الإنسان الذي يسعى وراء الفكر
هذا لا تأتيه الأفكار وتتعبه، إنما هو الذي يتعب الأفكار!
هو الذي يفتش عن مصادر الفكر، يسعي ليحصل على مادة للفكر.
يرسل حواسه هنا وهناك، بقصد ونية، لكي تحصل له على مادة تغذي فكره، ويفرح بذلك جدًا ويشتهيه.
هذا هو النوع المحب للاستطلاع، الذي يبحث عن أخبار الناس وأسرارهم.
ويسره أن يتحدث في أمثال هذه الموضوعات، ويزيد على ما يسمع تعليقات واستنتاجات من ذهنه، وبخاصة في كل ما هو سيئ وشرير. وكل هذا يكتنز في ذهنه صورًا تؤذيه روحيًا...
وهكذا يقع في نوعين من الخطايا: خطايا اللسان، وخطايا الفكر.
وكل منهما يقوي الآخر ويسببه..
إن جلس هذا النوع مع أحد أصدقائه ومعارفه، يبادره على الفور: ماذا عندك من أخبار؟ ماذا حدث لفلان، وماذا حدث من فلان؟ ماذا رأيت وماذا سمعت؟ وما رأيك في كل هذا؟ وماذا تعرف أيضًا؟
ويظل ممسكًا بهذا الصديق، يستخرج كل ما عنده، مثل فلاح يحلب بقرة، ولا يترك ضرعها حتى يخرج كل ما فيه!
وبهذا يضر نفسه، ويضر غيره، بما حواه الحديث من أسرار الناس.
إنه يهوي معرفة أخبار الناس. وكل شخص يصادفه في الطريق، يحاول أن يصطاده منه خبرًا! وإن جلس إلى مائدة يأكل مع غيره، تجول عيناه ليعرف ما الذي يأكله فلان، وما طريقته في الأكل، وما الذي يحبه، وما الذي لا يستسيغه؟! وهكذا في باقي الأخبار، حتى في صميم الخصوصيات!!
والعجيب في مثل هذا أنه: إن كان هناك شيء رديء يتهافت على سمعه.
وإن وجد شيء حسن، لا يستقبله بحماس!
إنه يجمع الأخبار والأسرار والأفكار. حواسه طائشة، يتعبها" الجولان في الأرض والتمشي فيها" (أي2: 2).
وتسأله ما شأنك بهذا؟ أو ما الذي تستفيده؟ فلا تجد جوابًا. إنه مرض. يصبح عادة عند البعض، جزاءًا من طبعه!
أتسأل مثل هذا: ما أسباب الفكر عنده؟ إنها عادته في محبة الاستطلاع.
كم من أناس أضروا أنفسهم، وأضروا غيرهم بحب الاستطلاع، ومحاولة كشف كل ما هو مستور، وربما بحيل غير لائقة تشتمل على خطايا أخري كثيرة...
ولكن لعلك تقول، ماذا أفعل إذا لم أكن أنا مصدر الفكر، وإنما أتاني من آخرين، ونت أنا الضحية؟
أقول لك: إن الفكر الخاطئ، لا يجوز لك أن تسمع عنه، أو تفكر فيه، أو تقرأ عنه، أو تكلم أحدًا في موضوعه. لا تعايشه على الإطلاق.