رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحلم المنسي: هذه الأحلام وأمثالها هي أمثلة لعمل الله القدير في الخفاء لصالح مؤمنيه. يميِّز العلامة ترتليانفي مقاله "عن النفس"، بين الأحلام بناءً على مصادرها الثلاثة: أ. أحلام من الشيطان، تبدو أحيانًا صادقة ونافعة، لكنها مخادعة. ب. أحلام من الله، كما حدث مع نبوخذنصَّر الوثني، وذلك من قبل رحمته بكل البشريَّة. ج. أحلام تتم كعمل طبيعي في حياة الإنسان اليومية، غالبًا ما تكون كرد فعلٍ لسلوكه، ففي المساء حيث يكون الرقيب الداخلي للنفس خاملًا تتراءى أحداث اليوم بما تحمله من اشتياقات ومخاوف ومن أفراح وأحزان في شكل أحلام. لذا يُقال الجائع غالبًا ما يحلم بالخبز، والعطشان بينابيع مياه. "فأمر الملك بأن يُستدعى المجوس والسحرةُ والعرَّافون والكلدانيُّون لُيخبروا الملك بأحلامهِ، فأتوا ووقفوا أمام الملك" [2]. يُستخدم تعبير "الكلدانيِّين" ليعني البابليِّين بصفة عامة، لكنه فيما بعد اُستخدم في معنى ضيِّق ليعني طبقة الحكماء وحدهم. يظن بعض النُقاد المتحررين أن كلمة "كلدانيِّين" في عصر دانيال كانت تعني شعب كلديا Chaldea وليس فئة معينة منهم. لكن يقول A.W. Criswell أن الاكتشافات الأثريَّة دلت على صحة ما سجله دانيال النبي، فأنها كانت في عصره تعني فئة كهنوتية تخدم الإله بل Bel أو بعل وكانوا يشكلون صفوة المجتمع. واضح من هذه العبارة أن الملك شعر بأن الحلم يحمل رسالةإلهية سماوية، فقد سبق وحلم كثيرًا ولم يهتم، لكنه في هذه المرة استدعى كل المجوس والسحرة والعرَّافين والكلدانيِّين فقد حلَّ الرعب به، وافقده قدرته على النوم، فشعر بأن السماء تعلن له سرًّا خطيرًا. في البداية، فرح السحرة والعرَّافون بدعوة الملك، إذ ظنُّوا أنه يطلب مشورتهم في أمرٍ ما، أو يروي لهم حلمًا فيفسرونه له، وبهذا ينالون هدايا وهبات من عنده. لم يخبروا دانيال وأصدقاءه بدعوة الملك لهم وذلك بدافع الطمع والحسد. أثار اليهود التساؤل: لماذا لم يدخل دانيال وأصدقاؤه إلى الملك؟ يقدم القديس جيروم إجابة اليهود على التساؤل: [عندما وعد الملك بهباتٍ وعطايا وكرامة عظيمة لم يهتموا أن يقفوا أمامه لكي يظهروا بلا عيب، فلا يطلبون غنى الكلدانيِّين وكرامتهم. أو كان الكلدانيُّون أنفسهم دون شك يحسدون اليهود على سمعتهم وعلمهم فدخلوا وحدهم أمام الملك لكي ينالوا المكافآت لأنفسهم. بعد ذلك طلبوا بجدية أن يكون معهم هؤلاء الذين جحدوا أي رجاء في المجد ليساهموا في حلَّ كارثة عامة]. ولعل عدم استدعاء دانيال ورفقائه مع المجوس كان بناء على طلب الملك الذي وإن كان قد اختبر حكمتهم فوجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في مملكته (دا 1: 20)؛ لكنه لم يكن بعد قد وثق في أمانتهم وإخلاصهم له ولمملكته، فلم يرد أن يسألهم في أمر يشعر أنه يمس كيان المملكة. سواء كان المجوس هم السبب أو الملك فإن الله سمح بذلك لكي لا يدخلوا مع جملة السحرة والعرَّافين... كان يجب تمييزهم عنهم لأنهم يعملون بروح الرب لا بالسحر والعرافة. على أي الأحوال، قدم عزلهم عنهم الفرصة ليتمجد الله فيهم وبهم. "فقال لهم الملك قد حلمت حلمًا، وانزعجت روحي لمعرفة الحلم. فكلَّم الكلدانيُّون الملك بالآراميَّة: عش أيها الملك إلى الأبد. أخبر عبيدك بالحلم فنبَيِّن تعبيرهُ." [3-4]. اعترف الملك بجهله لمعرفة تفسير الحلم، وضعفه أمام رسالة هذا الحلم. إذ قالوا له: "عش أيها الملك إلى الأبد"، لم يكن ذلك مجرَّد تحية بسيطة، لكنهم رأوا علامات القلق تملأ وجهه، فسألوه أن يكون متهللًا بروح طيبة وأن ينزع كل قلقٍ من روحه، فأنهم قادرون على تفسير الحلم في يقينٍ شديدٍ. "فأجاب الملك وقال للكلدانيِّين: قد خرج منيّ القول إن لم تنبئُوني بالحلم وبتعبيره تصيرون إربًا إربًا وتُجعل بيوتكم مزبلة" [5]. مع أنهم تحدثوا معه في اعتزاز كمن كانوا واثقين أنهم يستجيبون لطلبته، فوجئوا أنه يطلب منهم ما ليس في استطاعتهم، وفوق حدود فنونهم وعلمهم، إن كان بالحقيقة لهم معرفة أو علم. لقد كان هؤلاء الحكماء والسحرة أنصاف آلهة في أعين رجال الدولة والشعب. الآن صاروا في موقفٍ مهين للغاية، كثمرة طبيعية للتشامخ والعجرفة، حيث نسبوا لأنفسهم ما ليس لهم. هذا التهديد الخطير كشف عن عنف الملك ووحشيته، كما أعطى الفرصة لانتشار الخبر على مستوى واسع، فتمجد الله بالأكثر خلال عمله بواسطة دانيال النبي. "وإن بيَّنتُم الحلم وتعبيره تنالون من قبلي هدايا وحلاوين وإكرامًا عظيمًا، فبيِّنوا ليّ الحلم وتعبيره" [6]. إذ كان الملك يعرف أنهم طمَّاعون ومحبون للمجد الباطل وعدهم بهدايا جزيلة ومكافآت مع كرامة. "فأجابوا ثانية وقالوا: ليُخبر الملك عبيده بالحلم فنُبيِّن تعبيره. أجاب الملك وقال: إنِّي أعلم يقينًا أنكم تكتسبون وقتًا إذ رأيتم أن القول قد خرج منيِّ. بأنه إن لم تُنبئوني بالحلم فقضاؤكم واحد. لأنَّكم قد اِتَّفقتم على كلام كذبٍ وفاسدٍ لتتكلموا به قُدَّامي إلى أن يتحول الوقت. فأخبروني بالحلم فأعلم أنكم تُبيِّنُون ليّ تعبيره." [7-9]. أصرّ المجوس على إخبارهم بالحلم، وفي عجرفة أكدوا إمكانيتهم في تفسيره. أضاف الملك إلى المجوس جريمة جديدة وهي جريمة الخداع أو الاتفاق على كلام كذبٍ وفاسد. فأنهم إذ عرفوا أنه نسي الحلم وتأكدوا من ذلك طلبوا منه أن يقصه لهم. لقد تأكد أنهم يكسبون الوقت لعلَّه يهدأ من ثورته ويعفو عنهم. خلال الحوار بين الملك والكلدانيِّين يظهر أنه كان يشك في أمرهم، أنهم يقدمون كلمات معسولة لكنهم غير صادقين في المعرفة. لقد حاولوا كسب الوقت حتى يهدأ من موجة غضبه فيغيِّر رأيه في أمر قتلهم. وقد جاءت كلمة "تكتسبون" بمعنى "تشترون"، أي يشترون الوقت الذي فيه ثورة وغضب حتى يعبر وينتهي. أدرك الكلدانيُّون أن أمور المستقبل لا يعلنها إلاَّ الله. نشكر الله على محبته إذ جاءنا كلمة الله يخبرنا بكل شيء، وكما قالت المرأة السامرية: "أنا أعلم أن مسيَّا الذي يُقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء" (يو 4: 25). "أجاب الكلدانيُّون قُدام الملك وقالوا: ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يُبيِّن أمر الملك. لذلك ليس ملكُ عظيم ذو سُلطان سأل أمرًا مثل هذا من مجوسي أو ساحر أو كلداني" [10]. قدموا عذرًا عادلًا للملك، وهو أن ما يطلبه ليس في استطاعة إنسان على الأرض، ولم يذكر التاريخ مثلًا واحدًا لصاحب سلطان أن سأل أمرًا كهذا أن يخبره أحد بما رآه في حلمه. هكذا قدم الكل شهادة جماعية أنه إن أخبره أحد بالحلم، هذا لن يكون بعملٍ بشري، إنما هو عطية إلهية من السماء، لأن الله وحده يعرف أحلام الناس وأفكارهم الخفية. قدموا هذا شهادة لإله دانيال قبل أن ينطق دانيال بكلمة. "والأمر الذي يطلبه الملك عَسر وليس آخر يُبيِّنه قُدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكُناهم مع البشر" [11]. يظن البعض أنهم يقصدون هنا الملائكة بكونهم وحدهم قادرين على تقديم هذا الحلم الغريب الذي جاء كإعلانٍ إلهيٍّ ومُحيّ من ذهن الملك لغرض إلهي، دون أن يزول الاضطراب من روحه. ويرى بعض الدارسين أنه يقصد الآلهة، إذ كان الكلدانيُّون يتعبدون لجمهور من الآلهة مع وجود إله أسمى وهو الحاكم وحده. "لأجل هذا غضب الملك واغتاظ جدًا وأمر بإبادة كل حكماء بابل" [12]. لم يسترح الملك لإجابة المجوس بل اشتعل بالأكثر غضبه وتحول تهديده إلى أمر ملكي صدر بقتل كل حكماء بابل. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
دانيال النبي | هذا الحلم رأيته أنا نبوخذنصَّر الملك |
دانيال النبي | دانيال يفسر الحلم |
النبي دانيال | الله الذي قدم للملك الحلم |
النبي دانيال | تفسير الحلم |
النبي دانيال | تاريخ الحلم |