حين وافق الإمبراطور الأريوسي قنسطنس ابن الإمبراطور قسطنطين الكبير على بدعة أريوس أرسل إلى الإسكندرية رجلًا اسمه جاورجيوس الكبادوكي مع خمسمائة فارس ليكون بطريركًا على الإسكندرية بدلًا من البابا أثناسيوس الرسولي الذي رفض هذه البدعة وقاومها، وأمره بقتل كل الذين لا يطيعونه. فلم يقبله أهل الإسكندرية، فقتل منهم عدة آلاف وهرب الأنبا أثناسيوس وبقي مختفيًا ست سنوات ثم خرج ومضى إلى القسطنطينية حيث قابل الإمبراطور، فأمر بترحيله في سفينة بغير خبز ولا ماء لعلّه يهلك جوعًا أو يغرق في الطريق. لكن السفينة وصلت الإسكندرية بسلام، ففرح به شعبه فرحًا عظيمًا وأدخلوه إلى الكنيسة وأخرجوا منها جاورجيوس وأصحابه. في الفترة من عام 337 إلى 361 م في عهد نفس الإمبراطور شمل اضطهاد الأريوسيين للأرثوذكس مصر كلها. ويقول القديس الأنبا أثناسيوس أنه من المستحيل وصف العذابات التي احتملها الأساقفة والكهنة في سبيل عقيدتهم الأرثوذكسية القويمة، حتى أنهم من فرط ما صبَّه الأريوسيون عليهم من ألوان العذاب تغيَّرت ملامحهم. أنذرهم الأريوسيون بالانسحاب من إيبارشياتهم وترك كراسيهم لهم، فلما لم يذعنوا قيّدوهم بالسلاسل ونفوهم إلى بلاد بعيدة. منهم الأسقف آمون والأسقف أولفيوس Adelphius اللذان نفوهما إلى الواحة الخارجية. والأساقفة مويس Muis وبسينوسيريس Psenosiris وبيلامون Pilammon وبلينيس Plenes ومرقس Marcos وأثينودوروس Athenodorus الذين نفوهم إلى واحة آمون التي هي واحة سيوه وكان محكومًا عليهم بالموت حرقًا. والأسقف دراكنتيوس الذي نفوه إلى صحراء القلزم بالقرب من السويس. والأسقف فيلون الذي نفوه إلى بابليون. والأساقفة أمونيوس وأغاثوس وأغاثوديمون Agathodemon وأبلونيوس ويولوجيوس وبفنوتيوس وأبوللون وجايوس وفلافيوس وديسقوروس وهراكليوس Heraclides وبسيان Psain والكاهنان هيراكس Hierax وديسقوروس نفوهم إلى أسوان، ثم راحوا يطاردونهم من كفر إلى كفر ويسخِّرون كثيرين منهم في المناجم والمحاجر، كما ذبحوا بعضهم الآخر بلا شفقة ولا رحمة. ليست هذه هي كل أسماء الأساقفة والقسوس الذين عُذّبوا أو استشهدوا، فإن قائمة الأسماء التي دوّنها البابا أثناسيوس فُقدت للأسف، وقد ذُكر في موضع آخر أسماء تسعين من الكهنة العظام طُردوا عن كراسيهم. أما أساقفة الخمس مدن الغربية فكان نصيبهم النفي إلى الواحة الخارجية، على عكس أساقفة الصعيد الذين نُفوا إلى واحة سيوه. وقد أوصى البابا أثناسيوس بتكريم هؤلاء في الكنيسة باعتبارهم شهداء وقديسين مباركين.