أعطيني لأشرب
وقال لها: لو كنتِ تعلمين عطية الله، ومَن هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشرب،
لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًا ( يو 4: 10 )
كان لا بد له ـ تبارك اسمه ـ أن يجتاز السامرة، ليبحث عن نفس بائسة. تلك السامرية التي لم يَعُد لها قوة لرفع عينيها في وجوه الناس، السامرية العطشى التي تبحث عمّن يرويها. ولكي يصل إليها هذا الحكيم، تعب من السفر، وجلس على البئر لوحده في انتظارها، بعدما أرسل كل تلاميذه ليبتاعوا طعامًا، ليتسنى له أن يلتقي بها ويجري الحديث معها على انفراد. وفي تعبه وظمئه تنازل ليطلب منها، بل يأخذ دور المُستعطي قائلاً لها: «أعطيني لأشرب». إنها عبارة قصيرة تحمل طلبًا بسيطًا، هي أولى عباراته في حديثه معها. ورغم بساطة هذه العبارة، فإنها تحمل دواء من حكيم القلب لمريضة مُنهكة تبحث عن إسعافها. هذه العبارة كانت الأساس الذي بنى عليه الرب كل هذا اللقاء مع هذه المرأة السامرية، فربح قلبها. أَ تعلم لماذا أخي الحبيب؟
إن الرب يسوع رابح النفوس الحكيم، علم أن هذه المرأة سامرية وهو يهودي، واليهود لا يُعاملون السامريين. كانت هناك رواسب قديمة ومواقف تعصبية شديدة، وحواجز دينية بين الطرفين اليهودي والسامري. ولا ننسَ أنه هو رجل وهي امرأة، وإن كان من رابع المُستحيلات أن يتقدم رجل يهودي ويطلب أي طلب من إنسان سامري، فكم بالحري من امرأة، واليهودي المتدين مستعد أن يموت عطشًا عن أن يشرب من إناء سامري. لكن رغم هذه الفواصل والحواجز، فإن الرب في مبادرته وطلبه، كسر أمام المرأة كل الحواجز، ونزل إلى مستوى السامريين. لقد قبل أن يُجالس السامرية ويتحدث إليها، وأن يستعمل أدواتها ويشرب من إنائها، وكل ذلك لكي يربح السامرية!
إن تنازل الرب واتضاعه في مُشاركته تلك السامرية، جعل المرأة تسأله مُستغربة: «كيف تطلب مني لتشرب، وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟»، ”فأنت قمت بعمل مُغاير للعوائد. تنازلت عن مركزك اليهودي وصرت تعاملني أنا السامرية، فما هذا التواضع؟ وأنا المرأة السامرية التي لا قيمة لي في أعين الناس، بل لا أجد لي قيمة أو منفعة عند نفسي؛ وها أنت تطلب مني أن أسقيك! هل أنا غير النافعة تجد بي منفعة؟“. في بداية اللقاء رأته يهوديًا فخفق قلبها، وبعد هذه العبارة رأت فيه إنسانًا وهي في عينيه إنسانة، فاطمأنت روحها.