رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مصر في عصر الأنبياء في بداية قيادة موسى لشعبه وتحريرهم من عبودية فرعون لم يكن قد تسلم الشعب بعد الشريعة، فكان الكل خاضعًا للناموس الطبيعي. يكشف هذا الناموس عن عناد الإنسان ومقاومته لكل قيادة روحية صادقة. أما وقد تسلم الشعب الناموس الموسوي، واستقر في أرض كنعان، وصار له ملوك كسائر الأمم، نسي عهده مع الله. رفض كل حكمة سماوية ليسلك بالفكر البشري مجردًا عن كل قيادة روحية صادقة. في هذه الفترة الطويلة أرسل الله سلسلة من الأنبياء كشفوا عن خطورة ارتباط الشعب بمصر بكونها رمزًا لخطيتين خطيرتين هما خطية الاتكال على الذراع البشري للخلاص من العدو المقاوم لهم وهو أشور، وفيما بعد بابل، وخطية محبة العالم. الخروج من مصر والاتكال على الذراع البشري إن كانت مصر في أيام موسى تمثل عنف الخطية وسطوتها على حياة الإنسان فتذله وتنزل به إلى الوحل ليعمل في اللبْن عِوض أن ترتفع نفسه إلى السماء ويتهلل قلبه بالأمجاد الأبدية، فمن جانب آخر إذ دخل الشعب أرض الموعد وظهرت قوة أشور كدولة عظيمة ومن بعدها بابل، صار يحكم العالم في ذلك الوقت قوتان عظيمتان: أشور أو بابل فيما بعد شمال شرقي إسرائيل، ومصر جنوب غربي إسرائيل. كانت القوتان تتنازعان على السلطة على العالم المعروف في ذلك الحين، وكانت إسرائيل ويهوذا في الوسط كلما تحرك جيش من القوتين تجاه الدولة الأخرى يعبر بإسرائيل ويهوذا ويخرّبهما، فكانتا أشبه "بسندوتش" يتشاجر الاثنان على أكله. يحسب المنطق البشري كان يليق بإسرائيل ويهوذا أن تتحالفا مع قوة منهما للحماية من القوة الأخرى، فكان الملوك يتأرجحون، تارة يتحالفون مع أشور أو بابل ضد مصر، وأخرى مع مصر ضد أشور أو بابل. ففي أيام إرميا النبي كان رجال يهوذا: الملوك ورجال السياسة وكل القيادات مع الشعب حتى الدينية، يميلون إلى التحالف مع مصر ضد بابل. وكان صوت الرب على لسان إرميا أن النصرة ليست بالتحالف مع مصر والاتكال على ذراع بشري، بل بالتوبة والرجوع إلى الله، واهب الغلبة. أُتهم إرميا بالخيانة الوطنية والتحالف سرًّا مع العدو بابل، وتثبيط همم الشعب والجيش! في بدء رسالة إرميا (626 ق.م) كانت أشور في الوادي الشمالي للفرات سيدة العالم لمدة حوالي 300 عامًا، وكانت عاصمتها نينوى. ولم يكن أحد يتخيل قط أنه يمكن أن تنهار يومًا ما؛ وكانت مصر منذ حوالي 1000 عام قبل قيام أشور قوة عالمية تمسك زمام السلطة في العالم لكنها بدأت تنهار. في السنة التالية لخدمة إرميا (625 ق.م) أسس نبوبلاسر الدولة البابلية الجديدة (في الوادي الجنوبي لنهر الفرات)، وكانت بابل أشبه بدويلة صغيرة لا قوة لها؛ لا يتوقع أحد أنها في الطريق لاستلام سيادة العالم من أشور حيث تغرب شمسها إلى غير رجعة بعد سقوط نينوى عام 612 ق.م، ونصرتها على فرعون مصر. بعد موت أشور بانيبال حلّ الضعف بأشور، فصارت عاجزة عن منع يوشيا من التحرك نحو الاستقلال والتحرر من النفوذ الآشوري. وقام أهل سميرنا والسكيثيون باقتطاع أجزاء من الإمبراطورية الآشورية. وصار بنو مادي في غرب إيران يمثلون خطرًا يهدد أشور... انتهى الأمر بانهيار أشور. بسقوط نينوى عاصمة أشور عام 612 ق.م انتهت مملكة أشور، فبدى كأن إرميا قد أخطأ في تفسيره لمركز يهوذا السياسى، إذ حسب الكل انه لم يعد بعد هناك خطر بعد على يهوذا بعد انهيار أشور، وأن نظرة إرميا التشاؤمية غير صادقة. في سنة 609 ق.م حشد نخو Necho فرعون مصر جيشه وتقدم لاحتلال أرض الفرات، فاحتل غزة وعسقلان وغيرهما من المدن الفلسطينية وكان هدفه مساعدة الأشوريين الذين كانوا يقومون بمحاولة مستميتة للصمود في وجه البابليين في حاران. حاول يوشيا أن يوقفه عند مجدو ربما حاسبًا أن الله يسنده في ذلك، متكلًا على وعود الأنبياء الكذبة التفاؤلية، لكنه قُتل. وبقتل يوشيا أُقيم ابنه يهوآحاز (تعنى يهوه يأخذ) أو شلوم (إر 11:22) ملكًا، وكان شريرًا. خلعه فرعون نخو بعد ثلاثة شهور وأسره في ربلة، ثم أخذه إلى مصر، وأقام أخاه يهوياقيم (تعنى يهوه يقيم) أو الياقيم عوضًا عنه. في سنة 605 ق.م، أي السنة الرابعة من حكمه، تغلب نبوخذنصر على نخو فرعون مصر في معركة كركميش Carchemish (إر 46:1، 2)، فاضطر يهوياقيم أن يحّول ولاءه وخضوعه لمصر إلى بابل، لكن ظل قسم ليس بقليل من الشعب يفضل الخضوع لمصر للجهاد معها ضد بابل، ويبدو أن يهوياقيم نفسه كان يميل إلى هذا، لكن إرميا حذر من ذلك. لما قُتل جدليا حث إرميا النبي الشعب ألا يهربوا إلى مصر، لكن عبثًا حاول أن يثنيهم عن عزمهم، فلم يذهبوا هم وحدهم إلى مصر وإنما أرغموه أيضًا هو وصديقه الحميم باروخ الكاتب على موافقتهم في رحلتهم (1:41-7:43)، وهناك نطق نبواته الأخيرة في تحفنحيس بمصر (8:43-30:44). يوجد تقليد يقول إنه رُجم في مصر بسبب توبيخاته لشعبه [6]. كان الحكام والشعب في مرارة وصراع بين التحالف مع فرعون مصر والتحالف مع بابل. فالغالبية لا تطيق بابل وتتوقع هجومها بين الحين والآخر، مما دفعهم للارتماء في أحضان فرعون مصر وإن كانت خبرتهم مع الفراعنة ليست بطيبة. ويمكننا إدراك ذلك الصراع مما حدث مع الملوك الخمسة الذين عاصرهم إرميا أثناء نبوته: أ - يوشيا الملك (626-609 ق.م): قتله المصريون عام 609 في معركة مجدو. ب - يهوآحاز (609 ق.م): أقامه فرعون عوض أبيه وخلعه بعد ثلاثة شهور (2 أي 2:36). ج - يهوياقيم (609-597 ق.م): أقامه فرعون عوض أخيه، وبقي مواليًا له لمدة أربع سنوات، وإذ غلب نبوخذنصر فرعون خضع لبابل، وكان موته غامضًا. د - يهوياكين (597 ق.م): بعد إقامته ملكًا عوض والده بثلاثة شهور أخذه نبوخذنصر أسيرًا. ه - صدقيا (597-587 ق.م): أقامه نبوخذنصر عوض ابن أخيه. كان في صراع بين ولائه لسيده في بابل وبين محاولته إرضاء الشعب الذي مال إلى فرعون مصر لحمايته من بابل، متطلعين إلى يهوياكين الأسير في بابل كملكٍ شرعى،تحالف صدقيا قلبيًا مع فرعون، فسباه ملك بابل بعد أن فقأ عينيه وسبى أورشليم ويهوذا (1:39-7). هذه صورة مختصرة تكشف كيف كان يهوذا بين حجري رحى، وعوضًا عن الالتجاء إلى الله بالتوبة للتمتع بالخلاص اتكأ على هذا أو ذاك. "دعا (إرميا) يوحانان بن فاريح وكل رؤساء الجيوش معه وكل الشعب من الصغير إلى الكبير، وقال لهم: ... لا تخافوا ملك بابل الذي أنتم خائفوه. لا تخافوه يقول الرب لأني أنا معكم لأخلصكم وأنقذكم من يده... وإن قلتم لا نسكن في هذه الأرض، ولم تسمعوا لصوت الرب إلهكم، قائلين: لا بل إلى أرض مصر نذهب حيث لا نرى حربًا ولا نسمع صوت بوق ولا نجوع للخبز، وهناك نسكن... هكذا ينسكب غضبي عند دخولكم إلى مصر فتصيرون حلفًا ودهشًا ولعنة وعارًا، ولا ترون بعد هذا الموضع. قد تكلم الرب عليكم يا بقية يهوذا، لا تدخلوا مصر. اعلموا علمًا بأني قد أنذرتكم اليوم" (إر8:42-19). صارت مصر تمثل الاتكال على الذراع البشري، لهذا كثيرًا ما يأمرنا ألا نلجأ إليها متجاهلين الاتكال على الله نفسه. مثل القول: "أما صنعت هذا بنفسك إذ تركت الرب إلهك حينما كان مسيرك في الطريق. والآن مالك وطريق مصر لشرب مياه شيحور، ومالك وطريق أشور لشرب مياه النهر" (إر2: 17،18). يقصد بمياه شيحور مياه النيل، إذ جاء في إشعياء: "وغلتها زرع شيحور حصاد النيل على مياه كثيرة فصارت متجرة الأمم" (إش 3:23). يرى القديس جيروم [7] أن كلمة "شيحور" تعنى "النهر الوحل المملوء طميًا"، وربما دُعي نهر النيل هكذا بسبب ما يحمله من طمي في فترة الفيضان. الخروج من مصر والخروج من محبة العالم كانت مصر في العهد القديم تشير إلى محبة العالم، لهذا فمن الجانب الرمزي جاء إرميا النبي يحذر المؤمنين من الالتجاء إلى فرعون مصر، أي إلى العالم في محبته المهلكة، وإنما يكون الالتجاء لله وحده الذي يحرر النفس والجسد معًا من أسر محبة العالم! إن كانت مصر تشير إلى محبة العالم بسبب خيراتها الكثيرة، وبابل تشير إلى الكبرياء بسبب ما وصلت إليه من كرامة زمنية وسطوة، فإن المؤمن كثيرًا ما ينسحب قلبه من الاتكال على عمل الله ليشبع شهوات جسده ويحقق محبته للأرضيات، أو بسبب روح الكبرياء التي يثور فيه، وفى كليهما يحرم نفسه من الارتواء بالحق. في الرسالة الفصحية لعيد القيامة عام 335م تطلع البابا أثناسيوس إلى فريقين يحتفلان بالعيد، فريق كالشعب القديم أراد أن ترتوي نفسه من مياه النيل في مصر أو من مياه الفرات في أشور عوض أن ترتوي من ينابيع الله الحية فصاروا في ظمأ أعظم، بينما رأى فريق آخر في المسيح المصلوب القائم من الأموات كل شبعه، فقال: [أنتم تعلمون أن للخطية خبزها الخاص أيضًا -خبز موتها- لهذا فهي تدعو محبي اللذة الذين بلا إفراز، قائلة: "المياه المسروقة حلوة، وخبز الخفية لذيذ" أم 17:9. من يلمسهما لا يدرك أن الذين يرتبطون بالأمور الأرضية يهلكون مع الخطية. "لماذا تركضين لتبدلي طريقك؟! من مصر أيضًا تخزين كما خزيت من أشور؛ من هنا أيضًا تخرجين ويداكِ على رأسك، لأن الرب قد رفض ثقاتك فلا تنجحين فيها" (إر2: 36،37). لقد أبدلت ثقتها فأحلت مصر عوض أشور لكي تحميها، لكنها كمن هي في مأتم قد مات من يعولها، فتضع يديها على رأسها لتندب من اتكلت عليه، لقد تحطمت كل خطتها البشرية. كما يشير وضع اليدين على الرأس إلى السبي، حيث غالبا ما ُيقاد المسبيون إلى أرض السبي بهذه الصورة. من الجانب الرمزي تمثل مصر حياة الرخاوة والترف ومحبة العالم، وذلك بسبب كثرة خيراتها. وتمثل بابل العصيان والكبرياء ضد الله وشعبه. لهذا بُدأت نبوات إرميا عن الأمم بمصر لتمثل حياة الرخاوة المفسدة للنفس وانتهت ببابل التي تمثل تمرد النفس وعجرفتها. بدأ بمصر وختم بابل لأنه غالبًا ما يركز الإنسان فكره على البداية والنهاية فيعطيهما الأولوية والاهتمام في الدراسة والفحص. بدأ بمصر لأنها وإن خضعت للتأديب القاسي لكنها تعود وتقبل عمل الله الخلاصي، فتسمع الوعد الإلهي: "مبارك شعبي مصر" (إش 25:19)، فصارت تمثل كنيسة الأمم التي جاء إليها الرب راكبًا على سحابة سريعة (إش 19:1)، أما بابل فتمثل مملكة ضد المسيح فنسمع في سفر الرؤيا الصرخة: "سقطت، سقطت بابل العظيمة، فصارت مسكنًا للشياطين ومحرسًا لكل روحٍ نجس..." (رؤ 2:18). الخروج من مصر والخروج من الرجاسات في مصر حيث نبتت هذه الأمة وهذا الشعب كانت أصنام مصر ترعى في داخل قلوبهم. لقد كشف الرب سرّ عبوديتهم في مصر، وهو ليس قساوة قلب فرعون إنما انحراف قلب الشعب: "قلت لهم اطرحوا كل إنسان منكم أرجاس عينيه، ولا تتنجسوا بأصنام مصر، أنا الرب إلهكم، فتمردوا عليَّ" (حز7:20،8). في الوقت الذي كان الله يهيئ لهم الأرض التي تفيض عسلا ولبنا "فخر كل الأراضي" (حز6:20)، رفضوا طرح أرجاس عيونهم والتخلي عن الأصنام، ومع هذا لم يسخط عليهم في أرض مصر بل أخرجهم بقوة لأجل اسمه القدوس (حز9:20)، حتى يتمجد فيهم وسط الأمم. هكذا يهتم الله بالإنسان منذ خلقته، بل دبر خلاصنا وعبورنا من عبودية الخطيئة والدخول بنا إلى أحضانه، فردوس الحق الذي يفيض للنفس عسلا ولبنًا، بينما يولد الإنسان وميكروب العصيان يسرى في دمه. التمرد طبيعة ورثناها عن عصيان أبوينا الأولين، لهذا يحتاج إصلاحنا إلى تغيير شامل لطبيعتنا. أطال مدة سياحتهم في البرية أربعين عامًا لكي ينسوا أصنام مصر التي حملوها معهم في قلوبهم، ودخل بهم إلى أرض جديدة، إذا بهم يتبنون العبادة الوثنية التي لهذه البلاد، فصاروا يقيمون عبادتهم على المرتفعات كأهل المنطقة. بدلا من أن يكونوا شعب الله المقدس يمجدون الله في وسط الأمم، ساروا وراء نجاسات الأمم. * لتحرر نفسي من الاتكال على كل ذراع بشري، فأنت هو حصني وقوتي ونصرتي. فيك احتمى، وبك انتصر وأتكلل! * لتحرر أعماقي من محبة العالم وشهواته، فأنت شهوة قلبي! أنت لذة نفسي، أنت طعامها السماوي! أنت هو بريّ! أنت تسبحتي وفرحي الأبدي! |
02 - 09 - 2016, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
سوبر ستار | الفرح المسيحى
|
رد: مصر في عصر الأنبياء
مجهود جميل ربنا يباركك
|
||||
02 - 09 - 2016, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: مصر في عصر الأنبياء
موضوع مميز .. مشاركة رائعة
ربنا يبارك خدمتك |
||||
02 - 09 - 2016, 07:22 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: مصر في عصر الأنبياء
ميرسى موضوع رائع ربنا يبارك تعب محبتك
|
||||
02 - 09 - 2016, 07:26 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: مصر في عصر الأنبياء
ميرسي على الموضوع الجميل
|
||||
03 - 09 - 2016, 12:40 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مصر في عصر الأنبياء
شكرا على المرور |
||||
04 - 09 - 2016, 06:09 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: مصر في عصر الأنبياء
الرب يبارك تعب محبتك
|
||||
05 - 09 - 2016, 03:27 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مصر في عصر الأنبياء
شكرا على المرور |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إذ تتمسك بالمسيح ابن الله، ليس كواحدٍ من الأنبياء، بل رب الأنبياء الواحد |
في العهد القديم قد أدان الأنبياء الحقيقيون الأنبياء الكذبة |
كم عدد كتب الأنبياء ؟ |
هذا نهج الأنبياء |
الأنبياء |