رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
1. المذبح النحاسي: إن كنا قد تحدثنا عن المقدسات الداخلية في المسكن، سواء الخاصة بقدس الأقداس (تابوت العهد) أو القدس (مائدة خبز الوجوه والمنارة ومذبح البخور)، فإنه لا عبور إلى المقدسات إلاَّ خلال المذبح النحاسي والمرحضة. المذبح النحاسي إنما يعني سفك دم الحيوانات وتقديمها ذبائح للرب. يقارن سفر العبرانيين بين المذبح النحاسي الدائم الاتقاد بالنار ليلتهم ذبائح يومية بلا انقطاع وبين صليب السيد المسيح الذي حمل ذبيحة واحدة في آخر الأزمنة. بالنسبة للمذبح النحاسي يقول الرسول أن رئيس الكهنة يدخل قدس الأقداس مرة واحدة في السنة، لكن "ليس بلا دم يقدمه عن نفسه وعن جهالات شعبه" (عب 9: 7). دخوله كل عام مرة علامة عجز العمل، وتقديم الذبائح، أو دم الحيوانات، عن خطاياه وجهالات شعبه علامة ضعفه المستمر. أما السيد المسيح، رئيس الكهنة الأعظم، فقد دخل لا إلى رموز المقدسات السماوية أو ظلالها بل إلى السماء عينها، لكن "ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءًا أبديًا" (عب 9: 12). قدم دم نفسه على الصليب فقدم إمكانية على مستوى أبدي، دون تكرار العملية الصليب! فرئيس الكهنة الأول كان يتألم مرارًا بتقديم دم حيوانات كل عام، علامة العجز عن إبطال الخطية أما رئيس الكهنة الجديد فبدم نفسه أبطل الخطية ودخل بنا إلى المقدسات عينها. وكما يقول الرسول "لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا، ولا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر، فإن ذاك كان يجب أن يتألم مرارًا كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" (عب 9: 24-27). هذا عن رئيس الكهنة، أما الكهنة فكان عملهم اليومي "كل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مرارًا كثيرة تلك الذبائح عينها" (عب 10: 11)، ويرى الرسول في تكرار العمل يوميًا علامة عن عجز دم التيوس والعجول عن تطهير النفس بنزع الخطية (عب 10: 11) إنما تقدس إلى طهارة الجسد (9: 13)، أي حملت عملًا رمزيًا، حتى تقوم الذبيحة الواحدة القادرة على تطهير الضمائر (9: 14). مادة المذبح وأبعاده: يصنع المذبح من خشب السنط [1] بكونه رمزًا للصليب شجرة الحياة. يُغشى بالنحاس [2] لا الذهب، إذ على الصليب يتقبل الابن ثمن الخطية التي ارتكبناها في ثبات كامل، كالنحاس الذي هو علامة الصبر والمثابرة. لا نجد للذهب أثرًا خارج المسكن، فإن الأمجاد السماوية تبقى في الداخل، لكننا نجد النحاس والفضة، النحاس [1-4، 6...] لكي نشارك السيد المسيح صبره وآلامه ومثابرته، إذ يظهر في سفر الرؤيا هكذا: "رجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون" (رؤ 1: 15). إذ نلبس السيد المسيح يكون لنا النحاس الذي به ندك كل الأتعاب والضيقات ونسير نحو السماء بمثابرة دون تراخٍ. أما وجود الفضة [10-11] فعلامة حاجتنا إلى كلمة الله كسند لنا في جهادنا ومثابرتنا. المذبح مغشى بالنحس، وجميع آنيته من النحاس، وشباكه من النحاس وحلقاته من النحاس والعصوان لحمله مغشيتان بالنحاس. طول النحاس خمسة أذرع وعرضه كذلك، وكأن الذبيحة مقدمة لأجل تقديس حواسنا الخمس، لكي نتهيأ للدخول إلى المقدسات الخفية. رقم خمسة أيضًا يذكرنا بالذبائح والتقدمات التي وردت في سفر اللاويين، عددها خمس، لأن جميعها إنما ترمز لذبيحة الصليب، الأمر الذي سبق لنا شرحه في مقدمة سفر اللاويين. ارتفاع المذبح النحاسي ثلاثة أذرع، وكأن المذبح لا يُشير إلى الصليب فحسب وإنما يحمل رمز القيامة (رقم 3)، فقوة الذبيحة أنها تدخل بنا إلى الصليب لكي تعبر بنا إلى القيامة، فتقوم أفكارنا وكلماتنا وأعمالنا (رقم 3)، أي نمارس سرّ رقم 3 بالدخول إلى الألم والدفن والقيامة، بهذا يرفعنا المذبح إلى ثلاثة أذرع. 2. دار المسكن: سبق لنا وصفه في الأصحاح السابق حيث عرفنا أن طوله 100 ذراع وعرضه 50 ذراعًا، تقوم ستائره الكتانية على ألواح أو أعمدة. عشرون عمودًا من كل جانب من الجانبين، 10 أعمدة في المؤخرة، أما من جهة الشرق فيوجد ثلاثة أعمدة على اليمين وثلاثة أعمدة على اليسار وتقوم ستارة المدخل على أربعة أعمدة. يلاحظ في دار المسكن أنه لا وجود أيضًا للذهب، إنما تقوم الأعمدة على قواعد نحاسية، أما رززها وقضبانها فمن الفضة، لينطبق عليها ما قلناه عن المذبح النحاسي. الستائر جميعها (فيما عدا ستارة الباب) من الكتان المبروم فقط، تقوم على أعمدة طول كل منها خمس أذرع، وكأن الدار الخارجية أرادت أن تركز على الطهارة (الكتان) والنقاوة القائمة على أعمدة المثابرة الدائمة والمتكئة على كلمة الله (الفضة). أما طول العمود فيُشير إلى ضرورة النقاوة في كل الحواس الخمس. لم يكن ممكنا أن تكون ستارة الباب من الكتان وحده، بل من الأسمانجوني والأرجوان والقرمز مع الكتان، لأنه لا دخول إلى حياة الطهارة (الكتان) ولا قدرة على المثابرة (النحاس) ولا فهم لكلمة الله (الفضة) إلاَّ من خلال السيد المسيح الذي هو باب الحظيرة. هذه الستارة التي ترمز لحياتنا في المسيح، أو دخولنا الدار خلال المسيح تقوم على أربعة أعمدة، إذ تتم خلال جهادنا على الأرض في المسكونة (أربعة أركان المسكونة)، لكننا إن تطلعنا يمينًا أو يسارًا نرى ثلاثة أعمدة، كأننا ونحن ندخل بالمسيح هنا على الأرض إلى المسكن الإلهي الروحي يلزمنا أن ندخل بقوة قيامته. 3. المنارة الذهبية: يؤكد مرة أخرى أن المنارة ليست لمجرد الإضاءة لكنها علامة عهد فيه نتقبل الاستنارة الإلهية، إذ يأمر باستخدام "زيت زيتون مرضوض نقي"، وأن يكون ذلك "فريضة دهرية" . الملابس الكهنوتية بعد أن أعلن الله لموسى النبي المسكن السماوي ليقيم له مثالًا هو خيمة الاجتماع، أمره أن يقرب هرون وبنيه كهنة له، فإن العبادة التي ترتبط ببيت الله هي عبادة مصالحة خلالها يظهر عمل السيد المسيح الكهنوتي في مصالحتنا مع الآب، وكما جاءت الخيمة في مجملها وتفاصيلها تشهد للسيد المسيح وعمله الرعوي معنا، فإن الكهنوت بكل تفاصيل ملابسه وطقس عبادته قد حمل صورة رائعة لذات الأمر. هذا هو مفهومنا للكهنوت اليهودي، إنه رمز لكهنوت السيد المسيح، الكاهن الأعظم وأسقف نفوسنا (1 بط 2: 25)، أما الكهنوت المسيحي فهو اختفاء العاملين في بيته الروحي في هذا الكاهن الأعظم، الذي وحده في حضن الآب قادر بدمه الطاهر أن يشفع فينا ليدخل بنا إلى هذا الحضن الإلهي. الكاهن المسيحي يعمل لحساب المسيح وباسمه وليس لحساب نفسه . في هذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يقوم الوكيل بإدارة أمور موكله حسنًا، دون أن ينسب لنفسه ما لموكله، بل على العكس ينسب ما لديه لسيده... أتُريد أن ترى مثالًا لوكلاء أمناء؟ اسمع ما يقوله القديس بطرس الرسول: "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي؟!" (أع 3: 12). وعند كرنيليوس أيضًا قال: "قم أنا أيضًا إنسان"... والقديس بولس الرسول لا يقل عنه أمانة في قوله: "أنا تعبت أكثر من جميعهم، ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1 كو 15: 10). وعندما قاوم الرسول أولئك الأشخاص غير الأمناء، قال: "وأي شيء لك لم تأخذه؟!" (1 كو 4: 7)]. 2. صنع ثياب كهنوتية: لا يمكن أن تفهم هذه الثياب الكهنوتية المقدسة إلاَّ من خلال ربنا يسوع المسيح، فإنها صنعت "للمجد والبهاء" [2]، ليس لمجد الكاهن وبهائه الشخصي، وإنما لمجد السيد المسيح الذي يتمثل الكاهن به، يحمل سماته، ويختفي داخله. سمع أحد الآباء عن نسك القديس باسيليوس أسقف قيصرية وتقشفه فذهب لزيارته، لكنه فوجئ به يلبس ثيابًا فاخرة أثناء التقديس. وإذ ظهر عليه علامات الدهشة اضطر القديس -بإرشاد إلهي- أن يكشف له حقيقة الأمر، أنه يلبس تحتها مسوحًا لكنه يرتدي الثياب الفاخرة من أجل بهاء كهنوت السيد المسيح نفسه! يقارن القديس يوحنا الذهبي الفم بين بهاء الكهنة في العهد القديم خلال ملابسهم المقدسة وبهاء كهنة العهد الجديد، فيقول: [الأمور الخاصة بعد ما قبل النعمة مرعبة ومخيفة للغاية... مثل الرمان والحجارة التي على الصدرية والأفود والمنطقة والقلانس (وصفيحة) قدس الأقداس... أما من يرغب في اختبار الأمور الخاصة بعهد النعمة فسيجدها قليلة لكنها مخيفة ومملوءة رهبة. أنك ترى (في عهد النعمة) الرب كفدية ملقى على المذبح والكاهن يقف مصليًا للذبيحة وكل المتعبدين يتلمسون ذاك الدم الثمين. إذن هل تتصور - أيها الكاهن - أنك لازلت بين البشر، وأنك مازلت على الأرض واقفًا؟! أنا اجتزت إلى السماء باستقامة، قاطعًا كل فكر جسداني بعيدًا عن الروح؟! ألست أنت الآن بروح مجردة عن الجسد وفي عقل نقي متأملًا الأمور السمائية؟! آه!! يا لها من أعجوبة!! يا لعظم حب الله للإنسان!! إن الجالس في الأعالي مع الآب يُحمل في تلك الساعة في أيدي الكل، ويعطي ذاته للراغبين في احتضانه ونواله...!! هل يمكنك أن تزدري بهذه الأمور أو تفتخر عليها؟!]. ويرى القديس أثناسيوس الرسولي أن هرون لبس ثيابًا كهنوتية ليعمل ككاهن، وكان هذا رمزًا لابن الله الذي لبس جسدًا حتى يخدم لحسابنا ككاهن يشفع فينا بدمه. 3. الرداء (الأفود): هو الثوب الخارجي، يبدو أنه كان قميصًا قصيرًا موصولا عند الكتفين فقط ومفتوحًا من الجانبين، مشدودًا بزنار مطرز متصل بالرداء نفسه [8]. والعجيب أن الرداء كما الزنار مصنوعان من نفس مواد الخيمة، أي من الكتان المبروم والأسمانجوني والأرجوان والقرمز مضافًا إليه مادة الذهب التي وجدت بكثرة في الخيمة. وكأن العمل الكهنوتي مرتبط بالكنيسة، يقدم صورة حيَّة لسمات السيد المسيح نفسه، أي النقاوة (الكتان) والحياة السماوية (الأسمانجوني والذهب) والفكر الملكوكي (الأرجوان) والتقديس بدم الكريم (القرمز). كلما أدرك الآباء هذه الحقيقة ارتعبوا وشعروا بخطورة سقوط كاهن ما في خطية، أقتبس هنا بعض كلماتهم: * إنه بالحقيقة لا يوجد في العالم وحش كهذا وقاسٍ نظير ذلك الكاهن القبيح السيرة الذي لا يشاء الإصلاح! * أن شرف الكهنوت عظيم، لكن إن أخطأ الكهنة فهلاكهم فظيع. * لا يخلص الكاهن لأجل شرفه، إنما إن سلك بما يليق بشرفه. القديس إيرونيموس * كيف لا يلزم أن تلمع بأشعة القداسة أكثر من الشمس، يد الكاهن التي تلمس جسد الرب، وذلك الفم الذي يمتلئ نارًا سمائية، وذاك اللسان الذي يصطبغ بدم المسيح؟! القديس يوحنا الذهبي الفم العلامة أوريجانوس الكاهن - مهما كانت شخصيته ومهما بلغت قدراته - لا يقدر أن يحمل أثقال شعبه على كتفيه، لهذا إذ يضع أسماءهم على كتفيه كجزء من الطقس التعبدي، إنما يدخل بها الثقل ليلقيه على كتفي المسيح شخصيًا. لهذا في كل قداس إلهي يصرخ الكاهن في قلبه أكثر من مرة، قائلًا: "أقبل هذه الذبيحة عن خطاياي وجهلات شعبك"، وكأنه يلقي بأثقال نفسه وأثقال شعبه على السيد الذي وحده يقدر أن يحتمل ويعين! 4. الصدرة: قطعة مربعة من القماش عينه كالرداء [15]، مثنية إلى الخلف عند الطرف الأسفل ليكون سمكها مضاعفًا [16]. ترصع باثنى عشر جدرًا كريمًا، ثلاثة حجارة في كل صف، وينقش على كل حجر اسم من أسباط بني إسرائيل، وكانت زاويتاها العلويتان مرتبطتين بالرداء بسلاسل ذهبية، ولم تكن الصدرة تنزع عن الرداء [28]، أما زاويتاها السفليتان فتربط به خلال الزنار. وكانت الحلقات وبقية أدوات ربطها مصنوعة من ذهب أو تطريز وسميت "تذكارًا" [12، 29]، لأنها بهذا الوضع تكون الحجارة على صدر رئيس الكهنة أي في قلبه لا يقدر أن ينسى أحدًا منهم. إن كان حجرًا الجزع يشيران إلى المسئولية والتزامه باحتياجاتهم فالصدرة تُشير إلى حمله لهم في أحشائه الداخلية كقول الرسول بولس عن أنسيموس: "الذي هو أحشائي" (في 12). وسميت أيضًا تذكارًا، لأنه كما ارتدى الكاهن هذه الملابس تذكر التزامه بالصلاة عن كل شعبه. إن كان السيد المسيح هو رئيس الكهنة والشفيع الدائم لشعبه (عب 7: 25) لدى الآب خلال دمه، فإن الكاهن وقد اختفى في السيد المسيح يدعى "برسفيتيروس" أي "شفيع" عمله الرئيسي الصلاة الدائمة عن أخوته وأولاده الروحيين. في هذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الكاهن بما أنه نائب الله، فيلزمه أن يهتم بسائر البشر، لكونه أب للعالم كله]. كما يقول القديس ايروينموس: [المخلص بكى على أورشليم لأن سكانها لم يتوبوا (لو 19: 41)... وإرميا أيضًا ندب شعبه غير التائب قائلًا: "يا ليت رأسي ماءً وعينيّ ينبوع دموع فأبكي نهارًا وليلًا قتلى بنت شعبي" (إر 9: 1)، معللًا سبب حزنه، قائلًا: "لا تبكوا ميتًا ولا تندبوه. إبكوا إبكوا من يمضي لأنه لا يرجع بعد" (إر 22: 10)... إذن فحرى بنا أن نبكي من أجل هؤلاء الذين بسبب جرائمهم وخطاياهم عزلوا أنفسهم عن الكنيسة... وفي هذا المعنى يدعو النبي خدام الكنيسة ملقبًا إياهم "أسوارًا وأبراجًا"، قائلًا لكل منهم: "يا سور... ابكي الدمع كالنهر" (مرا 2: 18)... فبدموعك تلين قلوب الخطاة حتى يبكوا هم أيضًا]. وفي العهد الجديد يلبس رئيس الكهنة صدرة، يرسم عليها الاثنا عشر تلميذًا في صفين عمودين، حتى يتشبه بالرسل والتلاميذ متذكرًا ضرورة ذكر شعبه بدموع، حاملًا إياهم في أحشائه. المعنى الحرفي للكلمتين هو "الأنوار والكمالات"، وقد رأى البعض أنهما شيئان صغيران (ربما حجران كريمان) يوضعان في الصدرة [30] لكي يعرف رئيس الكهنة إرادة الله في الأمور الهامة الكهنوتية والقومية. ويرجح البعض أن الكلمتين تشيران إلى أن نور الإرشاد وكماله يأتي من قبل الله، وأن هذا يتم خلال الاثني عشر حجرًا المرصعة في الصدرة، لأنه حيث تذكر الحجارة لا يذكر الأوريم والتميم وأيضًا حيث يذكر الأوريم والتميم لا تذكر الحجارة (خر 29: 10، لا 8: 8). يقول علماء اليهود أن الله كان يحدث الشعب بواسطة الأوريم والتميم في الخيمة، أما بعد بناء هيكل سليمان فصار يحدثهم بواسطة الأنبياء. على أي الأحوال فإن "الأوريم والتميم" يؤكدان في حياة الكاهن ألاَّ يعتمد في خدمته على الأذرع البشرية والمشورات البشرية، لكنه يلجأ أولًا إلى المذبح، حيث ينسكب أمام الله طالبًا نوره الإلهي يشرق في قلبه ويكمل كل ضعف فيه. فالتزامات الكاهن الكثيرة والخطيرة والمتشابكة، إذ يقوم بإرشاد الناس في أثمن ما لديهم - خلاص نفوسهم - وتعامله مع أنواع مختلفة من الناس، تحت ظروف متباينة، هذا الأمر الذي يجعله محتاجًا أن يكون على صلة مستمرة بالله مرشده حتى لا تهلك نفس بسبب جهله أو عجزه عن القيام بالعمل. وقد تحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن مسئولية الكاهن أو الراعي عن كل فشل يلحق بالخدمة أو خسارة تلحق بنفس ما بسبب عدم حكمته، ولا يقدر أن يقدم عذرًا، فشاول الملك لم يُقبل على الكرسي من ذاته وإذ تصرف في المملكة بغير حكمة لا يقدر أن يعتذر بأن صموئيل النبي رسمه دون وجود رغبة داخلية فيه لهذا؛ ولم يستطع عالي الكاهن أن يعتذر عن خطأ ابنيه بأنه ورث الكهنوت بغير إرادته، وموسى الطوباوي نفسه بالرغم من كل محاولاته للإفلات من العمل القيادي عندما أخطأ عند ماء مريبة لم تكن لمحاولاته هذه أن تشفع له، ولم يقدر يهوذا أن يخلص بالرغم من أن الرب هو الذي اختاره للرسولية... لهذا يليق بالكاهن أن يكون حكيمًا يطلب المشورة الإلهية على الدوام حتى لا يسقط تحت الدينونة . 6. الجبة: مصنوعة كلها من الأسمانجوني، يلبسها تحت الرداء مباشرة، وكأنها تُشير إلى طبيعة الكاهن، الداخلية، التي هي الفكر السماوي. يحمل السماء ليس مادة للوعظ أو الحديث لكنها تملأ قلبه في الداخل وتشغل كل أفكاره. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يليق بمن يقوم بدور قيادي أن يكون أكثر بهاءّا من أي كوكب منير، فتكون حياته بلا عيب، يتطلع إليه الكل، ويقتدون بسلوكه]. ربما كانت الجبة تصل تحت الركبتين بقليل، وكانت بدون أكمام ومفتوحة فقط من أعلى، ولعلها كانت منسوجة بدون خياطة [32]. كان بهدب الرداء رمانات من نسيج ذات ألوان بديعة يتخللها أجراس ذهبية [33-34]. تُشير الرمانات إلى ضرورة وجود الثمر في حياة الكاهن. فيظهر الكاهن مثمرًا في كلمات الوعظ العميقة، وفي صمته، وفي مناقشاته، وفي إرشاداته، وفي سلوكه مع كل أحد! وتُشير الأجراس إلى إعلان صوت الكرازة بالإنجيل أينما تحرك، منذرًا الكل بالتوبة من أجل ملكوت السموات. يرى القديس يوستين أن عدد الأجراس اثنا عشر، إشارة إلى الاثني عشر تلميذًا الذين اعتمدوا على قوة السيد المسيح الكاهن الأبدي، فبلغت أصواتهم إلى أقاصي الأرض بمجد الله ونشر كلمته ويرى العلامة أوريجانوس أن [هذه الأجراس يلزم أن تدق على الدوام رمزًا لعدم سكوت الكاهن عن التحدث عن الأزمنة الأخيرة ونهاية العالم]. 7. الصفيحة الذهبية: ينقش على هذه الصفيحة "قدس للرب"، توضع على العمامة. ما هذه الصفيحة الذهبية إلاَّ الإعلان عن السيد المسيح، الذي هو البكر الذي تقبله الآب نيابة عنا. لقد قدس السيد حياته للآب باسمنا، لكي نصير أيضًا مقدسين فيه، إذ يقول "من أجلهم أقدس ذاتي لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق". يدخل الكاهن إلى الهيكل، العرش الإلهي، ليس عن برّ فيه ولا من أجل جهاده الذاتي، وإنما مختفيًا في ذاك الذي هو موضع سرور الآب. المسيا سرّ تقديسه. لهذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [حين تنظر الكاهن مقدم الذبيحة، تأمل يدّ السيد المسيح ممتدة بنوع غير ملحوظ]. كما يقول القديس أمبروسيوس: [آمن إذن أن الرب يسوع هو الحاضر أثناء صلوات الكاهن... لأنه إن كان قد قال "إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20) فكم بالأكثر يهبنا حضوره عندما تجتمع الكنيسة وتتم الأسرار؟!]. 8. العمامة: غايتها أن توضع عليها الصفيحة الذهبية السابقة، وكأن التاج الذي ينعم به الكاهن ويكلل به هو حمله للسيد المسيح نفسه، قدس الرب. يقابل هذه العمامة التاج الذي يلبسه الأسقف، وهو غير معروف أصلًا في الكنيسة القبطية، لكنه أخذ عن الطقس البيزنطي. 9. القميص المخرّم (المنسوج): يصنع من الكتان الأبيض، يلبسه تحت الجبة الزرقاء فلا يظهر إلاَّ على الذراعين وما بعد الجبة تحت القدمين. إن كانت الجبة الزرقاء تُشير إلى القلب السماوي الداخلي، فإن القميص الكتاني المنسوج يُشير إلى الحياة الطاهرة النقية الملائكية، التي تعمل في الداخل لكنها تظهر على الذراعين، أي تنعكس على التصرفات الخارجية، كما تظهر من تحت الحقوين حتى القدمين، وكأن الطهارة أيضًا تغطي كل مسلك الإنسان (القدمين)، أينما سار يسلك بنقاوة! 10. المنطقة والقلنسوة والسروال: عند تقديم الذبيحة يلبس رئيس الكهنة المنطقة، وهي حزام من القماش للتمنطق وشدّ الوسط أثناء الخدمة، إشارة إلى ضرورة تيقظ الراعي (لو 22: 25، أف 6: 14، 1 بط 1: 13)، وقد سبق الحديث عن "التمنطق" أثناء أكل خروف الفصح. التمنطق هو عمل العبيد الذين يخدمون سادتهم، وكأن الكاهن في خدمته يشعر أنه خادم لأولاد سيده وليس رئيسًا أو متسلطًا. والتمنطق يُشير إلى عمل الجندية فالكاهن كجندي صالح يُجاهد روحيًا في جيش الخلاص. التمنطق هو عمل المسافرين، استعدادًا للرحيل. فيشعر الكاهن أنه غريب على الأرض، لا يطلب ما للأرضيات بل ما للسمويات. وفي سفر الرؤيا رأينا الشعب يمثل المنطقة الذهبية المحيطة بصدر السيد المسيح (رؤ 1: 13) لكي يقتات على ثدييه أي العهدين الجديد والقديم. وهكذا يحمل الكاهن شعبه حول صدره ويقدم كل حياته في المسيح يسوع لشعبه. أما السراويل فيعلن الله نفسه أنها لسترة الكاهن... لهذا يقول القديس أمبروسيوس: [لا يزال بعضنا يُلاحظ هذا، لكن الغالبية يفسرونه بطريقة روحية، ويفترضون أنها قليت لكي يراعي الكهنة الاحتشام ويحتفظون بالطهارة ]. فالسروال يُشير إلى احتشام الكاهن من جهة ملبسه فقط، لكنه يلزم أن يكون محتشمًا (1 تي 3) في كل تصرفاته وكلماته. وفيما يلي مقتطفين من أقوال الآباء عن هذا الأمر: * ينبغي ألاَّ يكون صوت الكاهن مترهلًا خافتًا أو "سيداتي" في نغمته، كما اعتاد الكثيرون. القديس أمبروسيوس القديس ايروينموس _____ |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المذبح النحاسي في الكتاب المقدس |
ثروات التمرير النحاسي |
المذبح النحاسي |
المكياج النحاسي الاختيار الأجمل لسهرات رأس السنة |
الرد علي شبهة التناقض في سعة حوض سليمان النحاسي |