رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ملكوت السماوات بَدَأَ يسوعُ رسالته العلنية يُنادي ويَقول "قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات" (متى 4: 17). ويستخدم متى عبارة ملكوت السماوات وليس ملكوت الله كما ورد في إنجيل مرقس ولوقا، لانَّ إنجيل متى موجّه بشكل خاص لليهود، واليهود لا ينطقون بلفظ الجلالة، اسم "الله" بدافع توقيرهم الكبير واحترامهم الشديد لله سبحانه وتعالى. وأمَّا ملكوت السماوات فهو ملكوت خلاص أي الحريّة من الخطيئة وحريّة العيش كأبناء الله، وهو ملكوت سلام في علاقة الإنسان مع الربّ الإله، وملكوت الرجاء في القيامة، وملكوت الحقّ في المسيح الذي هو "الطريق والحق والحياة"، وملكوت الوعد بمكافأة الّذين يسعون إليه، وملكوت الخلود في الحياة الأبديّة. كان يسوع يعلن أنَّ ملكوت الله قريب. وقد اقترب عندما دخل الله نفسه إلى تاريخ الجنس البَشري كإنسان من خلال ابنه يسوع المسيح ليرفع " البَشر إلى الشركة في الحياة الإلهية " (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 541). يقول البابا شنودة الثالث" الربّ قريب منا حتى في أحلك لحظات حياتنا. الربّ اقترب منا بواسطة السيّد المسيح. لقد جاء إلى أرضنا. وعاش بيننا. ونصب خيمته في وسطنا. وصار بَشراً مثلنا. إنّ الربّ ليس ببعيد، ولا هو غريب ولا هو مخيف. إنّ الربّ قريب، واسمه عمانوئيل أي الربّ معنا. ليس هذا فقط ما بَشر به الربّ يسوع، بل هذا ما جسّده أيضا". وحقق يسوع مجيء ملكوته خصوصا بسر فصحه العظيم: موته وقيامته" وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين " (يُوحَنَّا 12: 32) جميع البَشر مدعون إلى الشركة في الحياة الإلهية مع المسيح. وفي هذا الصدد جاء تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة " في التطويبات (متّى5: 3)، تتمِّمُ المواعيد الإلهيّة وتسمو بها وتوجِّهُها نحو "ملكوت السماوات". إنّها لأولئك الذين فيهم الاستعداد لتقبُّل هذا الرّجاء الجديد بإيمان: الفقراء، والمتواضعين، والحزانى، والقلوب الطاهرة، والمُضطهَدين لأجل المسيح، فترسم هكذا السبل العجيبة إلى الملكوت"(بنود 1967-1961). إذا الربّ قريب منا، لماذا لا ندعه يملك على حياتنا ويقودنا ويوجّهنا من خلال التطويبات؟ ملكوت الله قريب لما جاء المسيح إلى الأرض أولا كالعبد المتألم، ولكنه سياتي ثانية كالملك والديّان على كل الأرض. ويمكن أن نحدد ثلاث مراحل للملكوت: المرحلة الأولى، وهي إعلان مجيء ملكوت الله الذي يسوع هو مؤسسه (ابن الإنسان)؛ والمرحلة الثانية وهي إظهار المنهج الجديد المؤدي إلى الخلاص. ويتطلب هذا المنهج الإقلاع عن الخطيئة والاندماج في المسيح، الأمر الذي يجعل المسيحي "إنساناً جديداً" كما أعلن بولس الرسول " فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ. وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشريَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي."(غلاطية 20:2). ج)؛ وأمَّا المرحلة الثالثة، فهي إظهار يسوع كسيّد وابن الله، كنور وحياة وإظهار الروح القدس والعلاقة بين الأقانيم الإلهية في حياتنا. انطلاقا من ذلك، فإن يسوع لم يأتِ لملكوت أرضي والخلاص من نير الرومان السياسي كما ظنّ اليهود، وإنما لتحرير القلب من سلطان الخطيئة ومنح الخلاص. فالمسيح يسوع يملك الآن على قلوب المؤمنين، لكن ملكوت السماوات لن يتحقق تماماً إلاَّ بعد إدانة كل الشر الذي في العالم وإزالته. فالله معنا هنا وهناك، شريطة أن نستضيفه. فنداء يسوع وإعلانه "ملكوت الله" ليسا سوى دعوة يوجهها إلينا لإعداد نفوسنا لقبول الرب. يعلق الكردينال جوزف راتزنغر (البابا بِندِكتُس السادس عشر) " عظمة رسالة الرّب يسوع المسيح تكمن تحديدًا في أنّه لم يتكلّم عن الأرواح والحياة الأبديّة فحسب، بل توجّه إلى الإنسان بكلّيّته، بجسده وبانخراطه في التاريخ وفي المجتمع البشريّ، ووعد الإنسان البشري الذي يعيش بين أناس آخرين في هذا التاريخ نفسه بالملكوت" (معنى المسيحيّة، Vom Sinn des Christseins). نستنتج مما سبق أنَّ جميع البَشر مدعوّون إلى الدخول في الملكوت (متى 8: 11) وللدخول فيه يجب تقبل كلمة يسوع. لذلك الملكوت هو للفقراء والصغار، أي لأولئك الذين تقبلوه بقلب متواضع كما صرّح يسوع "الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشر الفُقَراء" (لوقا 4: 18). ويعلن لهم الطوبى "طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات" (متى 5: 3)؛ والملكوت هو أيضا للصغار "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَواتِ والأَرض، على أَنَّكَ أَخفَيتَ هذه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وكَشفتَها لِلصِّغار" (متى 11: 25). ويسوع يدعو الخطأة إلى الملكوت السماوي:" ما جِئتُ لأُدعُوَ الأَبرار، بَلِ الخاطِئينَ إلى التَّوبَة" (لوقا 5: 32). انه يدعوهم إلى التوبة التي بدونها لا يمكن الدخول إلى الملكوت، وهكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ "(لوقا 15: 7). والبرهان الأعظم على هذه المحبة سيكون في بذل حياته الخاصة " فهذا هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس لِغُفرانِ الخَطايا" (متى 26: 28). |
|