال قسطًا وافرًا من الفلسفة والتعليم الكلاسيكي. يقول عن نفسه أنه نشأ وثنيًا، ويعطينا وصفًا تفصيليًا للخطوات التي اتخذها معه اللَّه ليتعرف على الإيمان الصحيح. كان هيلاري يعتقد من الناحية المنطقية أن الإنسان مخلوق حر، ذو مبادئ، وموضوع في هذا العالم ليمارس الصبر والنسك والفضائل الأخرى، التي بها ينال المكافأة بعد انتهاء هذه الحياة. ثم أخذ يسعى في شغف ليتعلم عن اللَّه، وبسرعة اكتشف كذب الاعتقاد بتعدد الآلهة، واقتنع أنه لا يمكن أن يكون هناك إلا إله واحد، وأنه لابد أن يكون أبديًا وغير متغير وكليّ القدرة والعلة الأولى ومُبدع كل الأشياء. بهذه الخلفية وبهذا الاعتقاد تقابل مع الكتاب المقدس وتأثر بشدة من الوصف السامي الذي به يصف موسى اللَّه ومن الكلمات التي تعبر عن وجوده الذاتي: "أنا الذي هو I Am Who I Am". كما تأثر أيضًا من فكرة سلطانه الفائق التي عبّر عنها ووصفها الأنبياء. ثم كمَّلت قراءة العهد الجديد الإجابة عن استفساراته، وتعلم من الإصحاح الأول لإنجيل يوحنا أن الكلمة المتجسد، اللَّه الابن، مساوي في الوجود والأبدية مع الآب، وواحد معه في ذات الجوهر. وهكذا إذ بلغ إلى معرفة الإيمان الصحيح نال المعمودية في سنٍ متقدم نسبيًا. سيامته أسقفًا: كان هيلاري متزوجًا قبل مسيحيته وله ابنة اسمها أبرا Apra، وكانت زوجته مازالت موجودة حين اختير أسقفًا لبواتييه حوالي سنة 350 م. وقد حاول بكل قوته الهروب من هذه الكرامة ولكن كان هذا دافع للشعب للتمسك باختياره أكثر، وبالفعل لم تخب توقعاتهم إذ ظهرت فضائله وصفاته المتميزة التي لفتت الأنظار إليه، ليس في بلاد الغال فقط بل وفي الكنيسة بأسرها. كان هيلاري واعظًا وشاعرًا، وكان يعتبرها مسئولية حياته أن يشهد عن اللَّه لكل العالم ويقود الناس كلهم إلى محبة اللَّه، وكان دائمًا يدعو الجميع أن يبدأوا كل أعمالهم بالصلاة. وكان يشتهي أن ينهي حياته مستشهدًا، وفي محبته للحق لا يخاف من أي ألم يتحمله في سبيل الدفاع عنه. نفيه: حين عقد الإمبراطور قنسطنس (قنسطنطيوس) Constantius مجمع ميلان سنة 355 م الذي حضره من أساقفة الغرب ثلاثمائة أسقف، بينما لم يحضره من أساقفة الشرق غير عدد قليل، طلب من كل الأساقفة المجتمعين توقيع الحرم على القديس أثناسيوس وهدّد من رفض منهم أن ينفيه. نجح الأريوسيون في إقناع الأساقفة الغربيين بوجوب عزله. بيد أن الشجاعة الرسولية لم تلبث أن تجلّت في ستة من هؤلاء الأساقفة الغربيين، وهم الذين تجرأوا من الثلاثمائة أسقف على إعلان الحق. هؤلاء الستة هم القديس يوسابيوس أسقف فرسيل St. Eusebius of Vercelli ولوسيفر أسقف كجلياري Lucifer of Cagliari والقديس ديونيسيوس أسقف ميلان St. Dionysius of Milan وبولينوس أسقف تريف وروديانوس أسقف تولوز وهيلاري أسقف بواتييه. تجاسر هؤلاء الستة على الوقوف في وجه آباء المجمع ونقض ما اتهموا به ذلك البابا السكندري العظيم معلنين ولاءهم له، فكان نصيبهم النفي والتشريد. أغلب الأساقفة في مجمع آرل ومجمع ميلان سنة 355 م، أطاعوا أمر الإمبراطور برفض تعليم أثناسيوس عن مساواة الابن للآب في ذات الجوهر. وإذ لم يكن هيلاري حاضرًا استدعى عام 356 م إلى Biziers وإذ رفض إدانة القديس أثناسيوس طُرد من الغرب. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). كتب القديس هيلاري "الكتاب الأول لقسطنطيوس" طلب فيه العمل على إعادة السلام للكنيسة، عازلًا نفسه عن الأساقفة الأريوسيين الغربيين الثلاثة: يورساكيوس Ursacius وفالنس Valens وساتورنينوس Saturninus. فأرسل الإمبراطور إلى يوليانوس، الذي سمي فيما بعد الجاحد، الذي كان في ذلك الوقت حاكم بلاد الغال، يأمره بنفي هيلاري في الحال إلى فريجية Phrygia. ذهب القديس هيلاري إلى المنفى حوالي منتصف عام 356 م سعيدًا كما لو كان ذاهبًا إلى رحلة ترفيهية، متحملًا الصعاب والمخاطر والأعداء، إذ كان مثبتًا أفكاره في اللَّه فقط. بقي في منفاه نحو ثلاث سنوات قضاها في كتابة بعض الأعمال، أهمها كان كتابه "عن الثالوث القدوس On the Trinity"، غالبًا ما كتب الفصول الثلاثة الأولى قبل عام 356 م. أثناء نفيه في الشرق تعلم هيلاري اليونانية ودرس كتابات الآباء الشرقيين، فصارت له معرفة كاملة بمجمع نيقية عام 325 م وأدرك معنى تعبير hemoousion. لم يذكر هذا التعبير في كتبه الثلاثة الأولى من عمله "عن الثالوث"، إنما وجد في التسع كتب الأخيرة، كُتب بين 356 و 360 م. ويرتبط اسم هيلاري بأول ترانيم كُتِبت باللاتينية. مجمع الأريوسيين في سِليوكية: حضر هيلاري مجمع سيلوكية حيث دافع عن التعليم الأرثوذكسي بخصوص الثالوث، ومجمع Rimini. مرة أخرى في عام 359 م يتدخل الإمبراطور في شئون الكنيسة، فيعقد مجمعًا من الأريوسيين في سيلوكية Seleucia in Isauria ليعادي قرارات مجمع نيقية. كان القديس هيلاري قد قضى في ذلك الوقت ثلاث سنوات في المنفى، فدعاه شبه الأريوسيين semi-Arians إلى المجمع، آملين بذلك أن يكون مفيدًا ومؤيدًا لجماعتهم. إلا أنه لم يكن ممكنًا لأية اعتبارات بشرية أن تثني القديس عن شجاعته. فدافع بمنتهى القوة والشدة عن قرارات مجمع نيقية، حتى أنه في النهاية إذ تعب من كثرة الجدل والاختلاف انسحب إلى القسطنطينية وقدم للإمبراطور طلبًا وهو المسمى "الكتاب الثاني لقنسطنس Second Book to Constantius "، طالبًا منه في بدايته أن يسمح بعقد مناقشة عامة مع ساتورنينوس الذي أصدر أمر نفيه. إذ خاف الأريوسيون من تلك المواجهة أقنعوا الإمبراطور بتطهير الشرق من رجلٍ لا يكل عن أن يحرمهم من السلام، فأعاده قسطنطيوس إلى بلاد الغال سنة 360 م. مجمع في بلاد الغال: عاد هيلاري عن طريق الليريكوم Illyricum وإيطاليا حتى يثبت الضعفاء، واستقبله شعب بواتييه بمظاهرات الفرح العظيم. وهناك انضم إليه بعد زمان تلميذه القديم القديس مارتان St. Martin. انعقد مجمع في بلاد الغال بدعوة من هيلاري، وقرر رفض قرارات مجمع ريميني Rimini الذي عقد سنة 359 م، حيث ألزم قنسطستوس الأساقفة الأرثوذكس أن يرفضوا قانون الإيمان النيقوي بإعلانهم أن الكلمة كان شبه الآب في كل شيء "مما يحمل جحد كمال لاهوت السيد المسيح. كما قرر المجمع في بلاد الغال حرم ساتورنينوس وقطعه من شركة الكنيسة. ثم عمل القديس على إعادة النظام والانضباط والسلام ونقاوة الإيمان، وبموت الإمبراطور قسطنطيوس سنة 361 م انتهى عصر الاضطهاد الأريوسي. سفره إلى ميلان: وفي سنة 364 م سافر هيلاري إلى ميلان لمناقشة أوكسنتيوس Auxentius أسقف المدينة الأريوسي لكي يردّه إلى الإيمان، وفي مناقشة علنية أجبره على الاعتراف بالمسيح أنه الإله الحقيقي من نفس طبيعة ولاهوت الآب أخيرًا تنيّح القديس هيلاري في الغالب سنة 368 م. كتاباته: بعد سيامته مباشرة، وقبل نفيه، قام بكتابة شرح لإنجيل القديس متى Tractutis super Matthaeum وهو مازال موجودًا للآن. بعد نفيه كتب "عظات عن المزامير" استوحاها عن العلامة أوريجينوس. اهتم بكتابة الكثير من الردود حول البدعة الأريوسية. ويُدعى القديس هيلاري "أثناسيوس الغرب"، فقد كرز وكتب واحتمل النفي دفاعًا عن لاهوت السيد المسيح. دفعته غيرته على تثقيف شعب إلى كتابة "عن الثالوث". اهتم عمله "عن الثالوث" بصفة خاصة بالتعليم اللاهوتي عن الثالوث القدوس في العبارات الواردة بالكتاب المقدس التي تعلن مساواة الابن للآب في ذات الجوهر. عوض تحليل الرأي الأريوسي الخاص "بعدم الولادة" كأمر جوهري يخص اللاهوت ركز هيلاري على الطبيعة الإلهية للابن المولود. كتب "عن المجامع" في النفي حيث فيه أوضح شروحات قوانين الإيمان وعدم ارتياح الشرق لتعبير homoousios (جوهر واحد). شرح أيضًا العوامل التاريخية للأريوسية في Fragnenta ex apere historica. وجه عمله ضد قنسطنطيوس الثاني Constantium Contra الذي سبب انقسامًا في الكنيسة بتدخله في الشئون الدينية. اضطر الإمبراطور أن يلغي قرار نفيه بعد أن وجد أن وجود هيلاري في الشرق يسبب له متاعب بتمسكه بأرثوذكسيته. أُرسل إلى بلاد الغال حيث عمل بكل غيرة بالتعليم عن وحدة الثالوث القدوس؛ ذهب إلى إيطاليا وعاد إلى الغال. أكد هيلاري الحاجة إلى الإيمان بالثالوث القدوس كما علّمه السيد المسيح فاعتبر من أهم أعماله كتاب De fide "عن الإيمان". لقد أوضح أن وجود اللَّه يمكن التعرف عليه بالعقل وأما طبيعة اللَّه فلا يمكن إدراكها. معرفة الثالوث تتحقق بواسطة إعلان الابن يقول الابن: "أنا فيك وأنت فيّ" (يو4:14). ينسب هيلاري للروح القدس ذات سمات الآب والابن. في الواقع قدم هيلاري للغرب الغنى اللاهوتي الذي للشرق في عام 1851 م. أعلن بيوس التاسع Pius عنه كمعلم doctor للكنيسة الجامعة. تعتبره الكنيسة الغربية واضع ألحان إذ وضع ثلاثة ألحان لم تكمل. يعيّد له الغرب في 14 يناير. رؤية الله: "هو يكشف العمائق والأسرار. يعلم ما هو في الظلمة، وعنده يسكن النور" (دا 22:2). * لا نستطيع بقدرتنا الطبيعية أن نتأمل السماويات. علينا أن نتعلم عن اللَّه من اللَّه، فليس لنا مصدر للمعرفة سوى شخص اللَّه. ربما تكون مدربًا حسنًا في الفلسفة الزمنية، ليكن! ربما تعيش الحياة الصالحة، هذا كله قد يُضيف إليك شبعًا عقليًا، لكن لن يقدم لك معرفة اللَّه. لقد تبنّت الملكة "ابنة فرعون" موسى واتخذته لها ابنًا، وتهذّب موسى بكل حكمة المصريين. وبسبب ولائه لشعبه انتقم موسى لليهودي بقتل المصري الذي أساء إليه. لكنه بالرغم من أنه لم يعرف اللَّه الذي بارك آبائه، لأنه عندما ترك مصر خوفًا من عمله الذي أُكتشف عاش كراعٍ في أرض مديان. هناك رأى نارًا في عُليقة والعليقة لم تحترق. ثم سمع صوت اللَّه وسأله عن اسمه وتعلم ما هي طبيعة اللَّه. ورغم كل ذلك لم يستطع أن يعرف شيئًا إلا خلال اللَّه نفسه. يجب علينا نحن أيضًا بالمثل أن تكون حدود كلماتنا عن اللَّه في نطاق الكلمات التي تكلم بها اللَّه معنا عن نفسه. السيرة من مصدر اخر نشأته: ولد هذا القديس في بواتييه عاصمة مقاطعة أكريتين ببلاد الغال (فرنسا)، من أبوين وثنيين. درس الآداب اللاتينية، وتزوج وأنجب ابنة تدعى أبرا Abra. خلال دراسته للكتاب جذبه الروح القدس للإيمان المسيحي حوالي عام 350. أسقفيته: لما خلى الكرسي ببواتييه اختاروه أسقفًا لها حوالي عام 353 م، وبقيت ابنتهما مع أمها في مسكن خاص. فعاش هو وزوجته كأخ مع أخته. بسرعة اشتهر ككارز في بلاد الغال، وقد قاد الدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية ضد الأريوسية هناك، فتعرض لمتاعب كثيرة حتى دُعي بأثناسيوس الغرب. إذ انعقد المجمع الأريوسي في ميلان عام 355 م حيث أدان البابا أثناسيوس الرسولي، وطلب من الأمبراطور قسطنطينوس أن ينفى كل الأساقفة الملاصقين له، كتب القديس هيلاري إلى الإمبراطور يطلب منه أن يوقف الاضطهاد وأن يستدعي الأساقفة الأرثوذكس، ويمنع القضاة العلمانيين من التدخل في شون الكنيسة، وإن كان عمله هذا لم يأت بثمر، بل فيما بعد دين ونفى إلى فريجيا بأسيا الصغرى عام 356 م، وتعرض رجال الكهنوت في بلاد الغال لمضايقات كثيرة. في عام 357 بعث إليه الأساقفة رسالة يؤكدون فيها ولاءهم له وثباتهم على الإيمان المستقيم. وفي نفس العام كتبت إليه ابنته الوحيدة ابرا تخبره أن شابًا (ابن حاكم المدينة) تقدم إليها للزواج، وكان عمرها ما بين الثالثة عشرة عامًا والرابعة عشر، فأرسل إليها في الحال يسألها أن تركز أفكارها على المكافآت التي وعد بها ربنا يسوع العذارى اللواتي يكرسن حياتهن بالكامل لعريسهن السماوي، ولا يرتبكن بشباك الحب الزمني، فقبلت نصيحته التقوية، وعند عودته من النفي أخذ الله نفسها دون أن تشعر هي بمرض أو ألم. بناء على رسالة الأساقفة الذين من بلاد الغال، إذ سألوه أن يخبرهم عن إيمان الكنائس الشرقية، كتب "تاريخ المجامع" حوالي عام 358 م، كما كتب أيضًا في منفاه كتابه "عن الثالوث القدوس"، ومقال "ضد الأريوسية"، كما وضع بعض التسابيح، وقد نسبت له أيضًا تسابيح ليست من وضعه. في هذه الفترة أيضًا عمل على تقريب وجهات النظر بين أساقفة آسيا الصغرى والغال. بعد أربع سنوات من النفي ذهب إلى القسطنطينية، وسأل الإمبراطور أن يصدر أمرًا بالعفو لكن الأريوسيين وقد أرادوا الخلاص منه من منطقة آسيا الصغرى طلبوا من الإمبراطور أن يعود إلى الغال دون صدور أمر بالعفو عنه، فعاد إلى كرسيه. في عام 362 أو 363 قام بزيارة إيطاليا بصحبة القديس أوسابيوس فرشيللي. وفي خريف السنة التالية كان الاثنان في ميلان، حيث كان قد وصل الإمبراطور فالنتنيان هناك، وقد امتنع المؤمنون عن دخول الكنيسة حتى لا يشتركوا مع الأسقف الأريوسي أو كسنتيوس. وإذ دخل القديس إيلاري مع أوكسنتيوس في حوار حول العقيدة شعر الأخير بالهزيمة فطلب الإمبراطور أن يأمر القديس هيلاري بترك ميلان. وبالفعل تركها وقد سجل قبيل سفره رسالة للأساقفة والشعب المجاورين يحثهم على الثبات على الإيمان النيقوي. عاد إلى بواتيية بلده وتنيح عام 368 تاركًا لنا تراثًا ضخمًا وعميقًا في اللاهوتيات والتفاسير.