رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تسبحة النصرة: ترمز هذه التسبحة لتسبحة المفديين في السماء، إذ خلصهم الله وعبر بهم من العالم إلى السماء، تُستخدم هناك مع السيِّد المسيح (رؤ 15: 3). لهذا وضعتها الكنيسة في التسبحة اليومية بكونها "الهوس الأول"، لتؤكد لأولادها ضرورة التسبيح لله وتقديم الشكر المستمر من أجل عمله الخلاصي معنا، إذ يهبنا غلبة يومية على إبليس وجنوده، وليس بذراعنا البشري، وإنما خلال عمل نعمته فينا. ويلاحظ أن موسى والشعب لم ينطقوا بالتسبيح إلاَّ بعد ما اعتمدوا ورأوا خلاص الله العجيب. هكذا بالمعمودية إذ ندفن مع مسيحنا المصلوب ونقوم معه في جدة الحياة ينفتح لساننا الداخلي لنسبِّح للرب ونشكره. أصبحت هذه التسبحة تُمثل جانبًا حيًا في حياة موسى، حتى حينما تحدث البابا أثناسيوس الرسولي في إحدى رسائله عن عيد الفصح المسيحي قال إن القديسين يقضون كل حياتهم كمن يفرح بالعيد، فواحد يجد راحته في الصلاة كداود النبي، وآخر يعطي المجد لله خلال تسابيح الحمد مثل موسى، وآخرون يتعبدون بمثابرة مثل العظيم صموئيل والطوباوي إيليا... كأن موسى صار بهذه التسبحة مثلًا لحياة التسبيح لله. وقد حملت هذه التسبحة تعبيرات ومعانٍ جميلة تحتاج إلى كتاب مستقل، لكنني اكتفي هنا بعرض بعض الفقرات منها: "أُرنم للرب فإنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر" [1]. بدأت التسبحة بتمجيد الرب الذي تمجد بالصليب حيث داس إبليس وكل قواته، ليعتق الذين سبق فأسرهم... إنها تسبحة عذبة يترنم بها المسيحي كل يوم حين يرى الخطية تسقط بالصليب تحت قدميه، وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [لنغني مع موسى... ونسبح مرتلين، إذ نرى الخطية التي فينا قد طُرحت في البحر، أما نحن فنعبر إلى البرية]. "قد هبطوا في الأعماق كحجر" [5]. يري القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [إن الإنسان الذي يسلك في الحياة الفاضلة يكون خفيف الوزن، أما الإنسان الشرير فيكون ثقيلًا يغطس في المياه. الفضيلة خفيفة تعوم على المياه، والذين يسيرون في طريقها يطيرون كالسحاب وكالحمام بأجنحتهم الصغيرة (إش 9: 8)، أما الخطية فكالرصاص ثقيلة (زك 5: 7). اقتبس القديس الفكرة عن معلمه أوريجانوس الإسكندري، الذي قال: [لماذا هبطوا؟ لأنهم لم يكونوا من الحجارة التي يخرج منها أولادًا لإبراهيم، إنما كانوا محبين للمنخفضات ويتلغمون بالسوائل (الأمور المائعة)، يبتغون اللذة... ويهربون من الواقع. لهذا قيل عنهم "غاصوا كالرصاص في مياه غامرة" [10]. هكذا للخطاة ثقل شرور أشار إليها زكريا النبي، قائلًا: "وإذا بوزنة رصاص رفعت، وكانت امرأة جالسة في وسط الإيفة" (5: 7). ولما سُئل عن شخصيتها قيل له: "هذه هي الشر" (5: 8). لهذا قيل عن الأشرار أنهم غاصوا كالرصاص في مياه غامرة... أما القديسون فلا يغوصون بل يمشون على المياه... إذ ليس فيهم ثقل خطية ليغوصوا. لقد مشى ربنا ومخلصنا على المياه (مت 14: 25)، هذا الذي بالحقيقة لا يعرف الخطية، ومشى تلميذه بطرس مع أنه ارتعب قليلًا إذ لم يكن قلبه طاهرًا بالكلية، إنما حمل في داخله بعضًا من الرصاص... لهذا قال له الرب: "يا قليل الإيمان لماذا شككت؟". فالذي يخلص إنما يخلص كما بنار (1 كو 3: 15)، حتى إن وجد فيه رصاص يصهره]. الأشرار إذن كالحجارة التي رفضت قبول عمل الروح القدس فيها لتصير أولادًا لإبراهيم، وكالرصاص الذي يغوص في المياه أي يغوصون في الملذات، أما القديسون فكالذهب المصفى بالنار. "يمينك يا رب معتزة بالقدرة. يمينك يا رب تحطم العدو" [6]. يرى القديس أمبروسيوسفي هذه التسبحة عمل الثالوث القدوس واضحًا، ففي هذه العبارة يعترف بالابن الذي هو "يمين الرب"، ليعود بعد قليل فيتحدث عن عمل الروح القدس "أرسلت روحك فغطاهم البحر" [10]، هذا الذي يعمل في سرّ "المعمودية"، مهلكًا الشر ومنقذًا أولاد الله. "قال العدو: أتبع أدرك أقسم غنيمة. تمتلئ منهم نفسي. أجرد سيفي. تفنيهم يدي" [9]. هذا هو عمل إبليس: الإرهاب المستمر والاضطهاد، لهذا عندما دافع البابا أثناسيوس عن هروبه من وجه الأريوسيين مضطهديه أورد هذا القول معلقًا عليه: [أمرنا الرب بالهروب، والقديسون هربوا. أما الاضطهاد فهو شر من عمل الشيطان، يريد أن يمارسه ضد الكل]. وفي حديث للقديس أنبا أنطونيوس في كتاب البابا أثناسيوس الرسولي عنه يقول: [تخدع الشياطين الصديقين بافتخاراتهم... لكنه حتى في هذا يلزمنا ألاَّ نخاف من المظهر ولا نعطي اهتمامًا بكلماته، فإن الشيطان كذاب ولا ينطلق بكلمة حق واحدة. يتكلم كثيرًا جدًا ويظهر جسارة عظيمة هكذا، لكنه بلا شك كلوياثان يصطاده المخلص بشص (أي 41: 1) )]. لقد حاول العدو أن يستخدم ذات الأسلوب مع السيِّد المسيح، ظانًا أنه يقدر أن ينزع اسمه من كورة الأحياء، لكن تهديدات العدو لم تهز قلب السيِّد المسيح بل حطمت العدو نفسه. "من مثلك يا رب" [11]. ليس لله شبيه في قدرته وحبه وفي طبيعته بكونه غير المدرك ولا المنظور ولا متغير، بلا بداية ولا نهاية. هذا الذي ليس له شبيه أعطانا بالتبني أن نحسب أولادًا له لكي نتشبه به، كقول الرسول يوحنا: "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أُظهِر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" (1 يو 3: 2). "تمد يمينك فتبتلعهم الأرض" [12]. يعلق العلامة أوريجانوس على هذه العبارة قائلًا: [اليوم تبتلع الأرض الأشرار. ألا ترى أن الأرض تبتلع مْن ليس له إلاَّ الأفكار والأعمال الأرضية...؟! فيشتهي الأرض، ويضع فيها كل رجائه، ولا يرفع نظره نحو السماء، ولا يفكر في الحياة العتيدة، ولا يخشى دينونة الله، ولا يبتغي مواعيده في الأبدية، إنما هو دائم التفكير في الأمور الحاضرة، راكضًا نحو الأرضيات. إن رأيت إنسانًا كهذا قل أن الأرض ابتلعته. إن رأيت إنسانًا منسكبًا على رغبات الجسد وشهواته، ورأيت روحه بلا قوة لأن الجسد مُسيطر على كل حياته فقل أن هذا الإنسان ابتلعته الأرض. بقى ليّ أمر آخر، فقد قيل "تمد يدك فتبتلعهم الأرض". مدّ الرب يده فابتلعتهم الأرض. تأمل الرب وقد بسط يده على الصليب "طول النهار بسطتُ يدي إلى شعب معاند ومقاوم" (إش 65: 2). كان هذا الشعب الغادر يصرخ أصلبه، أصلبه... فعاقبه بالموت...]. ابتلعت الأرض فرعون المتكبر الذي كان يظن أنه يُبيد شعب الله، أما الذين ابتلعهم الجحيم فنزل إليهم السيِّد المسيح، نزل إلى أقسام الأرض السفلى (أف 4: 9) لكي يخرجهم من أحشائها ويرتفع بهم، لا على سطح الأرض بل يدخل بهم إلى مسكن قدسه. "حتى يعبر شعبك يا رب. حتى يعبر شعبك الذي اقتنيْته" [16]. كرر موسى النبي "حتى يعبر شعبك" ليُعلن أن غاية العمل هو الخلاص والعبور إلى الأبدية، ولتأكيد أن العابرين هم شعب واحد من أصلين: يهودي وأممي. "تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك" [17]. يقول العلامة أوريجانوس: [الله لا يريد أن يغرسنا في مصر (محبة العالم)، ولا في أماكن فاسدة وشريرة، لكنه يريد أن يُقيمنا في جبل ميراثه. ألا تبدو الكلمات "وتجيء بهم وتغرسهم"، كأنما يتحدث عن أطفال يقودهم إلى المدرسة حتى يتثقَّفوا بكل أنواع العلوم... لنفهم كيف يفعل هذا؟ "كرمة من مصر نُقلت، طَرَدت أممًا وغرستها. هيأت قدامها فأصَّلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله" (مز 80: 9-11)... إنه لا يغرسها في الوديان بل على الجبال، في أماكن مرتفعة وعالية. لا يريد أن يترك الخارجين من مصر في الحضيض إنما يقودهم من العالم إلى الإيمان. يريد أن يقيمهم في المرتفعات. يُريدنا أن نسكن في الأعالي، لا أن نزحف على الأرض. لا يريد كرمته تلمس ثمارها الأرض بل أن تنمو دون أن تشتبك فروعها مع أي شجيرة، إنما تلتصق بأرز الله العالي المرتفع (مز 80: 11). أرز الله في رأيي هم الأنبياء والرسل، فإننا إن التصقنا بهم نحن الكرمة التي نقلها الله من مصر تنمو أغصانها مع أغصانهم. إن كنا نتكئ عليهم نصير أغصانًا مغروسة برباطات الحب المتبادل ونأتي بلا شك بثمر كثير ]. "المقْدس الذي هيَّأته يداك يا رب" [17]. يقول العلامة أوريجانوس: [ما هو المقْدس الذي لم يقمه إنسان بل هيَّأه الرب؟ "الحكمة بَنت بيتها" (أم 9: 3). هذا الأمر إنما يخص تجسد الرب، فإن الجسد الذي أخذه ليس من زرع إنسان، إنما قام البناء في العذراء كما تنبأ دانيال "قُطع حجر بغير يدين... أما الحجر فصار جبلًا كبيرًا" (دا 2: 34، 35). هذا هو المقْدس الذي ظهر في الجسد، الذي قُطع بغير يدين، أي ليس من صنع إنسان]. "مشوا على اليابسة في وسط البحر" [19]. يقول العلامة أوريجانوس: [إن كنت أنت أيضًا من بني إسرائيل (الجديد) تستطيع أن تمشي على اليابسة وسط البحر. إن وجدت نفسك وسط جيل معوج وملتوي تُضيء بينهم كأنوار في العالم متمسكًا بكلمة الحياة لافتخاري (في 2: 15-16). قد تسير وسط الخطاة دون أن تصيبك مياه الخطيئة، قد تسير وسط هذا العالم دون أن ترتد عليك مياه الشهوة... من يتبع المسيح يسير مثله (على المياه)، فتكون له المياه سورًا عن يمينه ويساره [22]. يسير على اليابسة حتى يبلغ الحرية مترنمًا للرب بتسبحة النصرة، قائلًا: "أُرنم للرب فإنه قد تعظم" [1]]. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لنا رجاء أن تقبل صلواتنا وتستجب لنا |
البابا كيرلس كان رجل ألحان وتسبحة |
من وحي المزمور 149 شعب جديد وتسبحة جديدة! |
أناديك فتسمعني وتستجب |
أوشية القرابين وتسبحة السيرافيم |