رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المبادئ المسيحية في مجال التطبيق العملي بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس يشكو بعض الناس من أن المسيحية ديانة خيالية, أو علي أقل تقدير, ديانة مثالية لا تتفق مع واقع الحياة لأنها تتطلب مستوي أخلاقيا أعلي من المستوي الذي يمكن أن يجده أو يمارسه الناس في الواقع. وهذا الكلام ليس جديدا ولكن بين وقت وآخر تظهر اتجاهات من هذا القبيل. فلقد مرت بريطانيا مثلا في القرن الخامس للميلاد بموجة انحلال أخلاقي, وجعل الناس في هذا الوقت يظنون أن المبادئ المسيحية مبادئ مستحيلة, مبادئ غير ممكنة, مبادئ عالية علي مستوي الإنسان, ولذلك أمسي الناس في بريطانيا, في القرن الخامس, في حالة يأس عن البلوغ إلي المستوي الذي تتطلبه المسيحية في أخلاقياتها. قالوا إن الكمال لله, والكمال غير ممكن للإنسان. يقول مخلصنا فكونوا إذن كاملين كما أن أباكم الذي في السموات كامل (متي 5:48), ولكن من من الناس يمكنه أن يبلغ إلي هذا المستوي العظيم؟ وهذا هو الذي دعا بيلاجيوس الراهب البريطاني, أن يندفع في مبدأ الأمر بغيرة مسيحية ليعلم الشعب في ذلك الزمان, أن الكمال بالنسبة للإنسان غير مستحيل, وأنه لو لم يكن في مقدور الإنسان أن يبلغ الكمال لما كان الله يطالب الإنسان بالكمال, وإلا فإننا نكون قد إتهمنا الله إما بالجهل بطبيعتنا, أو بالظلم للإنسان, لأنه يتطلب منه شيئا يعلم تعالي أنه في غير مقدور الإنسان أن يصل إليه. ولكن بيلاجيوس اشتط فيما بعد ووقع في هرطقة نتيجة مغالاته في قدرة الإنسان علي البلوغ إلي الكمال, لدرجة أن أنكر دور النعمة في حياة الإنسان, كما أنكر انتشار الخطيئة الأصلية, وأنكر الفساد في طبيعة الإنسان, وأنكر بالتالي حاجة الأطفال إلي المعمودية. علي كل حال هذا مثل علي تفكير الإنسان أو مجموعة من الناس في وقت ما من الأوقات ممن يرون في المسيحية أنها تتطلب مثلا أعلي يصعب علي الإنسان أن يبلغ إليه. بل وماذا نقول؟ نقول حتي القديس أوغسطينوس قبل أن يصبح مسيحيا سمع عن المسيحية من أمه القديسة مونيكا, ولكنه هو أيضا- وكان مغلوبا من شهواته ونزواته وطياشته الشبابية- كان يري أن المسيحية ديانة غريبة وعجيبة ومستحيلة, وأنها ضربت في الخيال بعيدا, وأنها تتطلب مستوي في الأخلاق ليس في مقدور الإنسان أن يصل إليه, أو علي الأقل, أن أوغسطينوس اعترف أنه هو شخصيا يستحيل أن يكون يوما من الأيام مسيحيا لأنه- وقد عرف طبيعته وعرف أنه مغلوب من شهواته ونزواته كشاب- يري أنه من المستحيل عليه أن يكون يوما من الأيام مسيحيا. ولذلك فقد أبغض المسيحية في مبدأ الأمر واعتبرها شيئا غير ميسور, لا يقدر أحد علي الأرض أن يبلغ إليه. علي أن أوغسطينوس فيما بعد أدركه تطور كبير في حياته النفسية, وفي إدراكاته الروحية, بحيث إنه- فيما بعد- دخل إلي المسيحية في عمق كبير وفرح عظيم, ورأي فيها أنها الديانة التي غفل عنها زمانا طويلا من حياته, وأنها الديانة الوحيدة التي ترفع مستوي الإنسان من دون أن تتطلب منه شيئا في غير مقدوره. وإلي زماننا هذا نجد من وقت إلي آخر أناسا من البشر يرددون هذه العبارات, ويرددون معها الآهات والأنات. بل وأحب أن أقول إنني سمعت هذا أيضا حتي من بعض شبابنا المتدين الذي تربي بين أحضان الكنيسة وفي مدارس التربية الكنسية,وكان من بين المبرزين في الحياة الروحية أيام أن كان طالبا في دور العلم, وطالبا في مدارس التربية الكنسية أوخادما فيها, ثم أصبح موظفا أو دخل في معركة الحياة العملية وبدأ أن يكون له زوجة وأولاد, وبدأ أن يكون رئيسا أو مرؤوسا في عمل ما من الأعمال, فصار يشكو من الهوة التي أخذت تتسع شيئا فشيئا بين المستوي الذي تعلمه في الكنيسة وفي مدارس التربية الكنسية وبين المستوي الذي أمسي يري أن الحياة العملية تتطلبه, وبدأت الشقة تتسع شيئا فشيئا بين المستويين. علي أن بعضا من شبابنا كان أصرح من البعض الآخر, فالبعض يشكو في صراحة. أما البعض الآخر فكظم غيظة في نفسه, وربما لا يستطيع أن يفصح عما في خبراته الجديدة, فانصرف عن الحياة الروحية بالكلية, وبدأنا نري بعض الشخصيات الروحية تختفي من محيط الخدمة, أو من محيطنا الكنسي بصفة عامة, بعد أن أدركوا أن المستويات التي تعلموها, لم تعد في نظرهم الجديد صالحة للحياة العملية التي أصبحوا فعلا يصطدمون بها في الواقع الحي. من هنا ندرك أهمية الموضوع الذي نتكلم عنه المبادئ المسيحية في مجال التطبيق العملي. ولربما كان لبعض الخدام مسئولية واضحة في هذه الهوة التي بدأت تنشق أمام الشباب وأمام الناس, بين المثل العليا التي تتطلبها المسيحية وبين واقع الحياة العملية, والأعمي إذا قاد أعمي سقطا كلاهما في حفرة (متي 15:14), (لوقا 6:39). من أجل هذا رأينا أن نكتب في بعض المبادئ المهمة لنحدد موقف المسيحية منها, كما علم بها المسيح مخلصنا, ورسله القديسون وآباء الكنيسة المعتبرون أنهم أعمدة. المغفرة وحدودها في المسيحية المغفرة وحدودها في المسيحية. كيف نغفر, وإلي أي مدي يمكن أن نغفر؟ نحن نعلم أن مخلصنا يقول في الإنجيل لأنكم إن غفرتم للناس زلاتهم, فإن أباكم السماوي يغفر لكم أنتم أيضا زلاتكم. أما إن لم تغفروا للناس زلاتهم, فلن يغفر لكم أبوكم زلاتكم. (متي 6:14, 15). ونفس المعني تقريبا نجده في الإنجيل للقديس مرقس, يقول ومتي قمتم للصلاة وكان لكم علي أحد شئ فاغفروا له, لكي يغفر لكم أنتم أيضا أبوكم الذي في السماوات زلاتكم. فإن لم تغفروا, فلن يغفر لكم أيضا أبوكم الذي في السماوات زلاتكم (مرقس 11:25, 26). ويقول الكتاب المقدس اغفر لقريبك ظلمه لك, فإذا تضرعت تمحي خطاياك. أيحقد إنسان علي إنسان ثم يلتمس من الرب الشفاء (يشوع بن سيراخ 28:2, 3). وضرب لنا فادينا له المجد مثلا بالعبد الذي كان مديونا لسيده بعشرة آلاف وزنة, وسامحه سيده في العشرة آلاف وزنة, ولكنه لم يرحم رفيقا له كان مديونا له بمائة دينار, فغضب عليه سيده, ودفعه إلي المعذبين حتي يوفي جميع ما له عليه, لأنه لم يرحم رفيقه كما رحمه سيده, ويقول رب المجد: فهكذا يفعل أبي السماوي أيضا بكم أنتم إن لم يغفر كل منكم لأخيه زلاته من كل قلبه (متي 18: 13, 35). معني هذا أنه مطلوب منا أن نغفرلمن أساء إلينا, بل إن مغفرة الرب لخطايانا تتوقف علي مغفرتنا لمن أساء إلينا. إلي أي حد يكون غفراننا للمسيئين إلينا؟ سأل ماربطرس الرسول ربنا يسوع المسيح هذا السؤال, وقال له: يارب إلي كم مرة يخطئ إلي أخي فأغفر له؟ إلي سبع مرات؟ فقال له يسوع: لا أقول لك إلي سبع مرات, بل إلي سبعين سبع مرات (متي 18:21, 22), وليس المقصود هو هذا العدد 490 (حاصل ضرب 70*7), لكن المقصود هو استعداد المسيحي لأن يغفر لأخيه مغفرة بغير حدود. وقال رب المجد أيضا في موعظته علي الجبل: فإذا جئت إذن بقربانك إلي المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك عليك شيئا, فاترك هناك قربانك علي المذبح واذهب أولا وصالح أخاك, ثم تعال وقدم قربانك (متي 5:23, 24). من هنا نفهم أن الغفران مطلوب, وأن هذا الغفران شرط لحصول الإنسان علي رضا الله, وأنه بدونه لا يكون له هو أيضا مغفرة أمام الله. ثم إنه ليس لهذا حدود أو قيود. ما مدي هذا الغفران؟ هنا نأتي إلي سؤال آخر: إنسان يخطئ ضدي دائما فهل أغفر له دائما؟ إنه يجئ وقت يتضايق فيه الإنسان ويتذمر قائلا: وإلي متي؟ خاصة أن هناك شخصا لا يخطئ إليك جهلا, بل يخطئ عمدا وقصدا, فماذا تصنع في هذه الحال؟ شخص يدوس علي قدمك ثم يقول لك سامحني, أخطأت. هنا تجد من واجبك أن تغفر له, لأنه قد يجوز أن يكون قد داس علي قدمك خطأ وجهلا. لكن ماذا تصنع لو أن هذا الشخص داس علي قدمك قصدا وعمدا, ثم يسخر منك بكلمة سامحني, يقولها وهو عالم أنه سيدوس علي قدمك مرة واثنتين وعشرة وعشرين مرة, وهو مطمئن إلي أنك ستغفر له. إنه يطالبك بتنفيذ شريعة الغفران, ولكنه لا يطالب نفسه بأي التزام. أليست هذه الظاهرة مألوفة في عالمنا اليوم؟!! |
14 - 05 - 2012, 03:52 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
شكرا على تعب محبتكم
|
||||