خالد أبوبكر يكتب لا تسخروا من البرلمان فهذه بضاعتكم وردت إليكم
استعجب جدا من الذين يسخرون من وجود بعض أعضاء بعينهم فى البرلمان، ويتناسون أن هناك من المصريين من ذهب وأعطى لهم صوته، وقبل كل ذلك شجاعة هؤلاء فى الترشح للعضوية، وهو الأمر الذى أصبح بلا مكاسب مادية تذكر اللهم شرف أن تكون نائبا عن الشعب. البعض سيقول بأى طريقة حصلوا على أصوات الشعب، بالدين بالمال بالدجل بالحكايات بإظهار القوة بالعائلة بالدوله؟ وسأرد: طيب ما هو ده المجتمع المصرى! هذه هى القوى التقليدية التى تمثل النسيج المجتمعى المصرى ولأن السلطة التنفيذية تعلم تماما أن هذه هى القوى الموجودة فى المجتمع، أراد أيضا أن يكون لها كيان منظم تحت أى مسمى داخل البرلمان، ليس الغرض منه سرقة مقدرات هذا الشعب لا سمح الله، لكن أن يكون الغرض الاتفاق على كلمة واحدة فى الأوقات التى سيكون لكل كيان كلمة. فائتلاف دعم الدولة حتى وإن كانت طريقة اختياره والدعوة إليه أساسها أجهزة الدولة، وما حدش يقولى إيه الدليل عشان كله عارف وما بيقولش، لكن فى النهاية هو ليس اتفاقا على سرقة وطن أو الاستحواذ على المناصب، مع تأكيدى المطلق ومن اليوم الأول على عدم رضائى على الطريقة، لأن الأمر الغائب عن أجهزة الدولة فقط هو أن الشعب الطيب سواء فى مصر أو الوطن العربى يتقرب دائما إلى من هم يظهر عليهم مؤشرات القرب من السلطة، وبالتالى إذا كنت محامى قريب من السلطة، فبالتأكيد سيزيد عدد موكليك، وحسب مكان قربك هايكون ثقل هؤلاء الموكلين، وإن كنت من الصحفيين المقربين أيضا، سيعمل لك المسؤول ألف حساب، إذا دعوته لمؤتمر لصحيفتك أو أردت الحصول منه على أخبار، وهكذا فى كل المهن، هذا هو ما سيحدث، استفادة غير مباشرة لا أعلم إذا كانت الأجهزة ترصدها من عدمه. لكن المهم أن هذا البرلمان لم يفرز نوابا من سويسرا أو كينيا هم مصريون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، منهم من ترضى عنه أنت بشكل شخصى، ومنهم من أتى لأن غيرك من أبناء دائرته رضى عنه وانتخبه إلى جانب من وثق فيهم رئيس الدولة، واللى مش بالضرورة يكونوا مشهورين إعلاميا، لأن موضوع الشهرة الإعلامية ليس معيارا للكفاءة. والسؤال لمن يتهكم على البرلمان «ماترشحتش انت ليه؟» لازم تسيب شغلك وتفرغ وقتا لدائرتك وطلباتها مع اختلاف ثقافتهم وتتحمل كل هذه التبعيات وتبقى تحت دائرة الضوء فى كل تصرفاتك لكن أيضا ماذا تريد من البرلمان؟ ما ستريده من البرلمان يقوم بجزء منه تقريبا رئيس الدولة، رقابة الحكومة ومتابعة مشاريعها وطرح القوانين الأولى للمجتمع، وكان الإعلام فى السابق يقوم بدور المحاسب للمسؤولين عن طريق كشف أخطائهم للمجتمع بشكل تتدخل فيه عوامل كثيرة منها الجيد، كأن يذهب مراسل إلى قرية تعانى من أمراض مزمنة نتيجة مياه الصرف الصحى التى تحيط بمنازلها، ومنها ما هو غير نزيه كأن تجد إعلاميا يمجد فى تصرفات مسؤول نتيجة علاقة رضا بينهما، وأعتقد أن هذه المعادلة ستستمر رغم وجود البرلمان، بل سيزداد عليها علاقة النواب أنفسهم بالإعلام وسعى بعضهم لنيل رضا الإعلاميين حتى تصل صورتهم الحسنة أمام أهالى دائرتهم. ولكن حتى تريح نفسك من كل هذا التفكير، تخيل دائما أنك صاحب هذا البرلمان، وأن الحكومة تعمل لإرضائك وأنك وحدك الذى تقيم الاثنين معا البرلمان والحكومة. فعندما سأل الرئيس الأمريكى باراك أوباما عما سيفعله بعد تركه لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكيه قال: سأتقلد أعلى منصب الدولة، فاستعجب الناس فرد عليهم، لأنه سيكون مواطنا أمريكيا وهو المنصب الذى لا يمكن نزعه من صاحبه، وهو أيضا الذى يحاسب الجميع. والحمد لله أننا فى مصر، إلى حد ما، نستطيع أن نسأل غالبية الأسئلة ونتحسس الحرج فى طرح بعضها،على سبيل المثال: كم أخذت مصر من مساعدات من الدول العربية منذ 30 يونيو وحتى الآن وأين ذهبت؟ ما حقيقة ما حدث فى 25 يناير والأيام التى تلتها وما الفارق بين طنطاوى وعنان ولماذا يكرم الأول ولا يذكر الثانى؟ هل المشاريع الاستثمارية التى تقوم بها الدولة الآن هى التى نحتاجها أم الأولى العلاج لكثيرين يجلسون على سلالم المستشفيات والتعليم الذى يحتاج إلى إنقاذ؟ هل نحن راضون عن الأداء الأمنى استحياء، أو بصراحة يجد البعض أن الظروف الراهنة تحتم التغاضى عن بعض الأمور، والسبب الرئيسى هو ثقة الناس فى رئيس الدوله، فهو طاهر اليد ويعمل بلا هدف ولم يكن ولن يكون للمنصب أى عائد شخصى لا عليه ولا أسرته سوى شرف رئاسة الدولة، لكن أيضا من أقدار هذا الرئيس هو واجبه أن يبنى الدولة لأى رئيس قادم، يبنيها بشعبها المؤيد منه والمعارض، ببرلمانها بإعلامها بمثقفيها باقتصادها على أساس يخلو من الفوضى ويقوم على الحرية. واوعى تسمع كلام اللى بيقولك شوف اللى حولينا حصل فيهم إيه إحنا مش زى اللى حولينا، لأن كلنا من أصل واحد ماحناش مذاهب أو أطياف وولادنا اللى بقوا قادة الجيش، أباؤنا وأمهاتنا ربوهم صح على حب بلدهم بإخلاص والتضحية بحياتهم عشانها وانت المواطن اللى عملت كل ده الجيش والرئيس والبرلمان الحكومة وكل حاجة انت صاحبها. فعليك أن تتعامل مع ما صنعته أيديك وتدعم تجربة أول برلمان يبدأ بعد الدولة الجديدة حتى ينجح، ولتعتبرها تجربة أنت صانعها لترى فيها صنعك، وتقيم ما فعلته أنت فى نفسك، فهذه بضاعتكم وردت إليكم.