|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الطهارة والتشبه بالسيد المسيح "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم، أن تمتنعوا عن الزنا... لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة، إذًا من يرذل لا يرذل إنسانًا بل الله الذي أعطانا روحه القدوس" 1 تس 3:4،7،8. يُعَّرف قاموس اكسفورد الطهارة بكونها "حالة نقاوة بلا شر ولا خطية، وعدم امتزاج بمادة أخرى..." ويقدم لنا القديس بولس في (1 تس 3:4،8) عبارتين، تساعداننا على تقديم تعريف للطهارة. العبارة الأولى: "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم، أن تمتنعوا عن الزنا"، والثانية: "إذًا من يرذل لا يرذل إنسانًا بل الله الذي أعطانا روحه القدوس". ربما يسأل البعض: + لماذا إرادة الله هي قداستنا؟ + لماذا عندما نرذل الطهارة نُحسب كمن يرذل الله نفسه وليس إنسانًا؟ + لماذا ينشغل الله بطهارتنا؟ + لماذا لا يتركنا الله بحريتنا؟ ماذا ينتفع بسلوكنا في حياة قدسية؟ لكى نفهم سرّ اهتمام الله بطهارة أولاده نقدم مثالًا بسيطًا. عندما يُولد طفل، قد يعلق الطبيب قائلًا بأنه يشبه والدته. وإذ يسمع الأب ذلك يجتاح في نفسه شعور بالغيرة، إذ يود أن يحمل الطفل شبهه هو. هكذا خلال الحب الوالدي كل من الأب والأم يشتهيان أن يكون الطفل على شبههما. هذه المشاعر في الواقع هي ظل لحب الله الأبوي. رغبة الوالدين في رؤية ابنهما صورة لهما ليس فقط في الشكل وإنما في مفاهيمهما وسلوكهما ينبع عن ارتباطهما القوى به، أو قل هو ثمرة الحب الطاهر المشترك، دون حرمان الابن من حرية إرادته. لأن الحب يجعل إرادة الابن على شبه إرادة أبيه. هكذا بالحب تصير إرادة الإنسان متفقة مع إرادة الله أبيه. لهذا يليق بأبناء الله أن يصيروا مرآة لصورته، لا أن يصيروا أناسًا نبلاء ذا أخلاق عالية، بل يصيروا هيكل الله يسكنه الروح القدوس. منذ سقوط أدم، فسدت صورة الله في الإنسان، فجاء آدم الثاني، ربنا يسوع المسيح مخلصنا ليصلح الصورة الفاسدة، ويخلق الإنسان الجديد الداخلى، فيمارس بنوته لله أبينا السماوي، حاملًا شبه المسيح مخلصه. جاءت رسالة القديس بولس إلى أهل أفسس تؤكد هذه "الطبيعة الجديدة" التي قُدمت لنا كأبناء لله، خلالها صرنا هيكل الله، يسكن الروح القدس في قلوبنا. "لأننا عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" 10:2. "فلستم إذًا بعد غرباء ونزلاء، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله. مبنيين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية... الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معًا مسكنًا لله في الروح" 19:2-22. "إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة المسيح" 13:4. تمثل هذه المفاهيم عصب اللاهوت عند القديس بولس،فلو أننا سألناه قبل إيمانه بالسيد المسيح عن حاله الدينى عندما كان يضطهد كنيسة المسيح، لأجاب: "إني إنسان بار حسب الناموس، أعرف الشريعة وأفهمها، أحفظ نبوات العهد القديم عن ظهر قلب، أصوم مرتين كل أسبوع، وأقدم العشور، إنسان غيور على ديانتي وتقليدات آبائي، دارس ناجح وقائد لامع." أما وقد التقى بالسيد المسيح القائم من الأموات وهو في طريقه إلى دمشق اكتشف انه كان يسلك الطريق المضاد، وشعر بحاجته للإتحاد مع الله، والتمتع بالبنوة له، لكي يحمل مثال المسيح وصورته! متى شعر مؤمن بضعفه وهزيمته في معركته ضد الشهوات احتاج أن يكتشف بنوته لله. فإن وقف في معركة الطهارة بمفرده تصيبه الهزيمة، أما إن اتكأ على روح الله فينال الغلبة. إذ يكتشف الإنسان بنوته لله يتوب، ويغّير طريقه بعمل نعمة الله فيه. عندئذ يدرك أن الطهارة هي ناموس حياته الطبيعي. أما إذا تجاهل بنوته لله وعضويته في جسد ربنا يسوع المسيح تصير الشهوات الجسدية هي ناموسه الطبيعي. بمعنى آخر، النقاوة أو الطهارة بالنسبة للمؤمن ليست من عندياته، إنما تخص ذاك الذي مات على الصليب، وأرسل روحه القدوس لتقديس كنيسته وكل عضو فيها، يهبها له وينسبها إليه، فيحسب المؤمن بارًا وطاهرًا! ذكر القديس أغسطينوس في كتابه "الاعتراف" أن أباه كان يحثه على ممارسة أعمال غير لائقة مثل الارتباط بفتيات، وانه في صباه كان قائدًا لجماعة من الفتيان يقوم معهم بحملات سطو على حدائق جيرانه، فيسرق الكمثرى. لم يكن محتاجًا إليها إنما كان يقدمها للخنازير. كان هدفه في هذا كله أن يكون قائدًا، ولو في حملات سرقة! قيل عنه إنه عاش في علاقة غير شرعية مع سيدة أنجب منها طفلًا، وبقى معها في هذه العلاقة يطلب حياة الطهارة، لكنه يشعر بالعجز عن تحقيقها. كان في صلاته يطلب تأجيل التوبة يومًا فيومًا، إذ كان يشعر بلذة الشهوات وعجزه عن الاستغناء عنها. سمع يومًا عن القديس أنبا أنطونيوس من خلال كتاب القديس أثناسيوس الرسولي عنه. دُهش كيف أمكن لرجل قبطي بسيط أمي أن يصير قائدًا روحيًا عظيمًا يجتذب النفوس إلى ملكوت الله، بينما هو فيلسوف متعلم لا يقدر أن يحيا في الطهارة. عندئذ انطلق إلى الحديقة، وارتمى على جذع شجرة تين وصار يصلى باكيًا طالبًا الطهارة والعفة. رآه صديقه اليبّوس يبكى بحرارة فتاب معه. وإذ جاءت المرأة تقرع بابه، سألها القديس أغسطينوس: "من تطلبين؟" أجابت بدهشة: "أغسطينوس!" قال لها: "أغسطينوس مات! أما الذي يحدثك فهو يسوع المسيح الذي في قلب أغسطينوس!" تابت السيدة وصارت أمًا لديرٍ، بينما صار أغسطينوس أسقفًا، وجذب كثيرين إلى حياة الطهارة، مقدمًا لهم راحة داخلية في الرب. لقد صار ناموس أغسطينوس ومن تابوا معه هو بر المسيح ونقاوته! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
(1 تس 4: 8) إذا من يرذل لا يرذل إنسانا |
(مز 102: 17) ولم يرذل دعاءهم |
هوذا الله عزيز ولكنه لا يرذل أحدا ( أيوب 36-5 ) |
ولم يرذل مسكنة المسكين |
بمقدار ما يرذل الإنسان ذاته هكذا من الله يتمجد |