|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ابن أرملة نايين «ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون، فقال أيها الشاب لك أقول قم» (لو 7 : 14) حلم كوبر الشاعر العظيم، في لحظة من لحظات التأمل وتبكيت النفس، أنه يسير في مقابر عظماء الانجليز في وستمنستر أبى، وإذ سمع صوتًا ورأى بابًا مفتوحًا من على بعد سارع نحو الباب. وقبل أن يبلغه قفل أمامه بصوت رهيب مفزع، وقال كوبر إنه فزع من الباب المغلق على نحو لا يباريه فزع ولو صدر من جميع كنائس العالم مجتمعة معًا، الفزع من فقدان الباب الأبدي إلى السماء في نهاية الحياة، وإذا كانت قصة ابن أرملة نايين تعطي ما لا ينتهي من الدروس والعبر والعظات، فإنها أولاً وقبل كل شيء، تكشف عن حب المسيح للشباب الذين يقف في طريق موتهم في زهرة العمر وقوة الشباب، ليعطيهم حياة تستطيع أن تنقلهم من نعش إثمهم وخطاياهم وشرورهم ومباذلهم، إلى الخدمة والقوة والمجد والنجاح، والقديس أوغسطينوس يعتقد أنكل واحد من الأناجيل الثلاثة التي دونت قصص المقامين من بين الأموات، كانت تعني شيئًا خاصًا، فمرقس دون قصة الصبية الصغيرة ابنة يايرس، ولوقا دون قصة ابن أرملة نايين، ويوحنا دون قصة لعازر وها نحن الآن نقف أمام أرملة نايين فيما يلي : الشاب والمدينة ينسب هذاالشاب إلى مدينة نايين، وهي مدينة قريبة من شونم حيث أقام أليشع قديمًا ابن الشونمية، ونستطيع أن نتصور الشاب في مدينته، والمدينة «نايين» تعني «جميلة» ويقال إنها كانت مدينة جميلة صغيرة، وإن كان مكانها اليوم لا يحكي صورة الجمال القديم الذي كانت عليه، وقبل أن نتعرض للمدينة وجمالها، لنذكر أننا بصدد حياة شاب كان في ملء القوة والجمال والشباب، والأصل في الشباب، هو الحياة لا الموت، وهو القوة وليس الضعف، وهو الإقدام وليس الإحجام، وفخر الشبان قوتهم، وفخر المدينة شبابها، والشاب الحي في الشاب الحامل، والشاب الميت هو الشاب المحمول، ولعل أفضل صورة للشباب الحامل هي ما جاء في سفر الأعمال عن حنانيا وسفيرة : «فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات، فنهض الأحداث ولفوه خارجًا ودفنوه. ثم حدث بعد مدة نحو ثلاثة ساعات أن أمرأته دخلت وليس لها خبر ما جري... فقال لها بطرس ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب، هوذا أرجل الذين دفنوا رجلك على الباب وسيحملونك خارجًا. فوقعت في الحال عند رجليه وماتت فدخل الشباب ووجدوها ميتة فحملوها خارجًا ودفنوها بجانب رجلها» (أع 5 : 5 - 10).. وما أجمل الكنيسة التي تمتلي بالشباب الحي، الذي يحق فيهم القول : «كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير» (1يو 2 : 14). ونحن لا نعلم الشيء الكثير عن حياة ابن أرملة نايين، وكيف عاش حياته في المدينة، وهل عاش كما يعيش الشباب في العادة، وهم يحاولون أن يأخذوا في الربيع ما يعتقدونه رحيق الحياة، لا ندري! وإن كان من السهل أن نرى أن نايين الجميلة مهما أعطت من متع ولذات، فإنها لا تستطيع أن تكشف آخر الأمر إلا عن النعش الذي يخرج منها، وكأنما يدفن معه كل الأحلام والآمال والرؤى والانتظارات، وهل يمكن أن ننسى الشاب القديم الذي جرب المتعة والبهجة والفرح ويقول : «ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما. لم أمنع قلبي من كل فرح. لأن قلبي فرح بكل تعبي وهذا كان نصيبي من كل تعبي. ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس» (جا 2 : 10 و11) فإذا تناولنا القصة من جانب آخر، فإن الشاب الذي يخرج من مدينة اللذات الجميلة محمولاً على نعش، فإنما يشف عما تفعل اللذات والمباهج في عمر الشباب، إذ أنها تقصف في العادة عمره وحياته.... جلس الشاب على المائدة، وقد وضع أمامه زجاجات الخمر، ورآه آخر فاستأذنه في أن يجلس إلى جواره دقائق، وإذ سمح له، سمع منه القول : إنني أعرف جيدًا الذين يشربون من هذه الكأس، وأذكر أن الكثيرين جيء بهم إلى الكنيسة محمولين، فمنهم من مات في حادث إذ كان سكرانًا ومنهم من أتلفت الخمر كبده، ومنهم من فقد حياته لهذا السبب أو ذاك، وظل يعددله صورًا كثيرة فزع معها الشاب وأسرع هاربًا، تاركًا كأس الخمر، كمن تلذغه الأفعى، وليست الخمر وحدها هي التي تفعل هذا، بل كل النزوات والشهوات التي يتردى فيها الأحداث عندما يصبحون عبيدًا للخطية وللفساد، فينالون الجزاء الذي لابد منه، لأن أجرة الخطية هي موت، وقد أحرق الإثم كل مقومات الحياة فيهم!! والشاب الميت إلى جانب ذلك كله معدوم الإرادة محمول في نعشه، يحمله أصدقاؤه وأصحابه إلى حيث لا يدري أو يعلم، فهو كالسمك الميت في النهر يدفعه التيار حيثما يسير، لا مبدأ أو استقامة أو إرادة على الإطلاق، يعيش حياة الوجودية الملحدة، اليوم خمر وغدا أمر «ولنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت»... عندما رأى تشارلس لام سلطان الخمر عليه وأنه لا يستطيع أن يملك إرادته عليها كتب يقول : هل يستطيع الشبان الذين تستهويهم رائحة الكأس الأولى الجميلة أن يأتوا ويلقوا نظرة على ليفهموا كم هو أمر مرعب أنيرى الإنسان نفسه يتدحرج إلى هاوية سحيقة بعيون مفتوحة وإرادة معدومة، ينظر هلاك نفسه ولا يملك قوة الإرادة التي توقفه، ويحس أن كل صلاح قد تركه ومع ذلك لا يستطيع أن ينسى الوقت الذي لم يكن فيه كذلك،... كانت هناك سيدة أمريكية من زعيمات الهيئة الاجتماعية في واشنطون، وهي سيدة لا تشرب الخمر ولا تدخن، ومن العجب أنها سألت سيدة شابة عندما رأتها تدخن إن كانت حقًا تحب التدخين فردت بالقول : «أواه كم أكرهه! ولي شهور وأنا أحاول أن استسيغه، وكلي رعب لئلا أفشل، فلا أحسب أهلا للوجود في المجتمعات الراقية. والشاب الميت أيضًا هو الشاب الذي حمله أصدقاؤه الشباب إلى القبر لدفنه، وهي حقيقة مثيرة غريبة لم يستطع أن يدركها الابن الضال إلا متأخرً إذ أن أصدقاؤه القدامى كانوا أول من تخلوا عندما بذر ماله بعيش مسرف، ولما احتاج واتجه إليهم لم يعطه واحد منهم شيئًا، هل قرأت : «البحري القديم!!؟» ربما تظن أن من أغرب التخيلات وبخاصة ذلك الجزء الذي يصور فيه البحري جثث الموتى تقوم بإدارة السفينة، فموتى يجرون الحبال وموتى يديرون الدفة، وموتى يبسطون الأشرعة، وموتى يراقبون الطقس، وموتى هم المسافرون، وقد تقول إنه خيال غير مفهوم، ولكنك تستطيع أن تفهمه إذا ذكرت قول السيد لواحد من التلاميذ أراد أن يؤجل مجيئه للخدمة حتى يدفن أباه وإذا بالمسيح يقول : «دع الموتى يدفنون موتاهم» (مت 8 : 22) وما كان الشباب الذين يحملون الشاب زميلهم إلى قبره إلا صورة من ملايين الصور على الأرض على توالي العصور والأجيال للموتى الذين يشيعون إلى القبور أمواتهم حتى يأتي دورهم ليشيعهم آخرون!! الشاب وأمه كانت المأساة قاسية ومزدوجة، لأن الميت شاب، ووحيد لأرملة، وقد تحدثنا عن إمكانيات الشباب الحي وكيف أنهم ثروة البيت والكنيسة والأمة، وفي كل ميدان تتحرك الحياة بتحرك الشباب، لقد قادت جان دارك بلادها وأنقذت شعبها وهي في التاسعة عشرة من عمرها، ثم أحرقت ودفنت، وكان واشنطون كولونيلا في الثانية والعشرين من عمره، ودخل غلادستون في هذه السن البرلمان الإنجليزي لأول مرة، وأضحى تشارلس فوكس من أعظم رجال القانون وهو في ريعان الشباب، وتخرج فرانسس بيكون من كمبردج قبل العشرين من عمره، وبرع رفاييل في الرسم قبل أن يصل إلى الأربعين، وملك موازار بسمفونياته أوربا بأكملها، وهو لم يزل شاباً صغيرًا، وغير لوثر أوربا وهزها من الأساس وهو في قوة الشباب، ولا شبهة في أن المسيح كان عميق الإحساس بهذه الحقيقة، وهو ينظرإلى الشاب الذي يخرجونه من نايين وتشيعه أمه الأرملة. كان في روما القديمة سيدة رومانية اسمها كورنيليا زارتها ذات يوم إحدى جاراتها ورأت أنها خالية من كل حلية، فقالت لها : «أين جواهرك!؟» فأشارت كورنيليا إلى غلامين صغيرين هما ابناها وقالت : «هذه هي جواهري» ولعلنا ذكرنا في مرة سابقة قصة جون برنس، وقد كانت أمه إمرأة فقيرة وقد سارت في شارع من أصغر الشوارع الإنجليزية، وهي تحمل سلة ممتلئة بالثياب، كان عليها أن تغسلها، وتأخذ أجرها من سكان الشارع الذين كانوا يعرفونها ويعطفون عليها، ويعطونها بعض الطعام شفقة بها وبابنها الذي كان في ذلك الوقت في الثامنة من عمره، ووضعت المرأة المسكينة فوق الثياب القذرة فتات الخبز والطعام التي أحسن بها إليها ذوو الشفقة والرحمة من عملائها، وكان الليل حالكًا والبرد قارسًا فلم تكد تجتاز شارعًا أو شارعين حتي التفت إليها ولدها وقال لها : «لقد تعبت يا أماه» فنظرت إليه وأغرورقت عيناها بالدموع ووضعت السلة على الأرض، ودعته للجلوس عليها، ففعل، وبينما هو يسترد قواه الضعيفة حانت منه التفاته فأبصر البرلمان الإنجليزي فقال لأمه : «انظري يا أماه لو منحني الله صحة وقوة لأدخلن هذه الدار، فلا تبقى في انجلترا أم تضطر إلى العمل كما تعلمين، ولا يبقى ولد يعيش فيها كما أعيش، ومرت الأيام وحقق الله للولد حلمه فدخل البرلمان بصفته واحدًا من زعماء حزب العمال، ومن أعظم المكافحين من أجل الفقراء البؤساء بين الناس!! أجل سعيد ذلك الشاب الذي يدرك أنه مسئول، وأن عليه مسئولية كبيرة، إن أعظم ما في قصة يوسف ليس انتصاره على التجارب والشهوات فحسب، بل إدراكه مسئوليته العظيمة في إنقاذ بيته، والعالم كله، والشاب الأعظم الذي هو المثل الأعلى والأوحد لجميع الشباب، لم ينس مسئوليته تجاه أمه العذراء وهو فوق الصليب. وعلى العكس من ذلك تأتيللأسف قصة الشاب الميت، الذي يحمله غيره لدفنه خارج مدينته، وقد انتهى إحساسه بالمسئولية تمامًا تجاه أمه، وتجاه الجميع، ولا شبهة في أن حزن الأم كان طاغيًا، وكانت دموعها غزيرة، وهي صورة لكل أم تودع ابنها الذي يضل في الكورة البعيدة، ويموت بعيشته في الموبقات والشر والأثم والفساد، والذين قرأوا قصة مونيكا وهي تذرف الدموع طيلة تسع سنوات من أجل أوغسطينوس، يعلمون كم تعاني الأمهات من أجل الشباب الضائع المستهتر في الحياة!! تحدث أحد الخدام عن زوجته المتوفاة، وكيف أنها ساعة الوفاة أحضرت أولادها جميعًا، وكانت تطلب من كل واحد منهم أن يقابلها في الأبدية أمام الله، وجاءت آخر الكل للولد الأكبر وكان عربيدًا، وقالت له : إني أطلب إليك يا ولدي أن تعدني بأن تطلب خلاص نفسك!! فتردد قليلاً وأحنى رأسه في صمت، وعندما رفع رأسه رأى وجهها الممتليء بالألم والحب، وسمعها تقول : أريد أن أراكمعي أمام الله، وعندئذ تألق وجهها وشاعت منها ابتسامة الرضى، وماتت!! ومن تلك اللحظة ابتدأ الشاب يقرأ الكتاب ويصلي، ووقع تحت تبكيت الضمير، وكان يصارع دون جدوى، وفي صراعه بلغ نقطة اليأس، فأخذ يشرب الخمر، وسار في طريقه إلى مكان من أشر وأحط الأمكنة، وهم أن يدخلوهنا رأى وجه أمه المتوسل، وكأنما سمع صوتها يدوي في أذنيه، فجاء إلى يسوع المسيح!! الشاب والمسيح كان موكب المسيح في الطريق إلى مدينة نايين، وكان مع المسيح جمع كثير، وعند باب المدينة كان هناك موكب الجنازة التي تحمل الشاب في الطريق إلى المقابر ليدفن هناك في خارج المدينة، وحسب الفكر البشري كان اللقاء بين الموكبين مصادفة، وحسب الترتيب الإلهي كان اللقاء نوعًا من العناية الأكيدة التي تشمل كل الظروف والأحداث في هذه الأرض، قديمًا صاح إرميا : «عرفت يارب أنه ليس للإنسان طريقه. ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته، (ارميا 10 : 23) أدرك إرميا أنه ليس الطريق فحسب، بل كل خطوة فيه أيضًا!! فإذا ذكرنا هنا جمعًا كثيرًا يأتي مع المسيح خارج المدينة، وجمعًا كثيرًا آخر يخرج من المدينة، فالتقاء الجمعين ليس من قبيل الصدف على مقربة من بابها، بل كان لابد أن يحدث هذا!! ترى هل يعلم الناس هذا، وهم يتجمعون هنا وهناك بأعداد لا تنتهي في طريق الحياة، أغلب الظن أن ازدحام الناس وكثرتهم وتضارب اتجاهاتهم لا تعطي الفرصة للتأكد من أن هناك تدبيرًا بارعًا محكمًا يسيطر على كل شيء، قالوا إن تاريخ أوروبا بأكمله حددته خطوة واحدة، عندما كان نابليون في أول حياته العسكرية، وخطا خطوة واحدة حين حل محله آخر، وكان ذلك في طولون، وفي الحال جاءت قنبلة قتلت من حل محله،... وكان يمكن أنم تصيبه هو لو تأخر دقائق قليلة من الزمن، كم يتغير تاريخنا وتمسح دموعنا ويشيع الهدوء والسعادة في حياتنا، لو ذكرنا أن الله يحكم كل شيء في الزمان والمكان والظروف التي نعيشها دون إهمال أو إمهال. على أن صورة أعمق وأبعد تسير بنا في الاتجاه الصحيح في القصة، إذ تخرجنا من زحام الجماهير إلى الفرد الواحد، ونحن نرى هنا السيد المسيح لا يكاد يحول عينيه عن المرأة الأرملة الباكية، أو بعبارة أخرى، إن العناية تتحول من الجمهور إلى الفرد، ومن الكثيرين إلى إنسان المأساة، وهنا ينبغي أن نتعلم أن زحام الحياة لا يخفي كل واحد منا في ظروفه وآلامه ومأساته وأحزانه عن نظر السيد، فلكل واحد منا مكانه الدقيق الخاص من عنايته : «فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي» وأي حنان هذا!! لا شبهة في أن المرأة وجدت حنانًا من الذين يسيرون معها، وبعض هذا الحنان هو الإدراك الحسي بآلامها، وبعضه هو نوع من المجاملة التي درج الناس أن يقدموها في مثل هذه الأوقات والظروف، وبعضهم قد يذهب بنوع من الاستعلاء الذهني أو النفسي متمشيًا مع الجمهور، دون أن يقترب من عاطفة المتألم أو مأساته، أو نكتبه،! لكن أيا كان الحنان فإنه لا شيء إزاء حنان المسيح وإحساسه العميق بآلام الأخرين!! إن المسيح كإنسان، هو الإنسان الوحيد المبرأ من الخطية، وبعبارة أخرى هو المبرأ من البلادة التي أورثتنا إياها الخطية، ومهما عرفنا من شركة الآخرين وآلامهم تجاه أحزاننا وأوجاعنا، فلا يوجد قط بينهم من يستطيع الاقتراب من حب المسيح وحنانه المنزه عن كل جمود عاطفي أو ضعف وجداني! ولعله مما تجدر الإشارة إليه أن إحساس المسيح كان عميقًا تجاه المتألمين الذين أقام موتاهم لأن ابنه يايرس كانت وحيدة أبويها، وابن الأرملة كان وحيدًا لأمه، ولعازر كان الأخ الوحيد لأختيه، أو أن المسيح في حنانه كان يدخل في العادة منطقة العزلة أو الوحدة التي يصنعها الألم في حياة الناس، كانت الأرملة تسير مع الجماهير، لكن الحزن جعل بينها وبينهم جميعًا عازلاً مخيفًا، كانت وحدها في وسطهم تحمل أقسى الآلام وأشد الأوجاع، وكان الذين حولها يلتصقون بها، وهم بعيدون مهما كان اقترابهم الجسدي منها، لكن المسيح تحنن عليها عندما رأها تبكي!! على أن المسيح لا يقف عند مجرد الحنان فحسب، بل يتقدم خطوات أبعد وأعمق وأكمل، قال للمرأة : «لاتبكي»، وهو كلام لو وقف عند هذا الحد لبدا غريبًا غير طبيعي، فإذا قاله غير المسيح فهو كلام أجوف بلا معنى أو عمق، لكنه عندما يصدر من المسيح يأتي بالبرهان العملي، وقد لمس المسيح النعش، فوقف الحاملون، ولم يكن النعش صندوقًا مغلقًا كما هي العادة في هذه الأيام، بل كان محفة يحمل فيها الميت حتى يوضع في القبر، ولا شبهة في أن الجميع تعلقت أنظارهم بالنعش ليروا أعجب منظر يمكن أن تقع عليه العين البشرية، لقاء الحياة مع الموت، ألم يقل السيد «أنا هو القيامة والحياة» (يو 11 : 25) ونحن نراه هنا يواجه الموت، وقد ضرب ضربته القاسية في شاب كانت تتفجر فيه القوة والحياة. لمس المسيح النعش ونادي الميت : «أيها الشاب لك أقول قم»!! فجلس الميت وابتدأ يتكلم!! (لو 7 : 14 و 15) يالها من قوة عجيبة وعظيمة مازالت إلى اليوم تتردد في سمع الملايين من الموتى من كل جنس وأمة ولسان من الشباب الميت : «أيها الشاب لك أقول قم»!! شتان بين العالم والمسيح، وبين فعل الخطية وقوة السيد، إن موكب الموت الخارج من مدينة نايين، يكشف لنا عما يمكن أن يفعله العالم في حياة الناس، أو بتعبير أدق وأصح في موتهم، إذ يسارع بدفنهم، أو يشهد بموتهم، دون أن يملك لهم القيامةوالحياة،... دخل شاب إلى إحدى الجامعات وقاده أقران السوء إلى المجون والخلاعة والشر، فانحدر وسقط، وكان سقوطه عظيمًا، وإذ أيقن أنه فقد كل شيء جسدًا وعقلاً ونفسًا وروحًا انتحر، وجاء أخوه ليتسلم جثته، وإذ رأى مدير الجامعة قال له : لقد أرسلت أمي ابنها إليك، وهو ابنها الأصغر بنيامينها المحبوب، وقد أرسلته بريئًا جميلاً نقيًا كالزهر، فماذا صنعت به، وماذا بقي منه لأقدمه لأمي؟ وأجاب المدير بتأثر : لقد فعلت من أجله كل ما يمكن أن يفعل، ولكنه كان مندفعًا بجنون نحو الهلاك، ولم يبق منه سوى هذه الحطام التي أنت تراها!! في الواقع إن العالم لا يمكن أن يفعل مع هذا الميت إلا أن يشيع جثمانه، في كفنه ونعشه، حتى يلتقي بيسوع المسيح!! إن القصة لا تقف عند هذا الحد بل تمتد إلى أكثر : «فدفعه إلى أمه».. لقد أعاده المسيح إلى الحياة وإلى أمه، وقد جمع المسيح الشمل المتفرق، وقد فعل هذا مع ابنه يايرس عندما أعادها إلى أبويها، وفعل هذا مع لعازر عندما أعاده إلى بيته وأختيه، وهو دائمًا يجمع شمل العائلة، ويعيد الميت والضائع والضال إلى وحدة الأسرة والعائلة، وهو يزيل بذلك أقسى أسباب الآلام في الحياة، عندما ينفرط عقد كيان الأسرة، ويتفرق شملها، وتفقد دفء الشركة الحلوة البيتية. وهو إلى جانب هذا يعيد الشباب المفقود إلى رسالته التي انتهت وضاعت لقد كان الشاب عضدًا لأمه وساعدها في مواجهة الحياة والمتاعب والآلام. وها هو يعود ليأخذ مكانه الصحيح مرة أخرى. تذكر القصة الكتابية أن الشاب جلس بعد أن اقامه المسيحوابتدأ يتكلم، ولا نعرف ماذا قال، أو بماذا استطاع لسانه أن ينطق، لكن الذي لا شبهة فيه أنه قد استولى عليه العجب، وهو يرى نفسه محمولاً على محفة، وفي وسط جماهير كثيرة، وإذ أعاده السيد إلى الحياة مرة أخرى، وأعاد إلى أمه فرحها وبهجتها وسعادتها الطاغية، لاشك أنهانحنى معها سجودًا وشكر لمخلصه ومنقذه من براثن الموت، وعاد مع الجميع ليتكلم عن عظمة السيد وقدرته الفائقة التي لا نظير لها، ولعله عاش طوال حياته يتحدث عن معجزة قيامته من بين الأموات، وليشهد برحمة الله التي منحته الفرصة الثانية في الحياة، وفي الحقيقة إن السيد ينتظر من كل شاب كان ميتًا بالذنوب والخطايا وملفوفًا بأكفانه وموضوعًا في نعشه، وجاءته اللمسة المباركة التي أعادت إليه الحياة، أن يقول ما قاله بولس : «أنا الذي كنت قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومغتربًا، ولكني رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان. وتفاضلت نعمة ربنا جدًا مع الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع. صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا، لكني لهذا رحمت ليظهر يسوع المسيح في أنا أولاً كل أناة مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية» (1 تي 1 : 13 - 16). هل تعلم أيها القاريء العزيز أن المسيح في موكبه العظيم مازال يوقف إلى اليوم ملايين الشباب الملفوفين في أكفان موتهم، عند أبواب الكثير من المدن في الشرق والغرب ويقول لكل منهم ما قاله للشاب القديم : «أيها الشاب لك أقول قم»! يا ترى هل سمعت هذا الصوت ومتى!؟ أنم أنت مازلت في نعشك لم تسمع بعد الصيحة العظيمة!!؟ ليتك تسمع وتعود إلى الحياة والرسالة والمجد في المسيح، فلا تعيش - تدري أو لا تدري - في أوهام القصور أنك حي وأنت ميت!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
شفاء ابن أرملة نايين |
ابن أرملة نايين |
أرملة نايين |
أرملة نايين |
إقامة إبن أرملة نايين |