النهضة المعرفية
لقد لخَّص كليمندس السكندري في متفرقاته (الكتاب الأوّل: الفصل الأوّل) العَلاقة بين الكاتب الذي يبذر بذار الكلمة على صفحات الكتب والمُتلقِّي الذي يسبح بين بطونها آملاً في فهمٍ أعمقٍ للحياة مع الله، قائلاً: “إنّ الذي يتحدّث من خلال الكُتُب المُدوّنة، مُكرِّسًا ذاته أمام الله، صارخًا في كلماته وهو يقول: لا من أجل ربحٍ دنيوي ولا من أجل شهرةٍ، غير مدفوعٍ بتمييزٍ ولا تحت سطوة الخوف ولا في نشوة الابتهاج، أكتب ما أكتب. فقط لكي أحصد خلاص أولئك الذين يقرأونني، دون أن أشترك في [الأجر] الحاضر بل منتظرًا، في توقّعٍ، الجَزَاء الذي يسبغه هو، ذاك الذي وعد العاملين أنْ ينالوا مكافأةً حسنةً”. إنّ خدمةَ الكتابِ والكتابةِ من الأهميّة بمكانٍ ما يجعلنا نسعَى لتوجيه الطّاقات إلى هذا المضمار. فالكتابة فنٌ يصل الروح بالخيال ويُقرِّب الماضي ويستحضره بين دفتي الحاضر ويعيد تجسيم الوصايا في الذهن لتصير قوّة دافعة للحياة المسيحيّة بجملتها. ولعلّ النهضة في أي مجتمعٍ مرهونة بالنمو العلمي والمعرفي فيه، كذا النهضة المسيحيّة لكيما تدوم وتستمر وتنمو يجب أنْ تخلط المعرفةَ بالحياة والكلمةَ بالصلاة والعظةَ بالكتاب، لكيما تدفع الوجدان والعقل المسيحي نحو أحضان الثالوث. ولكن يبقَى أنْ نشير إلى أنّ الكتابةَ هي عملٌ يجب أنْ يُغلَّف بالتقوى والحياة المسيحيّة الصادقة لئلا تصبح، في غفلةٍ روحيّةٍ، عِلْمًا مُجرَّدًا يصيب العقل بتورِّمٍ والروح بضمورٍ. على الجانب الآخر، يجب أنْ تكون التقوى المسيحيّة قائمة على أُسس إيمانيّة تعبُّديّة كتابيّة صحيحة لئلا تُبْذَرَ بذار التقوى على أرضٍ خاطئة مُثمرة لحساب آخرٍ غير المسيح والكنيسة. علينا أنْ نوجّه صرخاتنا الإيمانيّة للعالم قولاً وحرفًا لنجتذب على كلّ حالٍ قومًا لملكوت ابن الله الذي ينتظر جمعًا من كلّ الأمم والشعوب والثقافات والطبقات. فهل ننفضَ غبار الكسل لنعمل في كرم الربّ مادام الوقت نهار؟؟ سؤالٌ جوابه في قلب كلٍّ منّا..