هل إفرازات الجسد الطبيعية دنس أو تُعتبر نجاسة أو خطية تستدعي التوبة أو تمنع الصلاة
سؤال أتى كثيراً، بالرغم من أنه تم الرد عليه كثيراً جداً، ولكن أحببت اليوم ان أضع رد آبائي وهو للقديس أثناسيوس الرسولي، وهو عبارة عن جزء من رسالة كُتبت قبل عام 354 م إلى أب الرهبان القديس آمون المعاصر للقديس أنبا أنطونيوس الكبير. ويفند في هذه الرسالة بعض الأفكار المغلوطة عن الاعتقاد السائد بنجاسة المرأة أو الرجل بسبب إفرازات الجسد الطبيعية، فيقول:
[ كل الأشياء التي صنعها الله جميلة وطاهرة، لأن كلمة الله لم يصنع شيئاً عديم النفع أو غير طاهر. لأننا " رائحة المسيح الذكية في الذين يخلصون " (2كورنثوس 2: 15) كما يقول الرسول. ولكن بما أن سهام إبليس متنوعة وماكرة، وهو يتحايل لإزعاج البُسطاء، ويحاول أن يُعيق الإخوة عن الممارسات العادية ملقياً بينهم سراً أفكاراً عن النجاسة والدَّنس، لذلك دعنا بالإيجاز نطرد خطأ ( ضلالة ) الشرير بواسطة نعمة المخلّص، ونُثَبِّتْ قلب البسطاء لأن كل شيء طاهر للطاهرين ... أما ضمير النجسين ( يقصد الذين يخطئن والهراطقة والمنافقين ) وكل ما يختص بهم فقد صار دنساً. وإني أتعجب أيضاً من خبث الشيطان، لأنه رغم أنه هو الفساد بذاته، والسوء بعينه فهو يوعز بأفكاره تحت مظهر الطهارة وتكون النتيجة فخاً لا امتحاناً. فأنه - كما سبق وقلت – لكي يصرف النساك عن تأملهم المفيد الذي اعتادوه، ولكي يظهر أنه ينتصر عليهم فانه يُثير بعض أفكار طنانه مثل تلك التي بلا فائدة في الحياة لها، بل هي أمور باطلة وسخافات يجب على الإنسان أن يطرحها جانباً.
فأخبرني أيها الصديق المحبوب والكثير التقوى جداً:
ما هي الخطية أو النجاسة التي توجد في إفراز الجسم الطبيعي ؟
كما لو كان فكر الإنسان مهتماً بأن يجعل من إفرازات الأنف أو بُصاق الفم – وهي ضرورة طبيعية – أمراً يستحق اللوم ؟ ونضيف أيضاً ما تفرزه البطن كلها ضرورة طبيعية للحيوان. وبالإضافة إلى ذلك، فأن كنا نؤمن – أن ما تقوله الكتب الإلهية – إن الإنسان هو عمل يدي الله، فكيف يُمكن أن ينتج عمل دنس من قوة نقية ؟
وإذا كنا نحن ذُرية الله حسب ما جاء في أعمال الرسل الإلهية (أعمال 17 : 28)، فليس في أنفسنا شيءٌ نجس. ولكننا حينما نرتكب الخطية، وهي أكثر الأشياء قذارة، فعندئذٍ فقط يُجلب الدَّنس.
ولكن عندما يحدث أي إفراز جسدي بدون تدخل الإرادة، فإننا نعرف بالخبرة أن هذا يحدث كما في أشياء أخرى بضرورة الطبيعة.
ولكن حيث أولئك الذين لذتهم الوحيدة هي مناقضة ما يقال باستقامة أو بالأحرى ما هو من صنع الله – يقبلون حتى القول الذي في الأناجيل مستندين إلى أنه " ليس ما يدخل الفم يُنجس بل ما يخرج " لذلك مضطرون أن نوضح عدم المعقولية هذه.
فهذا ليس مجرد تساؤل معقول. فأنهم أولاً، كأشخاص غير ثابتين يحرفون الكتب (2 بطرس 3 : 16) بسبب جهلهم الخاص بهم. أما معنى القول الإلهي فهو كالآتي:
كان بعض الأشخاص كهؤلاء في هذه الأيام يتشككون من جهة الأطعمة. والرب نفسه لكي يبدد جهلهم – أو ربما ليكشف خداعهم، يقرر أن ليس ما يدخل الإنسان ينجسه بل ما يخرج منه. ثم يضيف بالضبط من أين يخرج: من القلب لأنه يعلم أن هناك توجد الكنوز الشريرة للأفكار الدنسة والخطايا الأخرى. والرسول يعلم نفس الشيء ولكن بأكثر اختصار قائلاً: ولكن الطعام لا يقدمنا إلى الله (1كورنثوس 8: 8)، وأيضاً فمن المعقول أن نقول إن أي إفراز طبيعي لن يقدمنا أمامه للعقاب !!!
وعلى الأرجح فأن رجال الطب يؤيدوننا في هذه النقطة – فنقول هذا لكي نخجل هؤلاء القوم على أيدي الخارجين عن مجال التعليم الديني، فأنهم يخبروننا أنه توجد مسالك ضرورية معينة موافقة للجسم الحيواني لأجل طرد فائض الإفرازات التي في أجزاءنا المختلفة ... وإخراج الفائض من المسالك البولية.
فباسم الله أسألك أيها الشيخ المحبوب جداً من الله، أية خطية إذن هناك إن كان اليد الذي صنع الجسد أراد، وصنع هذه الأجزاء لتكون مثل هذه المسالك.
ولكن بما أننا ينبغي أن نُصارع اعتراضات الناس الأشرار. إذن قد يقلون (( إن كانت الأعضاء قد صورت بتنوع بواسطة الخالق، إذن فلا توجد هناك خطية في استعمالها فعلاً )). فلنوقفهم بهذا السؤال: ماذا تقصدون بالاستعمال – هل هو ذلك الاستعمال ( الشرعي ) الذي سمح به الله عندما قال " أثمروا واملأوا الأرض " (تكوين 1 : 28)، والذي صادق عليه الرسول في الكلمات " الزواج مكرم والمضجع غير دنس " (عبرانيين 13: 4)، أم ذلك الاستعمال المُشاع، ولكنه يجري في تلصص وبصورة زنا ؟
فمبارك هو الذي – إذ قد حمل نير الزواج في شبابه بحريته – ينجب أطفالاً بالطريقة الطبيعية، ولكن إذا استعمل الطبيعة بفجور، فإن عقاب ذلك يكتب عنه الرسول أنه ينتظر العاهرين والزُناة.
وهكذا فإن اعتراضاتهم النجسة الشريرة تكون قد وجدت الحل الصحيح المعطى من القديم في الكتب الإلهية ]