رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث مقدمة الكتاب من الحروب الروحية الأساسية: الذات. بل لعلها تكون أهم ما يعوق الحياة الروحية ويسقطها. كانت الذات هي سبب إسقاط ملاك عظيم من رتبة الكاروبيم، فصار شيطانًا ورئيسًا للشياطين، حينما قال في قلبه: أصعد إلي السموات، أرفع كرسيّ فوق كواكب الله.. أصير مثل العليّ (أش14: 13، 14). ومحبة الذات هي من الخطايا الأمهات، تلد العديد من الخطايا. فمنها تتولد الكبرياء، وأيضًا الغيرة والحسد، وكثير من الصراعات بين الناس، حتى بين الأشقاء. والمحب لذاته يقع في خطية الأنانية، وتفضيل نفسه علي الكل، كما أنه باستمرار يحب الأخذ وليس العطاء، ويحب مديح الناس، بل يسعي إليه. والأنا قد تؤدي أيضًا إلي الافتخار والتعالي. وربما الوقوع في كثير من الشهوات، سببه الرغبة في في إشباع الذات، ولكن بطريقة خاطئة. هذا الكتاب الذي بين يديك يحدثك عن كل هذا.. وعن خطايا أخري عديدة تسببها الأنا. كما يحدثك عن أسباب الشعور بالذات. وعن أسلوب الله أحيانا في معالجة أبنائه من الذات، أو في وقايتهم منها.. وفي الكتاب أيضا باب عن (كيف تتخلص من الأنا؟). وذلك بوضع وسائل روحية لذلك، وتدرايب يخرج بها الإنسان الروحي إلي إنكار الذات، وإلي إدانة الذات أحيانًا، وإلي عبارة "لا أنا، بل...). وما أجمل قول السيد المسيح له المجد "من يحب نفسه يهلكها" (يو12: 25). |
30 - 12 - 2013, 04:44 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
الأنا هي أول خطية عرفها العالم وقع فيها الشيطان، قبل الإنسان. الشيطان "الكاروب المظلل" "الملآن حكمة والكامل الجمال" (حز28: 14،12). الذي سقط حينما قال في قلبه "أصعد إلي السموات، أرفع كرسي فوق كواكب الله. أصعد فوق مرتفعات السماء. أصير مثل العلي" (أش14: 13، 14). ومحبة الذات هذه أهبطته إلي أعماق الجحيم. فانحدرت بدلًا من أن ترتفع! وكما سقط الشيطان عن طريق الذات، هكذا سقط الإنسان. حينما خلقه الله، كان يعرف أن ذاته مستمدة من الله. فالله هو الذي أوجدها، وهو الذي منحها كل العطايا والمواهب. وهي لا تستطيع أن تحيا بدونه. وعن طريق الله وحده، كان يأخد كل ما يلزمه من المعرفة. ثم سقط الإنسان حينما بعدت ذاته عن الله!! فتأخد النصيحة من مصدر غير الله. بل تخضع لإغراء الحية التي "تنفتح أعينكما، وتصيران مثل الله عارفين الخير والشر" (تك3: 5). وهكذا بعدت الذات عن الله: بالمعصية من جهة، وباشتهائها أن تكون مثل الله. بنفس أسلوب الشيطان الذي قال "أصير مثل العليّ.."!! أصعب مايقع فيه الإنسان أن يحب ذاته محبة خاطئة. فيريد أن يكبر في عيني نفسه أو يصير بارًا في عيني نفسه! لا يوجد إنسان يكره نفسه. حتى أن الله حينما أمر بمحبة القريب، قال "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39). والمحبة الحقيقية للنفس هي أن تلصقها بالله. كما قال المرنم "أما أنا فخير لي الإلتصاق بالرب.." (مز73: 28).. وفي محبتها لله تحب القريب أيضًا. وتصل هذه المحبة إلي حد بذل النفس لأجل الله، ولأجل القريب أيضًا. أما المحبة الخاطئة فهي لون من الأنانية، فيها تقود (الأنا) Ego إلي الأنانية Egoism. فيتمركز الإنسان حول ذاته، وكل ما يتعلق بها: كرامته، ومركزه، وماله، وتفوقه علي الآخرين، بل وسيطرته عليهم. تريد ذاته أن ترتفع، ولو علي جماجم غيره. يريد أن يستريح ولو علي تعب الآخرين. يبني ذاته ولو علي ضياع غيره!! محبة الذات هي التي يريد فيها الإنسان أن يأخذ ولا يعطي. وإن أعطي، فلكي يأخذ.. يأخذ مديحًا وكرامة، أو يأخذ عوضًا يشتهيه.. هي حالة إنسان مشغول دائمًا بذاته، يعطيها ما يشبعها نفسيًا وماديًا. وهو يفضلها باستمرار علي الكل. ولا مانع لديه من أن يصطدم بكل ما يراه منافسًا لهذه الذات أو معترضًا لطريقها. وقع كثيرون في محبة الذات وإشباعها. فضيعتهم أو كادت تضيعهم.. مثال ذلك سليمان الذي استجاب لشهوات الذات... نعم، سليمان الحكيم، الذي كان أحكم أهل الأرض في زمانه: انشغل بذاته وملذاته. فقال "عظمت عملي. بنيت لنفسي بيوتًا. غرست لنفسي كرومًا. عملت لنفسي جنات وفراديس.. عملت لنفسي برك مياه لتسقي بها الغروس المنبتة الشجر.. جمعت لنفسي مغنين ومغنيات، وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات. فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم.. ومهما اشتهته عيناي، لم أمسكه عنهما" (جا2: 4-10). فماذا كانت النتيجة؟ شهوات هذه الذات، كادت تضيع سليمان. وهكذا كانت النتيجة، هي قول الكتاب عنه "وكان في زمان شيخوخة سليمان، أن نساؤه أملن قلبه وراء آلهة أخري. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتورث آلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عيني الرب.." (1مل11: 4-6) (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). واستحق أن يعاقبه الرب (1مل11: 9-11). ومثل سليمان الذي شغلته ذاته، كان أيضًا يونان. أرسله الرب للمناداة علي نينوى. فخاف أن تسمع التهديد من فمه فتتوب، وحينئذ تسقط كلمة يونان، حينما يرجع الرب عن حمو غضبه علي نينوي! وهكذا حفاظًا علي كرامته وهيبة كلمته، هرب أولًا من الله راكبًا سفينة إلي ترشيش. ولما أعاده الله بمعجزة ونادي علي نينوى فتابت ورحمها الله، اغتاظ يونان وقال "موتي خير من حياتي" (يون3: 9، 10) وهكذا في محبته لذاته ولكرامة كلمته، فضل أن تهلك 120 ألف نسمة عن أن تسقط كلمته!! مغتاظًا من مراحم الله الذي رجع عن حمو غضبه وقبل توبة نينوي (يون4: 9، 10). ومن أمثلة الأنا التي أهلكت البعض، شهوة آخاب الملك لامتلاك كرم نابوت اليزرعيلي (1مل21). لم يكفه كل ما كان يملكه كملك، إنما اشتهي كرم نابوت. وساعدته زوجته الملكة ايزابل علي تحقيق شهوة الذات. فدبرت شهود زور ليشهدوا علي نابوت اليزرعيلي بأنه قد جدف علي الله وعلي الملك. وانتهي الأمر بأن رجموه فمات. وحقق آخاب شهوة ذاته، وامتلك كرم نابوت... فهل حقًا أرضي آخاب ذاته بما فعله وبما امتلك؟! كلا، بل وصلت إليه عقوبة الله علي فم إيليا النبي قائلًا له "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت، تلحس الكلاب دمك أيضًا" (1مل21: 19). حرب الأنا ينبغي أن نعالج نتائجها منذ الطفولة. حينما يقول الطفل (أنا). ويود أن يملك كل شيء يمكن أن تمتد إليه يده. ويغار من أخيه أو أخته، ويود أن يخطف منهما ما يعطي لهما. بل أيضًا يغار من كل كلمة مديح توجه إليهما، ومن كل حب يناله أحد منهما، ظانًا أن المديح والحب كليهما من حقه وحده... لذلك ينبغي أن ندرب الطفل من بداية سنه علي الحب وعلي العطاء، ونعطيه ما يعطيه للغير، ونشجعه علي العطاء... نفس تلاميذ المسيح ورسله القديسين حاربتهم (الأنا). حينما كانوا يتساءلون فيما بينهم من هو الأول فيهم. فوبخهم الرب قائلًا: لا يكن فيكم هذا الفكر. إن رؤساء الأمم يسودونهم ويتسلطون عليهم.. أما أنتم: فمن أراد فيكم أن يكون سيدًا، فليكن عبدًا. ومن أراد أن يكون أولًا، فليكن آخر الكل.. عجيب أن أعظم من ولدته النساء، أعني يوحنا المعمدان (مت11) كان أكثر إنسان تخلص من الذات في علاقته مع المسيح. فلما تقدم إليه الرب للعماد قال له "أنا المحتاج أن أعتمد منك" (مت3). ولما رأي الجموع يتبعون السيد، قال "ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقص.. من له العروس، فهو العريس. أما صديق العريس، فيري من بعيد ويفرح.. الذي من فوق، هو فوق الجميع" (يو3). حقًا، إن إنكار الذات هو أكبر علاج للأنا. إن ذاتك هي التي تحاربك، أكثر مما يحاربك الشيطان. بل إن الشيطان حينما يحاربك، يحاربك أولًا بهذه الذات. وأنت إن انتصرت علي ذاتك، سوف تنتصر بلا شك علي باقي الخطايا. لأنك أكبر عدو لنفسك. لا يستطيع أحد من البشر أن يعثرك، إذ كنت منتصرًا علي ذاتك داخل نفسك. وكما قال القديس يوحنا ذهبي الفم "لا يستطيع أحد أن يضر إنسانًا، ما لم يضر هذا الإنسان نفسه. حاول إذن أن تكسب القوة الإلهية بعدم اعتمادك علي ذاتك وكما قال الكتاب: لا تكن حكيمًا في عيني نفسك. وعلي فهمك لا تعتمد" (أم3: 5). وحاول أن تكسب الأتضاع، بإنكار الذات، وبأنك لا تكون بارًا في عيني نفسك. ماذا كانت مشكلة أيوب الصديق، إلا هذه. كان رجلًا بارًا، ويعرف عن نفسه أنه بار. فكان بارًا في عيني نفسه. وبسبب هذا لم يستطع أن يحتمل أحاديث أصدقائه الثلاثة وقال لهم "كامل أنا، لا أبالي" (أي9: 21). وقال للرب "أخاف من كل أوجاعي عالمًا أنك لا تبرئني، أنا مستذنب فلماذا أتعب عبثًا. ولو أغتسلت في الثلج ونظفت يدي بالإشنان، فإنك في النقع تغمسني حتى تكرهني ثيابي" (أي9: 28-31). وأنتهت مناقشاته مع أصحابه بقول الكتاب: "فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة أيوب، لكونه بارًا في عيني نفسه" (أي32: 1) ولم تنته تجربة أيوب، إلا بعد أن رفض هذه الذات وبرها وقال للرب "قد تكلمت بما لم أفهم. بعجائب فوقي لم أعرفها.. والآن: أرفض واندم في التراب والرماد" (أي42: 1-3) ولما وصلت ذات أيوب إلي التراب والرماد، حينئذ انتهت تجربته "ورد الرب سبي أيوب". بقي أن أقول لك إن الذات أم ولود، تلد كثرة من الخطايا. |
||||
30 - 12 - 2013, 04:47 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
محبة الذات؛ من الخطايا الأمهات نقول إنها من الخطايا الأمهات، لأن محبة الذات، أو المحبة الخاطئة للذات، هي أم ولود، تلد كثرة من الخطايا. من أولي الخطايا التي تلدها (الأنا): الكبرياء. المهتم بالأنا، يريد باستمرار أن يكبّر ذاته. فتكون ذاته كبيرة في عينيه، وأيضًا كبيرة في أعين الآخرين. وفي ذلك يكون معجبًا بذاته. وقد يقع فيما يسمونه (عشق الذات). نفسه جميلة جدًا في عينيها. كمن يحب باستمرار أن ينظر في مرآة، ويتأمل محاسنه..! ومن هنا الذي يقع في محبة (الأنا)، قد يقع أيضًا في الغرور. ويظن في ذاته أكثر من حقيقة ذاته.. إنه إنسان يحس بقيمة ذاته. يحس أنه شيء، وأن له أهمية خاصة، أو له مواهب خاصة، أو أنه يمتاز علي غيره: يفهم أكثر، أو له مركز أكبر. وهذا الشعور يعطيه ثقة زائدة بالنفس، يريد أن يفرضها علي الآخرين. وبهذا الشعور ينقاد إلي العظمة، وإلي محبة المتكآت الأولي... ربما هذا الشعور بالذات يأتي إلي الإنسان في سن المراهقة. عندما يشعر بانتقاله إلي مرحلة أعلي تمنحه أهمية معينة. وما أكثر ما يستمر هذا الشعور المراهق معه كلما طال به العمر، ولكنه يأخذ مظاهر أخري غير مظاهر سن المراهقة. وقد يحدث هذا الشعور للطفل من كثرة المديح أو التشجيع، أو بسبب التفوق، أو بسبب ملكات خاصة. غير أن هذا الشعور قد لا تكون له خطورة عند الطفل. ولكنه غالبا ما ينحرف عند الكبار. في كل هذا يكون المتهم بذاته بعيد كل البعد عن التواضع. ذلك لأن محبته للكرامة قد تقف حائلًا أمامه في الوصول إلي حياة الاتضاع. فهو يري في التواضع إقلالًا من شأنه، وإبعادًا له عن العظمة التي يريدها لنفسه. إنه يحب لذاته أن تحترم من الجميع. بل يلذ له أن يكون المحترم الوحيد. ويريد أن يكون هو الوحيد الذي هو موضع اهتمام الناس وتقديرهم... من أجل هذا قد يقع أيضًا في خطايا الغيرة والحسد. وفي هذه الغيرة، يريد أن كل شيء يصل إليه هو: المديح والمال والإعجاب والنجاح والتفوق والاهتمام. إنه ليس فقط يحب لذاته أن تمدح، بل أن يكون المدح كله له وحده. إن مدحوا غيره، تتعب نفسه ويتضايق. كما لو كان ذلك الغير الذي مدحوه، قد اغتصب منه حقًا موقفًا عليه. وهكذا كانت الذات أو الأنا سببًا لصراعات سجلها الكتاب: بسبب (الأنا) قام قايين علي أخيه هابيل وقتله. لأن هابيل كان أبر منه، وقد استجاب الله لهابيل وقبل منه محرقته (تك4). وبسبب (الأنا) قام الخلاف بين إبراهيم ولوط. وقال عنهما الكتاب "ولم تسعهما الأرض أن يكسنا معًا" (تك13: 6). "فحدثت مخاصمة بين رعاة مواشي ابرآم، ورعاة مواشي لوط".. لمن تكون الأرض المعشبة. حتى أن أبانا ابرآم القديس قال للوط ابن أخيه "لا تكن مخاصمة بيني وبينك، وبين رعاتي ورعاتك، لأننا نحن أخوان. أليست الأرض كلها أمامك. اعتزل عني. إن ذهبت شمالًا، فأنا يمينًا. وإن يمينًا، فأنا شمالًا" (تك13: 7-9). وهكذا افترقا. وبسبب (الذات) أيضًا قامت عداوة بين يعقوب وعيسو، وهما شقيقان. يعقوب قال في قلبه: أنا الذي آخذ البكورية بدلًا من أخي، وانتهز فرصة جوع أخيه وإعيائه، واشتري منه البكورية بأكلة عدس (تك25: 29-34) وعاد بنفس الأنا وتحايل بمساعدة أمه أن يأخذ لنفسه البركة بدلًا من أخيه. ولا مانع في سبيل ذلك من أن يخدع أباه الكفيف البصر. ويكذب ويقول لأبيه "أنا بكرك عيسو" (تك27: 19). وعيسو أيضًا من أجل انتقامه لذاته يقول في قلبه "قربت أيام مناحة أبي. فأقبل يعقوب أخي" (تك27: 41). كذلك فإن (الأنا) أوجدت صراعًا بين شقيقتين هما ليئة وراحيل. كل منهما تريد أن تكسب الرجل، وأن تنافس أختها في كثرة البنين. حتى أن راحيل في هذا الصراع علي محبة زوجها المشترك، وفي التنافس في الإنجاب، قالت "مصارعات الله قد صارعت أختي" (تك30: 8). وفي هذا الصراع منحت كل منهما جاريتها ليعقوب لكي ينجب منها نسلا يحسب لها. بسبب (الأنا) أيضًا كانت فننة تغيظ حنة. لأن فننة كان لها أولاد، وضرتها حنة كانت عاقرًا... فظلت فننة تغيظها حتى أبكتها. ولم تستطع أن تأكل من شدة الغيظ والحزن (1صم1: 2-7). وكأن فننة تقول: أنا التي لها أولاد. وهي ليس لها... وبنفس (الأنا) اشتكت مرثا من أختها مريم التي تجلس عند قدمي المسيح.. وشعورها: لماذا أتعب أنا، ومريم مستريحة تستمع للرب. وهكذا قالت له "يا رب، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي فقل لها أن تعينني" (لو10: 40). وبنفس (الأنا) شاول الملك عادي داود وطلب أن يقتله. تضايق منه، وغار منه، وحسده. لأن النساء مدحته أكثر منه (حينما قتل جليات)، وأنشدن قائلات "ضرب شاول ألوفه، وداود ربواته". "فاحتمي شاول جدًا، وساء هذا الكلام في عينيه. وقال أعطين داود ربوات، وأما أنا فأعطينني الألوف... وبعد فقط تبقي له المملكة" (1صم18: 6-8). ومنذ ذلك الحين بذل كل جهده ليقتل داود الذي أنقذه وأنقذ الجيش كله من جليات الجبار.. ولكنها الذات! وبسبب الذات إستاء الابن الأكبر، من إكرام أبيه لأخيه التائب! فلما سمع صوت الفرح برجوع أخيه، غضب ولم يرد أن يدخل إلي البيت، ولا أن يشترك في الفرح بعودة أخيه. ولما خرج إليه أبوه ليدعوه إلي الدخول، عاتب أباه بشدة، مركزًا علي ذاته، بقوله لأبيه: "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. وجديًا لم تعطني قط، لأفرح مع أصدقائي! ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني، ذبحت له العجل المسمن!!" (لو15: 25-30). حقًا، إن التركيز علي الذات، قد يضيع المحبة بين الأخوة والأشقاء. بل يوجد العداوة بينهم، عداوة تتطور إلي القتل. أو علي الأقل يصل الأمر إلي التنافس والصراع، أو إلي الشكوى والانتقاد... وبنفس السبب يفترق الأقارب كما حدث بين ابرآم ولوط... كذلك نلاحظ أن المتهم بالأنا، يركز علي تحقيق ذاته. إنه لا يفكر في ملكوت الله، وإنما في ملكوته هو. ملكوت الله لا يشغله، إنما تشغله ذاته، وكيف يحقق لها وجودها وطموحاتها.. حتى في صلاته، يري أن عمل الله الأول هو أن يكون له ذاته، ويكبر له ذاته، علي الأرض وفي السماء. ولا تشمل صلاته إلا عبارات أريد.. وأريد! الذي يركز علي ذاته، يريد أن الكل يحقق له ذاته. المجتمع الذي يحيط به، عليه أن يحقق له ذاته. والكنيسة واجبها أن تحقق له ذاته. وكذلك هذا هو عمل أب الإعتراف. وإن دخل في الخدمة، يهدف إلي الخدمة أيضًا تحقق له ذاته! وإذا لم يحدث هذا، يثور علي الكل! يثور علي الكنيسة، إذا وجد أنها لا تحقق له ذاته. ويثور علي أب الإعتراف، إن رأي أنه لا يحقق له ذاته. ويبتعد عن الوسط الديني كله، ساخطًا عليه، لأنه لا يجد ذاته فيه!! بل أن كل شخص لا يحقق له ذاته، يبتعد عنه – حتى الله نفسه!! لعل هذا يذكرنا بالوجوديين الملحدين. الذين كل منهم يبحث عن وجوده هو، وكيف يتمتع بهذا الوجود.. ولسان حاله يقول: من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا!! ومعني الوجود عنده، هو أن يتمتع باللذة، واللذة في نظره، تتعلق بالمادة والحواس. فإن كانت وصية الله تقف ضد متعته الجسدية والمادية، فلا كان الله، ولا كانت وصيته!! إلي هذا الحد، تقود الأنا والذات...! محبو الذات: كل فرحتهم في الأخذ، لا في العطاء. يظنون أنهم بالأخذ يبنون الذات ويكبرونها، ويضيفون إليها جديدًا! يذكروننا بالغني الغبي الذي قال "أهدم مخازني وأبني أعظم منها. وأجمع هناك غلاتي وخيراتي. وأقول لك يا نفسي خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة. استريحي وكلي وأشربي وافرحي.." (لو12: 16-19). أما العطاء، فيقوم به الإنسان الذي يخرج من الاهتمام بذاته إلي الاهتمام بغيره ويؤمن بأنه "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع20: 35). |
||||
30 - 12 - 2013, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
ما هي أسباب الشعور بالذات؟ هناك أسباب عديدة في محاربة الإنسان بالذات: منها المواهب، كالفن مثلًا بكافة أنواعه. وبخاصة من وصلوا إلى درجة عالية في هذا الشأن. ومن أمثلة ذلك أن أحد الفنانين العباقرة في ايطاليا، أرسل إليه أحد المعجبين خطابًا. ولم يكتب اسم الفنان على الظرف، وأكتفى بعبارة (إلى أعظم فناني إيطاليا). فأوصلوا الخطاب إلى هذا الفنان، ولكنه لم يستلمه قائلًا: إنه ليس لي. لو كان مرسله يقصدني، لكتب (إلى أعظم فنان في العالم)..!! إنها المواهب التي يستخدمها البعض ليس فقط في الشعور بالذات وعظمتها، إنما قد تصل به إلى الغرور أيضًا.. غير أننا نقول إنه ليس كل أصحاب المواهب محاربين بالشعور بالذات. فما أجمل أن يجمع البعض بين المواهب والأتضاع. مثال ذلك بولس الرسول الذي كانت له مواهب عديدة جدًا. ولكنه مع ذلك كان يقول "أنا.. من أنا؟! ولكنها نعمة الله العاملة معي" (1كو1:10) كذلك نذكر القديسين الذين كانت لهم مواهب فائقة للطبيعة مثل إقامة الموتى أو صنع باقي المعجزات، ولم يفقدوا تواضعهم، ولم يقل واحد منهم كلمة (أنا). يضاف إلى المواهب في المحاربة بالذات باقي المقدرات. كأن تكون لأحد الأشخاص مقدرة في أمر من الأمور لا تتوافر لغيره. أو يصل إلى درجة البطولة في رياضة ما، أو إلى درجة النبوغ في علم من العلوم. ويصل في كل ذلك إلى مستوى مذهل وهذا التفوق، وهذه المقدرة، قد تكون سببًا في الشعور بالذات.. وقد يتسبب الشعور بالذات من جهة الأصل أو الغنى أو المركز: كالشخص الذي من أصل رفيع، من أسرة نبيلة لها أمجاد في التاريخ. فيتباهى بهذا الأصل، ويشعر أنه يتميز به على غيره.. وبنفس الأسلوب قد يشعر الإنسان بذاته عن طريق الغنى، إن وصل فيه إلى درجة يستطيع بها أن يظهر في المجتمع، وأن يفعل بالمال ما يريد، وأن يكسب به أصحابًا واتباعًا ومريدين.. وأيضًا قد يشعر الشخص بذاته عن طريق مركزه، إن علا هذا المركز، وجلب له سلطة واحترامًا ونفوذًا. فشعوره بعلو مركزه يسبب له شعورًا بالذات، التي يمكنها أن تأمر، وغيرها يطيع.. وقد يشعر الإنسان بذاته، بسبب الذكاء، وبسبب النجاح. يشعر الإنسان بذاته، إن كان يفهم ما لا يفهمه الغير، ويستطيع أن يستنتج ما لا يقدرون على استنتاجه ويمكنه أن يجد حلولًا لمشكلات يعجزون أمامها. ويكون لماحًا وسريع البديهة، بينما يقف غيره حيرى لا يدركون.. فيشعر في كل هذا أنه في مستوى أعلى بكثير من غيره. كذلك النجاح يعطي شعورًا بالذات، وبخاصة إن كان نجاحًا مستمرًا "كل ما يصنعه ينجح فيه" (مز1)... وطبعًا ليس جميع الناس هكذا. فيوسف الصديق كان ناجحًا في كل شيء (تك39) ولم يحاب الذات، بل كان الله هو الذي ينجحه في كل ما يفعله. كذلك قد يكون سبب للشعور بالذات، هو القوة عند الرجل، والجمال عند المرأة. داود كان يشعر بقوته، حينما هدد نابال الكرملي أنه لن يبقى له إلى الصباح بائلًا بحائط (1صم 25). وهكذا نرى أن الشعور بالذات بسبب القوة، قد يقود أحيانًا إلى الإنتقام. أيضًا شمشون الجبار، ألم يكن يشعر بذاته بسبب قوته..؟ وكذلك دليلة، ألم تكن تشعر بذاتها بسبب جمالها، الذي جعلها تسيطر على هذا الجبار وتغريه أن يبوح لها بسر قوته..! يمكن أيذًا أن يشعر الإنسان بذاته، بسبب مديح الناس له. وقع في هذا الفخ هيرودس الملك، حينما قال له الشعب المتملق "ليس هذا صوت إنسان. بل هذا صوت إله" (أع12). فضربه ملاك الرب فأكله الدود ومات، لأنه لم يعط مجدًا لله.. (أع12 :23). وربما بمديح الناس المستمر، قد يشعر الإنسان أن ذاته معصومة وأنه فوق مستوى الوقوع في الخطأ. ويكون باستمرار "بارًا في عينى نفسه" وحكيمًا في عينى نفسه. وهذا مرض من أمراض الشعور بالذات. تفاديًا لهذا الشعور بالذات، كان الله يسمح لبعض القديسين بضعفات: وهكذا نرى أن القديس العظيم بولس الرسول الذي استحق أن يختطف إلى السماء الثالثة إلى الفردوس ويسمع كلمات لا يُنطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها (2كو 12:4).. نراه يقول "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع (2كو 12:7). وبقيت معه هذه الشوكة، على الرغم من أنه تضرع ثلاث مرات لتفارقة!! ولأنه لاقى تمجيدًا كثيرًا من الناس، نراه يقول.. للموازة مع الذات – "بمجد وهوان. بصيت حسن وصيت ردئ" (2كو 6: 8). وهكذا دخل هذا القديس العظيم في تجرة الهوان والصيت الردئ، حتى لا يشعر بذاته في خدمته، هو وأصحابه في الخدمة.. مثال آخر غير القديس بولس الرسول، هو يعقوب أبو الآباء: لقد نال البركة والبكورية. وقيل له "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك" (تك27). نال البركة من أبيه اسحق. والبركة والمواعيد من الله نفسه (تك28). وجاهد مع الله والناس وغلب (تك32). وأخذ من الله اسمًا جديدًا... ومع ذلك كان لابد من توازن، حتى لا يقع في الشعور بالذات. فسمح الله أن يظل يعقوب خائفًا ومرعوبًا من أخيه عيسو. وسمح أن يخدعه خاله لابان أكثر من مرة، بل أن يخدعه بنوه مشكلة مع شعوب الأرض في قتلهم شكيم وأهله. وسمح له بضيقات كثيرة حتى قال لفرعون "أيام غربتي على الأرض قليله وردية". ولما باركه الرب وجاهد مع الله والناس وغلبن ضربه الله على حق فخده، فصار يخمع عليه كل أيامه، حتى يشعر بضعفه، فلا يرتفع.. أبونا إبراهيم أبو الآباء والأنبياء عامله الله بنفس التوازن. فعلى الرغم من أنه كان من أعظم رجال الإيمان. وبالإيمان ذهب ليقدم ابنه محرقه لله (تك22). وفي طاعته لله أيضًا ترك أهله وعشيرته وبين أبيه، ومضى وهو لا يعلم إلى أين يذهب (تك12). ومع أنه نال من الله مواعيد عظيمة. وقال له "أباركك وأبارك مباركيك، وتكون بركة.. وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض" (تك 12). إلا أن الله استبقى عن إبراهيم ضعفًا وهو الخوف. فخاف عندما نزل إلى مصر، وقال عن سارة إنها أخته حتى لا يقتلوه بسببها. وخاف نفس الخوف حينما نزل إلى جرار، وقال عن سارة أيضًا انها أخته، فأخذها أبيمالك الملك. وأنقذها الله منه. وهذا الخو كان دافعًا لأبينا إبراهيم، حتى لا يشعر بذاته، هذا الذي أنتصر في حرب الملوك، وأنقذ لوط وسبى سادوم (تك14). نفس الوضع أيضًا مع القديس بطرس الرسول. هذا الذي طوبه الرب حينما قال "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت16: 16 -19). بطرس الذي وصل به الشعور بالذات إلى الحدّ الذي شعر فيه بأنه أقوى من جيمع التلاميذ في محبة الرب والإخلاص له قائلًا له: "إن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبدًا" (مت26: 33) (مر14:29) "يا رب إني مستعد حتى إلى السجن وإلى الموت" (لو 22: 33). بطرس هذا سمح له الله بالتجربة التي أنكره فيها ثلاث مرات. وهكذا "خرج خارجًا وبكى بكاءً مرًا" (مت 26:75). وبعد القيامة أخرجه الرب أيضًا من دائرة الشعور بالذات. ونداه باسمه العلماني ثلاث مرات قائلًا له "يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" (يو21:17). "فحزن بطرس لأنه قاله له ثالثة أتحبني؟" (يو21: 17) أما عبارة "أكثر من هؤلاء" فلكي يذكره بقوله "إن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك". وقد ظل إنكار بطرس منخاسًا في قلبه، كلما حاربه العدو بالأنا والشعور بالذات. حتى ساعة صلبه طلب أن يُصلب منكسًا... هذا التوازن بين الشعوب بالذات وواجبات الأتضاع، أقامه الله أيضًا في حياة سلميان الحكيم. سليمان الذي أختاره الله نفسه ليبني هيكله، والذي ظهر له مرتين أحداهما في جبعون، والأخرى في أورشليم. والذي منحه حكمه من عنده، حتى لم يكن مثله في حكمته في الأرض كلها، وحتى أتت ملكة سبأ من أقاصى الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهو أيضًا الذي منحه الرب جلالًا ملوكيًا لم يكن لأحد مثله (1مل 3 – 8). سليمان هذا الذي نال من الغنى ومتعة العالم ما لم ينله ملك من قبل، والذي قال "فعظمت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم" والذي غرس لنفسه فراديس وجنات، والذي "أتخذ لنفسه مغنين ومغنيات، وكل تنعمات البشر سيدة وسيدات". وقال في ذلك كله "ومهما اشتهته عيناي، لم أمسكه عنهما" (جا2). سليمان العظيم هذا، سمح له الله بنقطة ضعف، وهي محبته للنساء وخضوعه لتأثيرهن، فأفقدته حكمته وكماله. هذا السماح كان بتخلي النعمة عنه قليلًا بسبب أندماجه في متعة الجسد. وهكذا قيل عنه "وكان في أيام شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهه أخرى. ولم يعد قلبه كاملًا أمام الله مثل داود أبيه.." (1مل11). واستحق سليمان عقوبة من الله. غير أنه استفاد من تأديب الله له وتاب... فليخفف كل إنسان من الشعور بالذات. وليتذكر قول الرب "من أراد أن يتبعني، فلينكر ذاته".. |
||||
30 - 12 - 2013, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
خطايا كثيرة سببها الأنا * الإنسان المنشغل باستمرار بذاته، ليس لديه وقت للاهتمام بغيره. ولا حتى لديه رغبة في الاهتمام بملكوت الله ولا بخدمة الناس. كل ما يشغله هو ماذا أكون؟ وكيف أكون؟ ومتى أكون؟ وليس فقط أنه لا ينشغل بغيره، بل هو يريد أن الدنيا كلها تنشغل به! مثل هذا الإنسان يكون بعيدا جدا عن الخدمة وروحها. و إن دخل إلي الخدمة، لا يخدمها بهدف روحي من أجل بناء الملكوت ومنفعة الآخرين.. بل يتخذ الخدمة وسيلة لبناء ذاته، ومجالا لظهوره وممارسة ما يهواه من سلطة وقيادة...! إذا دخلت الذات في الخدمة، تضيع نفسها وتضيع الخدمة. وقد تكون مجالا للسلطة والسيطرة.. فيقول: لا يتم شيء إلا بإذني، إلا بمشورتي وفكري. القرار هو قراري والتدبير هو تدبيري، حتى لو وافق الكل لا غير ذلك. لذلك هو لا يشرك معه في الخدمة إلا من يتبعه ويخضع له. ولا مانع من أن يتخلص من الباقين، لكي ينفرد بالعمل تخطيطا وتنفيذا... هذا من جهة الإدارة في الخدمة . علي أن الذات قد تأخذ مجالًا آخر، هو الفكر الخاص في التعليم. بحيث لا يتبع التعليم العام للكنيسة، إنما منهجه الخاص، وتفسيره الخاص للكتاب، ونشر ما يعتقده هو مهما كان فكرا جديدا يخالف فيه التسليم العام!! من مثل هذا المنهج الذاتي تكونت البدع في تاريخ الكنيسة. من أفكار ابتدعها البعض، وتمسكوا بها و نشروها.. وأحيانا أمثال هؤلاء الأشخاص يشكلون تكتلات معينة داخل الكنيسة، لها فكرها واتجاهها وأسلوبها وانفرادها عن المجموع! إنها الأنا. من سيطرة الأنا وعنادها، تتولد الانقسامات. نعم، من أين تأتي الحروب والخصومات، إلا من الذات؟!... من (الأنا) تسبب الخلافات العائلية، التي قد تصل إلي المحاكم والقضايا، وما يسبق ذلك من شقاق وشجار وانفصال.. حيث لا يفكر الشخص في سعادة غيره ولا في إرضائه، بل في راحته هو، وكرامته هو، و حقوقه. سواء كان داخل الأسرة أو الكنيسة... وبسبب (الأنا) يبني راحته علي تعب غيره. بسبب الذات يركز الإنسان علي نفسه، ولا ينفتح علي الآخرين، ويتشبث بفكره ويهاجم الفكر الأخر. المهم أن ينتصر هو، ولو علي حساب فشل غيره وخسارته. وبهذا يفقد محبته للآخرين، و محبة الآخرين له. لأنه يعيش في دائرة ضيقة هي جائرة الذات. يري فيها أنه علي حق، وكل ما يخالفه علي باطل. هو الصواب، وغيره الخطأ.. وطبعا لا يمكنه بهذا أن يكون إنسانا اجتماعيًا. فهو إما أن ينطوي علي ذاته، أو أن يصطدم بغيره. ويبرر نفسه عن طريق أن ينسب الخطأ إلي غيره.. وهكذا يجعل الآخرين وقواد لنفسه لتدفئته. ولابد أن يروا الأمور كما يراها، ولو برؤية خاطئة! *وقد يقلل من شأن غيره, لكي يكون باستمرار هو الأفضل. وهكذا يقع في خطية الإدانة. بل يزداد الأمر إلي حد الوقوع في التشهير بالآخرين، وبخاصة من يحسد نجاحهم و تفوقهم ذلك لأنه لا يحتمل أن يوجد من هو أفضل منه، أو من يمدحونه أكثر منه. إنه بهذا يتعب مع الناس، ويتعب الناس منه.. *الإنسان المتمركز حول ذاته، يكون دائما صعب التعامل. لأن المتعامل معه لابد أن يكون العنصر الخاسر في كل نقاش، وفي كل صفقة يشترك معه فيها. كما أن المتعامل معه لا يمكن أن يصل إلي نتيجة مع إنسان كهذا عنيد ومتشبث برأيه. فمن الأفضل إذن الابتعاد عنه، إراحة لأعصاب من يتعامل معه.. حتى في التعامل مع الله، لا يكون سهلا. أولا لأنه لا يبحث عن ملكوت الله، وإنما عن ملكوته هو..ولا يريد مشيئة الله, بل مشيئته هو، حتى في صلاته , لا يطلب إرشاد الله له. إنما يفرض علي الله طلباته. وكأنه يقول: انظر يا رب ز هذا الموضوع الذي اعرضه عليك، أنا قد درسته جيدا. وبقي عليك أن تنفذه لي وأن تفعل فيه كذا وكذا!! وليس فقط يطلب من الله أن ينفذ له مشيئته، بل ينبغي أن يكون ذلك بسرعة وبغير إبطاء... الإنسان الواثق بذاته، يقيم نفسه رقيبا علي أعمال الله معه. و يجادل الله في كبرياء: لماذا فعلت بي كذا؟ وكان يجب أن تفعل كذا.. وإذا لم ينفذ له الله ما يريد، فإنه يغضب من الله، ويهدد بقطع العلاقات معه ومع كنيسته، وأن يمتنع عن الصلاة والصوم والتناول. وإن كانت معاملته هكذا مع الله، فتعامله مع أب الاعتراف أصعب. ما أسهل أن يختلف معه. وكإنسان حكيم في عيني نفسه، فهو قد يعرض علي أب الاعتراف أمورا لأجل الموافقة, و ليس لأجل الإرشاد. فهو يعرف الصالح ربما أكثر من أب الاعتراف! وسهل عليه أن يناقش أب الاعتراف ويخطئه. وما أسهل عليه أن يرفت أب الاعتراف، ويبحث عن أب غيره، إذ لم يكن إرشاده حسبما يهوي هو!! *الإنسان المتمركز حول ذاته: إن عاتب يكون عتابه قاسيا. لا يهتم فيه بمشاعر من يعاتبه , إنما يريد أن ينفس عن الإحساس بالضيق الموجود في داخله. وربما لا تقبل كرامته أي عذر أو تبرير يقدم إليه. كرامته -في نظره- أكبر من أن تمحو الأعذار ما تشعر به من إهانة..! لذلك فإن غضبه قد يكون شديدًا, وربما يتحول إلي حقد. وقد تطول مدته, لأنه لا يغفر بسهولة. فذاته تظل متأثرة، وفي عمق، لمدي زمني ممتد حتى يشعر أن ذاته قد أخذت حقها من الإرضاء، وكرامته قد نالت ما تريد من تقدير. ولهذا فهو في غضبه قد يثور وقد يحتد، دفاعا عن ذاته وكرامتها وحقوقها. *و قد لا يكتفي بالغضب، وإنما يلجأ إلي الانتقام. ولاشك أن كل جرائم الأخذ بالثأر سببها الذات التي تتسع دائرتها فتشمل كل أفراد العائلة أو القرية أو فريق الرياضة، وما إلي ذلك. إنه ينتقم ليأخذ حقه أو حق قريبه، ومن أجل شرف العائلة. ولا يعني الانتقام مجرد القتل، وإنما قد يحاول أن يضيع غيره في أية المجالات. وقد يشمل أيضا الشماتة به إن جاءته الخسارة من مصدر آخر... و المحارب بالأنا من الصعب أن يتعاون مع غيره. لأنه يريد أن يكون الكل له، أو النصيب الأكبر له، سواء من جهة الربح أو الإدارة, أو مديح الناس. وتنطبق عليه مع زميله العبارة التي قيلت في سفر التكوين "ولم تسعهما الأرض أن يسكنا معا" (تك 13:6). وربما يكون هناك خادمان يعملان معا في كنيسة واحدة، ولا يقدران أن يعيشا معًا، علي الرغم من أنهما من كبار الخدم! وذلك أيضا بسبب الذات! حيث يختفي من بينهما الاهتمام بالخدمة، و تبقي الذات! من الأهم؟ ولمت تكون الاختصاصات؟! في أحد الأيام دخل أحد الخدام في حوار عميق حول مسألة كنسية مع خادم كبير. فاحتد ذلك الكبير عليه، وقال له: "لابد أن تعرف من أنت؟ ومن أنا؟ " وأتي ذلك الخادم (الأصغر) إلي ليشكو مما قيل له. فقلت له: كانت أصح إجابة هي أن تقول له: نحن الاثنين مجرد تراب ورماد, كما قال أبونا إبراهيم عن نفسه (تك 18). *وأحيانا لا يكون الشخص كبيرا, ولكنه بأحلام اليقظة يتخيل لنفسه صورا من الكبر والعظمة. وهذه الأحلام نوع من تكبير الذات عن طريق الخيال.. هي صورة للنفس التي لا يشبعها الواقع الذي تعيش، فتلجأ إلي إشباع ذاتها بأحلام اليقظة. فتتخيل أنه صارت كذا وكذا، وفعلت كذا و كذا ونالت من الناس ألونا من التمجيد والتوقير! وتدخل أحلام اليقظة في حروب المجد الباطل.. ويعيش بها الإنسان في وهم يسعد به! وينسي ويتناسى أنه ليست له القدرة علي الوصول إلي أحلامه وأوهامه... المحارب بالذات، ما أسهل أن يصبح عدوانيا.. فيقف موقفا عدوانيا ضد كل من يقف في طريق هذه الذات أو يعارضها أو ينافسها، أو من يظنه كذلك. ويشن حربًا شعواء عليه. حربا لا تعرف سلاما ولا ضميرا.. وإن كان يعرف شيئا قديما عن هذا الشخص، يعلنه ويشهر به، يكيل له التهم, كل ذلك لكي تبقي ذاته بلا منافسة ولا مقاومة. *وفي سبيل الدفاع عن الذات, لا مانع من الكذب والرياء... الذات هي سبب الكذب. فحينما تخطئ الذات، ويريد الإنسان أن يغطي أخطائها, لكي تبدو أمام الناس بلا عيب، حينئذ يكذب ليخفي عيوبها، أو ليخفي نقائصها. أو قد يكذب من أجل غرض معين يريد أن يحققه لذاته، أو في سبيل رغبة آثمة تريدها الذات لنفسه، أو لصديق أو لعدو . كذلك في سبيل الذات يلجأ الإنسان إلي الحيلة والدهاء. وبسبب الذات يلجأ إلي الرياء لتبدو ذاته فاضلة أمام الآخرين ولكي تنال مديحا منهم. وبه تستوفي أجرها علي الأرض (مت 6). *وكثيرا ما تقف (الأنا) في سبيل التكريس. مثال ذلك الأم التي تقف في طريق رهبنة أبنها أو ألنتها، بالرفض والضغط والبكاء والمرض، لكي تنفذ رأيها ورغبتها في أن يكون ابنها إلي جوارها ولا يترهب، أو تضغط عليه لكي يتزوج فتاة تنتقيها له.. وفي كل ذلك لا يهمها مشاعر قلبه ورغبته في تكريس نفسه لله. وإنما هي الذات التي تدفع الأم إلي تنفيذ فكرها، ولو ضحت بابنها وسعادته الروحية.... *مثال آخر هو تدخل الأم في الحياة الزوجية لابنها. ولا مانع عندها من أن تفرق بينه وبين زوجته أو بمعاملة الزوجة بقسوة أو جفاء لكي يؤضي أمه. وإن لم يفعل ذلك تتهمه الأم بأنه ابن عاق نسي تعبها في تربيته، أو بأنه زوج ضعيف تؤثر عليه زوجته وتخضعه لشخصيتها!! وفي كل ذلك لا يعنيها فشله في حياته الزوجية بقدر ما يعنيها طاعته لها. إنها (الأنا). *وأيضا الإنسان المحب لذاته، قد يصبح لحوحًا يتعب غيره. إنه يريد أن ينفذ فكره أو رغبته بكافة الطرق وبكل سرعة. لذلك يلجأ إلي الإلحاح الشديد الذي يتعب أعصاب غيره... وذلك بتكرار الطلب، والضغط علي تنفيذه الاّن وكما هو، مهما كانت هناك عوائق تمنع من ذلك، ومهما كان الموقف غير مناسب... ولكن (الأنا) تريد، ولا يهمها إحراج من تطلب منه... ويكون التعامل صعبا مع هذا اللحوح الذي لا يهمه سوي ذاته. والذات أو (الأنا) تشمل الأنانية بكل تفاصيلها. من حيث أن إنسانا يتمركز حول ذاته، لا يفكر إلا فيها، وأن يكون لها كل ما تريد، وفي سبيل ذلك يفضلها علي الكل. فإذا اصطدمت ذاته بمحبة إنسان، يفضل ذاته علي هذا الإنسان. وإن تعارضت مع بعض المبادئ والقيم من أجل ذاته. بل اصطدمت ذاته بمحبة الله، فإنه يفضلها علي الله ومحبته... نعم، أليست كل مخالفة لله, سببها الذات؟! أليست الذات هي السبب في ضياع كل فضيلة. الذات التي ترفض التواضع و تسعي إلي المتكآت الأولي... الذات التي تصاب بالغرور، وترتئي فوق ما ينبغي (رو 12: 3). والتي تشتهي عمل المعجزات والتكلم بألسنة، لكي ترتفع في نظر الآخرين..! الذات التي تحب البر الذاتي. وتدفع الإنسان إلي أن يكون بارا في عيني نفسه، وحكيما في عيني نفسه، وعظيما في عيني نفسه وفي أعين الآخرين ... الذات التي تفضل نفسها علي الكل، وتبني راحتها علي تعب غيرها.. الذات التي تجد لذتها في أن تقع في كل الشهوات الجسدية والمادية، وبهذا تنجس جسدها الذي هو هيكل الروح القدس.. الذات التي تفضل نفسها علي الله بالخطية، وتحب أن تستقل عنه في فكرها وتدبيرها، وهكذا تهلك نفسه. كيف العلاج إذن..؟ |
||||
30 - 12 - 2013, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
مَنْ يحب نفسه يهلكها هكذا قال الرب في إنجيل يوحنا " من يحب نفسه، يهلكها. ومن يبغض نفسه في هذا العال، يحفظها إلي حياة أبدية " (يو 12:25). *و يقصد بذلك: من يحب نفسه محبة خاطئة، يهلكها. أما عبارة "من يبغض نفسه"، فالمقصود بها: من لا يعطي نفسه كل ما تريد. بل تكون عنده فضيلة "ضبط النفس", فلا يجعلها تسلك حسب هواها، بل يمنعها عن شهواتها إن كاتي تلك الشهوات ضد وصية الله. وبهذا المنع "يحفظها إلي حياة أبدية".. وقد تكرر عبارة "يبغض نفسه" في (لو 14: 26) حيث يقول الرب "من يأتي إلي، ولا يبغض حتى نفسه، فلا يقدر أن يكون لي تلميذا".. إذن هذا شرط للتلمذة علي الرب. ولكن هي يقدر الإنسان علي هذا؟ كل إنسان يحب نفسه. وليس في هذا خطأ. إذ تقول الوصية الإلهية "تحب قربك كنفسك" (مت 22: 39) (مت 19:19). إنما، ما المحبة الحقيقية للنفس؟ المحبة الحقيقية للنفس هي أن تحفظ لها طهارتها ونقاوتها، ولا تسمح لها أبدا أن تنفصل عن الله بالخطية، بل تحب الله من كل القلب ومن كل الفكر (مت 22: 37). والمحبة الحقيقية للنفس هي تدريبا علي النمو الروحي، حتى تصل إلي حياة القداسة وإلي الكمال حسب وصية الرب " كونوا كاملين" (مت 5: 48). غير أن البعض في بنائهم لأنفسهم يلجأون إلي طرق خاطئة تضيعهم! *وأول طريقة خاطئة في محبة النفس هي إعطاؤها لذاتها ومتعتها. ولو كانت متعتها روحية، لأصبح هذا خيرا. لكن الخطأ هو في إعطائها لذة عن طريق الحواس... لذة جسدانية مادية لا تفيدها بل إن هذه اللذة الجسدانية تقودها إلي الشهوة وإلي الخطية... شهوة الجسد، وشهوة العين (1 يو 2:16). وهذه المحبة الجسدانية يمكن أن تقود إلي الملاذ التي وقع فيها سليمان حينما قال " ومهما اشتهته عيناي، لم أمسكه عنهما" (جا 2: 10)... شهوة القنية والمال والرفاهية والنساء.. إلي أن عرف أخيرا أن كل هذا باطل وقبض الريح... و المحبة الجسدانية للنفس، قد تمنع الإنسان عن الصوم، وقد تمنعه أيضا عن السهر.. كما تمنعه أيضا عن طهارة الجسد... *والذي يمتع ذاته بلذة الجسد و الحواس، إنما هو يهلكها.. وينسي أن "العالم يبيد و شهوته معه" (1 يو 2: 17). وينسي أيضا قصة الغني الغبي الذي ظن في محبته لنفسه أنه يسعدها بخيرات كثيرة لسنين عديدة، قائلا لها " استريحي، وكلي و اشربي وافرحي" (لو 12: 19). ومثله أيضا غني لعازر الذي استوفي خيراته علي الأرض (لو 16: 25). وبذلك فقد العزاء الأبدي. هو أيضا أحب نفسه فأهلكها... نعم، يهلك نفسه كل من يريد – في محبته الخاطئة لها – أن يمنحها لذة العالم، ورفاهية الحياة, ومتع الحياة، و تنعم الحواس.... *وهناك من لا يلذذ نفسه بالحواس، وإنما بالفكر. وما لا يدركه بالفعل، يناله بالفكر. كل ما يريد أن يتمتع به، يكفيه أن يغمض عينيه، ويؤلف حكايات وقصصا و خيالا وأحلام يقظة، ويلتذ بكل هذا ويقول لنفسه: سوف أصير وأكون، وأعمل وأتمتع... ويمكن أن يغرق في هذا الفكر بالساعات. والمحرمون في الحياة العملية, يعوضون أنفسهم بالفكر والخيال. يدخلون في لذة أحلام اليقظة، وكما يقول المثل العامي "الجوعانة تحلم بسوق العيش". وهكذا يسرح الإنسان في الخيال... كتلميذ لم يذاكر. فتراه يترك كتابه، ويسبخ في أفكار كثيرة: أنه نجح وتفوق، والتحق بكلية عالية المستوي، وتخرج وصار... وصار... ثم يستيقظ من أحلام اليقظة ليري أنه أضاع فيها وقتا كان يحتاج إليه في مذكراته... إن الخيال لون من المتعة، أوسع بكثير من متعة الحواس. ذلك لأن مجال الفكر والخيال غير محدود، وأوسع بكثير من مجال النظر والسمع وباقي الحواس. وفي هذا الخيال يتصور تصورات لا يمكن أن يتحقق في الواقع. فمن يحب نفسه بأن يمتعها عن طريق الخيال، إنما يخدرها. وحينما تفيق، تجد أنها في الفراغ. *ولعل من هذا النوع المرضي بالبارانويا Paranoia أي جنون العظمة. تحضرني في هذا المجال قصة حدثت من حوالي نصف قرن. حيث ذهب بعض طلبة من كلية الطب في زيارة إلي مستشفي الأمراض العقلية، لكي يشاهدوا المرضي علي الطبيعة. فرأوا واحدا منهم يدعي أنه رسول من الله! وكان واقفا يدعو الناس إلي الإيمان برسالته. فلما انتهوا من سماعه، رأوا إلي جواره مريضا اّخر جالسا في اتزان وهدوء.. فسألوا لماذا لم تستمع إلي خطاب (رسول الله)؟ فقال لهم: لا تصدقوا ادعاءه أنه رسول الله. فأنا لم أرسله أبدا!! *فهناك أشخاص يظنون في محبة الذات، أنهم يمتعوها بالعظمة. يظن الواحد منهم أنه يحقق ذاته بالعظمة، وأول مثال لذلك: الشيطان الذي قال "أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي" (أش 14: 14). وبنفس العظمة حارب أبوينا الأولين قاْلا لهما " تنفتح أعينكما وتصيران مثل الله."(تك 3: 5). ومثال ذلك أولئك الذين أرادوا بناء برج بابل قائلين "هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه في السماء، ونصنع لأنفسنا إسما" (تك 11:4). وكل هؤلاء الذين أحبوا أنفسهم محبة خاطئة، بالعظمة.. أضاعوا أنفسهم: سواء الشيطان، أو أدم وحواء، أو بناة برج بابل. فالذين أحبوا أنفسهم بالعظمة فأهلكوها، إنما كان قصدهم هو العظمة فأهلكوها، إنما كان قصدهم هو العظمة العالمية، وليس العظمة الروحية..... فالعظمة الروحية يصل إليها الإنسان بالإتضاع. كما قال الرب "كل من يرفع نفسه يتضع. ومن يضع نفسه يرتفع" (لو 18: 14). فالذي يحب نفسه محبة حقيقية، عليه أن يهرب من الرفعة. لأن " لرب الجنود يوما علي كل متعظم وعال، وكل مرتفع فيوضع.. فيخفض تشامخ الإنسان، وتوضع رفعة الناس، ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم" (اش 2: 12، 17). ولنا مثال علي ذلك هيرودس الملك الذي بسبب العظمة ضربه ملاك الرب فمات وأكله الدود (أع 12: 22, 23). هو أيضا أحب نفسه بالعظمة فأهلكها..... الذي يحب نفسه بالعظمة، قد يدخل في حروب ومنافسات تضيعه... مثال ذلك: أبشالوم بن داود، الذي أراد أن يرفع نفسه بأن يأخذ عرش أبيه في حياته. فقادته هذه الشهوة إلي أن يدخل في حرب ضد أبيه، وينجس سراريه. وكانت أنه مات خاطئا وهالكا (2 صم 16: 15 – 20). هو أيضا أحب نفسه – محبة خاطئة – فأهلكها... عكس يوحنا المعمدان الذي اتضع فارتفع. كان باستمرار يقول: يأتي بعدي من هو أقوي مني، الذي لست أنا أهلاّ أن أحمل حذاءه (مت 3: 11) (لو 3: 16) " أنا أعمدكم بماء... هو سيعمدكم بالروح القدس" وقال أيضا "هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" (يو 1: 27) " ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنقص. الذي يأتي من فوق، هو فوق الجميع" (يو 3: 30, 31). يوحنا هذا الذي كان فوق مستوي (الأنا)، هو الذي وصفه ربنا يسوع المسيح بأنه " أعظم من ولدته النساء" (مت 11 : 11). ما أجمل ما قيل عن الله – في هذا المجال – إنه " الساكن في الأعالي، والناظر إلي المتواضعات". و الكائنات المتواضعة هي البعيدة عن (الأنا). *هناك أشخاص اخرون يحاولون أن يبنوا ذواتهم بمظهر من الزعامة في نظرهم أو (ببطولة) تستخدم أسلوب الصراع و العراك. تجدهم كشعلة من نار، في حماس مستمر، للنقد والهدم والتحطيم!! دون أن يقوموا بأي عمل إيجابي بناء. إنما لا تسمع من أفواههم سوي عبارة هذا خطأ وهذا مخطئ. ولذتهم هي في انتقاد الكبار. ومثلهم الأعلي هو (طرزان Tarzan) الذي يقفز علي الجبال, ويضرب هذا وذاك. شأنهم شأن الفتيان الذين يحبون الأفلام السينمائية التي فيها ضرب نار، وقلب عربات، وتخريب وقتل، ويسمونها أفلام البطولات. الواحد من هؤلاء يري ذاته بطلا، حينما يقول: فلان هذا سأوقعه، وفلان هذا سأضيعه! وفلان هذا لن يفلت من يدي! سأريه من هو!! إنه الطبع الذي يسمونه ( الطبع الناري).. دائم الهجوم، دائم العدوان، دائم الغضب والاقتحام. يبني ارتفاعه علي جماجم الاخر. ويري لذاته في تحطيم غيره. نفسه التي يحبها بهذا الأسلوب، هو يهلكها، وفيما يظن أنه يحطم الاخرين. إنما يحطم نفسه. ولا يكسب الدنيا ولا الاخرة... إنه مثل التلميذ المشاكس في الفصل. يظن أنه يكون ظاهرا بأعمال (الشقاوة). وأخيرا يضيع نفسه. ويكون النجاح لزميله الهادئ المتزن.. يري ذاته حينما يتعب المدرسين، ولا يأبه باحترامهم. ويظن عمله جرأة وقوة وشجاعة. ولكنه بكل هذا قضي علي نفسه بالضياع. وينطبق عليه "من يحب نفسه يهلكها"... هذا النوع تجده في كل مكان: في مجال الخدمة (للأسف)، وفي المجال الاجتماعي، وفي مجال العمل. ويقول الواحد من هؤلاء: أنا إنسان مقاتل! يعرف كيف يحارب، دون أن يدري إلي أين تقوده حروبه... *العجيب أن الهدم أسهل من البناء وأسرع!! وكما يقول المثل العامي "البئر الذي يحفره العاقل في سنة, يردمه الغبي في يوم"! سهل أن عمارة من عشرين طابقا، يهدمها أحد الأشرار في ساعة أو لحظات، بقنبلة ناسفة.. و يبقي البناء هو العمل المجيد. أما الهادمون فلا يهدمون سوي أنفسهم... *هناك نوع اّخر، يحبون أنفسهم بمنحها الحرية في كل شيء. الواحد منهم يعمل ما يشاء، متي يشاء، كيفما يشاء!!! كما يحدث في بعض بلاد الغرب. متي وصل الطفل إلي سن البلوغ، لا يكون لأحد سلطة عليه. لا سلطة للوالدين، ولا اساتذته، ولا يعترف بقادة أو مرشدين! يظن أن النصيحة قيد عليه، والتقاليد قيد! لا أوامر ولا توجيهات يجوز لها أن تحد حريته.. وبالحرية يهلك نفسه!! يقول: أنا حر افعل ما أشاء ...! وتهلكه كلمة (أنا). *الحرية الحقيقية هي حرية من الداخل، وليست في التصرفات الخارجية. الحرية الحقيقية هي تحرر الإنسان من العادات التي تستعبده. وهي تحرره من نزواته ورغباته وشهواته و أخطائه.. أما الحرية المنحرفة فكثيرا ما قادت الشباب إلي التدخين والمخدرات و القمار والفساد الخلقي. بل إنها تقوده إلي الضياع من كل جهة. وفي ذلك "من أحب نفسه يهلكها".... *الوجوديون ظنوا أنهم يجدون أنفسهم بالتحرر من الله ووصاياه! وأصبح شعارهم هو " من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا "! حقا إن هذه (الأنا) هي التي ضيعتهم. ومن أحب نفسه يهلكها... كذلك قصة الابن الضال (لو 15) الذي رأي أن متعة الأنا وحرية الأنا، هي في تركه لبيت أبيه وسيره حسب هواه .وانتهي الأمر بقوله "كم من أجير عند أبي يفضل عنه الخبز، وأنا هنا أهلك جوعا". *هنال فرق واسع جداّ بين الحرية والتسيب. فيظن أنه يخرج من الحصون التي تحميه، إلي الفضاء الواسع الذي يكون فيه هلاكه! كما يظن المعترف أنه يخرج من قيود الارشاد عند أب اعترافه، فيصل إلي التسيب في التصرف، ويهلكه التسيب. فلا يستشير أب الإعتراف إلا في الأمور التي يتأكد فيها من وافقته، وفي غيرها يسلك حسب هواه...! أو أنه يغير أب اعترافه، لكي تسلك الأنا حسبما تشاء...! *إن الذين ظنوا أن يحققوا ذواتهم بالحرية، أهلكوها بالاستخدام السئ للحرية. إن الحرية الحقيقية غير المنحرفة،لا تضر. ولكن يضر الإنسان أن تتحول الحرية إلي لون من للتسيب يكون فيه هلاكه. *ومن أخطر أنواع الحرية: الحرية في الفكر الديني. كثيرون قادتهم هذه الحرية إلي الإحاد، أو إلي إنشاء مذاهب دينية خاصة داخل الكنيسة! أو أن حريتهم في تفسير الكتاب المقدس أوصلتهم إلي الهرطقة أو إلي البدعة. وبخاصة حينما تتدخل (الأنا)، ويعتز هذا المنحرف لفكره الخاطئ ويتمسك به. ويري أنه ضد كرامته أن يتنازل عن تفسيره الخاطئ وعن بدعته.. كل الطوائف الكثيرة التي سببت انقساما في الكنيسة، سببها (الأنا). وقد تجادل بعضا من هؤلاء، وتكون اّيات الكتاب المقدس واضحة. ولكنهم يرفضونها. *إنهم لا يخضعون للكتاب، إنما يريدون إخضاع الكتاب لفكرهم! كل واحد يفسر الكتاب حسب مزاجه، والأمزجة تختلف. وبذلك تختلف التفسيرات، وتنشأ الطوائف المختلفة...! ويجد البعض ذاته في أن يقدم تفسيرا جديدا غريبا لم يسبقه إلي أحد. وهذا التفسير يوجد له شهوة، يظن بها أنه يقدم ذاته في لون من الذكاء والتفكير والتجديد. وتنشغل الكنيسة بالرد علي هؤلاء. ويجدون لذة في أن الكنيسة انشغلت بهم. إنها (الأنا) التي تجعلهم يشذون فيظهرون ويشتهرون في مجال المعرفة، التي قال الكتاب عنها إنها تنفخ (1كو 8: 1). *كل من هؤلاء يشبع ذاته بأنه قائد فكري وصاحب فكر جديد. ليس له الفكر العادي كباقي الناس، إنما الفكر المبتكر الجديد، حتى لو كان بدعة! وما معني البدعة سوي أن صاحبها قد ابتدع فكرا جديدا يكون غير المألوف! وهذا المبتدع – في محبته لنفسه – يسره أن يقال عنه إنه صاحب الفكر الفلاني، ومؤسس تعليم جديد ينقاد إليه البعض! وإن سألته: ولماذا لا تسير فوق التعليم المألوف في الكنيسة، يجيب بأنه مفكر. وهو يقدم فكر لينتفع به غيره...! وهكذا إذ يحب نفسه يهلكها. إذ يقاوم الكنيسة، والكنيسة أيضا تقاومه. وقد تعزله من عضويتها بسبب الابتداع .. *إنسان اخر يحب نفسه، فيقع في الإعجاب بالنفس. يكون حكيما في عيني نفسه، وبارا في عيني نفسه. وإن لم يجد من يمدحه من الناس، يمدح نفسه، ويتحدث عما قام به من أعمال عجيبة وفاضلة! حتى إن كانت له أخطاء يحاول أن يبررها، ليبدو أمام الكل بلا عيب. ولا مانع لديه من أن يكون الكل مخطئين، وهو صاحب الرأي السليم. وهكذا يصاب بالغرور، ويهلكه غروره.. وإن عوقب علي خطأ، يتهم من عاقبه بالظلم، لأنه بار والبار لا يُعَاقَب! لا ينظر إلي الذنب الذي ارتكبه، إنما يشكو قسوة من عاقبه.. له مرآة خاصة يري فيها نفسه بغير ما يراه الناس. و يري انه جدير بالمدح من الكل. وإن مدحوا أحدا غيره، يتأذي في داخله، كما لو كانوا قد تجاهلوه! إن قايين تأذي من قبول الله لذبيحة هابيل (تك 4). فقتله مع أن هابيل لم يؤذه في شيء. هؤلاء الذين يقعون في حب الذات، وفي مديحها، وفي الغرور بالنفس، إنما يهلكون أنفسهم بالكبرياء. أشخاص اّخرون يحبون أن يبنوا أنفسهم بمجد خارجي: بالمركز والغني والشهرة وتعظيم المعيشة... وكل هذا لايوصل إلي مجد حقيقي . فالمجد الحقيقي للذات، هم في نقاوتها، وشركتها مع الروح القدس. قيل عن يوحنا المعمدان إنه كان "عظيما أمام الله" (لو1: 15). ليس عظيما أمام الناس فحسب. ولعل عظمته هذه إنه كام "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو1: 15). أما العظمة الخارجية، فإنها لا تبني الإنسان، بل قد تهلكه.. فهي كلها تتعلق بنظرة الناس إليه، وليس بعلاقته بالله. وهؤلاء الذين يفرحون بالمركز والشهرة والغني والعظمة. ما أسهل أن يقال لهم إنهم "استوفوا خيراتهم علي الأرض" (لو 16: 25). أو "استوفوا أجرهم" (مت 6: 16). إن المظاهر الخارجية لا تبني النفس، بل تبنها ثمار الروح. ثمار الروح هي حجارة حية تبني بها ذاتك. وهي التي قال عنها الرسول: "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف، صلاح إيمان، وداعة تعفف" (غل 5: 22، 23).. فهل حياتك هذه الثمار؟ أما المراكز والمناصب العالمية فليست هي التي تدخلك الملكوت. لا تطلب مجدا من الناس. فقد قال السيد المسيح: مجدا من الناس لست أقبل" (يو 5: 41). فما هو المجد الذي طلبه؟ قال "مجدني أنت أيها الاّب عند ذاتك" (يو 17:5). يأتي بإنكار الذات بالنسبة إلي الناس.. وبدأه الرب في قصة الفداء بأنه "أخلي ذاته" (في 2: 7). كيف إذن نتخلى عن الذات؟ |
||||
30 - 12 - 2013, 04:57 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
قهر الذات يمكننا أن نتخلص من سيطرة الذات بالأمور الآتية: ١) قهّر الذات: الصوم والعفة يدخلان في قهر الذات، من جهة ضبط طلبات الجسد وشهواته. وهناك قهر آخر للذات من جهة شهوات النفس. فقد تشتهى النفس حب الظهور، وأن تعلن عن ذاتها وتسعى وراء العظمة، في هذا كله ينبغى أن نقاومها. وسعيد هو الإنسان الذي يراقب نفسه ويمنعها كلما تشرد وراء التنعمات العالمية، ويقنعها بأن التنعم بالله أفضل. إن مالت نفسك أو مال جسدك إلى متع هذا العالم، أمنعهما بشدة. لا قسوة عليهما، إنما ضمانًا لأبديتك. لأن الذي يدلل نفسه هو يهلكها. والذى يتراخى في ضبط ذاته، تقوى ذاته عليه، وتتمرد على سلوكه الروحى. بعكس الذي يدرب ذاته ويروضها في دروب الرب. إن الوسيلة التي تبنى بها ذاتك، هى أن تقهر ذاتك وتغلبها. لأنك بقهر الذات وتغلبك عليها، تصل إلى المجد الحقيقى للذات. الذي هو غير المظاهر الخارجية من العظمة واللذة والشهرة.. كل هذه الأمور البرانية. بينما ينشد المرتل قائلًا فى المزمور «كل مجد إبنة الملك من داخل» (مز ٤٥). ثق أن في قهر الذات لذة روحية، لا تعادلها كل ملاذ الجسد. لذلك إن أردت أن تبنى ذاتك، إقهرها من جهة تطلعاتها الخارجية، لكي تبنيها من الداخل. وحينئذ تجدها في الله، وتجد الله فيها، وتبصرها صاعدة نحو الأبدية. ومن هنا كان الزهد من وسائل علاج الأنا. وفى الزهد تبنى ذاتك - لا في هذا العالم الحاضر - إنما في العالم الآتى وكما كان يوسف الصديق يخزن قمحًا للسنوات المقبلة، كذلك أنت إخزن ما ينفعك يوم تقف أمام الديان العادل. وكما خزنت العذارى الحكيمات زيتًا لحين مجئ العريس (مت٢٥). كذلك أخزن أنت زيتًا من عمل الروح القدس فيك... أقهر ذاتك في أمور العالم، لأن العالم يبيد وشهوته معه (١يو٢: ١٧). إن أرادت نفسك أن تنتصر على الغير، إقهرها، فالإنتصار الحقيقى هو الإنتصار على الذات. أما الغير، فبدلًا من أن تنتصر عليهم، إكسبهم، لأن الكتاب يقول «رابح النفوس حكيم» (أم ١١: ٣٠)... إن الإنتصار على الناس سهل. ولكن كسب الناس هو الذي يحتاج إلى مجهود، إن كنت فيه تقهر ذاتك... * نقطة أخرى في علاج الأنا. وهى محبة الآخرين وخدمتهم. |
||||
30 - 12 - 2013, 04:58 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
محبة الآخرين وخدمتهم أخرج من حبس ذاتك داخل نفسك، إلى نطاق الآخرين. يقول المزمور «إخرج من الحبس نفسى» (مز١٤٢: ٧). وأىّ حبس هو أقوى من تحبس نفسك داخل هذه الأنا؟! أخرج منها إذن، واندمج في العالم الخارجي، مع الآخرين تحبهم وتخدمهم وتتعاون معهم. قطعًا، الشخص الذي يحب ذاته، لا تهمه محبة الآخرين. حاول إذن أن تخرج من التركيز على الإهتمام بنفسك، إلى الإهتمام بالآخرين. وثق أنك ستجد في هذا لذة. وسوف يبادلونك حبًا بحب، وتجد في محبتهم ما يشبع نفسك. إنتقل من مجال الأخذ إلى مجال العطاء. تدرب على أن تعطى الغير، تعطيهم خدمة، تعطيهم وقتًا، تعطيهم حبًا وجهدًا ومساعدة… وإذا نما الإنسان في تدريب العطاء، فإنه يعطى حتى نفسه. وهذا أسمى ما يصل إليه في الإنطلاق خارج الذات. وإن كان من أخطاء (الأنا): البخل. فالعلاج هو العطاء. حيث يتدرب الإنسان على اليد المفتوحة باستمرار. الممدودة بالعطاء إلى الغير، في سعة، وفي رفق وحنان… شكرهم سوف يشبعه. ومساعدتهم ستغير قلبه وتلمؤه بمشاعر نبيلة، فيعطى أكثر، ويزداد في خدمة الآخرين وفي إسعادهم. ويتعود أن يتعب لأجل الآخرين. لا يهتم براحة نفسه، إنما براحة غيره. على عكس الأنانى الذي يجعل راحته على تعب الآخرين. وكلما ينمو الإنسان الروحى في الإهتمام براحة الآخرين، قد يصل إلى حياة التكريس. لأن المكرس هو الذي يجعل حياته كلها لأجل الآخرين |
||||
30 - 12 - 2013, 04:59 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
التواضع نقطة أخرى في معالجة (الأنا)، هى التواضع. ٣) التواضع: الإنسان الذي يعيش في محبة (الأنا)، يهمه أن تكبر ذاته باستمرار، وفي المقارنة يريدها أن تكون أعلى من غيره. وعلاج ذلك أن يضع أمامه قول الرسول: «مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة» (رو ١٢: ١٠). وعن ذلك يقول الشيخ الروحانى «فى كل موضع تحلّ فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم». بل إن السيد الرب يقول «إن أراد أحد أن يكون أولًا، فليكن آخر الكل وخادم للكل» (مر٩: ٣٥). وهكذا يمارس فضيلة (المتكأ الأخير). والمقصود بالمتكأ الأخير، أن يكون الأخير لا من حيث المكان، بل من حيث المكانة. فلا تحسب نفسك أهم الموجودين فى المكان الذي تحلّ فيه. ولا إن رأيك هو أهم الآراء، وقرارك هو أهم القرارات، ومركزك هو الأهم!! ولا تفكر في أن ينبغى أن تكون أنت المطاع والمحترم بين الكل! لا تعط لنفسك كرامة وتفرضها على الآخرين. إنما اترك الناس يكرمونك من أجل ما يرونه من تواضعك ووداعتك… لا ترغم الناس على احترامك. فالإحترام شعور ينبع من داخل القلب. لا يُفرض بالإرغام، إنما بالتقدير الشخصى… قد ترغم إنسانًا على طاعتك، ولكن لا تستطيع أن ترغمه على إحترامك. وفى معاملاتك مع الناس، كن نسيمًا لا عاصفة. كثيرون يحبون صفة العاصفة، لأنها تحمل معنى القوة. أما النسيم فيمثل الوداعة واللطف، اللذين ينبغى أن يتصف بهما من ينكر ذاته. وفى تواضعك لا تفضل نفسك على غيرك. على أن يكون ذلك بعمق الحب وعمق الأتضاع، وبغير رياء… في إتضاعك، قل أنا. من أنا؟ أنا مجرد تراب ورماد. بل قبل أن أكون ترابًا، كنت عدمًا. خلق الله التراب قبل منى، ثم صنعنى من هذا التراب… وهنا يختفي منك الإعتداد بالذات. وفي اتضاعك أيضًا، تصل إلى فضيلة (إدانة الذات). |
||||
30 - 12 - 2013, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الذات (الأنا) لقداسة البابا شنودة الثالث
إدانة الذات الإنسان المصاب بالأنا، يكون باستمرار بارًا في عينى نفسه. إذا أخطأ لا يعتذر، لأنه يظن أنه على حق ولم يخطئ! وإذا حدث سوء تفاهم بينه وبين أحد من الناس، لا يذهب إليه ليصالحه. لأنه يأمل لابد أن يأتى من الطرف الآخر، باعتبار أن الخطأ قد صدر من ذلك وليس منه! بل حتى مع الله، قد لا يعترف بأخطائه، لأن ذاته تقنعه أنه لم يخطئ! العلاج إذن أن يحاسب الإنسان نفسه بغير تحيز، ويدينها. يدين ذاته في داخل نفسه. ويدينها أمام الله وأمام أب اعتراف. ويدينها أمام الغير حينما يلزم ذلك. يدينها في اتضاع. ولا يجلب اللوم على غيرها، كما فعل أبونا آدم وأمنا حواء (تك٣). ولا يبرر ذاته من جهة أسباب الخطأ وظروفه. فكل دواعى التبرير سببها الذات وتمسكها ببرها الذاتى… إن الإنسان الذي لا يعكف على تمجيد ذاته وتكبيرها، بل يهدف باستمرار إلى تنقية ذاتهمما يشوبها من أخطاء ونقائص.. تراه يلوم نفسه ويدينها، لأنه بهذا يمكنه تقويمها وتصحيح مسارها. في إحدى المرات زار البابا ثاوفيلس منطقة القلالى، وسأل الأب المرشد في ذلك الجبل عن الفضائل التي أتقنوها، فأجابه: «صدقنى يا أبى، لا يوجد أفضل من أن يأتى الإنسان بالملامة على نفسه في كل شئ». هذا هو الأسلوب الروحى الذي يسعى به الإنسان إلى تقويم ذاته: يأتى بالملامة على نفسه، وليس على غيره، وليس على الظروف المحيطة. وليس على الله!! ظانًا أن الله لم يقدم له المعونة اللازمة! ليتنا ندين أنفسنا ههنا، حتى ننجو من الدينونة في اليوم الأخير. لأننا بإدانتنا لأنفسنا، نقترب إلى التوبة وبالتوبة يغفر لنا الرب خطايانا. أما الذي لا يدين ذاته، بسبب اعتزازه بهذه الذات، فإنه يستمر في خطاياه، ولا يتغير إلى أفضل. ويكون تحت الدينونة. وصدق القديس الأنبا أنطونيوس حينما قال: «إن دنا أنفسنا، رضى الله عنا» «إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله» «وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله» كذلك فإن إدانتنا لأنفسنا، تساعدنا على المصالحة بيننا وبين الناس، يكفى أن يعتذر الشخص ويقول لأخيه «لك حق. أنا قد أخطأت في هذا الأمر»، لكي يضع بهذا حدًا لغضب المُساء إليه، ويتم الصلح معه. أما إذا استمر المخطئ في تبرير موقفه، فإن الخصم يشتد بالأكثر في إدانته. وما أجمل قول القديس مكاريوس الكبير: «أحكم يا أخى على نفسك، قبل أن يحكموا عليك». |
||||
|