رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عزرا وكتاب الشريعة ولعل عزرا يعطينا هنا الدرس العظيم فى مفهوم العظة ، وبعدها ، وعمقها فإذا أخذنا بالتقسيم الفنِى للفظ ، من حيث ارتباطها بالآية ، لوجدنا ما يطلق عليه فى علم الوعظ ، العظة الموضوعية ، والعظة الآيية ، والعظة التفسيرية ، .. أما العظة الموضوعية فهى العظة التى تستخلص موضوعاً معيناً من الآية ، تركز الحديث عليه ، وتأخذ الأقسام فى استقلال عن الآية نفسها ، وقد يعطى هذا الاستقلال اتساعاً ليس من السهل أن نجده فى الوعظ الآيى أو التفسيرى إذ يمكن للواعظ أن يعظ عن موضوع معين دون أن يكون محصوراً فى الآية وحدها ، بل يمكن أن تمتد جولته فى الكتاب لينتقى من أرجائه الزهور ليجمعها فى باقة جميلة خلابة ، دون أن يتقيد بركن معين أو مجموعة معينة من الزهور !! .. ولا نعتقد أن هذا النوع من الوعظ كان الأسلوب الذي لجأ عزرا إليه فى تفسير وشرح كلمة اللّه !! ... أغلب الظن أن عزرا كان يتقن الوعظ الآيى أو التفسيرى . والعظة الآيية هى التى تكون الآية لحمتها وسداها ، وتأخذ الموضوع الذى تطرقه من تحليلها للآية وشرحها لها ، كما أن أقسامها ترجع دائماً إلى كلمات الآية أو أجزائها المختلفة ، فهى فى الواقع نوع من التوسع ، لما يمكن أن يستنبط من الآية أو ينطبق عليها ، ولا شبهة فى أن هذا النوع من الوعظ يغوص فى البحث الكتابى أكثر من الوعظ الموضوعى ، وإذا كان هذا الأخير عريضاً إلا أنه أقل عمقاً » والواعظ الماهر فى الوعظ الآىى أشبه بالغواص الذى ينزل إلى الأعماق البعيدة فى البحر بحثاً عن الدرر والجواهر حتى يعثر عليها ويخرجها لتبهر بجمالها الأنظار ، والجماهير التى ألفته ، والكنائس التى تعودت عليه تكون أقوى وأعمق فى البنيان المسيحى ، والعظة التفسيرية هى بنفسها العظة الآيية ، مع هذا الفارق ، أنها لا تتقيد بآية واحدة ، بل قد تكون قطعة كتابية كاملة ، يغوص الواعظ فى أعماقها باحثاً عن دور الحق الإلهى فيها !! ... وتاريخ الوعظ اليهودى - ابتداء من هذا الرجل العظيم وحتى العصور الحديثة - يميل إلى الوعظ الآيى أو التفسيرى دون الوعظ الموضوعى فهو يعتمد على قوة الكلمة الإلهية ، وسلطانها ، وفاعليتها فى النفس البشرية !! ... وعظ عزرا الشعب من فوق منبر خشبى مرتفع ، ومما لا شك فيه أن المنبر كان مرتفعاً ليستطيع الشعب أن يرى الواعظ ويستمع إليه ، ولكن الارتفاع له معنى أعمق من ذلك ، فالمنبر ينبغى دائماً أن يكون مرفعاً عن المقعد ، لأنه يحمل صوت اللّه وسلطانه ، ويفهم الجميع بأن الواجب الأول للمستمع أن يكون خاضعاً مطيعاً لكلمة اللّه وأمره ، أما الواعظ نفسه فقد كان - كما أشرنا - أميراً من أمراء المنبر وواعظاً نموذجياً مجيداً . إذ وعظ بحياته وسيرته قبل أن يعظ بلسانه وكلامه ، إذ كان رجلا غيوراً تقياً مصلياً ، وعندما بدأ وعظه ، بدأ بداءة الشخص المتمكن من تأملاته ودراسته وإرشاد الروح القدس له ، وما أجمل مادة موضوعه ! إذ لم تكن هذه المادة فلسفة وعلماً ، منطقاً وخطابة وبلاغة ، لقد كانت قبل كل شئ وبعد كل شئ ، كلمة اللّه التى قرأها ببيان وفسر معناها للسامعين ، وهل فعل أمراء المنبر فى كل التاريخ غير ما فعل عزرا قديماً ، ففم الذهب ، وأوغسطينوس وكلفن ومتى هنرى وتوماس جدوين - كما يقول الكسندر هوايت - لم يفعلوا أكثر مما فعل هذا الأمير الأول ، والواعظ المتمكن ، والمفسر للكلمة الإلهية الحية الفعالة ! ! .. ولا يستطيع الإنسان منا وهو يستعرض هذا التاريخ ، إلا أن يتذكر كلمات ف . ب . ما ير عندما قال : « إن دراسة عزرا للكتاب تذكرنى بما حدث فى إنجلترا فى حكم الملكة أليصابات ، حيث وضعت نسخة من الكتاب المقدس فى كاتدرائية القديس بولس، بعد أن أجيز للجمهور قراءته ، ووقف جون بورتر بصوته الرائع يقرأ الكتاب للنفوس التى كانت متعطشة لسماع الكلمة الإلهية » ... وهل يمكن نسيان الحب العميق الذي تمكن من مارى جونز الفتاة الفقيرة والتى كافحت ، فى الأوقات التى كانت فيها نسخ الكتاب قليلة وباهظة الثمن حتى حصلت على نسخة منه ، وعاشت حياتها وهى تدرسه دراسة عميقة حتى حفظت الكثير منه عن ظهر قلب ، وعندما ماتت وضعوا هذه النسخة إلى جانب رأسها ، ... وصنعوا لها تمثالا عظيماً . بعد أن كانت السبب فى إنشاء دار الكتاب المقدس التى تنشره فى العالم ، فى إنجلترا وغير إنجلترا !! .. |
|