رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإنسان الروحي لا يعتمد على ذراعه البشرى كما بالغ البعض في أهمية النعمة، حتى اهملوا جانب الجهاد والعمل، كذلك بالغ البعض في أهمية العمل والجهاد، حتى تجاهلوا أهمية يد الله في حياتهم! واعتمدوا في روحياتهم على ذراعهم البشرى. أما الانسان الروحي فيؤمن في أعماق بخطورة الاعتماد على ذراعه البشرى. إنه يبذل كل جهده، ولكنه لا يعتمد على جهده، بل على عمل الله فيه (وكما قال المرتل في المزمور: إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا تعب البناؤون وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطل هو سهر الحراس. حقا إن كل عمل يعمله الإنسان وحده، دون أن يشترك الله فيه، لابد سيكون مصيره إلى المجد الباطل وافتخار الذات. أما العمل الذي تشعر أن الله هو الذي عمل فيك، وهو بنعمته قد منحك القوة لإتمامه، وأنك كنت مجرد أداة في يديه الإلهيتين.. فإن هذا العمل هو الذي يكون لتمجيد الله وتسبيحه وشكره. وتختفى الذات في هذا العمل الإلهى، ويظهر الله وحده.. ولذلك عليك أن تدخل الله في عملك، لأنه يقول "بدونى لا تقدرون أ تعملوا شيئًا". إياك أن تعمل وحدك، وبدون الله! فإنك سترجع النجاح إلى عزيمتك، وإلى نجاحك في تداريبك.. وهكذا تتركز ذاتك ويختفى الله!! لا شك ان هناك أعمالا يعملها الله كلها، دون أي تدخل للعامل البشرى فيها وسنضرب لذلك أمثله: + معجزات اقامة الموتى: واضح فيها أن الميت لم يقم ذاته، وإنما الرب قد أقامه، لا دخل للقوة البشرية هنا. وأنت أيضًا ميت أيضًا بالخطية، وقد أقامك المسيح.. ومثال آخر الامراض المستعصية التي كانت ترمز للخطية، مثل مرض الأبرص، وصاحب اليد اليابسة، والمفلوج، والأشل، والمقعد، والأعمى. كلهم قد شفاهم الرب بغير ذراعهم البشرى. لذلك فالإنسان الروحي يقول: "اعتبرنى يا رب مثل الميت، الذي لا يقدر على إقامة نفسه، ومثل الأبرص الذي لا يستطيع تطهير ذاته". أنت يا رب الذي تقدر أن تقيم الميت، وتشفى الأبرص. أنت يا رب عملت مع كثيرين كانوا فاقدي القدرة، ولم يقووا على تخليص نفوسهم، وأنت قد خلصتهم. مثال ذلك أبونا إسحق.. لقد وضع على الحطب فوق المذبح، وأعدت النار، وارتفعت السكين فوقه. ولكنك أنت الذي تدخلت في اللحظة الحاسمة، وأنقذت اسحق. الإنسان الروحي يذكر أيضًا مثال العاقر. التي لم تستطع من ذاتها أن تنجب ولكنها بنعمة الله صارت مثمرة أكثر من الجميع (أش 54). ويقول للرب: أنت الذي فتحت رحمها المغلق، وقلت لها في رفق "ترنمى أيتها العاقر التي لم تلد.. لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار. ويرث نسلك معًا، ويعمر مدنا خربه.. لحيظة تركتك، وبمراحم عظيمة سأجمعك" (اش 54). نعم إن نفسك قد تكون عاقرًا، لم تنجب من ذاتها فضيلة واحدة. ولكنها بالروح القدس سيكون لها بنون كثيرون، ويبارك الله بنيها فيها. ولكنها بدون روح الرب، تنجب، ولن تثمر. إن "البنين ميراث من الرب "كما قال الكتاب. وهو وحده الذي يستطيع أن يفتح رحم العاقر، كما فعل مع سارة، ورفقة وراحيل وحنة وأليصابات. اعتبر نفسك مثل "الميت الذي لا يقدر على القيامة من ذاته، وكالأرض الذي يحتاج إلى الرب لتطهيره، وكالعاقر التي من ذاتها لا تلد، بل الرب يفتح رحمها، فاطلب الرب إذن من كل قلبك. انظر شمشون، في اعتماده على قوته، واعتماده على الرب.. ما مصير قوته البشرية الجبارة، التي استطاعت أن تخلع باب المدينة، ة تقتل الأسد، وتخيف الناس.. لقد انتهى بها الأمر إلى الضياع. فقبض الأعداء على شمشون وفقأوا عينيه، جعلوه يجر الطاحون كالحيوان. ولكنه أخيرًا عندما قال "يا سيدى الرب، اذكرنى، وشددنى هذه المرة فقط، فأنتقم نقمة واحدة عن عينى" (قض 16: 28)، عندئذ أعطاه الرب قوة، فكان الذين أماتهم في تلك المرة، أكثر من الذين أماتهم طول حياته.. لأن يد الرب عملت معه. اطلب إذن تدخل الرب في حياتك. ولكن ليس معنى هذا أن تنام وتكسل، وتطلب الرب. ولكن جاهد بكل قدرتك، دون أن تعتمد على هذه القدرة وحدها، لأنها بدون الرب لا تستطيع شيئاَ.. اعمل. ولكن لا تعمل وحدك. لا تعتمد على ذراعك البشرى، وعلى قوتك وذكائك وتقواك. اعرف أنك بدون الله لا يمكن أن تنجح. وإن نجحت، يكون نجاحك فشلا، لأنه سيصير طعامًا للذاتية والمجد الباطل. + تعجبنى عبارة قالها بطرس الرسول، عندما شفى الله على يديه الرجل المقعد عند باب الهيكل، والتف الناس مندهشين حول بطرس ويوحنا، حينئذ قال لهم بطرس: "ما بالكم تتعجبون من هذا؟ ولماذا تشخصون إلينا، كأننا بقوتنا أو بتقوانا جعلنا هذا يمشى؟ إن إله ابراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا مجد فتاه يسوع.." (أع 3: 12). + لقد قال بطرس هذا الكلام، لأنه جرب الذراع البشرى من قبل، ولم ينتفع شيئًا: على الأقل في حادثتين هامتين: الأول في صيد السمك: لقد سهر الليل كله، بكل ما عنده من فن في الصيد، ومن خبرة وقدرة. وكانت نتيجة ذلك للرب: تعبنا الليل كله، ولم نصطد شيئا". ولكنه، عندما دخل الرب في سفينته، وعندما أرشده أين يلقى الشبكة وألقاها حسب مشيئته في الأعماق، حينئذ اتت بصيد كثير، حتى كادت تتخرق. والخبرة الثانية التي اختبرها التي اختبرها بطرس كانت في حادثة انكاره للمسيح،لقد اعتمد على ذاته كثيرا، وعلى محبته للرب، وعلى تصميماته: قال للرب: لو أنكرك الجميع، فأنا لا أنكرك.. ولو أدى الأمر أن أموت معك.. ولكن بطرس المعتمد على ذاته، انكر المسيح أمام جارية.. لم تنفعه نيته الطيبة ولا عزيمته، ولا مجرد محبته، ولا تصميماته، ولا حماسته التي قطع بها اذن العبد.. ليته حول تصميماته إلى صلاة. ليته قال: اعطنى يا رب أنا الضعيف قوة لكي لا أنكرك، قوة استطيع بها إذا ما غربلتي الشيطان أن صمد.. كثيرون يجاهدون بمفردهم، يتعبون، ويفكرون، ويدبرون، ويخططون لحياتهم الروحية، دون أن يعنوا بإدخال الرب معهم. سأضرب لكم أمثلة أراد الله بها إثبات فشل الذات في كافة مواهبها ونواحي قوتها. شمشون الذي فقئت عيناه وهو مثال لفشل الذراع البشرى في القوة، وسليمان الذي بخر للأصنام مثال لفشل الذراع البشرى في الحكمة، وداود الذي زنى وقتل مثال لفشل الذراع البشرى على الرغم من كثرة مواهبه. وبطرس الرسول في إنكاره للسيد المسيح مثال الذراع البشرى على الرغم من حماسة وغيرته وإخلاصه. وبطرس الذي سهر الليل كله ولم يصطد شيئا مثال لفشل الذراع البشرى عل الرغم من خبرته وفنه. لذلك إذ عرفت فشل الذراع البشرى، في كل قوته، وحكمته، مواهبه، وحماسه وغيرته، وفنه وخبرته.. إن عرفت هذا، لا تعش مستقلا عن الله، ولا تجاهد بغير معونته. ادخل الله معك في الصغيرة والكبيرة.. كثيرون يطلبون الله فقط في الأمور الخطيرة، أما الأمور الصغيرة فيثقون بقوتهم فيها، وفيها يفشلون ويسقطون. لهذا يهتم الشيطان بهذه الأمور الصغيرة ويركز عليها ليسقطهم بها. ولذلك يحذر القديسون من شيطان يسمى "شيطان الأمور الصغيرة". من أجل هذا قال النشيد "خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم". أما أنت فادخل الرب حتى في الصغائر. لا تثق بقوتك، مهما بدا لك الأمر تافها. كثير من القديسين سقطوا في خطايا ظنوها "خطايا المبتدئين". أما أنت فلا تحتقر خطية معينة، ولا يظن أن هناك خطية تافهة لا تحتاج إلى معونة من الرب. اطلب الرب باستمرار ليعمل معك في كل أمر، صعبا كان أم سهلًا. لا تقل هذا الأمر سهل، اعمله بنفسي. ذاك أمر صعب، احتاج فيه إلى معونة إلهية، فالأمر السهل هو الذي يقف فيه الله معك، وإلا صار صعبًا. والأمر الصعب هو الذي تعمله وحدك بدون الله مهما بدا سهلا. تعجبنى قصة خيالية قيلت عن فلك نوح. كان فيه ثمانية أفراد: نوح وزوجته، وأولاده الثلاثة وزوجاتهم الثلاث.. ولكن.. قيل أن هناك تاسعا كان في الفلك، وكان يدير دفته.. ولولاه ما خلص الفلك. هذا التاسع هو الله نعم، هل يعقل أن يكون نوح قد دخل الفلك دون أن يدخل الله معه؟! لاشك أن العناية الإلهية هي التي تقودنا. بدونها لا يمكن لذراعنا البشرى أن يعمل.. نحن نغرس، ونسقى. ولكن الله هو الذي ينمى. إذن ليس الغرس شيئا، ولا الساقي، بل الله الذي ينمى." (1كو 3: 7 9. لوط لو لم ينقذه الملاكان، لهلك في سدوم.. لقد أمسكا بيديه، وكانا يدفعانه عندما يتوانى، ويعجلان بخروجه.. دانيال لو لم يرسل الله ملاكه ليسد أفواه الأسود، لضاع في الجب. ولولا ملاك الله لبقى بطرس في السجن. لذلك لا تركز تفكيرك في ذاتك، وفى مواهبك وقدرتك وفهمك، وفي إرادتك وعزيمتك وتدابيرك، وخبرتك وطهارتك. خف جدًا لئلا تكون معتمدًا على ذراع بشرى.. جاهد، ولكن ليس بمفردك.. واعمل، ولا يعتمد على عملك. وفكر، ولكن "على فهمك لا تعتمد "انظر إلى لمبات الكهرباء: قد تكون قوية وجميلة، ومن أجود الأصناف، وكذلك أسلاكها جيدة، وتوصيلاتها سليمة. ولكن إن لم يسر فيها التيار، فلن تضئ، كذلك أنت.. هناك آية أحب أن تضعها أمامك باستمرار، كشعار وهى: "إن لم بين الرب البيت، فباطلًا تعب البناؤون. وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا سهر الحارس" (مز 127: 1). صحيح يجب أن تعمل مع الله. هو يبنى. وأنت تناوله الطوب والحجارة والمونة، أو أنت تكون حجرا صالحا في يديه. ولكن لا تظن أنك أنت الذي تبنى حياتك، وحدك، بدونه، استمع إلى بولس الرسول، هو يقول "استطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى". إنه يستطيع كل شيء، ولكن ليس وحده، بل في المسيح الذي يقويه. وإن لم يقوه المسيح، لن يستطيع شيئًا. لذلك نحن في الترتيلة نقول له "امسك يدى وقدنى". قل له يا رب أنا بدونك لا استطيع شيئا. قدنى ارشدنى. "علمنى يا رب طرقك، فهمنى سبلك"، "افتح عينى الغلام ليرى "اعطنى القوة والمعونة. اعمل في ضعفى. كلمة جميلة قالها المسيح لتلاميذه الذين دربهم بنفسه: "لا تبرحوا أورشليم، حتى تلبسوا قوة من الأعالي".. وماذا عن كل خبراتنا ومعرفتنا وروحياتنا؟ أو ماذا عن تلمذتنا الطويلة، لك أنت؟.. لا تعتمدوا على ذواتكم. انتظروا موعد الآب انتظروا حتى تلبسوا قوة من الأعالي.. "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وحينئذ تكونون لي شهودًا حينئذ، وليس قبل.. هكذا أنت، لا تعمل إلا بعد أن تناول قوة من فوق. اسع وراء هذه القوة، بكل ضعفك، بكل صلواتك وتصرفاتك، وحينئذ تشهد له.. إذن ليس بذراعك البشرى، حتى لو كنت رسولا ومن الأثنى عشر، بل بالقوة التي تلبسها من الأعالي. ليس بقوتك، ولا بتقواك، بل باسم يسوع المسيح، يمكن لهذا المقعد أن يمشى. إن لم يبن الرب البيت، فباطلا تعب البناءون. كل خطية تقابلك، قل لها "أنا آتيك باسم رب الجنود "مثلما قال داود لجليات. ادخل إلى الرب في المعركة، لأن الحرب للرب. تأكد أن الرب يحارب معك. وإن لم تشعر به، صارعه حتى الفجر، وقل له لا أتركك حتى تذهب معى وإن لم تذهب معى فلن أحارب ولن اذهب مثلما قال القائد باراق لدبورة النبية (قص 4: 8) كن كالبيت المبنى على الصخر، "والصخرة كانت المسيح"، وحينئذ لا تسقط. ولا تبن بيتك على ذاتك، لأن ذاتك تراب ورماد والبيت المبنى على التراب يكون سقوطه عظيمًا.. ملائكة الكنائس السبع كانوا في يمين المسيح" (رؤ2)0 في يمين الرب التي صنعت قوة (مز 117) كن أنت أيضًا في يد الله. كن كالطفل الذي يسير في الطريق مطمئنًا، لأن أباه ممسك بيده. قل له "لا تتركني يا رب لذاتى وذكائى امسك بيدة". "آه يا رب لو انفرد بى عقلى وذكائى بعيدا عنك "اذن لكنت هلكت!! هوذا الرسول يقول "لا تستكبر، بل خف" (رو 11: 20). إن خفت، قل له "إن سرت في وداى ظل الموت، لا أخاف شيئا، لأنك أنت معى. عطاك وعكازك هما يعزياننى" (مز 23). هذا هو الإنسان الروحي، الذي يسير في طريقه المقدس، معتمدًا على قوة الله التي تستده، والتي ترشده، والنى تحميه، والتي تعمل فيه.. لا يعتمد إطلاقًا على ذراعه البشرى.. ولا أي ذراع بشرى، بعيدًا عن الله.. |
|