رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث ليست هذه دراسات في العهد القديم، ولا هى مقدمات لأسفاره، إنما هي تأملات روحية، تقدم منهجًا تأمليًا فى الكتاب. الكتاب المقدس – كما قدمه الرب لنا – روحًا وحياة.. وهذا ما أريد أن أقدمه لك، أيها القارئ العزيز. وأود من أجلك، أن أتابع نشر هذه المجموعة، التي أحب أن تحتفظ بها معك، كاملة.. وثق أنك سترى حياتك الخاصة، من خلال شخصيات الكتاب.. فالنفسية البشرية هى، منذ آدم، وحواء إلى يومنا هذا.. |
10 - 02 - 2014, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
شخصيات الكتاب المقدس 1 * قدم لنا الكتاب المقدس ألوانًا متنوعة من "أناس الله القديسين ": إنها صور متعددة من قديسين، كل منهم له طابعة الخاص، يختلفون في العمر والجنس والوظيفة والحياة الاجتماعية والأسلوب الروحي. وذلك لكي نتعلم أن القداسة ملك للكل، وليست وقفًا على فئة معينة من الناس دون غيرها.. فلم يقدم لنا الكتاب حياة القداسة أو حياة الكمال، قاصرة على الأنبياء والرسل مثلًا، أو على الكهنة ورؤساء الكهنة، أو على صانعي العجائب والمعجزات، إنما هي للكل، وهى بإمكان كل أحد * قدم لنا الكتاب المقدس قديسين في مراحل متفاوتة من العمر: منهم الأطفال مثل صموئيل، ومنهم الصبيان مثل داود وأرمياء. ومنهم الشباب مثل يوسف الصديق، ويوناثان، و مارمرقس ويوحنا الحبيب. منهم الرجال الناضجون مثل موسى وبطرس، ومنهم الشيوخ مثل نوح وأخنوخ وإبراهيم.. وسمعان الشيخ. * قدم لنا رجالًا ككل هؤلاء. كما قدم لنا نسوة قديسات.. مثل مريم العذراء، وحنة النبية، وسارة، وراعوث، إستير، واليصابات، ومريم أخت لعازر.. وغيرهن كثيرات. * وكما قدم لنا قديسين متفاوتين في العمر، قدم لنا أيضًا قديسين متفاوتين في المركز الاجتماعي، وفي الغنى والفقر: فالمسألة أولًا وأخيرًا مسألة قلب مستعد لعمل النعمة فيه، أيًا كان مركزه أو وضعه المالي أو وظيفته في المجتمع. وهكذا قدم لنا الكتاب قديسين أغنياء جدًا مثل أيوب الصديق، وأبينا إبراهيم، ويوسف الرامي. كما قدم لنا فقراء مثل الأرملة التي دفعت من أعوازها فلسين في الصندوق، ومثل أرملة صرفة صيدا التي استضافت إيليا النبي، ومثل لعازر المسكين الذي كان يستعطى، وكانت الكلاب تلحس قروحه. قدم لنا الكتاب رعاة غنم مثل داود وإسحق ويعقوب، وصيادي سمك مثل بطرس وإندراوس وعشارين مثل متى وزكا، وملوكًا مثل داود ويوشيا، ووزراء مثل دانيال ويوسف، وأسرى حرب مثل الثلاثة فتية، وأبطالًا مثل شمشون، وقضاة مثل جدعون، وطبيبًا مثل لوقا، وكاتبًا مثل عزرا، وخادمًا مثل لعازر الدمشقي.. * قدم لنا الكتاب أيضًا قديسين متفاوتين في ثقافتهم وعلمهم: فبينما نرى موسى الذي "تهذَّب بكل حكمة المصريين"، وبولس الذي كان من علماء عصره، وسليمان الذي كان أحكم أهل الأرض في زمانه، نرى أيضًا جُهَّال العالم الذين اختارهم الله ليخزى بهم الحكماء.. * كذلك قدم لنا الكتاب أمثلة متفاوتة في البتولية والزواج والترمل، وكلها كانت حياة مقدسة طاهرة أحبها الرب.. قدم لنا بتوليين قديسين مثل إيليا واليشع ويوحنا المعمدان ويوحنا الحبيب، ومتزوجين قديسين مثل نوح البار، وبطرس الرسول، وأخنوخ أبى الآباء الذي رفعه الله إليه.. كما قدم لنا من عاشوا حياة مقدسة في الترمل مثل حنة النبية، ومن تزوجوا بعد ترملهم مثل راعوث، ومن تزوجوا بأكثر من واحدة مثل إبراهيم وموسى وداود.. وعلى جبل التجلي، ظهر السيد المسيح، محاطًا بإيليا البتول، وبموسى المتزوج، والكل يحيط بهم نور عجيب. وحول الصليب، كانت مريم العذراء ويوحنا البتول، ومريم زوجة كلوبا التي أنجبت عددًا كبيرًا من البنين والبنات.. |
||||
10 - 02 - 2014, 05:13 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
شخصيات مختلفة من الكتاب 2 * قدم لنا الكتاب من عاشوا حياة مقدسة منذ البدء، ومن جاءوا إلى الرب أخيرًا، ورحمهم الله وقبلهم إليه: قدم لنا قديسين من بطون أمهاتهم، مثل يوحنا المعمدان الذي من بطن أمه امتلأ من الروح القدس. كما قدم لنا قديسين وقديسات عاشوا في عمق الخطية قبل لقائهم بالرب مثل اللص اليمين، والمرأة التي بللت قدميّ الرب بدموعها، ومثل راحاب الزانية، وقدم لنا الكتاب أشخاصًا عاشوا من قبل بعيدين عن الله، مثل مريم المجدلية التي أخرج منها الرب سبعة شياطين، المرأة الكنعانية التي كانت من شعب ملعون أممي.. وقدم لنا قديسين من مضطهدي الكنيسة، مثل شاول الطرسوسي، ومثل الجندي الذي طعن المسيح بالحربة. * قدم لنا الكتاب المقدس شخصيات تحمل ألوانا من الروحيات، متنوعة، ومتغايرة ولكننا نراها كلها متكاملة: قدم لنا إيليا الشديد الناري، الذي أغلق السماء ثلاث سنين وستة أشهر فلم تمطر، والذي قتل المئات من أنبياء البعل وأنبياء السواري، وانتهر آخاب الملك، وقال لتنزل نار من السماء، وإرميا النبي الذي سكب دموعه ومراثيه. وأرانا الكتاب كيف أن الله عمل في الشخصية النارية، كما عمل في الشخصية الباكية. وأستخدم الاثنتين في بناء ملكوته. فليس المهم هو نوعية الشخص، إنما تسليمه لإرادته في يد المشيئة الإلهية. في الكتاب نرى شخصية بطرس الرسول المملوءة غيرة وتسرعًا واندفاعًا، مع شخصية توما المملوءة حرصًا وشكًا وتريثًا وحبًا للفحص وبعدًا عن الاندفاع. وكلاهما في يد الرب، يعمل بهما. ونرى في الكتاب كيف استخدم الله أناسا كما هم، بينما غير البعض فحول يوحنا ابن الرعد، تلميذ المعمدان إلى قلب كله حب.. * وكل فضيلة تعجبنا، نرى شخصيات في الكتاب تمثلها: نرى أيوب يمثل الصبر، وسمعان الشيخ يمثل الرجاء والانتظار. نرى داود يمثل التوبة والانسحاق وإبراهيم يمثل الطاعة والإيمان. نرى يعقوب الهادئ المحتمل، ويوحنا المعمدان المشهور بالصمت والتأمل.. إنها باقة من الفضائل متنوعة الأزهار والألوان والعطور: يقدمها الكتاب المقدس، في أشخاص أتقنوها عمليًا، وتركوها لنا كقدوة ومثال. بحيث أننا إن أردنا صفة ما، أو فضيلة ما، سنجد حتمًا الشخص الذي يعطى لها صورة مثالية. وهكذا يكون الكتاب جامعاُ لكل ما نريد. * لذلك لا ييأس أحد مفتكرًا أن حالته لا تناسب دعوة الله: فالله مستعد أن يدعوك كما أنت، أيًا كانت حالتك، أو ثقافتك، أو سنك، أو مركزك، أو وضعك الاجتماعي.. إنه " الداعي الكل إلى الخلاص".. ولعلك تجد مثيلًا لك في الكتاب المقدس، قد عمل الله فيه وبه.. لا تقل إذن " لست أصلح". فليس المهم هو صلاحيتك، إنما المهم هو عمل الله معك. والله قادر أن تعمل مع الكل. قل له إذن "مستعد قلبي يا الله، مستعد قلبي" (مز 56) * ومن الأمور المعزية أيضًا في الكتاب أنه قدم لنا مثاليات مثلنا، لقديسين كانت لهم ضعفاتهم ونقائصهم وسقطاتهم: ولكن روح الله قد عمل فيهم، وأوصلهم إلى درجات عليا في القداسة، على الرغم من هذه الطبيعة التي يمكن أن تضعف أحيانًا، وتسقط.. وما أعمق وأصدق قول الكتاب: " إيليا كان إنسانا تحت الآلام مثلنا.." (يع 5: 17، 18). ومع أنه كان تحت الآلام مثلنا، إلا أنه "صلى صلاة". واستطاع أن يغلق السماء وأن يفتحها. قدم لنا الكتاب إبراهيم الذي خاف أن يقتلوه، فقال عن زوجته سارة إنها أخته. ويعقوب الذي خدع أباه، وسرق بركة أخيه. وشمشون الذي أغرته دليلة، فكسر نذره. ونوحًا الذي سكر وتعرى، وداود الذي زنى وقتل، وتوما الذي شك، وبطرس الذي أنكر.. لم يقدم لنا الكتاب قديسين معصومين، أو بشرًا من نوع الملائكة، إنما قدم بشرًا مثلنا، واقعًا لا خيالًا.. قدم النفس البشرية التي نعرفها، والتي اختبرناها، "الأواني الخزفية" السهلة الكسر، التي عمل فيها الخزاف العظيم، وصنع منها أواني للكرامة، وجعلها رائحة بخور ذكية، أمام الملائكة والبشر.. وكان " فضل القوة لله وليس لنا" (2كو 4: 7). أما عن الحروب الروحية التي تعرض لها هؤلاء، فيعزينا الكتاب بقوله: "الحرب للرب. والرب قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل. قدم لنا الكتاب المقدس عينات من قديسين، من نفس نوعنا، يمكن أن تضعف، ويمكن أن تسقط، ويمكن أن تخطئ وأن تزل.. |
||||
10 - 02 - 2014, 05:16 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
شخصيات أخطأت وتابت * ولكنه قدم لنا في هؤلاء القديسين الذين أخطأوا، صورًا رائعة من التوبة. نصف الحقيقة أنهم أخطأوا، والنصف الآخر، الأروع، أنهم تابوا.. إن الكتاب المقدس صريح وواقعي. إنه يقدم لنا قديسين من نفس طبيعتنا، التي يمكن أن تخاف، وأن تشتهى، وأن تقتر، وأن تهرب، وتختبئ من الله.. حتى السبعة ملائكة الذين للسبع كنائس في آسيا، نراهم من نفس الطبيعة البشرية العادية: لذلك حينما ندرس هؤلاء الرعاة، الذين وصفهم الكتاب بأنهم ملائكة، لا ننسى أن واحدًا منهم كان فاترًا، لا هو حار، ولا هو بارد، وكان الله مزمعًا أن يتقيأه (رؤ 3: 16). ونرى واحدًا آخر منهم، على الرغم من تعبه وكده لأجل الله، عاد وترك محبته الأولى، وأرسل له الله قائلًا "أذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 5). ونرى ملاكًا ثالثا من ملائكة هذه الكنائس السبع، يقول له الرب "إن لك اسمًا إنك حي وأنت ميت" (رؤ 3: 1) إنها نفس الطبيعة البشرية التي لباقي لناس.. والكتاب المقدس لا يكلمكم من وحى الخيال، ولا يصور لكم قديسين لهم أجنحة من نور ونار، ويطيرون في السماء، ويسبحون في أجواء القداسة العليا. ولكن بعمل الله القوى الذي عمل فيهم، بنعمته التي دخلت إلى قلوبهم، بروحه القدوس الذي أرشدهم وقواهم وأشترك في العمل معهم.. بهذا قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه.. وتغيروا. بطرس الذي خاف ذات مرة أمام جارية وأنكر المسيح، وتحول إلى القديس بطرس الجبار العنيف، الذي وقف أمام ولاة وملوك، وقال للشيوخ ولرؤساء الكهنة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 21).. جاهر بالإيمان، وتعب لأجله، وصار شعلة من نار، وصلب، ومات شهيدًا. ما هذا يا أبى القديس بطرس؟ يجيب: لقد كنت ضعيفًا مثلك، وخائفًا مثلك. لكن الله عمل في ضعفي، وروحه قواني وشددني، فشهدت له أمام الكل.. إذن، حينما نجد القديس بطرس الرسول قد ملأ الدنيا تبشيرًا، لا نقول إنه من طبيعة أخرى سامية غير طبيعتنا.. كلا، إنه مثلنا. ولكنه فتح قلبه لعمل الله، وسلم مشيئته لمشيئة القدوس وإن رأينا إنسانًا مثل القديس بولس الرسول، قد تعب أكثر من جميع الرسل، وكرز في كل أرجاء الأرض، فلا نظن أنه قد ولد هكذا.. وإنما هو نفسه يعترف ويقول: "أنا الذي كنت من قبل مجدفًا ومضطهدًا للكنيسة، ولكنني رحمت لأنني فعلت ذلك بجهل" (1تى 1: 13).. وإن عرفنا جبارًا من جبابرة الروح والرعاية مثل القديس موسى النبي، الذي أجرى الله على يديه معجزات في أرض مصر، وشق البحر بعصاه، وضرب الصخرة ففجر منها الماء، أنزل من السماء المن والسلوى.. فلا نظن أنه قد ولد هكذا.. بل أنه عاش في مبدأ حياته كأمير في قصر فرعون، بكل ما تحمل الإمارة من رفاهية وتنعم وكبرياء، معتدًا بنفسه، يضرب المصري فيقتله. ولكن الله أمسك به، علمه طريقه. أمسكه "ابن النجار"، بالفارة والمنشار، وأزال نتوءاته وصنفره، وعمل فيه، حتى صار قديسًا عظيما ً لا نستحق التراب الذي يدوسه بقدميه.. "وصار الرجل موسى حليمًا جدًا، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3) هذه عينات من الناس، أخذها الله كما هي، وعمل فيها، وعمل معها، صارت له، وأخذت من بهائه، ومن قوته. وبالنسبة إليك، لا تشابه القديسين في ضعفاتهم، وإنما في طهرهم. لا تتهاون معتذرًا بأن القديسين أنفسهم قد أخطأوا، إنما أنظر إلى توبتهم وأعماقها العجيبة، والتصاقهم الطبيعي بالله. * وحينما نقول إنهم أخطأوا، فلا نعنى أن حياتهم كلها كانت خطية. بل السقطات كانت الوضع العابر الطارئ في حياتهم. أما القداسة فكانت الوضع الطبيعي الدائم. إذا عرفنا أن داود في وقت ما، قد زنى وقتل. فليس معنى هذا أن حياته كلها كانت زنى وقتلا وليس معنى هذا أن يتطاول بعض الوعاظ على هذا القديس العظيم، ولا يتحدثون إلا عن خطيئته بلون من الاستصغار!! وينسون أنه رجل الصلاة والتسبيح والمزامير، رجل المزمار والقيثار والعشرة الأوتار، رجل الإيمان والوداعة، الذي قال عنه الرب بنفسه "فحصت قلب داود، فوجدته حسب قلبي". إن الشر لم يكن طبيعة في هذا البار، الذي حل عليه روح الرب، والذي هزم جليات، واحتمل شاول وغفر لشمعى بن جيرا، وسبح للرب تسابيح جديدة.. إنما هي صفات طارئة، سمح بها الرب ليعطى قديسه انسحاقًا ودموعًا، ويصيره درسًا في التوبة، كما كان درسًا في الصلاة، وفى الوداعة، وفي الشجاعة. وبنفس الوضع حينما نذكر خوف أبينا إبراهيم، وقوله عن امرأته سارة إنها أخته.. لا ننسى أبدًا إيمان الرجل، ونسكه وشجاعته، وكرمه، وطاعته للرب حتى رفع السكين ليقدم وحيده المحبوب محرقة.. ولا ننسى تَرْكَهُ لأهله وعشيرته وسعيه وراء الرب. * كذلك في حديثنا عن قديسي الكتاب، ليس المهم نقطة البدء في حياتهم، فربما بدأ البعض منهم كأشخاص عاديين . إنما المهم هو ما انتهوا إليه.. لقد كانت حياة هؤلاء القديسين، مجرد مجال عمل فيه الله. نحن نهتم بهذه النقطة بالذات في حياة قديسي الكتاب.. يهمنا جدًا دور الله في حياتهم. كيف كانت معاملة الله لقديسيه، وكيف كانت معاملته للأشرار؟ ومعاملته للساقطين والتائبين وللقائمين.. إن الكتاب هو سجل جميل لمعاملة الله مع الناس.. ومن واقع هذه المعاملة نأخذ فكره عن صفات الله الجميلة، وعن حبه وطول أناته، وحكمته وصلاحه، وقوته وقدرته.. ونأخذ من كل هذا درسًا لأنفسنا ومجالًا لتأملاتنا. * وفي سير قديسي الكتاب، لا نريد أن ندرس تاريخًا، إنما أن نمتص حياة.. فالكتاب المقدس لم يقصد به أن يكون كتاب تاريخ، إنما هو كتاب إيمان، وكتاب حياة. وهذا هو الفرق بين دراستنا للكتاب، ودراستنا لكتب التاريخ. التاريخ يذكر أحداثاُ، ولكننا هنا لا نفحص الأحداث، بقدر ما نفحص حالة القلب. إننا من خلال الأحداث، ندرس النفس البشرية، في كل مشاعرها وأحاسيسها وتصرفاتها. ندخل إلى أعماق النفس، وندرس حروبها الروحية، وندرس علاقاتها مع الله ومع الناس ومع ذاتها. ومن كل ذلك نتعلم.. والكتاب المقدس صريح جدًا في كشف النفس البشرية. ونحن نريد أن نتناول هذه النفوس، لكي نحللها، ونفهمها، ونرى فيها صورتنا نحن، وما ينبغي أن نفعل. وفيما ندرس هذه الشخصيات، ندرسها لكي نحيا نحن.. نحيا من خلال حياة هؤلاء، ونستفيد من تجاربهم، ومن خبراتهم، ونستفيد من سقوطهم أيضًا ومن قيامهم. وإن تعرضنا لأخطائهم، فنحن لا ندينهم عليها. إنهم آباؤنا ومعلمونا، بل هم أيضًا مثلنا العليا. وهم أحباء الله الذين نرجو شفاعتهم وبركتهم.. والأخطاء التي نكشفها، إنما تكشف لنا ضعف طبيعتنا، وليس ضعفًا لأولئك القديسين الذين لا نستحق أن نقبل التراب الذي داسوه بأقدامهم الطاهرة.. بركة هؤلاء جميعًا، فلتكن معنا، آمين.. |
||||
10 - 02 - 2014, 05:17 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
بهاؤهما الأول يحسن بنا أن نبدأ تأملاتنا في شخصيات الكتاببأبوينا الأولين، آدم وحواء، ونرى كيف خلقا وكيف كانا، وميزات طبيعتهما الأولى في عمق بهائها ومجدها، وكيف قادهما الضعف البشرى، وتطور بهما من سقطة إلى أخرى، حتى كثرت خطاياهما جدًا، وفسدت طبيعتهما البشرية. 1-كانا مخلوقين، غير مولودين، لم يرثا فسادًا من طبيعة سابقة: آدم وحواء، لم يولدا من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل.. لم يأتيا من زرع بشر، ولم يرثا طبعًا فاسدًا من طبيعة سابقة عليهما، إنما خلقهما الله، شيئًا جديدًا لم يتلوث من قبل، وبالطريقة التي أرادها الرب لهما. وفي ذلك يسجل سفر التكوين "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك 1: 26، 27). وما أكثر تأملات الآباء القديسين وتفسيراتهم، الخاصة بخلق أبوينا الأولين على صورة الله.. * قيل إن الله خلقهما على صورته في البر والقداسة، في وضع فائق للطبيعة.. وهكذا كان كلاهما بارًا بلا خطية حينما خلقهما الله متسربلين بالقداسة.. * وقيل على صورته في الجمال والبهاء والمجد، أي أعطاهما قبسًا من بهاءه، فكانا في منتهى الجمال، جسدًا ونفسًا وروحًا.. وقيل إن الله خلق الإنسان على صورته في الخلود، إذ وهب لهما حياة خالدة، نفخها في أنف آدم، نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حية (تك 2: 7). * وقيل إن الله خلقهما على صورته في حرية الإرادة. * وقيل أيضًا إن الإنسان خلق على صورة الله في التثليث والتوحيد: ذاتًا، لها عقل ناطق، ولها روح. والذات والعقل والروح كائن واحد: كالذات الإلهية، لها عقل، ولها روح، والثلاثة كائن واحد.. إنما الله غير محدود في كل شيء، والإنسان محدود.. * وقيل إن الله خلقهما على صورته في الملك والسلطة. فكانا ملكين على الأرض، وممثلًا للخليقة الأرضية كلها.. * وقيل إن الله كان يعرف مسبقًا بسقوط الإنسان، وبأنه سيخلى ذاته ويتجسد لكي يخلصه. فخلق هذا الإنسان على الصورة التي كان الله مزمعًا أن يتجسد بها، على شبهه ومثاله.. 3-وكان آدم وحواء يتصفان بالبساطة والبراءة: ما كانا يعرفان الشر إطلاقًا. كانا يعرفان الخير فقط، ولا شيء سوى الخير. لذلك لم يفكرا وقت التجربة أن الحية يمكن أن تخدع وأن تكذب. فعبارات الكذب والخداع لم تكن موجودة في قاموسهما في ذلك الحين. وفي بساطتهما وبراءتهما، ما كانا يعرفان بعضهما من الناحية الجنسية، بل كطفلين ساذجين - ما كانا يفهمان الفروق العضوية في تركيب جسديهما. وكما ذكر سفر التكوين "وكانا كلاهما عريانين، آدم وامرأته، وهما لا يخجلان" (تك 2: 25). 4-وقد باركهما الله معًا، بنفس البركة، وأعطاهما سلطانًا على الأرض كلها بجميع كائناتها، نفس السلطة لكليهما.. وفي ذلك يذكر سفر التكوين "وقال الله نعمل الإنسان كصورتنا، فيتسلطون على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى الدبابات التي تدب على الأرض" (تك 1: 28). وهكذا عاش الاثنان، ولهما هيبة وسلطة، على الأرض ومخلوقاتها. ما كانا يخافان الوحوش أو دبيب الأرض، بل عاشا وسط الأسود والنمور والفهود والحيات والثعابين وما أشبه، في حياة من الألفة والسلام، لهما سلطان على كل هؤلاء. ترى الوحوش فيهما صورة الله فتعاملهما بالمهابة اللائقة بهما. وآدم هو الذي سمى كل الحيوانات وكل ذوات الأنفس بأسمائها "وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية، فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء، وجميع حيوانات البرية" (تك 2: 19، 20). |
||||
10 - 02 - 2014, 05:23 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
الطبيعة قبل السقوط 5- وكان آدم وحواء اجتماعيين، يتعاونان معًا.. حينما كان آدم وحده في الجنة، وجد التعاون والألفة بين جميع حيوانات الأرض " وأما لنفسه، فلم يجد معينًا نظيره" (تك 2: 21). وصعد هذا الاشتياق، أو هذا الاحتياج إلى الله " فأرقع الرب الإله سباتًا على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه، وملأ مكانها لحمًا. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم" ( تك 2: 21، 22). وشعر آدم بهذه الرابطة القوية التي تربطه بحواء، إنها جزء منه، بينهما رابطة دم ولحم وعظم. " فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي، لحم من لحمى. هذه تدعى امرأة، لأنها من امرء أُخِذَت" (تك 2: 23). 6- ونحن نعجب من هذه المعرفة التي كانت لآدم: * كيف عرف أن حواء، قد أخذت من لحمه ومن عظامه، بينما كان في سبات..؟! هل أخبره الله بما حدث، في ظل علاقة المحبة بينه وبين الله؟ أم كان هذا اللون من المعرفة، من ضمن مواهبه في ذلك الوقت، الذي خلق فيه بوضع فائق للطبيعة..؟! * كما أننا نعجب بآدم إذ أنه أعطى حواء اسمًا له دلالة وله عمق، فسماها امرأة، أنها من امرء أخذت. وفيما بعد.. بعد الخطية، حينما ولدت امرأته ابنًا، أعطاها اسمًا آخر: "ودعا آدم اسم امرأته حواء، لأنها أم كل حي" (تك 3: 20). إنها حكمة اتصف بها آدم في إطلاق الأسماء. ولعله استخدام هذه الحكمة ذاتها في تسمية الحيوانات والطيور وكل ذوات الأنفس الحية. ليت أحد المتخصصين في علوم اللغات، يبحث مع بعض المتخصصين في علوم الحيوان، السر الذي يكمن وراء أسماء الحيوانات، والحكمة التي بها أطلق آدم كل اسم على صاحبة.. * كان آدم أيضًا يعمل في الجنة ويحفظها (تك 3: 15). فمن أين أوتى آدم هذه المعرفة بشئون كل النباتات الموجودة في الجنة، أتراه أيضًا لون من الكشف الإلهي، أو كانت معرفة آدم من نوع فائق لمعرفتنا؟! 7-وقد خلق آدم وحواء بعد أن أعد الله لهما كل شيء. خلقهما في اليوم السادس، كقمة لمخلوقاته كلها. وخلقهما بعد أن خلق من أجلهما كل شيء كما في القداس الغريغوري. من أجلهما أعد السماء لهما سقفًا، ومهد لهما الأرض كي يمشيا عليها . رتب لهما قوانين الفلك، ووضع لهما الشمس لضياء النهار، القمر لإضاءة الليل . ونظم لهما الطبيعة وأجواءها، وخلق لهما النبات لطعامهما، والحيوانات لخدمتهما. وأخيرًا خلقهما، ليتمتعا بهذه الطبيعة كلها. وعندما تنتهي فترة إقامة البشرية على الأرض، ويأتي الرب على السحاب، ليأخذ باقي البشر، ويسكن الإنسان في الأبدية، حينئذ ستزول هذه الأرض وهذه السماء اللتان خلقهما الله، لراحة الإنسان ههنا. إذ سيزول غرضهما بانتقال الإنسان إلى جوار الله في أورشليم السمائية. ما أعظم قيمة هذا الإنسان، الذي من أجله خلق الله كل شيء. آدم صورة الله، أعظم كائن على الأرض في أيامه، نائب الله، المسلط منه على كل الخليقة الأرضية.. 8-وكان آدم وحواء سعيدين، يعيشان في جنة: خلق الله جنة جميلة، لكي يحيا فيها هذا الإنسان سعيدًا " غرس الرب الإله جنة في عدن شرقًا. ووضع هناك آدم الذي جبله" (تك 2: 8). ويشرح سفر التكوين بعض تفاصيل هذه الجنة، فيقول "وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر. وكان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة" (تك 2: 9، 10). كان آدم سعيدًا هو وحواء داخل الجنة. لم يكن هناك ما ينقصهما، ولم يكن هناك ما يعكر صفوهما كان كل شيء حولهما جميلًا وعاشا في اليوم السابع، اليوم الذي قدَّسه الرب، واتخذه للراحة، له ولهما. وهذه الطبيعة الجميلة الهادئة النقية التي خلقها الله لآدم وحواء، يقول عنها الكتاب " ورأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا" (تك 1: 31). |
||||
10 - 02 - 2014, 05:24 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
حواء وآدم في الجنة 9- وعاش آدم أيضًا في عشرة الله.. لم تكن سعادة هذا الإنسان الأول، من مجرد خلقه في طبيعة ممتازة، أو من سلطته على هذه الطبيعة أو من حياته في جنة جميلة، إنما لعل السبب الأول في سعادته، أنه كان يحيا في عشرة الله.. الله كان يظهر له، وكان يكلمه، وكان يباركه، وكان يعلمه بنفسه ويقدم له الوصايا النافعة له. كانت له علاقة مباشرة مع الله، يشرحها سفر التكوين "نفخ في أنفه نسمة حياة"، "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن" وأحضر الحيوانات إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، "وباركهم الله وقال لهم: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض"، "وأوصى الرب الإله آدم قائلًا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها". 10-وقد عاش آدم وحواء في الجنة نباتيين.. * إن أكل اللحوم لم يسمح به الله إلا في أيام نوح، بعد خروجه وأسرته من الفلك، إذ يذكر سفر التكوين إن الله بارك نوحا وبنيه بنفس بركة آدم وحواء، تقريبًا، وقال لهم "كل دابة حية تكون لكم طعامًا. كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع، غير أن لحمًا بحياته دمه لا تأكلوه" (تك 9: 3، 4). أما ما قبل فلك نوح، فلم يكن مصرحًا بغير النبات.. وهذا ما يذكره سفر التكوين: * لما خلق الله آدم وحواء، سمح لهما بأكل الفاكهة والبقول، أي ثمار الأشجار، وذلك بقوله "إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذرًا على وجه كل الأرض، وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذرًا، لكم يكون طعامًا". "ولكل حيوان الأرض، وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية، أعطيت كل عشب أخضر طعامًا، وكان كذلك". (تك 1: 29، 30). * إذن لم يكن الإنسان وحده نباتيًا في الجنة، وإنما حتى الحيوانات أيضًا بكل أنواعها كانت نباتية: للإنسان الثمار والبقول، وللحيوان العشب الأخضر. لم يكن هناك افتراس. لا الإنسان يأكل الحيوان، ولا الحيوان يأكل الإنسان، ولا الحيوان يأكل بعضه بعضًا. * وبعد السقوط في الخطية: لما حدث أن الإنسان، كالحيوان اشتهى أن يأكل، أعطاه الله الطعام المخصص للحيوان، عشب الأرض. فقال الرب للإنسان بعد السقوط "تأكل عشب الأرض" (تك 3: 18)، و كان العشب مخصصًا للحيوان من قبل (تك 1: 30). بقى الإنسان بعد السقوط نباتيًا، يأكل ثمار الشجر والبقول والعشب، بعد طرده من الجنة، دون أن يأكل اللحوم، التي لم يصرح له بعدها، إلا بعد فلك نوح (تك 9: 3). * ومع ذلك كانت الأعمار طويلة جدًا، في تلك الفترة من آدم حتى نوح، كما يشرح الإصحاح الخامس من سفر التكوين : عاش آدم 930 سنة (تك 5: 5)، وعاش نوح 950 سنة (تك 9: 29). وعاش متوشالح 969 سنة (تك 5: 27)، وهو صاحب أطول عمر في كل أجيال البشرية وكان نباتيًا. * لماذا إذن صرح الله بأكل اللحوم بعد فلك نوح؟ يقول الكتاب: قبل الطوفان مباشرة: "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض" (تك 6: 5، 6) وهكذا أغرق الرب العالم بالطوفان. وأبقى الرب بقية من البشرية. وسمح لها بأكل اللحوم، لأن مستوى البشر لم يكن يحتمل غير هذا.. |
||||
10 - 02 - 2014, 05:26 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
خطايا عديدة لأبوينا الأولين كانت طبيعتهما سامية جدًا، ولكنهما كانا يتمتعان في نفس الوقت بحرية الإرادة، وبالحرية توجد إمكانية السقوط. العجيب أن كثيرًا من الكتاب يتحدثون عن خطية آدم أو حواء، كما لو كانت خطية واحدة لا غير!! بينما وقع أبوانا في عديد من الخطايا، نذكر منها هنا 27 خطية، بنوع من التحليل، لكي نتعلم نحن أيضًا التدقيق في محاسبتنا لأنفسنا.. فما هي هذه الخطايا؟
|
||||
10 - 02 - 2014, 05:28 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
العصيان أو المخالفة وهذه هي الخطية الواضحة للكل. إن الله أمر أبانا آدم قائلًا: "من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا. وأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. أنك يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك 2 : 16، 17). الوصية واضحة، وقد سمعها آدم بنفسه من فم الله. وكانت تحفظها حواء (تك 3: 2). ومع ذلك خالفها آدم وخالفتها حواء. لو لم ينذر الله آدم وحواء من قبل، لقلنا إنها كانت خطية جهل. ولكن من الواضح أنها خطية معرفة. |
||||
10 - 02 - 2014, 05:29 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
المعاشرات الرديئة بدأت سلسلة الخطايا التي وقع فيها آدم وحواء بخطية: "المعاشرات الرديئة التي تفسد الأخلاق الجيدة" (اكو 15 : 33) Evil company corrupts good habits. فجلست أمنا حواء مع الحية "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله" (تك 3: 1). وحتى إن كانت أمنا حواء، بنقاوة قلبها وبساطتها، لا تدرك ما في الحية من خبث، فإنه كان يجب عليها أن تتنبه، حينما أخذت الحية تكشف أوراقها، وتقول كلامًا عكس ما قاله الله نفسه لهما ولكن أمنا القديسة بدلًا من أن تتنبه، وقعت في خطية الانقياد، ووقعت أيضًا في خطية الشك. وقادتها هاتان الخطيتان إلى سقطات أخرى كثيرة. |
||||
|