رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تنبأ من هو الذي ضربك؟ "تنبأ من هو الذي ضربك؟" (لو22: 64) بعد القبض على السيد المسيح "أخذوه وساقوه وأدخلوه إلى بيت رئيس الكهنة.. والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه. وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ. من هو الذي ضربك؟ وأشياء أخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدِّفين" (لو22: 54، 63-65). لقد علم اليهود أن السيد المسيح قد عومل من الشعب كنبي عظيم وذلك حينما سمع الشعب تعاليمه وأبصروا معجزاته وقالوا: "قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه" (لو7: 16). وبالتدريج بدأ الذين آمنوا به يدركون أن هذا هو المسيح الذي تنبأ وكتب عنه موسى النبي وسائر الأنبياء. وكذلك بدأ تلاميذه يدركون أنه هو ابن الله الحي. وكان ذلك بإعلان من الآب السماوي في قلوب التلاميذ وعقولهم، حسب الاعتراف المشهور "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت16: 16). ولكن عبارة "قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه" كانت تزعج رؤساء كهنة اليهود والكتبة والفريسيين، الذين لم يؤمنوا بالمسيح بل قاوموا رسالته. وكانوا دائمًا يحاولون أن يثبتوا للشعب أن ما فهموه عن السيد المسيح ليس حقيقيًا، وأنه ليس نبيٌ بل مضل، وليس هو المسيح إذ قالوا:"ألعل المسيح من الجليل يأتي" (يو7: 41)، وليس هو ابن الله "فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضًا إن الله أبوه معادلًا نفسه بالله" (يو5: 18). وقد تنبأ السيد المسيح عن قيامته من الأموات في اليوم الثالث وكان اليهود يخشون من إتمام هذه النبوة. ولذلك فبعد موت السيد المسيح على الصليب "اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ليلًا ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى" (مت27: 62-64). وقد اختار اليهود أن يموت السيد المسيح مصلوبًا، وذلك لكي يثبتوا للشعب أنه ليس نبيٌ وليس هو المسيح ابن الله. وذلك لأنه مكتوب في سفر التثنية أن "المعلق (على خشبة) ملعون من الله" (تث21: 23). وقد تصوروا أنه بتعليق السيد المسيح وقتله على الصليب يكون الدليل والإثبات قد تم بأنه مضل ومرفوض من الله، كقول إشعياء النبي "ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا" (إش53: 4، 5). وقد شرح معلمنا بولس الرسول هذا الأمر. فقال: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا. لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة" (غل3: 13). إذن السيد المسيح لم يحمل لعنة شخصية، بل حمل لعنة خطايانا ومحاها بالصليب. وبقيامته من الأموات أظهر الله أنه قد محا هذه اللعنة. لأن القيامة قد محت الموت الذي في الصليب. فالمسيح له المجد بموته داس الموت. لقد دفع السيد المسيح الدين الذي على البشرية، وأوفى العدل الإلهي حقه. وبهذا رفع اللعنة التي استوجبناها على أنفسنا بسبب خطايانا. في اتضاعه العجيب قبل أن يصير لعنة لأجلنا، وأن يحسب خطية "جعل الذي لم يعرف خطية -خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21)،أي أنه حمل اللعنة التي لنا، وحمل خطايانا في جسده على الصليب. وبهذا جُعل خطية لأجلنا: أي حُسب خطية وهو لم يعرف خطية على الإطلاق. وحينما قُبِضَ على السيد المسيح أراد الرجال الذين كانوا ضابطين له أن يثبتوا أنه ليس نبيٌ كما قيل عنه. ولذلك غطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين: تنبأ من هو الذي ضربك واعتبروا أنه إذا لم يجاوبهم ولم يذكر لهم من هو الذي ضربه فبهذا لا يكون قد تنبأ ولا تنطبق عليه صفة النبوة. وقد نسى هؤلاء المساكين ما هو مكتوب عن السيد المسيح: "أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة. يوقظ كل صباح.. بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق. والسيد الرب يعينني لذلك لا أخجل. لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أنى لا أخزى" (إش50: 4، 6، 7). كانوا يتممون النبوات المذكورة عنه، وهم يحاولون أن يثبتوا عكس ذلك. لأن نظرتهم كانت قاصرة ولم يضعوا قلوبهم لفهم الكتب المقدسة. أما السيد المسيح فبعد قيامته من الأموات وظهوره لتلاميذه قال لهم: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم، أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 44، 45) هذه هي طريقة الرب الإعجازية في أن يترك الخصوم يفعلون ما يريدون، وهم في الوقت نفسه يثبتون صدق كلامه ومواعيده. فليس العجيب هو أن يتمم الأصدقاء مقاصده بل أن يتممها الأعداء والمسيئون. وهكذا بالاتضاع أحضر السيد المسيح الحق إلى النصرة. وأظهره بكل وضوح. أرادوا أن يثبتوا أن السيد المسيح لم يكن نبيًا، فأثبت لهم السيد المسيح أن الشهادة لاسمه هي روح النبوة. وأن جميع الأنبياء قد تنبأوا عن مجيئه وعن الخلاص الذي صنعه لأجلنا. تنبأوا عن تجسده العجيب من العذراء مريم، وعن ميلاده في بيت لحم اليهودية، وعن هروبه إلى مصر من وجه هيرودس الملك وعودته منها، وعن نشأته في الناصرة، وعن نزوله في مياه الأردن، وعن تعليمه، وعن معجزاته، وعن تلاميذه، وعن التآمر عليه، وعن خيانة تلميذه الإسخريوطي، وعن محاكمته، وعن آلامه، وعن صلبه، وعن قيامته، وعن صعوده إلى السماوات، وعن مجيئه الثاني وملكوته الأبدي. لا يوجد شيء في حياة السيد المسيح لم يتكلم عنه الأنبياء لأن الرب قد أعد لنا خلاصًا عظيمًا بهذا المقدار. |
|