رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أمنا حواء كفّي يدك عن أكل الثمرة! غير أن حواء أكلت واعطت زوجها فأكل! وسقط الجنس البشري كله بالتبعية من جراء هذا السقوط. الخطية تحدث تبدلاً وتغييراً في الوجود الإنساني, إذ تخلق وضعاً انسانياً جديداً يحرفه عن وضعه الأصلي, وهكذا ينقسم زمن الوجود الإنساني إلى زمنين: زمن ما قبل الخطية وزمن ما بعدها, والفرق بين الزمنين هو ثمرة الخطية. كما أن هذا الفرق يشير إلى أن الوضع البشري الحالي الخاطئ لم يكن عند انطلاق البشرية ولا يدخل في بنية الخطيئة والشر والموت في العالم. فإذا أردنا أن نفهم لما تتآمر أمة على أمة, ولماذا تنقسم العائلة على نفسها, ولماذا تمتلئ صحفنا بأنباء العنف والإجرام والبغضاء, فلا بد لنا من الرجوع من جديد إلى البداءة لنرى القصة التي يرويها الفصل الأول من سفر التكوين عن آدم حينما كان في جنة عدن. يظن بعض الناس أن قصة الخلق, كما يرويها الكتاب المقدس ليست سوى خرافة قد يصدقها الأطفال! لكنهم مخطئون في ما يزعمون, اذ أن ما يرويه الكتاب المقدس هو صادق كل الصدق. فهو يروي لنا بأمانة ودقة ما حدث بالفعل في أول الأمر, ثم يروي لنا كيف, ولماذا مضى الإنسان في سيره منذ تلك اللحظة في طريق الدمار والخراب. خلق الله هذا الكون كاملاً لا نقص فيه ولا علة. خلقه كامل الجمال والإنسجام….ونحن اليوم نتوق إلى ذلك العالم. في هذا العالم الكامل وُضع الإنسان كاملاً, وهل يعقل أن يصنع الله شيئا إلا كاملا؟! ثم سكب الله في آدم اعظم الهبات وأثمنها, وهي الحرية, حرية الإختيار. كان آدم كامل النضوج في جسمه وعقله, سائراً مع الله ومتمتعاً بالشركة المباركة معه. وكان من المقرر أن يكون ملكاً على الأرض يحكم وفق إرادة الله. في جنة عدن نرى سمو حالة الإنسان الكامل, الإنسان الأول الذي تفرد بين سائر مخلوقات الله بهبة الحرية, حرية كاملة. فله أن يختار وله أن يرفض, له أن يطيع وصايا الله وله أن يعصيها, له أن يسعد نفسه أو يشقيها. ولكن مجرد إمتلاك الحرية لا يكفي لإسعادنا, وإنما ما نختار فعله بحريتنا هو الذي يقرر ما إذا كنا سنجد أم لا السلام مع أنفسنا ومع الله. هذا هو جوهر المشكلة لأنه حالما توهب الحرية للإنسان يجد نفسه مخيراً بين طريقين اثنين. إذ لا معنى للحرية إذا كان هناك طريق واحد لاتباعه, الحرية تتطلب أن يمتلك المرء حق الإختيار وحق تقرير ما ينوي أن يفعله. نعرف رجالاً ونساء ذوي استقامة وأمانة ولكن ليس ذلك منهم عن اختيار حر, لأنه لم تتح لهم الفرصة ليكونوا غير ما هم عليه. وكثيراً ما يفتخر الناس بأنهم طيبون, بينما هم في الواقع مدينون في صلاحهم إلى البيئة المحيطة بهم, وإلى نمط الحياة التي يحيونها. وكيف نفاخر بمقاومة التجربة إذا لم نواجه أية تجربة؟! وقد اعطى الله آدم تمام الحرية ليختار ما يشاء, كما هيأ له افضل فرصة ليمارس تلك الحرية. العالم كافة كان خاضعا له رهن اشارته, وتاريخ البشرية كان في قبضة يديه, اشبه بصفحة ناصعة البياض, ينتظر أن يخط عليها آدم الفصل الأول…وجاءت التجربة العظيمة التي كانت بمثابة اختبار لادم الذي كان له ملء الخيار والحرية في اختيار السبيل الخطأ. ولم يكن أمامه سبيل واحد لابد من اتباعه, بل كان أمامه سبيلان, وقد اختار أحدهما بمحض ارادته. لقد جرى اختياره فتحمل نتائج ذلك الإختيار ووضع النموذج الذي كان لابد للإنسانية من اتباعه ” بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة ” (رومية 5: 18). وما اشبه آدم بالينبوع الذي انبثقت منه الإنسانية بأسرها. وقد كان بإمكان ذلك الينبوع الصافي الرقراق أن يختار مصيره بين أن يصبح نهرا صافيا يجري بين المراعي الخضاء المخصبة ليرويها وينعشها, أو أن يصبح نهرا موحلا قذرا يتسرب بين الصخور القاسية, منحدرا في الفجوات والكهوف المظلمة, فيصبح هو نفسه شقياً كما يصبح عاجزاً عن حمل الفرح والقدرة على الإخصاب لما يمر به من الأماكن والأراضي. لايجوز أن نلوم الله بسبب ما نراه في العالم من فوضى واضطراب مستعصيين لأن الغلطة ترجع في أصولها إلى آدم وحده. فقد مُنح حق الإختيار في أن يصغي إلى أكاذيب الشيطان, أو أن يصدق قول الله. ويتخلص تاريخ الجنس البشري منذ ذلك اليوم حتى الآن في محاولاته لاستعادة الوضع الذي خسره بسبب سقطة آدم. قد تقول في نفسك: ” إن هذا ليس من الإنصاف في شئ! فما جنينا نحن حتى نتالم؟ هل ينبغي أن نتالم اليوم لمجرد أن الإنسان الأول قد أخطأ منذ عهد بعيد؟ ولماذا لم يتمكن الإنسان من التخلص من تلك الحالة وإستعادة وضعه الذي كان فيه؟ ولماذا نستمر نحن في تحمل الجزاء يوما بعد يوم؟” لنعد ثانية إلى قصة النهر البارد المظلم الذي يجري أسفل الممر العميق بين الفجوات والكهوف. لماذا لا يستطيع ذلك النهر أن يرجع ويصعد إلى الحقول المبهجة الممتدة فوقه؟ ولماذا لا يترك طريقه المحزن وينقلب إلى جدول خرار كما كان عندما انبثق من الأرض لأول مرة؟ أنه لا يفعل ذلك لأنه لا يستطيع. وهو لا يمتلك بذاته القدرة على أن يفعل خلاف ما اعتاد أن يفعله دائماً. فما أن انحدر إلى ممره المظلم مرة حتى لم يعد بوسعه الإرتفاع إلى الأراضي المشرقة الممتدة فوقه. فالوسيلة للإرتقاء متوفرة, وكذلك الطريق, لكن النهر لا يعرف كيف يستفيد منها. ولا شك أن ذلك يتطلب حدوث معجزة. أن تلك المعجزة اللازمة مهيأة دائماً وهي كفيلة بتحويل نهر الإنسانية من الشقاء الذي يسير فيه لتجعله يسير مرة أخرى في مجرى السلام الدافئ المتالق, لكن النهر لا يرى ولا يسمع, وهو يظن أنه لا يستطيع سوى الإستمرار في طريقه الملتوي إلى أن يتلاشى اخيراً في بحر الدمار. وقصة النهر هي قصة الإنسان منذ عهد آدم. فما زال يتمادى في مسيره بين الفجوات والكهوف مستمراً في انحداره نحو الظلمة المرعبة. ونحن أنفسنا بالرغم من أصواتنا التي تصرخ طالبة النجدة, مانزال نختار بمحض حريتنا الطريق الخطأ كما فعل آدم. وحين يدركنا اليأس والقنوط نلتف إلى الله وننحي باللائمة عليه بسبب مشكلتنا المستعصية, ونشك في حكمته وقضائه, وننتقص من رحمته ومحبته. |
|